رغم الحديث المتكرر عن قطع السلطة الفلسطينية لكل العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على خلفية قراراته وتصعيده الأخير بحق القضية الفلسطينية واعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” وقطع التمويل المالي عن السلطة ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، فإن الواقع يقول عكس ذلك تمامًا.
مصادر فلسطينية رفيعة المستوى في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، كشفت في تصريحات خاصة وحصرية لـ”نون بوست”، وجود قناة اتصال سرية تجري مياهًا بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الأمريكي ترامب، وأكدت أن القناة السرية بدأ العمل بها قبل أشهر من خلال شخصيات فلسطينية رفيعة المستوى أبرزها مدير جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، إضافة إلى صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وشخصيات أمريكية أخرى رفيعة المستوى تتبع مباشرة لمكتب ترامب.
ذكرت مصادر فلسطينية خلال تصريحاتها لـ”نون بوست”، أن دولاً عربية مثل مصر والأردن على علم واطلاع دائم بتفاصيل تلك الاتصالات، في ظل المساعي التي تبذل من الدول العربية لإعادة مسار العملية السلمية إلى طريقها الصحيح
المصادر الفلسطينية أوضحت أن قناة الاتصال تنشط على الملف السياسي بشكل أساسي، ومحاولة إيجاد نقاط مشتركة بين الجانبين “الفلسطيني-الأمريكي” تساعد في إطلاق عملية سلام جديدة في المنطقة، بعد توقف استمر لسنوات طويلة، وفشل الوساطة كافة في تحريك هذا الملف.
ما علاقة مصر والأردن؟
ذكرت المصادر خلال تصريحاتها لـ”نون بوست”، أن دولاً عربية مثل مصر والأردن على علم واطلاع دائم بتفاصيل تلك الاتصالات، في ظل المساعي التي تبذل من الدول العربية لإعادة مسار العملية السلمية إلى طريقه الصحيح ومحاولة إيجاد حلول تساعد على تهدئة الأوضاع القائمة.
“الرئيس عباس معني تمامًا خلال هذه الفترة بإعادة علاقاته مع إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، لذلك أوعز لجهات فلسطينية مسؤولة بالتحرك بهذا الجانب، لضمان إغلاق صفحة العداء التي فتحت نهاية العام 2017، بين الجانبين حين أعلن ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وقرر نقل السفارة الأمريكية إليها”، تضيف المصادر الفلسطينية.
وتشير إلى أن تلك القناة البعيدة تمامًا عن أعين وسائل الإعلام ويفرض الجانبان الأمريكي والفلسطيني تكتم كبير على ما يجري فيها، حققت بعض التقدم في المشاورات الجانبية في قضية عملية السلام المعقدة والمعطلة بسبب قرارات الاحتلال بالاستيطان والتصعيد القائم بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
نهاية العام 2017، قرر الرئيس عباس رفض وساطة الإدارة الأمريكية لعملية السلام، وطالب برعاية دولية متعددة الأطراف لأي عملية سلام قادمة، على خلفية قرارات ترامب الأخيرة باعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”
ولفتت إلى أن في المرحلة المقبلة ستكون هناك لقاءات مباشرة بين شخصيات فلسطينية وأخرى أمريكية، في واشنطن، لوضع الخطوط العريضة لإطلاق عملية السلام، تكون واضحة ومباشرة، على أن تناقشها بشكل رسمي إدارة ترامب مع الجانب الإسرائيلي.
وتوقعت أن تعقد إدارة ترامب لقاءات أخرى متوازية مع الجانب الإسرائيلي، في محاولة لإقناعه بضرورة دعم واشنطن في تحركها بملف عملية السلام وتقديم بعض الخطوات التي تساعد في إنجاح جهود الإدارة الأمريكية، والعودة لطاولة المفاوضات التي هجرت منذ العام 2014.
آخر جولة مفاوضات بين السلطة و”إسرائيل” عام 2014
ونهاية العام 2017، قرر الرئيس عباس رفض وساطة الإدارة الأمريكية لعملية السلام، وطالب برعاية دولية متعددة الأطراف لأي عملية سلام قادمة، على خلفية قرارات ترامب الأخيرة باعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل سفارة بلاده إليها، إضافة إلى قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية ووكالة الغوث الدولية.
ووضع كذلك الرئيس أبو مازن شروطًا للموافقة على العودة للمفاوضات من جديد مع “إسرائيل”، تمثلت في وقف الاستيطان ثلاثة أشهر والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى التي كان قد اتفق عليها مع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ونتنياهو، وأوقفها الأخير وتسبب بانهيار المفاوضات.
لهث خلف سراب
وتحدثت المصادر ذاتها لـ”نون بوست”، أن الرئيس عباس نزل عن الشجرة أخيرًا، والآن بات معنيًا تمامًا بإعادة فتح باب المفاوضات مع “إسرائيل”، ويحاول من خلال تلك القناة السرية أن يزيل التوتر القائم مع إدارة ترامب لإعادة والوساطة بملف المفاوضات مع دولة الاحتلال.
توقع المحلل السياسي حسن عبدو، أن تكون الإدارة الأمريكية قد نصبت “مصيدة” لعباس في واشنطن، وتحاول الآن جره إليها من خلال إغراءات الحديث عن “مفاجآت جديدة ومهمة للفلسطينيين”
موقف السلطة الفلسطينية المترنح الذي يميل كثيرًا نحو الموافقة على الجلوس مع “إسرائيل” لإحياء مشروع التسوية، بعد أكثر من 20 عامًا من الفشل، باعتراف مسئولي المفاوضات في السلطة، يعتبره عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية طلال أبو ظريفة، ركضًا وراء وهم وسراب.
أبو ظريفة حذر الرئيس عباس من العودة لمربع المفاوضات، مؤكدًا أن “إسرائيل” وإدارة ترامب يحاولان جر السلطة لفخ التسوية الذي لم تجن منه القضية الفلسطينية إلا المزيد من الدمار والهلاك وضياع الحقوق.
وقال: “أي موافقة من السلطة على الدخول في مفاوضات جديدة مع دولة الاحتلال، تحت أي إغراءات أو ضغوط أمريكية أو عربية، ستكون طوق نجاة يقدم لـ”إسرائيل”، سيساعدها في التغطية على جرائمها وإظهارها كأنها طرف في معادلة السلام الدولية، وهذا الأمر يضر بقضيتنا”، مؤكدًا أن السلطة لن تحصل على شيء من اللهث وراء هذا السراب سوى الفشل.
في حين توقع المحلل السياسي حسن عبدو، أن تكون الإدارة الأمريكية قد نصبت “مصيدة” لعباس في واشنطن، وتحاول الآن جره إليها من خلال إغراءات الحديث عن “مفاجآت جديدة ومهمة للفلسطينيين”، مؤكدًا أن إدارة ترامب قد تقدم بعض الخطوات المتعلقة بالعملية السياسية في المنطقة، ولكن ليس خدمة لفلسطين ولا قضيتها، بل لمصلحة الاحتلال وحكومته اليمينية المتطرفة.
وتوقع المحلل السياسي أن تشهد الفترة المقبلة تحركًا أمريكيًا في ملف المفاوضات بين السلطة و”إسرائيل”، يستند على تقديم العروض والإغراءات للجانب الفلسطيني، مقابل الموافقة على العودة لطاولة المفاوضات، مشيرًا إلى أن هذه الإغراءات والعروض ما هي إلا فخ ومصيدة تنصب للفلسطينيين.
وأوقفت “إسرائيل” المفاوضات مع السلطة الفلسطينية عام 2014، وفرضت سلسلة من العقوبات الاقتصادية على السلطة، كرد على اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس حينها.
في حين تمر القضية الفلسطينية في أخطر حالاتها في هذه الأوقات، إذ زاد الاستيطان الإسرائيلي والتهويد في الضفة الغربية والقدس، بالتزامن مع صدور قرارات مناوئة للقضية من إدارة الرئيس دونالد ترامب، كان آخرها نقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بها عاصمة لـ”إسرائيل”.