“نحن جميعًا نشهد التطور الديناميكي لمجموعة البريكس وتعزيز سلطتها وتأثيرها في الشؤون العالمية”، بهذه الكلمات افتتح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قمة مجموعة البريكس السادسة عشرة، التي عقدت في مدينة قازان جنوب غربي روسيا، في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر/تشرين الأول 2024، تحت شعار: “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين”.
وفي اليوم الثالث والأخير للقمة، بدا بوتين واثقًا من نفسه عند صعوده على المنصة لعقد مؤتمر صحفي بحضور المئات من الصحفيين الأجانب لاختتام قمة مصممة لإظهار أن بلاده ليست منبوذة عالميًا، وأن هناك بديلًا للهيمنة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، و”لكن في حين كانت الكلمات الدافئة كثيرة، كانت الأفعال الملموسة قليلة”، على حد وصف صحيفة نيوزويك.
ما الجديد هذا العام؟
كانت قمة ما يسمى بتحالف “البريكس بلس” الحدث الأكبر من نوعه الذي تستضيفه روسيا منذ سنوات، فقد شهدت حضور زعماء أكثر من 20 دولة، وعُقدت على بعد نحو 900 ميل من خطوط المواجهة، ما سلط الضوء على جدوى الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لعزل روسيا بسبب حربها على أوكرانيا المدعومة من الغرب.
كما كانت قمة هذا العام بمثابة لحظة انتصار لمضيفها، الذي ترأس كتلة متزايدة الثقل، فقد رحبت المجموعة التي بدأت بخمس دول أعضاء هي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، بالأعضاء الجدد (مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات) الذين انضموا في وقت سابق من هذا العام، وقد تمت دعوة السعودية، لكنها لم تنضم رسميًا بعد.
🇷🇺🇧🇷🇮🇳🇨🇳🇿🇦🇪🇹🇮🇷🇪🇬🇦🇪 Joint photo of the leaders of the BRICS nations’ delegations at the XVI BRICS Summit 🤝
📍 Kazan, October 23, 2024#BRICS2024 pic.twitter.com/5eIKYk6O3a
— MFA Russia 🇷🇺 (@mfa_russia) October 23, 2024
وقبل أيام قليلة من انعقاد القمة، أكد الكرملين تغيب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رغم أن السعودية أعلنت في مطلع العام الجاري أنها بدأت تباشر عضويتها في المجموعة بشكل كامل إلا أنها لم تشارك في الفعاليات المهمة للمجموعة الاقتصادية التي ترى روسيا أن تطويرها يشكل جزءًا مهمًا من استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الأمريكي ومحاولات عزلها من الغرب من خلال العقوبات.
في المقابل، شارك في القمة قادة العديد من الدول الأخرى التي أبدت اهتمامًا بتعميق العلاقات مع مجموعة البريكس، لكن أحد الضيوف الذين برزوا في القمة لم يكن مثل الآخرين، وهو رجب طيب أردوغان، الرئيس الوحيد للدولة العضو في حلف شمال الأطلسي “ناتو” منذ فترة طويلة، لكنها ليست عضوًا حاليًا في مجموعة البريكس.
كما شهدت القمة أول زيارة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى روسيا منذ أكثر من عامين، ما أثار رد فعل غاضب من كييف، وواجه انتقادات بسبب عدم قبوله دعوة لحضور قمة “صيغة السلام” التي تدعمها أوكرانيا في سويسرا في يونيو/حزيران الماضي، إلا أنه “قبل دعوة من مجرم الحرب بوتين”، بحسب وصف وزارة الخارجية الأوكرانية.
لذلك، كانت هذه القمة أكبر حدث جيوسياسي تستضيفه روسيا منذ غزو أوكرانيا قبل حوالي عامين ونصف، وقد استمتع بوتين بشكل واضح بفرصة عقد اجتماعات ثنائية مع رؤساء حكومات آخرين، والتي أصبحت نادرة بشكل متزايد منذ مارس/آذار 2023 عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، بتهمة ارتكاب جرائم حرب تتمثل في ترحيل الأطفال بشكل غير قانوني من أوكرانيا.
منذ ذلك الحين، لم يتمكن بوتين من السفر إلى البلدان الموقعة على نظام روما الأساسي دون المخاطرة بالاعتقال، ففي عام 2023، اضطر للمشاركة في قمة البريكس بجنوب إفريقيا عبر رابط فيديو، حتى لا تضطر الدولة المضيفة – وهي طرف في المعاهدة التي أنشأت المحكمة – إلى الامتثال لمذكرة الاعتقال الدولية ضده، كما غاب عن قمة مجموعة العشرين في الهند العام الماضي رغم أن نيودلهي ليست طرفًا في نظام روما الأساسي.
وقبل القمة، هزت العقوبات الاقتصاد الروسي في الأسابيع والأشهر الأولى التي أعقبت غزوها لأوكرانيا، حيث حاول الحلفاء الغربيون إبعاد موسكو عن التمويل والتجارة العالمية، وأثارت هذه العقوبات مخاوف العديد من دول الجنوب العالمي – خاصة الراغبة في الانضمام إلى البريكس – من أن الغرب يمكن أن يستخدم أدوات التمويل العالمي كسلاح ضدها.
ويعني هذا أن هذه القمة تحدت التوقعات بأن الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية حوَّلت بوتين إلى منبوذ، وأكدت – في لحظة نادرة للرئيس الروسي بعد الجهود الغربية لنبذه – استعداد العديد من الزعماء الأجانب، وخاصة من الجنوب العالمي الذي نصّب نفسه كبطل لها، لمواصلة مقابلته في تحدٍ للولايات المتحدة وحلفائها، وذلك لأن نفوذ البريكس آخذ في الازدياد.
رهانات بوتين
تمثل دول “البريكس بلس” العشر مجتمعة 36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين لا تتجاوز حصة دول مجموعة السبع الغنية 29%، كما تمثل هذه الدول 22% من التجارة العالمية، وما يقرب من نصف سكان العالم (3.5 مليار من أصل 8 مليارات شخص)، مقارنة بنحو أقل من 10% لمجموعة السبع.
واستنادًا إلى هذه الأرقام، تصرف الرئيس الروسي على أنه عضو محوري في مجموعة ديناميكية من شأنها أن تشكل المستقبل، ويتوحد أعضاؤها حول موضوع رئيسي، وهو خيبة أملهم في مؤسسات الحكم العالمي التي يقودها الغرب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد.
وكان بوتين يأمل في تحقيق فوز كبير في العلاقات العامة ضد أوكرانيا والغرب، في محاولة لإرسال رسالة لا لبس فيها، مفادها أنه على الرغم من الحرب والعقوبات الغربية، لا يزال لدى روسيا الكثير من الشركاء الدوليين المستعدين للتفاعل مع روسيا والتجارة.
ووفقًا لمديرة “مركز الدراسات الأوروبية الأوراسية والروسية وأوروبا الشرقية” بجامعة جورج تاون، أنجيلا ستينت، فإن قمة قازان لها أهمية رمزية وعملية كبيرة لنظام بوتين، فمع استمرار الحرب في أوكرانيا وفرض العقوبات الغربية، قد تثبت القمة أن روسيا، بعيدًا عن جهود الغرب لعزلها، لديها شركاء مهمون مثل الهند والصين وغيرها من القوى الناشئة الكبرى في جميع أنحاء العالم.
وينظر بوتين إلى البريكس باعتبارها عنصرًا رئيسيًا في سعيه لإنشاء نظام عالمي جديد حيث لم تعد الولايات المتحدة وحلفاؤها قادرين على إملاء القواعد السياسية والاقتصادية للنظام الدولي، ويقدم المجموعة المتوسعة كبديل لمجموعات مثل مجموعة السبع، وكجزء من تصميمه على خلق عالم متعدد الأقطاب يوازن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وتنمو فيه مصالح روسيا نفوذها.
وفي أولى خطواته لتحقيق هذا الهدف، افتتح بوتين قمة البريكس الموسعة بمهاجمة العقوبات الغربية، والدعوة إلى نظام مدفوعات دولي بديل يمكن أن يمنع القوى الغربية من استخدام الدولار كسلاح سياسي، وأشاد مرة أخرى باستخدام العملات المحلية على هامش اليوم الأول من القمة، مشيرًا إلى أن ما يقرب من 95% من التجارة بين روسيا والصين تتم الآن بالروبل واليوان.
وبالنسبة لبوتين، فإن استضافة قمة اجتمع فيها هذا العدد الكبير من القادة للقاء بعضهم البعض كان بمثابة انتصار للكرملين أيضًا، فهناك الفرص المتاحة للوقوف جنبًا إلى جنب مع زعماء العالم، والتفاوض على صفقات لدعم اقتصاد روسيا وجهودها الحربية، مع تقدم القوات في أوكرانيا.
ومع ذلك، بدا من الصعب تحديد وظيفة المجموعة أو حتى جدول أعمال موضوعي من القمة، وشبَّهها البعض بمنظمات غير فعّالة أخرى من الدول النامية، مثل مجموعة الـ77 (توسعت لتضم حاليًا 130 دولة)، وكدلالة على ذلك، بدت الأجندة الثنائية مع روسيا أكثر أهمية بالنسبة لعدد من البلدان من لقاءات جماعية على مستوى المجموعة.
ولعل الحدث الأكثر أهمية في القمة لم يكن له أي علاقة بروسيا أو أجندتها، فقد كان اجتماعًا على هامش قمة قازان بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بعد أكثر 5 سنوات من انقطاع المحادثات الرسمية، تمخض عن اتفاق تعاون ينهي أزمة خلاف حدودي ومواجهة عسكرية دامت لسنوات بين البلدين في جبال الهمالايا.
كما تمكن بوتين من التحدث إلى أهم أعضاء مجموعة البريكس، الصين والهند، حول توسيع التجارة وتجاوز العقوبات الغربية، وسمحت القمة للرئيسين الصيني والروسي بالتفاخر بعلاقتهما الوثيقة، وشهد الاجتماع مع رئيس الوزراء الهندي إعادة التوازن إلى بعض العلاقات بينهما، على الرغم من التحالف المتنامي بين روسيا والصين، المنافس الرئيسي للهند.
إعلان قازان.. لا سبيل لإخماد نار الحروب
اختتمت قمة البريكس باعتماد إعلان قازان، وهو وثيقة شاملة مكونة من 43 صفحة، تحدد مجالات التعاون الرئيسية والموقف الموحد للمجموعة بشأن القضايا العالمية، وتناول البيان الختامي، الذي بلغ طوله 43 صفحة، مجموعة من الموضوعات بما في ذلك الجغرافيا السياسية والذكاء الاصطناعي والحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض، واعتبره البعض “غير واضح وفارغ ومجرد”.
وفي الوثيقة الطويلة، ورد ذكر حرب روسيا على أوكرانيا في فقرة واحدة فقط بشكل ملحوظ، وعلى الرغم من استضافة بوتين للقمة هذا العام، فإن صياغتها كانت بعيدة كل البعد عن الخطاب المفضل للكرملين، الذي أنكر سيادة أوكرانيا، وقال إن غزو روسيا مبرر باعتباره “ردًا على توسع حلف الناتو”، وبسبب مزاعم بأن “أوكرانيا دولة يحكمها النازيون الجدد”.
ولم تتضمن تلك الفقرة الوحيدة أيًا من نقاط الحديث المعتادة لروسيا، بل حثت جميع الدول بدلًا من ذلك على “التصرف بما يتفق مع معايير ميثاق الأمم المتحدة”، بما في ذلك البند المتعلق باحترام سلامة الأراضي، وأن دول البريكس ترحب بعروض الوساطة التي تهدف إلى ضمان تسوية سلمية للحرب من خلال الحوار والدبلوماسية، وهو بيان أكثر حيادًا تستخدمه دول مثل الصين غالبًا في دعوتها لتهدئة الحرب.
دعا ذلك وزارة الخارجية الأوكرانية إلى الرد على الإعلان الختامي بقولها إنه أثبت أن دول البريكس ليس لديها موقف موحد بشأن الحرب في أوكرانيا، وأضافت في بيانها أن “محاولات موسكو فشلت في “تصدير” آرائها حول تغيير النظام العالمي إلى الدول المشاركة في القمة، كما فشلت مرة أخرى في فرض فكرة موقف بديل لما يسمى بالجنوب العالمي فيما يتعلق بالحرب على أوكرانيا”.
وأظهرت اللغة المستخدمة في الوثيقة أن بوتين، على الرغم من موقعه القيادي في القمة، ما زال غير قادر على جعل حلفائه يتفقون مع وجهة نظره بشأن الحرب على أوكرانيا، كما أظهر اعتماد إعلان قازان أن روسيا لم تؤمِّن بعد الدعم الدولي، ولم توجِد البنية الأمنية البديلة التي يرغب فيها الكرملين.
كذلك، لا تزال روسيا تواجه صعوبة في إقناع الدول الصديقة بالانضمام إلى الحرب، فقد أكد الرئيس الصيني على موقف بلاده الداعي إلى خفض التصعيد في حرب روسيا وأوكرانيا، وحث على عدم إشراك “أطراف ثالثة” في الحرب وسط تقارير عن استعداد روسيا لنشر قوات كورية شمالية في أوكرانيا، وهي علامة مغايرة على أن موسكو – التي انضمت ذات يوم إلى العقوبات ضد كوريا الشمالية للحد من طموحاتها النووية – تستمد الدعم من مجموعة متنوعة من الدول.
وتتعلق رسالة التحدي التي يوجهها بوتين للغرب، والتي أظهرتها صور زعماء العالم معه في قمة مجموعة البريكس، بمواقف حلفائه التقليديين بشأن حربه في أوكرانيا في وقت تتزايد فيه الدعوات في المجتمع الدولي لإجراء محادثات لإنهاء الحرب.
وربما كان رئيس وزراء الهند – العضو الرئيسي في مجموعة البريكس والشريك الروسي الموثوق به – الأكثر صراحة بين زعماء العالم الذين قالوا إنه يريد السلام في أوكرانيا، وقد عمل بنشاط مع كل من موسكو وكييف لتقريبهما من الحوار، ودفع بوتين نحو المفاوضات.
ورغم أن نجاح قمة بريكس كان مرهونًا بالقدرة على إخماد نار الحروب في المنطقة، اكتفى إعلان قازان بإدانة الهجمات الإسرائيلية في الشرق الأوسط في 5 نقاط، بما في ذلك الدعوة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، وإدانة استهداف “إسرائيل” للعمليات الإنسانية في القطاع وتفجير أجهزه البيجر في لبنان وانتقاد القصف الإسرائيلي على سفارة إيران في سوريا، وغزو تل أبيب لجنوب لبنان، كما أمضى زعماء العالم فقرتين في مناقشة الحرب الأهلية بجنوب السودان.
إلغاء الدولرة.. خطوط الصدع
كان أحد البنود ذات الأولوية في القمة هو الاقتراح الروسي بالالتفاف على الدولار الأمريكي من خلال تعزيز التجارة والتسويات المالية بالعملات المحلية وإنشاء نظام جديد للمدفوعات لا يخضع للعقوبات يُعرف باسم “جسر البريكس”، وقد تم اقتراحه كبديل لنظام “سويفت” العالمي الذي يسمح بانتقال سلس وسريع للمال عبر الحدود.
ويمثل التخلي عن الدولار الأمريكي إحدى أولويات بوتين، لأن التجارة بالعملات المحلية تعني أن روسيا الخاضعة لعقوبات شديدة لن تكون مدينة بالولاء للنظام المالي العالمي الغربي الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي، لكن بيان القمة الختامي أشار إلى أنه لم يتم إحراز تقدم يذكر بشأن نظام دفع بديل.
وكشفت القمة عن الصعوبات التي فرضتها العقوبات الغربية على الحياة في روسيا، فقد ورد أن معاملات البطاقات الائتمانية في قازان، لن تكون متاحة بسبب القيود المفروضة على استخدام بطاقات ماستركارد وفيزا الصادرة خارج روسيا منذ الأيام الأولى لغزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وبدلًا من ذلك، طلب منظمو القمة من المشاركين الأجانب إحضار أموال نقدية بالدولار الأمريكي أو اليورو – وهي نفس العملات التي اعتبرتها موسكو “عملات سامة”، وكان بوتين يحاول إقناع الدول الحليفة له بالتخلي عنها – لاستبدالها بالروبل في البنوك الروسية.
هذه القضايا المتعلقة بالمدفوعات الدولية لا تقوض فقط ضجة دعوة مجموعة البريكس إلى التخلي عن الدولار، بل تؤكد أيضًا على التحدي الهائل الذي قد يواجهه شركاء بريكس لتقليل اعتمادهم على الدولار، الذي ترسخت جذوره بقوة في النظام المالي العالمي، سواء بالنسبة للمعاملات التجارية أو احتياطيات النقد الأجنبي، حيث يتم إصدار أكثر من 80% من المعاملات التجارية العالمية بالدولار، وهو ما يمثل أيضًا ما يقرب من 60% من احتياطيات البنوك المركزية.
يُضاف إلى ذلك أن مجموعة البريكس مليئة بالانقسامات الداخلية، ففي حين تعمل الصين وروسيا بشكل متزايد على وضع التحالف ككتلة معادية للولايات المتحدة، يخاطر انضمام إيران مؤخرًا إلى المجموعة بترسيخ هذه السمعة، التي لا تتفق مع الأعضاء المؤسسين الآخرين والأعضاء الجدد، وقد تؤدي إلى إحجام الأعضاء المحتملين.
ويرى بوتين في مجموعة البريكس أداة رئيسية في خطته لتدمير قوة الدولار الأمريكي، لكن المحللين يرون القليل من الحماس من جانب بعض الأعضاء للاقتراح الروسي، الذي من شأنه أن يفيد بشكل رئيسي روسيا وإيران الخاضعتين لعقوبات قاسية، وبالنسبة للدول الأخرى، يبدو أن قيمة الاقتراح رمزية أكثر من قيمتها العملية وقد يخلق تكاليف ومخاطر إضافية.
وقبل القمة، كان غياب وزراء مالية الصين والهند وجنوب إفريقيا ملحوظًا عن اجتماع وزراء مالية مجموعة البريكس، ما يشير إلى أنهم لا يهتمون كثيرًا باقتراح روسيا، وفي الوقت نفسه، أوضحت الولايات المتحدة أن البلدان التي تعمل مع آلة الحرب الروسية سوف تقلص من قدرتها على الوصول إلى الدولار.
ويتعلق الصدع الآخر بالجهود المبذولة للحد من الاعتماد على الدولار كعملة احتياطية عالمية، وهذا الهدف تشترك فيه إلى حد كبير الصين، التي تحاول الترويج لليوان كعملة احتياطية بديلة، كما تفعل ذلك الهند أيضًا، ومن شأن أجندة إزاحة الدولار عن الاقتصاد العالمي أن تعرض علاقات الهند بالولايات المتحدة، شريكها الاقتصادي الأكثر أهمية، للخطر.
وبالمثل، قيَّم جهاز الاستخبارات الأوكراني أن قمة البريكس لن تؤدي إلى موافقة المجتمع الدولي على نظام بديل للتسويات الدولية التي تريدها روسيا، فالتحرك لإزاحة الدولار يزعج بعض أعضاء البريكس – ولا سيما الهند التي حاولت بالتحالف مع البرازيل منع إعادة تشكيل مجموعة البريكس – الذين لا يريدون أن يعمل تكتلهم المتوسع بسرعة كمشجع لروسيا والصين، ويصبح ببساطة تحالفًا معاديًا للغرب.
ماذا بعد؟
من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستحقق أهدافها الرئيسية لمجموعة البريكس، ورغم هذا، يدرك بوتين أن روسيا سوف تستمر في الاستفادة من رغبة ما يسميه دول “الأغلبية العالمية” في تأكيد مصالحها بشكل مستقل عن مصالح الغرب، وتمثل مجموعة البريكس وسيلة مهمة بالنسبة لهم لتحقيق هذا الهدف.
ومن المتوقع أن تستمر مجموعة البريكس في التوسع، فقد أعربت دول جنوب شرق آسيا مؤخرًا عن اهتمامها بالانضمام إلى البريكس، وطلبت تركيا رسميًا الانضمام إلى المجموعة في سبتمبر/أيلول الماضي، ما يسلط الضوء على الدائرة الآخذة في الاتساع التي يحاول بوتين جمعها حوله، ويسلط الضوء أيضًا على عدد الدول التي تحاول موازنة علاقاتها بين العديد من القوى المتنافسة.
ووفقًا للرئيس الروسي، أعربت 34 دولة أخرى – تتألف من مجموعة جغرافية وسياسية متنوعة – عن اهتمامها بالانضمام للمجموعة “بشكل أو آخر”، لكن يبدو أن السؤال الجوهري حول توسع المجموعة – فيما يتصل بالدول التي سيتم قبولها أو رفضها – لم يُحَل بعد، وهذا يثير الشكوك أكثر حول الغرض المستقبلي وحجم قمة البريكس التي دخلت عامها السادس عشر الآن.
ووفقًا لمحللين، يؤكد استعداد العديد من الدول للذهاب إلى روسيا، التي كانت تعتبر منذ وقت ليس ببعيد دولة منبوذة لانتهاكها القانون الدولي بغزو أوكرانيا، الاتجاه الذي يتبعه عدد متزايد من البلدان في العالم، وهو أنهم لا يريدون أن يكون لديهم الاختيار بين الشركاء.
ويبدو أن السعودية على وجه الخصوص متشككة في الانضمام إلى المجموعة، حيث اختار الحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان، التوجه إلى بروكسل بدلًا من قازان، ليكون الزعيم الذي يُمثَّل بوزير الخارجية، بل لم يتخذ بعد القرار النهائي بشأن الانضمام للبريكس بعد حصول بلاده على دعوة، أو شكل التعاون مع التكتل، وبشأن ما إذا كانت السعودية ستكون عضوًا كاملًا أم أنها ستكتفي بصفة مراقب.
وبشكل عام، وعلى الرغم من اهتمام مجموعة البريكس بإعادة تشكيل النظام العالمي، تمنع الانقسامات الداخلية بين دول المجموعة من تشكيل الكتلة السياسية المتماسكة القادرة على الوقوف في وجه الغرب، والتي يسعى بوتين بوضوح إلى تحقيقها، ولكن ليس قبل أن يتعين عليه التغلب على المصالح المتضاربة والأولويات المتنافسة للدول الرئيسية المختلفة في أنظمتها السياسية والاقتصادية.