يعيش آلاف المنقبين عن الذهب في صحراء مدينة أزويرات الشاسعة عاصمة محافظة تيرس الزمور شمال موريتانيا، هذه الأيام، معاناة كبيرة لصعوبة الحصول على المياه هناك، ورفض السلطات تقديم المساعدة والسماح للسيارات رباعية الدفع بالذهاب إليهم وتقديم يد العون.
الخوف من الهلاك
ارتفاع عدد العالقين في الصحراء، جاء نتيجة سماح السلطات الموريتانية لأكثر من 13 آلف موريتاني بالتنقيب في أماكن محددة ولفترة معروفة، ووفق شروط معينة عن الذهب، ورغم علمها الكامل بصعوبة الظروف في الصحراء، فإن السلطات لم تحرك ساكنًا ولم تستعد للأمر بالشكل الكافي.
وتقدر الجهات الرسمية أعداد المسجلين على لوائح المنقبين بـ13 ألف مواطن موريتاني يدفع كل واحد منهم 5 آلاف أوقية وعشرة آلاف عن السيارة حيث تبدأ الرحلة إلى منطقة “اكليب أندور” على مسافة 800 كيلومتر من أزويرات.
يرجع سبب معظم حوادث انهيارات التربة إلى إهمال المنقبين لإجراءات السلامة
وقبل أيام، رفض الجيش الموريتاني طلبًا تقدم به مكتب المنقبين عن الذهب، يقضي بتسيير قافلة من السيارات رباعية الدفع إلى منطقة “أكليب أندور”، من أجل جلب المياه للمنقبين في المنطقة، وذلك بحسب ما اعتبره محافظة على الضوابط التي رسمها لدخول هذه المنطقة، حيث يمنع دخول السيارات المتوسطة رباعية الدفع، لصعوبة التمييز بين سيارات المنقبين والمهربين، الذين يستخدمون عادة مثل هذه السيارات.
وقبل بدء رحلة التنقيب عن الذهب في الصحراء، فرضت السلطات الإدارية في المحافظة، على أي شاحنة متجهة إلى “أكليب أندور” أن تحمل نصف حمولة وزنها من المياه إلى المنطقة، للتخفيف من أي نقص في المياه يسجل في هذه المنطقة العسكرية إلا أن ذلك لم يف بالغرض فالعدد كبير والبيئة الصحراوية تزيد من العطش.
بعض الشباب يبحثون عن الذهب
ويقول عدد من المنقبين العائدين من الصحراء، وفق وسائل إعلام محلية، إن سعر المياه يشهد مضاربات كبرى هناك، بسبب ندرتها وبُعد السقاية عنهم، حيث بيع أولاً بـ75 ألف أوقية للطن الواحد ليصل بعد ذلك إلى 100 ألف أوقية ويتوقع أن يزيد رغم حديث الجيش عن فرض سعر موحد له.
ويخشى المنقبون في الصحراء هلاكهم، مع تواصل عدم تدخل السلطات لإنقاذ حياتهم ومدّهم بالمياه الصالحة للشرب، خاصة أنه سبق أن قضى عدد من المنقبين نحبهم، نتيجة فقدان المياه في مناطق التنقيب.
العطش ليس الخطر الوحيد
فضلاً عن العطش، يعاني المنقبون عن الذهب من مشاكل عديدة أبرزها انهيار آبار التنقيب السطحي عن الذهب التي راح ضحيتها العشرات، نظرًا لعملهم من دون أسس تحفظ حياتهم، فهم لا يستقرون في منطقة واحدة، ويتنقلون بين الآبار التي يحفرها منقبون آخرون.
وتعتبر انهيارات التربة من أكثر الهواجس التي تؤرق المنقبين، حيث يواجه المنقبون عن الذهب الذين يعملون بوسائل تقليدية، مشاكل عدة فتنهار عليهم حفريات التنقيب في مواقع ليست فيها فرق للإغاثة.
تصدر وزارة المعادن الرخصة باسم شخص واحد، مقابل دفع رسوم تقدر بـ106650 أوقية موريتانية أي ما يساوي 300 دولار
ولقي العشرات مصرعهم في حوادث مختلفة وقعت في صحراء موريتانيا منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2016 حتى الآن، ويتراوح عدد الضحايا في الحادثة الواحدة بين شخص وأربعة أشخاص، كما هو الحال في حادث 6 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ببلدة “الساكنة” قرب مدينة الشامي الواقعة على الطريق الرابط بين نواكشوط ونواذيبو، التي توفي فيها 3 منقبين دفعة واحدة.
ويعتبر “الكولابة” أغلب الضحايا في مناجم التنقيب عن الذهب، و”الكولابة” هم المنقبون المتنقلون الباحثون بين مناجم غيرهم عن الذهب السطحي في جنح الليل.
ارتفاع عدد المنقبين رغم المخاطر
ارتفاع عدد المنقبين عن الذهب في الصحراء رغم المخاطر التي يواجهونها يعود وفق عدد من الموريتانيين إلى الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد وغياب التنمية والاستثمار وارتفاع نسبة البطالة فيها، حيث تقدّر التقارير الدولية نسبة البطالة في البلاد بأكثر من 30%.
ويستوعب قطاع التنقيب التقليدي عن الذهب في موريتانيا آلاف المواطنين من موريتانيا، إذ منحت وزارة المعادن الموريتانيين خلال ستة أشهر من عام 2016 في الفترة من أبريل/نيسان وحتى أكتوبر/تشرين الأول 5600 رخصة تنقيب، وفي الربع الأخير من العام ذاته أصدرت الوزارة 1306 رخص، فيما توقفت وزارة المعادن عن منح رخص التنقيب نهائيًا مطلع عام 2017، غير أن كثيرين استمروا في التنقيب وفقًا لبيانات وزارة النفط والطاقة والمعادن.
وتصدر وزارة المعادن الرخصة باسم شخص واحد، مقابل دفع رسوم تقدر بـ106650 أوقية موريتانية أي ما يساوي 300 دولار، ولا يُشترط على صاحب الرخصة أن يكون مواطنًا موريتانيًا بشرط أن يكون موريتاني موجود في عملية التنقيب، وعادة ما ينقب أكثر من شخص برخصة واحدة، نظرًا لما تفرضه مشقة العمل من تعاون وفق ما وثقه معد التحقيق مع منقبَين عن الذهب في موريتانيا.
ويتوجه الشباب الموريتاني إلى الصحراء غير آبهين بطبيعتها القاسية والجافة ورمالها الوعرة التي تمتد مد البصر، بأساليب بدائية وأخرى متطورة غير أنها في المتناول، للظفر بالذهب والمجوهرات الكريمة علّها تنسيهم فقرهم وفاقتهم.