“قوتك بما معك من سلاح”، ليست المقولة صحيحة بالضرورة، لكن دولاً كادت تجعل منها عقيدة، ويبدو أن السعودية تتقدم عليها جميعًا في النهم لما لدى كبار المصنعين من أسلحة، غير أن الصفقات المعروفة منها والمستتر كثيرًا ما تتفجر لدى الباعة، فتصبح فضائح أو جدلاً في أحسن الأحوال.
لم يخفِ هذا الجدل – أو الفضائح – تقرير مكتب “إي إتش إس ماركت” الخاص بميزانيات الدفاع في العالم خلال العام 2018، والتي شهدت أكبر زيادة لها منذ 10 سنوات، مدفوعة بالزيادات التي شهدتها الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وتجاوزت فيها ميزانية الدفاع السعودية ميزانية فرنسا.
أرقام قياسية في ميزانيات الدفاع
التقرير السنوي الذي نُشر مؤخرًا أشار إلى ارتفاع ميزانيات الدفاع في دول العالم بنسبة 4.9% لتبلغ 1.78 تريليون دولار، خلال العام 2018، وهو أسرع معدل نمو منذ عام 2008، ويفوق بكثير الرقم القياسي المسجل في 2010 بعد نهاية الحرب الباردة، والذي البالغ 1.69 تريليون دولار.
توقعت مجلة “جينس” أن يتجاوز الإنفاق الدفاعي للناتو تريليون دولار عام 2019، مقابل 989 مليارًا في 2018
ووفقًا لتقرير مجلة “جينس” لميزانية الدفاع السنوي، زاد الإنفاق على الدفاع العالمي للعام الخامس على التوالي مدفوعًا بالزيادات التي شهدتها الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، وشكلت دول الحلف الأطلسي “الناتو”، وخاصة الولايات المتحدة، قاطرة هذا الارتفاع بزيادة هي الأهم في ميزانياتها للدفاع بلغت نسبتها 5.8% (54 مليار دولار أمريكي)، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع الإنفاق الدفاعي في الولايات المتحدة.
وقالت فينيلا ماكجيرتي، المحللة الرئيسية في المجلة: “بعد فترة صعبة لأعضاء حلف الناتو في أعقاب الأزمة المالية العالمية، بدأت الدول في زيادة الإنفاق على الدفاع مرة أخرى، ردًا على التهديدات الناشئة”، وبحسب قولها، “أدى ذلك إلى تباطؤ إعادة التوازن في الإنفاق الدفاعي نحو الأسواق الناشئة”.
أعلى 20 ميزانية دفاعية لعامي 2017 و 2018 – المصدر: مكتب “إي إتش إس ماركت”
وتوقعت مجلة “جينس” أن الإنفاق الدفاعي للناتو سيتجاوز تريليون دولار عام 2019، مقابل 989 مليارًا في 2018، في حين توقعت تراجع نمو الإنفاق الدفاعي العالمي إلى مستوى حوالي 2% سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة مع زيادة الميزانية في أوروبا وأمريكا الشمالية، وتبدأ الأسواق الناشئة لتصبح المصدر الرئيسي للنمو.
ومع زيادة ميزانية الدفاع لـ24 دولة من أعضاء “الناتو” البالغ عددهم 29 في عام 2018، توقف تراجع حصة “الناتو” في الإنفاق العالمي، ومن المتوقع أن يصل 9 من أعضاء الناتو إلى نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي للنفقات الدفاعية في عام 2019 مقارنة بأربعة أعضاء فقط في عام 2014. هذه البلدان هي الولايات المتحدة واليونان وإستونيا وليتوانيا والمملكة المتحدة وبولندا وفرنسا ولاتفيا ورومانيا.
ويستمر الاستثمار الأمريكي في التحديث
استقرت سوريا، لكن التوترات لا تزال قائمة على الخطوط الأمامية لمناطق النفوذ التي فرضتها قوى خارجية، وفي هذه الأثناء، أصبحت الحرب في اليمن أكثر تركيزًا، حيث استخدمت الولايات المتحدة دعم إيران للمتمردين لتعزيز جهودها لعزل طهران حتى مع تزايد عدد القتلى المدنيين الذي يهدد صادرات الأسلحة إلى دول الخليج العربي.
وكان ينبغي أن يكون هذا العام هو العام الذي هزمت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها تنظيم الدولة “داعش” في سوريا والعراق لتبدأ تكثيف الضغوط على إيران، ومع ذلك، لا تزال جيوب الجماعات المتطرفة منتشرة في سوريا التي انسحبت منها مؤخرًا، ويعززها الصراع الكردي التركي في الشمال.
تمثل الزيادة البالغة 7٪ في ميزانية البنتاجون أكبر زيادة في الإنفاق الدفاعي الأمريكي منذ عام 2008
وفي أماكن أخرى، عززت روسيا دورها كدولة رئيسية في المنطقة، ودعَّمت الدفاعات الجوية السورية بطريقة يمكن أن تحد من قدرة “إسرائيل” على مواصلة القيام بضربات في البلد المجاور لها، كما أطلقت روسيا مبادرة جديدة لإعادة إنشاء جيش ذي مصداقية في جمهورية أفريقيا الوسطى وطورت علاقاتها مع السودان.
مقابل هذه النتائج الأمريكية المخيبة، زاد الإنفاق الدفاعي في الولايات المتحدة بمقدار 46 مليار دولار في عام 2018 ليصل إلى 702.5 مليار دولار مع سعي البنتاجون إلى تطوير الاستعداد العسكري وتعزيز قدرات الدفاع الصاروخي، وتمثل الزيادة البالغة 7٪ في ميزانية البنتاجون أكبر زيادة في الإنفاق الدفاعي الأمريكي منذ عام 2008.
وبحسب تقرير الدفاع السنوي لمجلة “جينس”، ستصل حسابات التحديث إلى 244.1 مليار دولار في السنة المالية 2019، وهي أعلى مستوى للتمويل الاستثماري منذ الفترة المالية 2007-2010، والتي شهدت الحد الأقصى من عمليات الطوارئ في الخارج ومستويات إنفاق قصوى في وزارة الدفاع الأمريكية، ومكنت مستويات التمويل للسنة المالية 2018-2019 وزارة الدفاع الأمريكية من البدء على الطريق نحو تحسين الاستعدادات واكتساب القدرات القتالية.
من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية
تستمر ميزانيات شرق أوروبا في التوسع، حيث كانت 6 من بين 10 ميزانيات الدفاع الأسرع نموًا في العالم في عام 2018 تقع في شرق أوروبا، وزاد الإنفاق على الدفاع في هذه المنطقة بنسبة 9% تقريبًا في عام 2018 مع صدارة بولندا ورومانيا وأوكرانيا، كما تضاعف الإنفاق على المعدات العسكرية في المنطقة منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.
ساهم ارتفاع أسعار النفط خلال عام 2018 في ارتفاع معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
ونمت ميزانيات الدفاع في دول غرب أوروبا للسنة الثالثة على التوالي في عام 2018 لتصل إلى 248 مليار دولار، بزيادة 2.4% عن عام 2017، ويُفترض أن تستمر في الارتفاع في عام 2019 بنسبة 3.6% بدفع من زيادة بنسبة 11% في ميزانية الدفاع الألمانية.
ومع تحسن الميزانيات المالية، أصبحت البلدان قادرة على الاستجابة لبيئة أمنية أكثر فقرًا بشكل ملحوظ ومعالجة الفجوات التي طرأت، ويعد التعاون الدفاعي الأوروبي عاملاً دافعًا أيضًا في الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى تعزيز القدرات المحلية، ولكنها أيضًا شريك في التقنيات الجديدة، وكل ذلك يتطلب استثمارات أكبر.
في حين أن التوقعات الخاصة بنمو الإنفاق الدفاعي في أوروبا تظهر في اتجاه متصاعد، فإن هذا يتوقف على ميزانية دفاع مستقرة في المملكة المتحدة، وبالتالي على نتائج مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتأثير على الاقتصاد البريطاني.
وتؤدي الظروف الاقتصادية القوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى تسارع النمو، والذي تسارع بنسبة 3.6% في 2018، وهي نسبة أقل من النسبة العالمية التي شهدها العقد الماضي، لكنها بلغت رقمًا قياسيا هو 465 مليار دولار.
في عام 2018، مضت السعودية في إقرار موازنة للإنفاق العسكري هي الأكبر في تاريخها بقيمة 83 مليار دولار
وقال كريغ كيفري، وهو أيضًا محلل رئيسي في مجلة “جينس”: “لوحظ خلال العام 2018 تغير في الاتجاهات، حيث باتت الدول الغربية تقود النمو في هذا المجال. وأضاف أنه في نهاية المطاف “سنرى آسيا والشرق الأوسط محركين أساسيين لنمو مستدام للنفقات المرتبطة بالدفاع”.
أما في أمريكا اللاتينية فقد نمت ميزانيات الدفاع بنسبة 10.4% في 2018 لتبلغ مستوى جديد وصل إلى 62 مليار دولار، منها 29.9 مليارًا للبرازيل لوحدها، فقد هيمنت البرازيل على الإنفاق الدفاعي في القارة، وبلغت حصتها نسبة 48.3% من مجموع الانفاق الدفاعي البالغ 29.9 مليار دولار.
كما استمر التعافي في ميزانيات الدفاع في أمريكا اللاتينية هذا العام، ولكن بعيدًا عن فنزويلا، حيث فرض التضخم المفرط مكملات إنفاق ضخمة، وكان النمو أبطأ بشكل ملحوظ من عام 2017.
السعودية.. سلاح للاستخدام السياسي لا العسكري
شهد عام 2017 قفزة في إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، نظرًا لارتفاع نفقات التسلح، وعلى الرغم من المخاوف الأمنية، لا يزال النمو الاقتصادي هو المحرك الرئيسي لنمو ميزانية الدفاع في آسيا، حيث ساهم ارتفاع أسعار النفط خلال عام 2018 في ارتفاع معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث بلغ إجمالي الإنفاق في المنطقة 180 مليار دولار.
زادت المملكة العربية السعودية خلال هذا العام من نفقاتها الدفاعية بنسبة 7% لتصل إلى 56 مليار دولار
بدورها، احتلت السعودية مكانتها بين المراكز العشر الأولى عالميًا للدول الأعلى انفقاقًا عسكريًا في عام 2017، وفي عام 2018، مضت السعودية في إقرار موازنة للإنفاق العسكري هي الأكبر في تاريخها بقيمة 83 مليار دولار، ما سلط الضوء على مدى حقيقة الاحتياج السعودي لزيادة الإنفاق العسكري.
وزادت المملكة العربية السعودية خلال هذا العام من نفقاتها الدفاعية بنسبة 7% لتصل إلى 56 مليار دولار، مما يجعلها تحتل المرتبة الخامسة عالميًا، متجاوزة بذلك ميزانية فرنسا في 2018، التي وصلت إلى 53.6 مليار دولار، رغم رفع الأخيرة نفقاتها الدفاعية.
الزيادة الكبيرة في ميزانية الدفاع السعودية جعلتها تتصدر اتجاهات الإنفاق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومع هبوط أسعار النفط مرة أخرى في الجزء الأخير من السنة، من المرجَّح أن يظل النمو الإقليمي محافظًا نسبيًا على المدى القصير.
مليارات الدولارات التي ابتلعت هذا العام فقط ثلث الموازنة العامة للبلد، في وقت يعاني فيه سكانه من البطالة والفقر، ويقول خصومها إنها أنفقتها في صفقات ظاهرها دبابات وغواصات وطائرات وباطنها نفوذ تريد أن تتسلل به لدوائر صنع القرار في الغرب، لعلها تنفذ بجلدها من الاتهامات التي تلاحقها.
لم يجلب شغف المملكة بالتسلح المناعة ويحقق لها التفوق أمام إيران
وفي ظل تسارع سباق التسلح السعودي اصطدمت السعودية بحائط صد يهدد مصير صفقات استيرادها للأسلحة عقب المواقف الأمريكية والأوروبية المطالبة بوقف تزويد السعودية للأسلحة كاجراءات عقابية على خلفية جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
وعلى الصعيد الأمريكي، أخفق نواب في الكونغرس في استصدار قرار بوقف الدعم الأمريكي للتحالف العربي بقيادة السعودية غير أنهم لا يزالون يقاومون صفقة لم يُخطر بها الكونغرس رسميًا لبيع السعودية أسلحة أمريكية دقيقة التوجيه، وهي جزء من صفقة أكبر لشراء أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار اقتنصها الرئيس الأمريكي في الرياض الصيف الماضي.
وفي الوقت الذي تمكنت المملكة العربية السعودية من صرف الانتباه بعيدًا عن منافستها اللدود إيران، والتي اختنقت إمداداتها النفطية بسبب العقوبات الأمريكية، لم يجلب شغف المملكة بالتسلح المناعة ويحقق لها التفوق أمام إيران، ولم ينعكس على أداء الجيش السعودي في اليمن وتأمين حدودها الجنوبية ومنع الصواريخ الحوثية.