صادق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نادر الظهور على موازنة البلاد لعام 2019 التي اعتمدت على 50 دولارًا كسعر مرجعي للبترول، سعر يتخوف الخبراء من أن يزيد من العجز في ميزانية البلاد وميزانها التجاري بسبب وجود أعراض إمكانية انخفاض برميل الذهب الأسود إلى أقل من هذا الرقم الذي اتخذته الحكومة لتسيير اقتصادها العام الداخل، ما يعني مواصلة خطط التقشف التي تثقل كاهل المواطن، ويزيد غموض المشهد السياسي مع اقتراب موعد رئاسيات 2019.
وفي تقليد يحدث كل عام، عقد الرئيس بوتفليقة الأسبوع المنقضي اجتماعًا لمجلس الوزراء صادق فيه على مشروع قانون المالية لـ2019 الذي وإن لم يحمل ضرائب جديدة تنخر جيب الجزائري المحترق بلهيب الأسعار، إلا أنه تضمن مواصلة الحكومة اعتماد سياسة شد الحزام التي بدأت منذ بداية الولاية الرابعة لبوتفليقة في 2014.
نمو ضعيف
وحسب ما جاء في موازنة 2019، فإن الاقتصاد الكلي للجزائر لسنة 2019 سيعتمد سعر بترول يقدر بـ50 دولارًا للبرميل، وتمثل عائدات النفط أكثر من 95% من مداخيل البلاد المالية، ورغم وعود الحكومات المتعاقبة في فترة الرئيس بوتفليقة بإخراج البلاد من اقتصاد التبعية البترولية، فإن الوضع بقي على حاله ولم يتقدم أي خطوات إلى الأمام، وتتوقع الحكومة أن يحقق الاقتصاد نموًا لا يزيد على 2.6%، يقابله تضخم يصل معدله حتى 4.5%.
تضمنت الموازنة رصد 1763 مليار دينار للتحويلات الاجتماعية بارتفاع طفيف لم يتعد 0.7 مقارنة بقانون مالية 2018، لكن هذه الزيادة قد لا تكفي لمواجهة الارتفاع المتواصل للمواد ذات الاستهلاك الواسع التي يصاحبها انخفاض في قيمة الدينار
وحسب ما جاء في قانون المالية 2019، فإن الحكومة تتوقع إيرادات تصل حتى 6508 مليار دينار (54.2 مليار دولار)، أما النفقات فستصل إلى أكثر من 71.3 مليار دولار.
وتضمنت الموازنة ذاتها رصد 1763 مليار دينار للتحويلات الاجتماعية بارتفاع طفيف لم يتعد 0.7 مقارنة بقانون مالية 2018، لكن هذه الزيادة قد لا تكفي لمواجهة الارتفاع المتواصل للمواد ذات الاستهلاك الواسع التي يصاحبها انخفاض في قيمة الدينار، وأجور متدنية لم تعرف أي زيادة منذ عام 2012، وضع صار يهدد الطبقة الوسطى في البلاد من أساتذة وأطباء وموظفي الإدارة المحلية.
وتوجه التحويلات الاجتماعية في الغالب لدعم العائلات المعوزة ولمعاشات التقاعد ودعم الصندوق الوطني للتقاعد المهدد بالعجز، إضافة إلى الخدمات المتعلقة بالدعم الصحي.
غير أن ما يعاب على سياسة الدعم في الجزائر أنها موجهة لجميع المواطنين، حيث يستفيد الغني والفقير من مختلف المساعدات التي تقدمها الدولة في مجالات التعليم والصحة وخفض أسعار بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع كالحليب والخبز إضافة إلى الوقود، وذلك في وقت يدعو برلمانيون واقتصاديون لمراجعة سياسة الدعم الحكومية للتخفيف من مصاريف خزينة الدولة.
انخفاض
تبعث التقلبات التي تعرفها سوق النفط في الآونة الأخيرة مزيدًا من الشك بشأن بقائها عند عتبة 50 دولارًا للبرميل الذي بنت الحكومة الجزائرية رؤيتها الاقتصادية عليه.
ورغم الاجتماعات الأخيرة للمنتجين داخل أوبك وخارجها التي توجت بإقرار خفض يصل إلى 1.2 مليون برميل يوميًا مطلع السنة الجديدة، يواصل سعر النفط تقلبه وسط مخاوف من المنتجين ومن ضمنهم الجزائر بأن يتهاوى إلى أقل من 50 دولارًا، خاصة أن هبوطه كان متسارعًا، ففي الوقت الذي أبدت الأسواق نوعًا من الانتعاش عند مقاربة البرميل 80 دولارًا سرعان ما انقلبت المؤشرات رأسًا على عقب بخسارة 30 دولارًا من سعر البرميل.
رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وتذبذب الإنتاج الليبي، فإن ضغط زيادة الإمدادات الأمريكية خاصة مع سياسة الرئيس دونالد ترامب المهددة لقرارات أوبك ساهم في تهاوي أسعار النفط
وأنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول التي تسبق عطلة نهاية السنة مرتفعة أربعة سنتات لتبلغ عند التسوية 52.20 دولار للبرميل، بعد أن تراجعت من أعلى مستوى لها في جلسة الجمعة البالغ 53.80 دولار، وتراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوى في نحو 18 شهرًا الأسبوع الماضي لتسجل بذلك انخفاضًا هذا العام فاق 20%.
ورغم العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وتذبذب الإنتاج الليبي، فإن ضغط زيادة الإمدادات الأمريكية خاصة مع سياسة الرئيس دونالد ترامب المهددة لقرارات أوبك ساهم في تهاوي أسعار النفط، ويضاف إلى هذا المخاوف العالمية بشأن إمكانية تسجيل تباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي في 2019، ما قد يتسبب في خفض الطلب على المواد النفطية مقابل العرض الكبير الموجود في السوق.
غير كافية
تضمن قانون مالية 2019 بعض الإجراءات التي ستتخذها الحكومة بهدف تقليص العجز في الميزانية وتغطية تبعات تهاوي أسعار النفط، منها السعي لتحسين تسيير المالية العمومية وتعزيز محاربة التهرب الضريبي وتشجيع القطاع الصناعي الذي تبقى مساهمته في اقتصاد البلاد دون التطلعات المرجوة، خاصة في ظل ضعف المتعاملين الخواص واعتماده بشكل أكبر على الاستثمار العمومي.
يبدو من الوضع الراهن أن الحكومة الجزائرية ستبقى غير قادرة في العام المقبل على خفض العجز في الموزانة العامة والميزان التجاري رغم التحذيرات التي أطلقها محافظ البنك المركزي
وأدرج القانون جهازًا ضد التبذير بهدف خصم بعض الأعباء التي تقدمها المؤسسات الخاضعة لضريبة الدخل على المؤسسات، وتتمثل في الحد من تكاليف المساعدة التقنية والمالية والحد من خصم الفوائد المالية المدفوعة للمؤسسات أو بين المؤسسات ذات الصلة.
ويشجع قانون مالية 2019 الإنتاج المحلي للمدخلات في صناعة الطاقة المتجددة بهدف تشجيع الإدماج الوطني، من خلال مراجعة معدلات الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة بهدف السيطرة على استيراد المكونات الوسيطة (الوحدة الكهروضوئية) والمنتج النهائي (المولد الكهروضوئي)، ضمن خطة تسعى إلى استغلال المصادر الطاقوية غير النفطية.
وستحرص الحكومة في 2019 على مطالبة المؤسسات المنتجة للسلع بالكشف عن البيانات المتعلقة بالإنتاج المادي والمدخلات المستعملة، وإعداد تقرير سداسي عن نشاطاتها توجه إلى المديريات الولائية المكلفة بالصناعة.
ودعا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالتوزاي مع ذلك في اجتماع مجلس الوزراء إلى تحيين إجراءات مكافحة الفساد وتطوير المؤسسات المعنية بهذه المهمة، خاصة أن بعض المؤسسات العمومية مثل سوناطراك النفطية تعرضت في السنوات الماضية لمحاولات نهب وتحايل في بعض الصفقات التي تعقدها مع شركات دولية في مجال البترول.
وستواصل حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى في العام الداخل الاعتماد على التمويل غير التقليدي لدعم موازنة البلاد بطبع مزيد من النقود مثلما تم السنة الماضية، لكن هذا الإجراء يحمل في طياته جوانب سلبية تتمثل في خفض جديد للعملة الوطنية وارتفاع في العملات الأجنبية المقابلة لها، ما يعني بلغة المواطن البسيط ارتفاعًا جديدًا في الأسعار ما دامت معظم حاجيات البلاد تستورد من الخارج.
ويبدو من الوضع الراهن أن الحكومة الجزائرية ستبقى غير قادرة في العام المقبل على خفض العجز في الموزانة العامة والميزان التجاري رغم التحذيرات التي أطلقها محافظ البنك المركزي، لكن رغم هذا يبقى في إمكان بلد يملك في احتياطاته 83 مليار دولار دون احتساب الذهب تجاوز الأزمة المالية التي يواجهها في حال توافرت الإرادة السياسية الحقيقية لدفع اقتصاد البلاد نحو التحسن، إلا أن ذلك لا يبدو قريبًا في ظل عدم وضوح المشهد السياسي للبلاد وإمكانية ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.