تتسابق دول المغرب العربي فرادى، مع تزايد أزماتها الاقتصادية وفشلها في الاتحاد ضمن إطار جامع، إلى العديد من التكتلات الإقليمية علها تظفر بفرص لإنعاش اقتصاداتها المتعثرة، وهو ما تجلى في طرقها أبواب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، فهل تكون هذه المجموعة ملاذ المغاربة بعد فشل اتحادهم؟
الجزائر آخر الدول الواصلة
تعتبر دولة الجزائر آخر الدول المغاربية التي تطرق أبواب مجموعة الإيكواس، حيث تعتزم الدولة النفطية الشروع في مفاوضات مع المجموعة بهدف إبرام اتفاق تجاري تفاضلي بين الطرفين، حسبما أفاد وزير التجارة الجزائري سعيد جلاب مطلع هذا الأسبوع.
وأوضح السيد جلاب خلال حفل اختتام الطبعة الـ27 لمعرض الإنتاج الجزائري قائلاً: “سنتفاوض بشأن اتفاق تجاري تفاضلي مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا سيسمح بتسهيل دخول المنتجات الجزائرية لهذه المنطقة التي تمثل سوقًا بـ300 مليون مستهلك”.
وترى السلطات الجزائرية، أن الرهان الاقتصادي على إفريقيا رابح على المدى المتوسط والبعيد، فالقارة مرشحة لأن تتحول إلى إحدى أكبر الأسواق العالمية، أكثر من ملياري نسمة في أفق 2050، لذا، أضحت إستراتيجية التعاون الاقتصادي (جنوب – جنوب) تحظى بالأولوية في الأجندة الاقتصادية الجزائرية.
يأتي التوجه المغربي في إطار اتجاه رسمي جديد من المملكة بالتوجه أكثر نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
وستتم ترجمة هذا التوجه الجديد نحو إفريقيا أيضًا من خلال عدد المعارض والتظاهرات الاقتصادية التي ستشارك فيها الجزائر في هذه القارة، حيث تقرر المشاركة في 29 معرضًا في إفريقيا من إجمالي 53 معرضًا دوليًا خارج البلاد ستشارك فيها الجزائر في الفترة 2019/2020، وكانت الجزائر قد شاركت في 25 معرضًا وتظاهرة اقتصادية خلال عام 2018 شملت عدة عواصم منها واشنطن وبروكسل ونواكشوط والدوحة، قصد الترويج للمنتج الوطني والتعريف به في الأسواق الدولية.
ولا يرى المسؤولون الجزائريون أي مبرر لغياب بلادهم عن الاستثمار والتمدد في إفريقيا واستغلال الفرص التي تتيحها أسواقها، حيث لا تمثل مبادلات الجزائر مع دول القارة الإفريقية سوى 1.5% من مجموع المبادلات التجارية الخارجية.
وتشجع الجزائر – التي تأثرت بانخفاض عائدات النفط وتسعى لتنويع اقتصادها – شركاتها على التوجه إلى دول غرب إفريقيا، خاصة العاملة في قطاعات الصناعات الغذائية والصناعات الإلكترونية والكهرومنزلية وكذا المنتجات البتروكيميائية والمشتقات النفطية.
ويشهد الاقتصاد الجزائري تراجعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة نتيجة انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية التي بدأت صيف عام 2014، حيث تظهر الأرقام الرسمية المتتابعة تآكلاً متسارعًا لاحتياطي النقد الأجنبي في الجزائر التي كان يحوز مصرفها المركزي ثاني أكبر كتلة عملة صعبة في المنطقة بعد السعودية، قبل عامين ونصف العام.
المغرب ينتظر الموافقة
خطوة الجزائر، جاءت بعد خطوة مماثلة من المغرب الذي ينتظر إلى الآن الموافقة على طلب انضمامه إلى هذه المنظمة الاقتصادية المهمة في القارة الإفريقية، بعد موافقة زعماء المجموعة في قمة سابقة احتضنتها منروفيا عاصمة ليبيريا في يونيو/حزيران 2017، مبدئيًا على انضمام المملكة المغربية إلى التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا.
ويأتي التوجه المغربي في إطار اتجاه رسمي جديد من المملكة بالتوجه أكثر نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة بعد عودتها للاتحاد الإفريقي بعد غياب دام تقريبًا 33 عامًا، ويركز المغرب على الشراكة مع دول جنوب الصحراء التي تشكل بالنسبة للمملكة حافزًا اقتصاديًا مهمًا.
تتكون الإيكواس من 15 دولة إفريقية
ويعد المغرب أول دولة، خارج الدول التي أسست المجموعة، تطلب الانضمام إلى هذا التجمع الاقتصادي الإقليمي، وتضم هذه المجموعة الاقتصادية 15 دولة هي بنين وبوركينا فاسو والرأس الأخضر وساحل العاج وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والنيجر ونيجيريا والسنغال وسيراليون وتوغو، وترأس الرئيسة الليبيرية إيلين جونسون سيرليف هذا الاتحاد الاقتصادي.
ويسعى المغرب من خلال طلب انضمامه إلى هذه المجموعة الاقتصادية إلى تحقيق مزيد من التكامل في المنطقة، وتعزيز فرص اقتصاده، وسيمكن الانضمام إلى هذا التكتل الاقتصادي والمالي المغرب من تعزيز مكانته بالقارة الإفريقية.
وتأسست المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في نيجيريا 1975، بهدف إقامة تكتل يجمع بين دولها ويوحد قدراتها الاقتصادية ومواقفها السياسية ويضمن لها الاستقرار الأمني، وللمنظمة ما يناهز 19 هيئة تنفيذية تتراوح من مكافحة تبييض الأموال إلى حماية حقوق الإنسان.
موريتانيا تستعد للعودة
موريتانيا بدورها لم تشذ عن القاعدة، حيث صادقت الحكومة الموريتانية قبل أسبوع، على اتفاق شراكة مع المجموعة، وقالت وزيرة التجارة والصناعة والسياحة الموريتانية خديجه مبارك فال، خلال مؤتمر صحفي، إن الاتفاق الذي تم توقيعه على أن يبدأ العمل به ابتداءً من يناير/كانون الأول 2019، يسمح للتجار الموريتانيين بالاستفادة من مزايا المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وكانت موريتانيا الدولة العربية الوحيدة العضو في هذه المجموعة لكنها انسحبت منها عام 2000، غير أنها عادت في السنوات الأخيرة للتقارب مع المجموعة، حيث كثفت تحركاتها لتعزيز الشراكة مع المنظمة الاقتصادية الأبرز في غرب إفريقيا.
ويتوقع العديد من الخبراء، عودة قريبة لموريتانيا لشغل مقعدها في هذه المجموعة، خاصة مع توجه السلطات الحاكمة نحو إفريقيا، رغبة في الاستفادة من ثرواتها والفرص المتاحة فيها، فضلاً عن إدراكهم لأهمية هذا التكتل الإفريقي.
ترى الدول المغاربية أن التوجه نحو غرب القارة وإقامة علاقات اقتصادية متقدمة مع دول المنطقة هناك، لها أن تعوض لهم بعض الخسائر الناجمة عن فشل اتحادهم المغاربي
ويبلغ مجموع سكان دول “الإيكواس” أكثر من 340 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع أي 17% من إجمالي مساحة قارة إفريقيا، وترمي المنظمة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز المبادلات التجارية بين دول المنطقة وتعزيز الاندماج في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والمصادر الطبيعية، فضلًا عن القطاع المالي والنقدي.
تونس تسعى للتدارك
تونس بدورها، تبنت نفس التوجه، حيث وقعت في أكتوبر/تشرين الأول 2017، مذكرة تفاهم مع مفوضية “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”، تتضمن خريطة طريق لتطوير العلاقات الثنائية في الفترة المقبلة.
وتسعى تونس إلى استثمار علاقاتها الطيبة مع دول المجموعة، لأجل تطوير التبادل التجاري معها والاستفادة من الإمكانات والفرص المتاحة في مختلف المجالات هناك، التي تفتقدها تونس في أماكن أخرى.
وكانت المجموعة قد منحت تونس في شهر يونيو/حزيران 2017، صفة ملاحظ، وهي الصفة التي تسمح لممثلي تونس حضور ومواكبة أنشطة المجموعة، والمشاركة في اجتماعاتها علاوة على إرساء مشاورات منتظمة بين الطرفين.
ومن شأن انضمام تونس لهذه المجموعة الاقتصادية، حسب عدد من الخبراء، أن يمثل حزامًا اقتصاديًا للمصدرين التونسيين، كما من شأنه أن يساعد على المزيد من تدعيم صادراتها وتعزيز وجود المنتجات التونسية التي ستكون معفاة من الجمارك في دول غرب إفريقيا.
فشل المغرب العربي
ومع تراجع دول عديدة في أوروبا وبداية انهيار الاتحاد الأوروبي، بدأت تونس في تحويل بوصلتها نحو الجنوب إلى دول القارة السمراء لتدارك ما فات وتحقيق أرباح تعود بالنفع على شعبها الذي يعاني من مشاكل عديدة جراء الأزمات المتعاقبة التي يعيش على وقعها.
يمكن فهم هذا التوجه المغاربي إلى مجموعة “الإيكواس”، بيقين الدول المغاربية من فشل اتحاد المغرب العربي الذي ولد ميتًا، وتأكدهم التام من صعوبة عودة الروح إليه على المدى القريب أو المتوسط، لتواصل وجود الخلافات التي أدت إلى عرقلة عمله.
لم يحرز المغرب العربي منذ نشأته سنة 1989 أي تقدم
رغم مرور قرابة الـ30 سنة على تأسيس اتحاد المغرب العربي، لم يتم إلى الآن تطبيق أي بند تضمنته اتفاقية التأسيس، وهو ما أدى إلى تكبد الدول المغاربية خسائر كبرى، وتؤكد العديد من الدراسات الاقتصادية أن “اللامغرب العربي” قد كلف بلدان هذه المنطقة خسارة حجم مبادلات تجارية بنحو 6.1 مليار دولار، وأن التأخير في إنشاء المغرب العربي يفقد بلدان الاتحاد المغاربي سنويًا ما يقارب 2 إلى 3 نقاط نمو.
وترى الدول المغاربية أن التوجه نحو غرب القارة وإقامة علاقات اقتصادية متقدمة مع دول المنطقة هناك، لها أن تعوض بعض الخسائر الناجمة عن فشل اتحادهم المغاربي، وتمنحهم فرص تجاوز صعوبات وتحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية كثيرة.
ورغم توافر كل مقومات نجاح اتحاد المغرب العربي، كالاشتراك في الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا والمصير، فإن الفشل كان حليفه، ومن شأن استمرار عدم اندماج الوحدة المغاربية أن يتسبب في مزيد من الخسائر الاقتصادية الفادحة.
ولا تمثل المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية إلا 2% من قيمة معاملاتها الخارجية، وهو الرقم الأضعف في العالم إذا نظرنا إلى حجم المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة الواحدة كبلدان الاتحاد الأوروبي أو بلدان جنوب شرق آسيا أو بلدان أمريكا اللاتينية.