ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: تمارا كوفمان ويتس وبروس ريدل
أعلنت الحكومة السعودية عن سلسلة من القرارات الملكية التي عُين بموجبها وزير خارجية جديد بدلاً من عادل الجبير، ونُقل بعض المسؤولين الآخرين إلى مناصب جديدة، فضلا عن إقرار هيئتين جديدتين لصنع القرارات السياسية. وبلا شك، سيترأس ولي العهد، محمد بن سلمان، كلتا الهيئتين. وتهدف هذه التغييرات إلى إعادة تعزيز العلاقات مع واشنطن والمستثمرين الدوليين، التي شهدت أزمة على مدار الأشهر القليلة الماضية.
في خضم استمرار إنكار القيادة السعودية وجود أي أزمة، تعتبر هذه الإجراءات اعترافا ضمنيا من قبل ولي العهد بمدى سوء الوضع في المملكة العربية السعودية. وتتجلى تداعيات هذه الأزمة في هروب المستثمرين الأجانب من المملكة، والانتقاد الإعلامي، والإجراء غير المسبوق الذي اتخذه مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يُحمّل بن سلمان مسؤولية مقتل جمال خاشقجي. ويضاف إلى ذلك الوعد الذي قطعه السيناتور ليندسي غراهام بمنع مبيعات أسلحة جديدة، طالما لا يزال محمد بن سلمان في منصبه.
منذ تعيين محمد بن سلمان وزيرا للدفاع خلال سنة 2015، أعرب مراقبون خليجيون ورجال دولة محنكين عن قلقهم إزاء صغر سن بن سلمان وعدم تمتعه بالخبرة الكافية لتولي هذا المنصب الحساس
في المقابل، لن تعمل الإجراءات، التي شملت فقط تغيير مسؤولين رفيعي المستوى، على بعث رسائل الطمأنة المطلوبة للأطراف الخارجية. لذلك، ينبغي على المملكة أن تثبت أنها تجري تغييرات جذرية في سياستها التي تتسم بالعدوانية، والتي تسببت في أزمتها الحالية.
تغييرات شملت مسؤولين رفيعي المستوى في السلك الحكومي
منذ تعيين محمد بن سلمان وزيرا للدفاع خلال سنة 2015، أعرب مراقبون خليجيون ورجال دولة محنكين عن قلقهم إزاء صغر سن بن سلمان وعدم تمتعه بالخبرة الكافية لتولي هذا المنصب الحساس. لكنهم توقعوا أنه سيلجأ إلى طلب المشورة ودعم المستشارين الذين يتمتعون بخبرة كبيرة لمساعدته. في المقابل، لم يتبع الأمير الشاب هذا المسار. واعتمد بشكل كبير على العلاقة الوثيقة التي تربطه مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وأغلق المحكمة الملكية أمام الجميع، واقتصر على عدد قليل من مستشاريه الشخصيين على غرار سعود القحطاني، الذي بات يعُرف بسوء صيته مؤخرا. وأفادت تقارير بأن القحطاني ساعد في التخطيط لقتل خاشقجي، ناهيك عن أنه متورط في قضية تعذيب الناشطات السعوديات اللاتي طالبن بحق المرأة في قيادة السيارة.
من الواضح أن تعيين وزير جديد للحرس الوطني قد أثار اهتماما بالغا، خاصة وأن وزارة الحرس الوطني تسهر على توفير الأمن الداخلي للمملكة. وعلى امتداد أكثر من نصف قرن من الزمن، كان الملك السابق، عبد الله، يتولى تعيين المسؤولين في هذا المنصب بناء على ولائهم له. وفي نهاية المطاف، سلم الملك هذه المهمة لابنه الأكبر الأمير متعب.
تجدر الإشارة إلى أن الأمير متعب اعتقل في أواخر السنة الماضية في فندق ريتز كارلتون، عندما عمد ولي العهد إلى احتجاز عدد كبير من الشخصيات السعودية البارزة دون توجيه تهم رسمية لهم، وأجبرهم على دفع ثمن حريتهم.
يوحي تغيير الوزراء المسؤولين عن الحرس الوطني السعودي على وجود مشاكل متعلقة بالحرس البريتوري، حيث ينمّ تغيير ثلاثة قادة خلال سنة على عدم استقرار في الوزارة
إثر ذلك، عيّن الملك سلمان الأمير، خالد بن عبد العزيز آل مقرن، في هذا المنصب في أواخر سنة 2017. وقد شغل الأمير خالد مناصب كثيرة في هذه الوزارة لمدة عشر سنوات، وقد ارتبطت عائلته بتأسيس الحرس الوطني. لكن، تمت تنحيته بعد أقل من سنة من توليه هذا المنصب ليحل مكانه الأمير، عبد الله بن بندر بن عبد العزيز، الذي كان يشغل منصب نائب حاكم مقاطعة مكة المكرمة منذ نيسان/ أبريل من سنة 2017. واتضح أنه خريج جامعة الملك سعود، ولم يتلق أي تدريب عسكري أو يتمتع بأي خبرة في هذا المجال، تماما مثل ولي العهد. وبالتالي، يمكن اعتباره نسخة كربونية من ولي العهد.
من جهة أخرى، يوحي تغيير الوزراء المسؤولين عن الحرس الوطني السعودي على وجود مشاكل متعلقة بالحرس البريتوري، حيث ينمّ تغيير ثلاثة قادة خلال سنة على عدم استقرار في الوزارة. في الأثناء، يمكن تفسير تعيين أمير لم يتلق أي تدريب ولم يخضع إلى أي اختبار على أهمية عامل الولاء الشخصي، وليس الخبرة، في مسألة التعيينات. كما يثير أسئلة حول قدرة الحرس الوطني على حماية البلاد من أعدائها في الداخل والخارج.
خلال التعديل الوزاري الأخير، لم يعيّن أي أحد في منصب نائب ولي العهد، على الرغم من أهمية هذه الحقيبة الوزارية. وظل هذا المنصب شاغرا منذ أن أصبح محمد بن سلمان وليا للعهد سنة 2017 وإرسال محمد بن نايف إلى الإقامة الجبرية. ويبدو أنه من الواضح أن ولي العهد لا يريد أن تضم دائرته الداخلية الصغيرة خليفة له.
بغض النظر عن ذلك، يبدو أن هذه الدائرة المغلقة ظلت مفتوحة أمام بعض المستشارين القدامى. وبالإضافة إلى تعيين وزير جديد للحرس الوطني، فضلا عن تعيين مساعد العيبان، مسؤول سعودي قديم، في منصب “مستشار الأمن القومي”، تضمنت هذه القرارات التي اتخذها بن سلمان مؤخرا إنشاء “مجلس للشؤون السياسية والأمنية” جديد. ومن المفترض أن يكون عمل هذه الهيئة الجديدة مشابهة لعمل مجلس استشاري مشترك بين الوكالات، التي ستقدم خدمات لصالح ولي العهد، مما يتيح لوجهات النظر والأفكار المختلفة الأخرى إثراء سياسته المتعلقة بالأمن الوطني.
التأثير
لكن، يتمثل السؤال الذي يجب طرحه في مدى أهمية هذه التحويرات التي لن تحدث فرقا إلا إذا كانت قادرة على إحداث تعديلات جوهرية في السياسات السعودية. في نفس الوقت، هل ستوقف الحكومة السعودية الآن بعض التجاوزات التي كانت تقوم بها عن طريق إطلاق سراح العشرات من أفراد المجتمع المدني المسالمين المحتجزين على مدار سنتين، بما في ذلك النساء الناشطات المدافعات عن حق المرأة في قيادة السيارة التي وقع احتجازهن في الربيع والصيف؟
، لقد كان العساف من بين مؤيدي الخطط التنموية التي اتبعتها الدولة خلال فترات الازدهار التي عاشتها المملكة.
أما التساؤل الآخر، فيتمثل في مدى قدرة هذه الخطوة الجديدة التي تنتهجها السعودية في التقليل من إساءة استخدام السلطة التي تتجسد في عملية الابتزاز التي وقعت في نزل الريتز كارلتون، حيث كان وزير الخارجية الجديد من بين الضحايا لفترة وجيزة، هذا بالإضافة إلى خطف وإجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة، وقتل الصحفي جمال خاشقجي، ومناخ التخويف الذي ينتشر الآن في المجتمع السعودي.
كما يجب التطرق إلى مصير “رؤية 2030″، خطة الإصلاح السعودية الشهيرة. وحتى قبل أن تسلط قضية مقتل خاشقجي الضوء على إخفاقات السياسة السعودية، عبّر المستثمرون الأجانب عن قلقهم بشأنها، كما حذر المراقبون الأجانب من تعثر تنفيذ هذه الخطة.
تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الجديد، إبراهيم بن عبد العزيز العساف، هو خبير اقتصادي مدرب في الولايات المتحدة وقد أمضى سنوات عديدة لتمثيل للمملكة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالإضافة إلى تقلده لمنصب وزير المالية على مدار عقدين من الزمن في المملكة، حتى سنة 2016. وقضى العساف العديد من السنوات في واشنطن، مثلما فعل عادل الجبير (وزير الخارجية السعودي السابق) الذي تسلم عساف منصبه ليصبح الآن وزير الدولة للشؤون الخارجية.
في الحقيقة، لقد كان العساف من بين مؤيدي الخطط التنموية التي اتبعتها الدولة خلال فترات الازدهار التي عاشتها المملكة. ومن المرجح أن يكون المستثمرون الدوليون الذين يعتمدون على النفقات الحكومية الثابتة، على غرار النفط والغاز والبناء، سعداء بلعب العساف دورا رئيسيا في السياسات الخارجية للبلد. وقد يساعد منصبه الجديد أيضا صندوق الاستثمارات العامة على لعب دور أهم في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية المحلية، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على تحرير السوق، وكذلك على أصحاب المشاريع السعوديين والشركات الخاصة الذين يشعرون بالضيق من الهيمنة الاقتصادية للحكومة ونظام ضريبة القيمة المضافة الجديد.
لطالما واجهت “رؤية 2030” معارضة من النخبة السعودية التي تعتبرها بمثابة تهديد واخلال بشبكات المصالح القديمة التي ربطت العائلات السعودية البارزة والأسر المالكة بالنشاط الاقتصادي الحكومي وجعلتهم يتمتعون بثروات كبيرة. وقد تكون هذه القوى هي التي استفادت من الأزمة التي تعيشها البلاد، والناتجة عن أخطاء ولي العهد الذي ارتكبها في حق معارضيه المحليين والسياسة الخارجية المتبعة من قبله لمحاولة التراجع عن تحرير السوق. كما يمكن أن يشهد مستقبل الإصلاح الاقتصادي السعودي تباطأ الآن، لكنه قد يقوم أيضا على توافق أكبر.
في الحقيقة، لا يزال محمد بن سلمان صاحب القرار في السياسة السعودية. وتستحق هذه التغييرات التي حصلت هذا الأسبوع الاهتمام. لكننا ما زلنا لا نعلم ما إذا كان ولي العهد قد قرر التخلي عن سياساته القديمة حقا؛ حتى يتمكن، مع مرور الوقت، من الحصول على نتائج أكثر استقرار وموثوقية في المملكة والمنطقة بأكملها على حد السواء.
المصدر: بروكنغز