ترجمة حفصة جودة
هل تشعر بالغرابة لأنك وصديقك تمران بنفس الحدث لكنكما تملكان ذكريات مختلفة عنه؟ لذا ما الذي يجعل الناس يسترجعون الأحداث بشكل مختلف؟ نحن جميعًا نعلم أن الذاكرة ليست مثالية ومعظم اختلافات الذاكرة بسيطة نسبيًا، لكن في بعض الأحيان تكون العواقب وخيمة للغاية.
تخيل أنكما شهدتما جريمة ما، فما العوامل التي ستؤدي إلى اختلاف الذاكرة؟ وبمن يجب أن نثق؟ هناك ثلاثة جوانب مهمة للذاكرة وهم: التشفير والتخزين والاسترجاع.
التشفير هو عملية إدخال المعلومات إلى الدماغ، أما التخزين فهو طريقة حفظ المعلومات في الدماغ مع مرور الوقت، والاسترجاع هو طريقة الحصول على المعلومات مرة أخرى من الدماغ، لذا فالتغيير في أي من تلك الجوانب سيؤدي إلى اختلاف الذاكرة من شخص لآخر.
كيف يختلف الناس في تشفير الذكريات؟
يبدأ تشفير الذاكرة بالإدراك، أي تنظيم وتفسير المعلومات الحسية من البيئة، إن مواءمة المعلومات الحسية (مثل شدة سطوع الضوء أو مستوى الصوت) أمر ضروري، لكن الإدراك لا يعتمد على المواءمة وحدها.
يتأثر الإدراك بشكل كبير بما شهدناه في الماضي وما نتوقع أن نمر به في المستقبل، هذه التأثيرات تسمى عملية البدء من العام إلى الخاص وهي ذات تأثير كبير في نجاح عملية التشفير، ومن أهم خطوات تلك العملية “الانتباه” وهي قدرتنا على التركيز بشكل انتقائي على بعض الأجزاء في العالم واستبعاد أجزاء أخرى.
قدرتنا على تشفير سياق الذكريات يتضاءل مع التقدم في العمر
ورغم أن بعض العناصر البصرية يتم استقبالها وتشفيرها في الذاكرة بقليل من الاهتمام، فإن وجود هذه العناصر مفيد للإدارك والذاكرة بشدة، لذا كيف يؤثر تركيز انتباه الأشخاص المختلفين على ما يتذكرونه؟
على سبيل المثال؛ قد يؤدي تفضيلك لفريق رياضي معين إلى تحيز ذاكرتك وانتباهك، فقد وجدت دراسة أمريكية لكرة القدم أن مشجعي فريق ما يتذكرون اللعب الخشن للفريق المنافس أكثر من تذكر ما فعله فريقهم.
يلعب العمر دورًا في اختلاف الذكريات، فقدرتنا على تشفير سياق الذكريات يتضاءل مع التقدم في العمر، ويعد السياق أحد مظاهر الذاكرة المهمة، فقد أظهرت الدراسات أننا إذا شهدنا الحدث والسياق المتعلق به فإننا نتذكر الحدث بشكل أفضل مما لو حضرنا الحدث فقط.
فمثلًا، نحن نميل إلى تشفير مكان مفاتيح السيارة إذا ركزنا على كليهما، المفاتيح وكيف وضعناها في الغرفة بدلًا من التركيز على المفاتيح فقط.
كيف يختلف الناس في تخزين الذكريات؟
يتم تشفير الذكريات لأول مرة في مخزن مؤقت للذكريات يُسمى الذاكرة قصيرة المدى، هذه الذاكرة قصيرة المدى تتضاءل سريعًا ولديها فقط القدرة على حفظ 3 أو 4 أجزاء في المرة.
لكننا نستطيع تجميع أجزاء أكبر من المعلومات وتحويلها إلى أجزاء يسهل التحكم بها، فعلى سبيل المثال يجب حفظ هذا التسلسل من الحروف: C, I, A, A, B, C, F, B, I، هذه الحروف يمكن تحويلها إلى ذكريات سهلة مثل: CIA, ABC, FBI.
يتم الاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة قصيرة المدى في حالة يسهل الوصول إليها حتى نستطيع ربط تفاصيلها معًا، وتقنيات مثل الإعادة الشفهية (كتكرار الكلمات بصوت عالٍ أو في رأسك) يسمح لنا بتحويل ذكرياتنا قصيرة المدى إلى ذكريات طويلة المدى.
طريقة صياغة السؤال تؤثر في كيفية استرجاعنا للأحداث
تمتلك الذاكرة طويلة المدى قدرة هائلة، حيث يمكننا الاحتفاظ بنحو 10 آلاف صورة وفقًا لدراسة جرت في السبعينيات من القرن الماضي، وتختلف الذكريات بين الناس في طريقة دمجها معًا، فقد حققت بعض الدراسات في طرق تحسين دمج الذكريات ويعد النوم أحد الأمثلة المعروفة.
وجدت دراسة أخرى أنه من الممكن تعزيز الذاكرة طويلة المدى من خلال تناول الكافيين بعد التعلم، فقد استخدمت الدراسة أقراص الكافيين للتحكم في الكمية المستهلكة، لكن ذلك يعزز الأدلة على فوائد استهلاك القهوة بشكل معتدل.
كيف يسترجع الناس الذكريات بطرق مختلفة؟
تعد عملية استرجاع ذكريات عرضية أو ذكرياتنا عن حدث ما عملية معقدة، لأنه يتعين علينا أن نجمع العناصر والأماكن والأشخاص في حدث واحد ذي مغزى، يتمثل في تعقيد استرجاع الذاكرة في عملية تُسمى “طرف اللسان” (TOT) وهي أمر شائع يمر به الكثيرون ونملكه في الذاكرة طويلة المدى حيث نشعر بأننا نتذكر شيئًا ما لكننا لا نستطيع استرجاعه في تلك اللحظة.
ظهور تصور الدماغ يعني أننا حددنا بعض المناطق في الدماغ التي تعد مهمة لاسترجاع الذاكرة، لكن الصورة الكاملة لكيفية عمل عملية الاسترجاع ما زالت غامضة، وهناك العديد من الأسباب التي تجعل عملية استرجاع الذاكرة تختلف من شخص لآخر، فقدرتنا على استرجاع الذاكرة تتأثر بالصحة، على سبيل المثال؛ تضعف الذاكرة عندما نُصاب بالصداع أو نشعر بالضغط والتوتر.
تتأثر عملية الاسترجاع أيضًا بالعالم الخارجي، فطريقة صياغة السؤال تؤثر في كيفية استرجاعنا للأحداث، ففي إحدى الدراسات طلبوا من الناس مشاهدة أفلام عن حوادث سيارات ثم طلبوا منهم الحكم على سرعة السيارات عندما تحطمت وتهشمت، كان الحكم على سرعة السيارات مختلف عند استخدام كلمة “اصطدمت” أو “تلامست”.
يتأثر استرجاع الذاكرة كذلك بوجود أشخاص معينين، فعندما يعمل مجموعة من الناس معًا غالبًا ما سيتعرضون لتثبيط جماعي، فقد اتضح وجود تراجع في أداء الذاكرة الجماعية عند مقارنة نفس المجموعة إذا عمل أفرادها بشكل منفصل ثم تم تجميع ذكرياتهم بعد أن سرد كل فرد ذكرياته بشكل منفصل.
هذه التأثيرات مثل تثبيط التعاون تسلط الضوء على أسباب اختلاف الذكريات، لكنها توضح أيضًا لماذا تعد شهادة العيان مشكلة، والآن بفضل انتشار الهواتف الذكية وتطور التطبيقات المبتكرة مثل “iWitnessed”، يساعد التطبيق الشهود والضحايا على حفظ وحماية ذكرياتهم.
هذه التقنيات الحديثة بالإضافة إلى فهم عملية تشفير وتخزين واسترجاع الذكريات يساعدنا على تحديد من نثق بهم عندما تختلف الروايات.
المصدر: ذي كونفرسايشن