لم يبق لعام 2018 الكثير حتى يشد رحاله، ليبدأ عام جديد يتمنى العراقيون أن يكون أفضل من سابقه، إذ شهد العراق في العام الحاليّ جملة من الأزمات والقضايا التي ما زال الكثير منها ينتظر دوره في الحل.
ولعل أبرز التحديات التي لم تنته فصولها بعد، أزمة تشكيل الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي واستكمال الحقائب الوزراية الشاغرة وهي كل من الداخلية والدفاع والعدل، فضلاً عن تحديات اقتصادية كبيرة واجهت العراق وأبرزها المظاهرات الشعبية الواسعة في وسط وجنوب البلاد، التي طالبت بتحسين البنى التحتية وتوفير فرص عمل.
الأسطر التالية، تستقرء أبرز التحديات التي سيواجهها العراق عام 2019، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
تحديات سياسية مستمرة
لم تفلح الكتل السياسية في قبة البرلمان من حسم الصراع بينها بشأن الشخصيات التي ستتبوأ الحقائب الوزارية للدفاع والداخلية والعدل، وبالتالي تم ترحيل ملفات تلك الوزارات إلى الجلسة القادمة في الـ8 من يناير/كانون الثاني القادم.
مع التمديد الأمريكي للعراق 90 يومًا أخرى استثناء من العقوبات الأمريكية على إيران، تشي التصريحات الأمريكية بأن العراق مقبل على أزمة سياسية جديدة
فالخلافات السياسية في العراق وبعد أن كانت محاصصة طائفية بامتياز طيلة السنوات السابقة، تحولت مع الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو/أيار الماضي، إلى خلافات بينية داخل الطوائف ذاتها، الأمر الذي أضاف مزيدًا من التعقيد إلى المشهد السياسي المرتبك أصلاً في العراق.
ويعتقد المحلل السياسي العراقي رياض الزبيدي في حديثه لـ”نون بوست” أن عام 2019 لن يكون أفضل حالاً من العام الذي سبقه، مشيرًا إلى أنه حتى لو تم التوافق على استكمال الكابينة الحكومية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة انفراجًا سياسيًا في العراق، ويرى الزبيدي أن كثيرًا من الملفات ستطفو على السطح بعيد استكمال الكابينة الحكومية، ولعل أهمها ملف القوات الأمريكية المنتشرة في العراق، ومحاولة بعض الكتل السياسية تشريع قانون لإخراجها، ما سيتسبب بحرج لعبد المهدي الذي سيكون بدوره مقيد الحركة لجهة الموافقة أو الرفض.
ليس هذا فحسب، فالملف السياسي يحمل جملة من الأزمات المتشابكة في العراق، ففي كل دورة برلمانية، يشهد الموقف السياسي في البلاد تشظيًا حزبيًا بعيد استكمال الكابينة الحكومية، إذ إن كتلتي الإصلاح والبناء قد تشهدا خروج نواب منهما وانضمامهم إلى كتل أخرى والعكس، وهذا سيشكل بحد ذاته معضلة كبيرة، لجهة الصعوبة في تشريع قوانين طال انتظارها وصعوبة حصول مواءمة بين جميع النواب الذين تختلف رؤاهم وفق مصالحهم الحزبية.
ملف سياسي آخر قد لا يقل تعقيدًا عما سبقه، ولكن هذه المرة في السياسية الخارجية، فمع التمديد الأمريكي للعراق 90 يومًا أخرى استثناء من العقوبات الأمريكية على إيران، تشي التصريحات الأمريكية بأن العراق مقبل على أزمة سياسية جديدة، ما بين التوفيق بين علاقاته مع طهران ومدى النفوذ الإيراني في البلاد، والانصياع للعقوبات الأمريكية التي لا بد للعراق من الامتثال لها، مع وجود قواعد عسكرية أمريكية في شمال وغرب البلاد.
كل هذه التحديات السياسية سيواجهها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في الأشهر القليلة المقبلة، إضافة إلى تركة ثقيلة من الحكومات السابقة لجهة علاقات العراق مع دول الجوار والخليج واستحصال ما يمكن من مكاسب سياسية واقتصادية.
تحديات اقتصادية
تتفاقم الأزمة الاقتصادية في العراق عامًا بعد آخر، فالعراق الذي يعتمد بنسبة 98% في ميزانيته على النفط، يظل الاقتصاد فيه منوطًا بارتفاع أسعار النفط وهبوطها، في ظل مديونية خارجية يرجح أن تتجاوز الـ140 مليار دولار.
يشكل ارتفاع أسعار النفط وانخفاظها تحديًا كبيرًا أمام الحكومة العراقية
ولعل أبرز التحديات الاقتصادية التي ستواجه العراق في 2019، المشاكل الاجتماعية المرتبطة بالملف الاقتصادي، فعام 2018 شهد أعنف موجة احتجاجات شعبية في وسط وجنوب البلاد، وخاصة في محافظة البصرة، مظاهرات كانت مطالبها تتمحور حول تحسين واقع البنى التحتية وتوفير فرص العمل، وفي هذا الصدد، يقول المحلل الاقتصادي أنمار العبيدي في حديثه لـ”نون بوست” إن عام 2019 سيكون مثقلاً بتحديات اقتصادية كبيرة سيشهدها العراق.
العبيدي أشار إلى أن الحكومة العراقية لن تستطيع تحقيق مطالب المتظاهرين بين ليلة وضحاها، فتحقيق تلك المطالب يتطلب بعضها عامين على الأقل، خاصة ما يتعلق بالبنى التحتية، في حال توافرت الأموال اللازمة لذلك، بحسب العبيدي.
وأشار إلى أن ملف العقوبات الأمريكية على إيران سيشكل تحديًا كبيرًا لحكومة عبد المهدي، خاصة أنها لم تبدأ حتى اللحظة بإيجاد بدائل عن موارد الطاقة المستوردة من إيران، لافتًا إلى أنه حتى لو مددت واشنطن استثناء العراق من نظام العقوبات، فإن ذلك لن يستمر إلى الأبد، بحسبه.
ويشكل ارتفاع أسعار النفط وانخفاظها تحديًا كبيرًا أمام الحكومة العراقية، إذ أنه وبعد أن كان سعر برميل النفط يزيد على الـ70 دولارًا قبل أشهر، انخفضت الأسعار إلى ما دون الـ55 دولارًا، مع الأخذ بالاعتبار أن مشروع موازنة عام 2019 في البلاد وضع على أساس أن سعر برميل النفط 56 دولارًا، وهذا ما قد يتسبب بمشاكل اقتصادية أخرى للعراق، تضطره لمزيد من الاقتراض الخارجي، الذي سيؤدي بدروه إلى فرض إرادة الدول والمصارف المقرضة على الخطة الاقتصادية في البلاد، وخاصة شروط صندوق النقد الدولي.
تحديات أمنية
استطاع العراق قبل أكثر من عام من استعادة كل الأراضي التي كان يسيطر عليها مسلحو تنظيم الدولة “داعش” إلا أن الخطر الأمني لم ينته تمامًا.
يشكل ملف المدن المدمرة عائقًا اقتصاديًا وأمنيًا في ذات الوقت
إذ يقول الخبير الأمني هشام الهاشمي إن القوات العراقية أعلنت النصر على تنظيم داعش عسكريًا، وهو ما يعني خسارة التنظيم ما كان يسميها بـ”أرض التمكين”، وبالتالي زوال قدرته على رفع رايته على أي بناية حكومية أو عسكرية في البلاد.
إلا أن الهاشمي أضاف أن التنظيم تحول بعد الخسارة العسكرية إلى مجموعات وفلول تتخذ من الصحاري والجبال والتلال والوديان والمناطق الوعرة مرتعًا لها، إذ بدأت تمويل نفسها مجددًا وتعمل على إنهاك القوات العراقية في عمليات سريعة، بحسب الهاشمي.
ويشكل ملف المدن المدمرة عائقًا اقتصاديًا وأمنيًا في ذات الوقت، إذ أنه وبعد مرور أكثر من عام على إعلان النصر على تنظيم “داعش”، ما زالت المدن التي احتلها التنظيم مدمرة ولم تشهد إعادة إعمار، ما قد يزيد من الحنق الشعبي على الحكومة، خاصة أن مشروع الموازنة العامة للبلاد لم يخصص مبالغ كافية لإعادة إعمار مدينة واحدة من مدن كثيرة طالها التدمير والخراب.
تحديات كبيرة ستواجهها الحكومة في العام القادم بحسب كثير من المراقبين، وتظل إمكانية النجاح في مواجهتها منوطة بمدى قدرة الكتل السياسية على تغليب المصلحة العامة للبلاد على المصالح الحزبية الضيقة.