يوشك عام 2018 على الانتهاء دون طي الكثير من صفحات الصراع المفتوحة، ولم يتحقق إلا القليل لحل الأزمات الكبرى في جميع أنحاء العالم، وفي هذا العام، سارع الصحفيون إلى مواكبة دورة إخبارية مليئة بالأحداث العالمية المثيرة والمؤثرة: عبرت كوريا الشمالية جارتها كوريا الجنوبية، وألغى البيت الأبيض الاتفاق النووي الإيراني، وزعزع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارة العالمية، وحاولت إثيوبيا وإريتريا إنهاء 20 عامًا من الصراع، وألغت الهند قانون تجريم المثلية الجنسية المعمول به منذ القرن الـ19، واعترفت السعودية بقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وأكثر من ذلك بكثير، استمر السوريون في محاولة الفرار من بلادهم مع اندلاع الصراع، وخلال الصيف، واجه الملايين هجومًا محتملًا على محافظة إدلب، وهو ما كان من الممكن أن يؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة، وفي إفريقيا، أثار اتفاق السلام النهائى بجنوب السودان لحظات من الفرح بالنسبة للمدنيين، لكن بنوده لم تُنفَّذ بعد، وفي شرق بنغلاديش، كان ما يقرب من مليون لاجئ من الروهينغا محاصرين وسط حالة من عدم اليقين، وخائفين للغاية من الاضطهاد عند العودة إلى ميانمار.
وشهد العام أيضًا موجات كبيرة من الأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار من ديارهم في إثيوبيا وفنزويلا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهذه ليست سوى أمثلة قليلة، وكلها مدفوعة جزئيًا بما يراه القادة على أنه ضوء أصفر بينما اعتادوا رؤية اللون الأحمر، وفي الوقت الذي نتطلع فيه إلى عام 2019، هناك على الأقل 4 أزمات رئيسية من المرجح أن تزداد سوءًا.
النزوح المستمر في الكاميرون
منذ فترة طويلة، توفر الكاميرون ملاذًا آمنًا للناس الفارين من الصراعات في جمهورية إفريقيا الوسطى المجاورة ونيجيريا، ولكن البلاد لديها أزمة خاصة بها في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية، وهي على وشك التصعيد إلى حرب أهلية وزعزعة استقرار بلد كان يعتبر في الماضي جزيرة هادئة نسبيًا في منطقة مضطربة.
نشأت العديد من الجماعات المسلحة للقتال من أجل الاستقلال في أجزاء الكاميرون الناطقة باللغة الإنجليزية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، وأسفرت عن حملات أمنية مشددة في هذه المناطق، وخلال الأشهر الست الماضية تدهور الوضع بسرعة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وقيود الحركة على المدنيين، وقد اجتذب تشرد أكثر من 400 ألف شخص القليل من اهتمام وسائل الإعلام الدولية، وكان هناك جهد دبلوماسي ضئيل لتخفيف حدة التوتر.
لم يتم تحديد الكاميرون على أنها نقطة ساخنة من المجتمع الدولي، وبالتالي لن يتم تخصيص سوى قدر ضئيل من التمويل لمعالجة الأزمة
وقد أقامت الحكومة الكاميرونية لجنة نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، وصدر مرسوم رئاسي يأذن بالإفراج عن بعض الأشخاص المحتجزين خلال المصادمات، لكن الانتخابات المحلية القادمة عام 2019 يمكن أن تشهد تصاعد الأزمة أكثر، ويمكن أيضًا أن تمتد إلى نيجيريا المجاورة، وهو سيناريو مروع.
وفي الوقت نفسه، لم يتم تحديد الكاميرون على أنها نقطة ساخنة من المجتمع الدولي، وبالتالي لن يتم تخصيص سوى قدر ضئيل من التمويل لمعالجة الأزمة، الأمر الذي لن يؤثر على الكاميرونيين فحسب، بل قد يؤثر أيضًا على النازحين من جمهورية إفريقيا الوسطى وشمال شرق نيجيريا.
مجاعة اليمن تلوح في الأفق
بعد 3 سنوات من الصراعات المسلحة التي دمرت بالفعل البنية التحتية والخدمات العامة واقتلعت مليوني شخص من ديارهم، فإن المكان الذي تحمَّل وطأة الفوضى الدولية خلال العام الماضي هو اليمن، حيث تعتبر الأزمة الإنسانية فيه الأسوأ في العالم، وفيه أيضًا يواجه ما يقرب من 16 مليون يمني “انعدام أمن غذائي حاد”، وذلك بحسب ما ذكرته الأمم المتحدة.
في العام المقبل، الحلف السعودي الإماراتي سيتحمل مسؤولية المجاعة التي قد تؤثر على الملايين، إذا لم يتم تنفيذ الاتفاقيات التي تمت في ستوكهولم على الفور
وبعد أكثر من أربع سنوات من الحرب والحصار الذي تقوده السعودية على اليمن، تحذر الوكالات على الأرض في اليمن بشكل جماعي من مجاعة وشيكة، لن تحدث بسبب الحصاد الفاشل أو الكوارث الطبيعية في اليمن، بل يتم تجويع المدنيين ببطء حتى الموت بسبب كارثة من صنع الإنسان، فالحرب والقيود المفروضة على الوصول والعقوبات المفروضة على السكان المدنيين من الأطراف المتحاربة والأمم المؤيدة لهم هي وحدها الملومة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أدت محادثات السلام في ستوكهولم إلى التوصل لاتفاق طويل الأجل لوقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الساحلية الحاسمة، ومع ذلك، فإن ملايين النساء والرجال والأطفال الذين هم في حاجة ماسة لم يروا بعد آثار الاتفاقات على أرض الواقع في اليمن، حيث لا تزال الاشتباكات مستمرة.
ويبدو أن إيقاف نار معارك الحديدة على الورق أسهل منه على الأرض، وعلى الرغم من برقة الأمل التي تحدث عنها البعض في مشاورات السويد فإن هناك كما يبدو طريقًا طويلاً نحو تحقيق السلام الذي دمرته الحرب في اليمن، وهنا يجب على المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وإيران وغيرها من القوى التي تدعم أطراف النزاع في اليمن أن تستخدم نفوذها للتوصل إلى نهاية دائمة للعنف.
هذه الأطراف في هذا الصراع ملطخة يداها بالفعل بالدماء، فضلاً عن استخدام السعودية ثروتها النفطية الكبيرة من أجل تجنيد الناجين من الصراع في إقليم دارفور غرب السودان، وفي العام المقبل، فإن الحلف السعودي الإماراتي سيتحمل مسؤولية المجاعة التي قد تؤثر على الملايين، إذا لم يتم تنفيذ الاتفاقات التي تمت في ستوكهولم على الفور.
وهناك حاجة لبذل المزيد من الجهود لإنهاء الحرب في اليمن، يقول الكاتب روبرت مالي، في مقال نشرته له مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، ويضيف أنه يتوقع لهذه الأزمة أن تتفاقم عام 2019 بشكل أكبر، وذلك إذا لم يستغل اللاعبون الرئيسيون الفرصة التي كسبها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث خلال الأسابيع الماضية في تحقيق وقف جزئي لإطلاق النار، وتشجيع سلسلة من خطوات بناء الثقة.
حرب أهلية في جنوب السودان
منذ اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان قبل خمس سنوات، توفي 400 ألف شخص، وفي سبتمبر، وقَّع الرئيس سلفا كير ومنافسه الرئيسي – نائب الرئيس السابق – الذي تحول إلى زعيم المتمردين رياك مشار، اتفاقًا لوقف إطلاق النار والمشاركة في الحكم حتى الانتخابات في عام 2022، وهذه الصفقة ترضي – على الأقل حتى الآن – مصالح الخصمين وكلا الرئيسين عمر البشير من السودان ويوري موسيفيني من أوغندا، وهما الزعيمان الإقليميان الأكثر تأثيرًا في جنوب السودان.
الأهم من ذلك، فقد خفضت الاتفاقية العنف في الوقت الحاليّ، وهذا سبب كاف لدعم الاتفاق، ومع ذلك، فإن الاحتمالات بالفشل تحوم حولها، فهذه الصفقة تشبه بشكل مثير للقلق الاتفاقية التي وقعها الرجلان في أغسطس 2015، وانهارت في العام التالي، مما أدى إلى تصاعد القتال.
وبتصميمها على خوض الانتخابات عام 2022، تديم هذه الصفقة التنافس بين كير وماشار حتى ذلك الحين، مما يمهد الطريق لظهور مواجهة أخرى، في حين تبقى معظم الترتيبات الأمنية المثيرة للعاصمة “جوبا” موضعًا للخلاف شأنها شأن خطط توحيد الجيش الوطني.
في السودان، وفي الوقت نفسه، يواجه البشير ما يمكن أن يشكل تحديًا خطيرًا لحكمه، ففي منتصف ديسمبر، خرج المتظاهرون إلى الشوارع في العديد من المدن والبلدات رافضين ارتفاع الأسعار وحثوا الرئيس على التنحي، وتبدو نهاية الاحتجاجات غير واضحة، لكن أزمة مطولة في جارتها الشمالية يمكن أن تزعزع استقرار جنوب السودان بشكل كبير.
وأخيرًا، فإن الجهات المانحة التي تشعر بالقلق إزاء صفقات التمويل التي انهارت في الماضي تجلس الآن على الهامش، فالولايات المتحدة التي قادت مؤخرًا الدبلوماسية الغربية في جنوب السودان تراجعت، وينتظر آخرون رؤية خطوات ملموسة إلى الأمام من كير ومشار قبل فتح دفاترهم.
مثل هذا القلق أمر طبيعي، لكن إذا فشلت هذه الصفقة، ليس من الواضح ما الذي قد يحل محلها، فقد تنهار البلاد في حال سفك الدماء مرة أخرى، وسيكون من الضروري وجود شكل من أشكال الدبلوماسية لإبقاء القادة الإقليميين مركّزين على ضمان عدم انهيار الصفقة، بالإضافة إلى بناء توافق في الآراء من أجل التوصل إلى تسوية أوسع نطاقًا تتقاسم السلطة عبر مجموعات ومناطق جنوب السودان، ودون ذلك، يمكن أن تتلاشى الفرصة الهشة للسلام الموجودة حاليًّا.
أزمة الكونغو المنسية
شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية أشكالاً من انعدام الأمن التي تنتشر كالنار في الهشيم إلى مناطق بأكملها في عام 2018، وتصاعد العنف بين الطوائف في مقاطعة “إيتوري” التي كانت تتمتع بالسلام في السابق، وتواصل مجموعات مسلحة لا حصر لها قتال بعضها البعض ومهاجمة المدنيين في الأجزاء الشرقية والوسطى من هذا البلد الشاسع، وفي الحالات القليلة التي تمكنت فيها العائلات من العودة إلى ديارها، فإن أفرادها يواجهون مثل هذا الدمار الذي يحتاجون إليه للمساعدة في البقاء على قيد الحياة.
بالإضافة إلى العنف المتصاعد، ارتفعت مستويات الجوع عام 2018، وفي هذا العام، شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية زيادة بنسبة 100% في انعدام الأمن الغذائي مقارنةً بعام 2017.
وفي الـ30 من ديسمبر/كانون أول، ينتقل الاهتمام العالمي إلى الدولة المضطربة، في الوقت الذي يتوجه فيه الشعب الكونغولي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد، لكن البلاد لن تبقى تحت دائرة الضوء الإعلامي لفترة طويلة.
إذا زادت الدول المانحة من تمويلها للفصائل المتحاربة، فإن ذلك يعيق الوصول إلى المجتمعات المحاصرة في الصراع
ومن المرجح ألا يتم الالتفات إلى الأزمة الضخمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل كبير عام 2019، بينما يستمر الوضع في التدهور، ويتجه عدد لا يحصى من الناس نحو المجاعة، وإذا لم يتم إنهاء العنف والتشرد وتعزيز الاستجابة الإنسانية، سيراقب الآباء أطفالهم يموتون من سوء التغذية والأمراض التي يمكن الوقاية منها.
يمكن للمعونة الإنسانية أن تخفف إلى حد ما من معاناة الشعب الكونغولي واليمني والكاميروني، ولكن إذا زادت الدول المانحة من تمويلها للفصائل المتحاربة، فإن ذلك يعيق الوصول إلى المجتمعات المحاصرة في الصراع، ومع ذلك، يمكن للحلول السياسية لهذه الصراعات أن تحول دون وقوع الكوارث البشرية الوشيكة.
لا يمكن تصور أن الكثير من الناس يمكن أن يموتوا جوعًا في عالم يتمتع بالوسائل والتكنولوجيا اللازمة لإطعام الجميع، وهذه كلها حالات وفاة يمكن الوقاية منها في عالم مليء بالوفرة وستؤثر على المجتمع الدولي إذا لم يقم بمنعها.