ترجمة وتحرير: نون بوست
في أواخر السنة الماضية، توجهت مجلة “بوليتيكو” إلى المؤرخين الأمريكيين بالسؤال عما إذا كانت سنة 2017 الأكثر جنونا في تاريخ السياسة الأمريكية، لكن ذلك كان قبل حلول سنة 2018 الحافلة بالعديد من الأحداث الفارقة. ولعل أبرز أحداث السنة الحالية هو الانتخابات النصفية، فضلا عن إصدار الرئيس دونالد ترامب لأوامر تقضي بفصل الأطفال عن آبائهم على حدود الولايات المتحدة والمكسيك، ناهيك عن اجتماعه التاريخي مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون. ولتوثيق هذه اللحظات، طلبت المجلة الأمريكية من أفضل المؤرخين الأمريكيين وصف أحداث سنة 2018 باقتضاب، وكتابة فقرة من شأنها تلخيص السنة الحالية بشكل يمكننا من تضمينها في كتب التاريخ المستقبلية.
“سنة الإلهاء”
جوزيف إليس، مؤلف كتاب “الحوار الأمريكي: المؤسسون والولايات المتحدة”
تحدث إليس كما لو كان يعيش في المستقبل قائلا إن فترة ولاية دونالد ترامب كانت تندرج ضمن إطار النماذج التي قادت إلى تشكيل ملامح العالم الحديث، حيث تمكنت الامبراطورية الصينية من الصعود كقوة عالمية وظهرت أزمات ثقة على مستوى جميع الفروع الثلاثة للحكومة الاتحادية. وأضاف الكاتب الأمريكي أن 2018 كانت سنة الإلهاء بامتياز، حيث سيقت هذه الأحداث من قبل الإعلام على أنها أخبار غير عاجلة.
“نهاية صفة الاستثنائية الأمريكية”
جاكلين جونز، أستاذة متخصصة في التاريخ الأمريكي بجامعة تكساس
مثلت سنة 2018 صفعة قوية بالنسبة للسياسيين المتفائلين الذين لطالما أملوا أن تجلب نهاية الحرب الباردة الرخاء العالمي وتجعل العالم أكثر اتصالا، لكن الواقع كان مختلفا. وقد دأب مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي على التدخل في انتخابات الدول الأخرى، كما مثل فيسبوك وإنستغرام وتويتر منصات لنشر الكراهية ودفع المجتمعات للانقسام.
قالت نيكول هيمر، أستاذة مساعدة في مجال الدراسات الرئاسية بجامعة فيرجينيا أن الولايات المتحدة تعرضت لزلزال انتخابي بعد فوز ترامب سنة 2016، لتكون 2018 السنة التي باتت فيها التصدعات شديدة الوضوح
في حين ظن الأفراد أن العالم يتجه أكثر نحو الانفتاح ومعالجة معضلاته الرئيسية، بزغ فجر الحروب الأهلية والهجمات الإرهابية والنزوح الجماعي والكوارث البيئية. وظهر جليا أن الولايات المتحدة الأمريكية خسرت مكانتها كمنارة للتقدم والتنوير في خضم عالم مجنون. وقد رفض دونالد ترامب احترام الوقائع والحقائق، وهو ما تجلى في الاستهزاء بالعلم وإنكار وجود مشاكل مناخية وإعطاء صفقات السلاح الأولوية على حساب الجانب الإنساني.
“سنة غير مهمة أو ستكون بمثابة زلزال، لكن تحديد ذلك يعتمد على ما سيحدث سنة 2020”
هنري براندس، أستاذ في جامعة تكساس
اقترح براندس سيناريوهين اثنين لسنة 2018، يقوم أولهما على احتمال أن لا يُنتخب دونالد ترامب لولاية ثانية سنة 2020، ما قد يعكس رفض الناخبين نموذج ترامب البائس للقيادة في أول فرصة أتيحت لهم، ناهيك عن أن سياساته بشأن التجارة والأمن الدولي والهجرة والبيئة آيلة للسقوط لا محالة.
أما السيناريو الثاني فيقوم على احتمال انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة لفترة ثانية. وبالنسبة للناظر إليها من المستقبل، تُعتبر 2018 بمثابة سنة تنازل الولايات المتحدة عن دورها القيادي في العالم بشكل واضح. بالإضافة إلى ذلك، عمل ترامب على تشويه منصب الرئيس الذي لم يعد أكثر المناصب أهمية على الإطلاق، حيث أُسند هذا المنصب إلى رئيس الصين منذ سنة 2018.
“السنة التي رأينا خلالها خطوط التصدع بعد الزلزال”
نيكول هيمر، أستاذة مساعدة في مجال الدراسات الرئاسية بجامعة فيرجينيا
تعرضت الولايات المتحدة لزلزال انتخابي بعد فوز ترامب سنة 2016، لتكون 2018 السنة التي باتت فيها التصدعات شديدة الوضوح. ووفقا لتفضيلات الرئيس الأمريكي، اعتُقلت العائلات المهاجرة بشكل قانوني على الحدود مع المكسيك، وأُقيمت مخيمات كبرى يجري داخلها فصل الآباء عن أطفالهم، كما شرعت الإدارة في تطبيق رؤيتها التقليدية واعتماد سياسات مناهضة للاجئين.
مايكل كازين، أستاذ تاريخ في جامعة جورجتاون: أن تسارع نسق انهيار الهيمنة الأمريكية على العالم خلال سنة 2018، حيث أصر الرئيس المتوهم دونالد ترامب على الاعتقاد بأن تهديداته اليومية يمكن أن تحل مكان الدبلوماسية الحذقة، وهو ما يفسر عجزه عن منع الصين من زيادة حجم نفوذها في شرق آسيا وأفريقيا.
“اللحظة التي غيرت خلالها الأحزاب توجهاتها”
جوفري كافاسيرفس، مدير الدراسات السياسية في مركز نيسكانن للأبحاث
من الواضح أن 2018 كانت السنة التي غيّر خلالها الحزبان الديمقراطي والجمهوري قاعدتهما السياسية، حيث خرقت الانتخابات النصفية وممارسات ترامب التي تسعى إلى التدمير الذاتي، ولاءات السياسيين الجمهوريين ودفعتهم إلى دعم الديمقراطيين بشكل واضح. وستقود سنة 2018 الولايات المتحدة لفترة يسيطر خلالها المرشحون الديمقراطيون على منصب الرئيس، في حين يتخذ أعضاء الحزب نهجا محافظا بشكل لم يعهدوه من قبل.
“تراجع هيمنة الولايات المتحدة”
مايكل كازين، أستاذ تاريخ في جامعة جورجتاون
تسارع نسق انهيار الهيمنة الأمريكية على العالم خلال سنة 2018، حيث أصر الرئيس المتوهم دونالد ترامب على الاعتقاد بأن تهديداته اليومية يمكن أن تحل مكان الدبلوماسية الحذقة، وهو ما يفسر عجزه عن منع الصين من زيادة حجم نفوذها في شرق آسيا وأفريقيا. وقد تمكن العديد من الزعماء السلطويين في كل من روسيا والمجر وإيران من تعزيز نفوذهم دون أن يكون للولايات المتحدة تأثير ملموس، في حين كان ترامب مشغولا بزيادة تأثيرات التغير المناخي سوءًا.
“السنة التي أدركنا خلالها أن المعتقدات البالية لا تزال حاضرة في العقلية الأمريكية”
ليزابيث كوهن، أستاذة في جامعة هارفارد الأمريكية
مثلت سنة 2018 درسا قيما في التاريخ بالنسبة للأمريكيين، حيث لطالما اعتقدوا أن الحرب الأهلية كانت نتاج تراكمات وتوترات تاريخية بسبب استعباد الأفارقة وشتى أصناف الإساءات، لكن ترامب كان قادرا على إثارة الانقسامات في غضون سنتين فقط لتبلغ أوجها سنة 2018. ويمكن القول إن الولايات المتحدة ليست على شفير حرب أهلية، لكنها تعاني من ثغرات عميقة تعمل على تصنيف المواطنين الأمريكيين وتفرقتهم.
ويليام بي جونز، أستاذ تاريخ في جامعة منيسوتا: كانت 2018 سنة محورية في تاريخ العمال الأمريكيين، سواءً على مستوى تراجع الدخل وحقوق العمل والسلطة السياسية أو في ظهور أشكال جديدة للتنظيم والتعبئة.
لقد كانت 2018 السنة التي دفعت المواطنين للاعتقاد بأن كل شيء ممكن الحدوث مهما كان مستبعدا، حيث توغلت العنصرية وكراهية الوافدين الأجانب داخل المجتمع الأمريكي. وتجلت هذه الكراهية في الممارسات العنصرية على الحدود المكسيكية وعمليات القتل بناء على انتماءات الأفراد، فضلا عملية إطلاق النار الوحشية في إحدى كنائس ولاية تكساس.
“سنة مانوية من الغضب والعنف”
برادلي بيرزر، أستاذ تاريخ في كلية هيلزدال
لم تكن الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية مضطربة إلى هذا الحد منذ سنة 1968، فبتولي شخص متقلب لا يعرف كيف يضبط نفسه منصب رئيس الدولة، وجد الشعب الأمريكي نفسه وسط دوامة من الدعاية المزدوجة؛ بلد ضد مدينة، عرق ضد عرق، جنس ضد جنس، وحزب ضد حزب. لذا لا عجب في أن يسود العنف شوارع المدن الكبرى.
سنة محورية بالنسبة للعامل الأمريكي
ويليام بي جونز، أستاذ تاريخ في جامعة منيسوتا
لقد كانت 2018 سنة محورية في تاريخ العمال الأمريكيين، سواءً على مستوى تراجع الدخل وحقوق العمل والسلطة السياسية أو في ظهور أشكال جديدة للتنظيم والتعبئة. وقد افتتحت السنة مع تكهنات حول التأثير المحتمل لقضية يانوس ضد الاتحاد الأمريكي لموظفي الولايات والمقاطعات والبلديات، التي وجهت ضربة لقدرة النقابات على تمثيل الموظفين العموميين، إلى جانب القرارات الإدارية التي أدت إلى إضعاف الحماية المخصصة للمقاولين المستقلين والعاملين بالامتيازات والعاملين الفيدراليين والهجمات المفتوحة على العمال المهاجرين. ومن المفارقات أن سنة 2018 شهدت عودة نشاط عمالي وعد بتغيير هذه الأوضاع. ومن أكثر الأحداث إثارة إضراب الآلاف من المعلمين في ولاية فرجينيا الغربية، تلتها احتجاجات مماثلة في أوكلاهوما وأريزونا وكنتاكي وكارولينا الشمالية وجورجيا وكولورادو.
ديفيد غرينبرغ، أستاذ في التاريخ والدراسات الإعلامية في جامعة روتجرز: في سنة 2018، كان لا بد من الكفاح من أجل التغلب على الاستبداد الشعبوي ودعم الديمقراطية الليبرالية. فقد انتخبت بعض شعوب العالم مثل المكسيك سياسيا ينتمي لليسار الشعبوي ليكون رئيسا للبلاد في حين اختارت إيطاليا والبرازيل رئيسا يمينيا
“ترامب يعبث بينما تحدث تغيرات في المناخ”
إليزابيث كوبس، أستاذة متخصصة في التاريخ الأمريكي في جامعة تكساس
شهدت الساحة السياسة الأمريكية خلال سنة 2018 العديد من الأحداث مثل حركة “أنا أيضا” وتحقيقات مولر واتهامات تورط قاضٍ في المحكمة العليا بسوء السلوك الجنسي، وإعلان ترامب أنه رجل اتفاقيات تجارية. ولعل الحدث الأهم هو إخفاق البشرية في إبطاء التغيرات المناخية التي أغرقت الموائل الساحلية، وأشعلت النيران في المناطق الداخلية الجافة، وتسببت في انقراض النباتات والحيوانات والمحاصيل الغذائية.
في الواقع، تم إدانة الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مُنتجٍ للغازات المسببة للاحتباس الحراري بعد الصين، وأكبر مستهلك للحوم البقر بعد أستراليا. ويسلط المؤرخون العالميون الضوء على ذوبان الجليد في ألاسكا في الوقت الذي فتح فيه ترامب العديد من الأراضي الجديدة للتنقيب عن النفط، وخفض مساحة المنتزهات الوطنية، وتنازل عن حماية الأنواع المهددة بالانقراض.
“الصراع بين السلطوية والديمقراطية”
ديفيد غرينبرغ، أستاذ في التاريخ والدراسات الإعلامية في جامعة روتجرز
في سنة 2018، كان لا بد من الكفاح من أجل التغلب على الاستبداد الشعبوي ودعم الديمقراطية الليبرالية. فقد انتخبت بعض شعوب العالم مثل المكسيك سياسيا ينتمي لليسار الشعبوي ليكون رئيسا للبلاد في حين اختارت إيطاليا والبرازيل رئيسا يمينيا. وقد عادت بعض الدول الأوروبية الشرقية، مثل المجر وبولندا، لتطبيق نظام الفاشية، بينما تلاشت الآمال في إجراء إصلاحات في كل من كوريا الشمالية والمملكة العربية السعودية. أما في الولايات المتحدة، فقد أشرف دونالد ترامب على نشر الفوضى والأكاذيب، حيث أثار جدلاً بسبب سياساته الرجعية والقاسية فيما يتعلق بالمهاجرين، وخرق البروتوكولات الدولية وهذا ما أدى إلى زيادة التعصب والمواجهات العلنية الشرسة.
على الرغم من كل الدلائل التي تشير إلى انخفاض شعبيته، إلا أن ترامب لا زال ثابتا
“ثورة ضد سيطرة الجمهوريين”
هيذر كوكس ريتشاردسون، أستاذة متخصصة في التاريخ الأمريكي في كلية بوسطن
كانت 2018 سنة محورية، فقد شهدت انتهاء مرحلة سياسية بدأت سنة 1981 بانتخاب رونالد ريغان. وعلى مدار جيل كامل، حاول القادة الجمهوريون إلغاء سياسات الحكومة التي تعمل على تنظيم العمل وتوفير الرفاهية الاجتماعية. وفي سنة 2018، سيطر الجمهوريون على جدول أعمال الكونغرس والبيت الأبيض. وقد خفض الكونغرس في الضرائب المفروضة على الأثرياء في حين حاولت إدارة ترامب إلغاء قانون الرعاية بأسعار معقولة.
السنة التي خرق فيها ترامب كل القواعد
ميج جاكوبس، تُدرس التاريخ والشؤون العامة في جامعة برينستون
تمحورت سنة 2018 حول السياسة الأمريكية، ففي هذه السنة قام ترامب بخرق كل القواعد. وعلى الرغم من كل الدلائل التي تشير إلى انخفاض شعبيته، إلا أن ترامب لا زال ثابتا. وقد أثبتت هذه السنة أن ترامب كان يحرض على الكراهية كما أنه كان يقوم بتصرفات متعمدة صدمت الجميع.
سنة تتسم بالوحشية
ماري دودزياك أستاذة قانون في كلية الحقوق في جامعة إيموري
سوف نتذكر سنة 2018 على أنها سنة قاسية ووحشية، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفصل آلاف الأطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وساعدت السعودية في حربها على اليمن التي أدت إلى كارثة إنسانية. كما رفض ترامب فرض عقوبات أو حتى انتقاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على خلفية عملية القتل الوحشية للصحفي جمال خاشقجي. ومن جهته، ساعد الكونغرس والشعب الأمريكي على تفشي قسوة ووحشية الرئيس الأمريكي من خلال عدم قيامهم بما يلزم لإيقافه.
تيموثي نفتالي: طيلة سنة 2018، واجهت الحكومة الأمريكية اضطرابات بلغت أعلى مستوياتها، منذ فضيحة ووترغيت سنة 1971، بعد أن طرد ترامب وزير خارجيته ووزير الدفاع والمدعي العام ومستشار الأمن القومي ورئيس الموظفين في البيت الأبيض ووزير الداخلية.
الديمقراطية الليبرالية مقابل الترامبية
ريتشارد ستيغمان غال أستاذ تاريخ في جامعة كينت
تساءل العديد من مؤرخي الفاشية عما إذا كانت سنة 2018 ستشهد إحياء للحظات تاريخية شبيهة بحريق الرايخستاج، عندما يعلن ترامب حالة طوارئ في البلاد أو يستفيد من الوضع لترسيخ سلطته الدكتاتورية، لكن ذلك لم يحدث. وفي الواقع، استمرت الدولة الدستورية الليبرالية في العمل، وكانت نتيجة الانتخابات النصفية مهمة، حيث يمكن فهمها على أنها إعادة تأكيد للسلطة البرلمانية في مواجهة رئاسة قوية.
2018 وتغير في المسار
تيموثي نفتالي، أستاذ تاريخ في جامعة نيويورك وشارك في تأليف كتاب “الإتهام: التاريخ الأمريكي”
خلال سنة 2018، وصلت انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق. وعند التطرق إلى الحديث عن السنوات بدلا من العقود والقرون، شهدت هذه السنة تفاقم الصراع في العالم المتقدم بين الأفكار والحركات المرتبطة بالحداثة، التي تضم حركات تعبر عن قلقها بشأن تغير المناخ، وقوى التفاعل التي تحددها بشكل كبير سياسات الأهلانية والحمائية والنفور من العلم. وفي الولايات المتحدة، تركز الصراع بشكل كبير على هوية وسمعة رجل واحد، ألا وهو دونالد ترامب، نجم برنامج تلفزيون الواقع وأحد أهم المطورين العقاريين في مدينة نيويورك، الذي فاز بصعوبة في الحملة الانتخابية لسنة 2016 بمجموع أقل من 100 ألف صوت في ثلاث ولايات رئيسية.
طيلة سنة 2018، واجهت الحكومة الأمريكية اضطرابات بلغت أعلى مستوياتها، منذ فضيحة ووترغيت سنة 1971، بعد أن طرد ترامب وزير خارجيته ووزير الدفاع والمدعي العام ومستشار الأمن القومي ورئيس الموظفين في البيت الأبيض ووزير الداخلية. في المقابل، اختار محاميه الشخصي في البيت الأبيض ومستشار البيت الأبيض ومدير المجلس الاقتصادي الوطني ومدير الاتصالات في البيت الأبيض ومدير وكالة حماية البيئة والممثل الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة، مغادرة الإدارة أيضا.
تصافح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس دونالد ترامب خلال القمة التي عقدت في شهر حزيران/ يونيو الماضي في مدينة سنغافورة، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها رئيس الولايات المتحدة مع زعيم كوريا الشمالية.
على مستوى السياسة الخارجية، أدى انهيار أول فريق للأمن القومي في إدارة ترامب إلى زيادة أهمية أهواء ونزوات مستشاري المكتب البيضاوي. ولأول مرة منذ سنة 1945، كانت الولايات المتحدة بمثابة حاملة طائرات مراوحها الدافعية الثلاث مكسورة. كما دفع غرور وعناد ترامب إلى رفض قبول المشورة المحلية، الأمر الذي جعل منه هدفا سهلا للإطراء الأجنبي. وبعد توجيه توبيخ للدكتاتور الكوري الشمالي في وقت سابق من هذه السنة، غير ترامب خطابه فجأة وأطلق حملة مدح لنظيره الكوري خلال القمة التي عقدت في سنغافورة.
لكن لم ينجح كلا النهجان اللذين اتبعهما ترامب في الدفع بالرئيس الكوري الشمالي للقبول بالمطالب أحادية الجانب بشأن نزع السلاح النووي، مثلما تنبأ الرئيس الأمريكي. وخلال نهاية السنة، قدم ترامب معروفا لكل من الزعيم السعودي والتركي من خلال إعفائه لبن سلمان من مسؤوليته عن قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي على الأراضي التركية، ومن ثم تقديم معروف للرئيس التركي من خلال سحبه للقوات الأمريكية من الأراضي السورية حتى يتمكن أردوغان من القضاء على معارضيه الأكراد هناك.
التأثير التكنولوجي
ماراغاريت أومارا أستاذة تاريخ في جامعة واشنطن
بحلول نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، جمعت كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية ثروة ونفوذا كان من المستحيل تخيلهما عند بداية العصر الرقمي قبل 70 سنة. ومع قواعد مستخدمين تقدر بالمليارات وقيمة سوقية تصل إلى تريليونات الدولارات ومنتجات ومنصات أصبحت أدوات شاملة وضرورية للحياة العصرية، أحدثت شركات التكنولوجيا العملاقة تغييرا على جميع قطاعات الأعمال وأصبحت تمثل نموذجا هاما للإبداع الأمريكي وريادة الأعمال.
لكن تغيرت الرؤى فجأة خلال سنة 2018، وسط ظهور سلسلة من الاكتشافات الجديدة حول دور مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت الأخرى في تأجيج الخلاف السياسي في هذا العصر. وفي كل من الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى الهشة التي تعيش تقلبات، أصبحت المنصات المفتوحة والمترابطة التابعة لوادي السليكون بمثابة أسلحة، علما وأن مطوريها لم يقصدوا حصول هذا الأمر أبدا. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها اتهام وسيلة تواصل جديدة بقلب السياسات، فقد كانت الصحف والإذاعة والتلفزيون عرضة لتأثيرات شنيعة عندما كانت أيضا جديدة على الساحة. لكن سرعة ونطاق وسائل الإعلام عبر الإنترنت قزمت كل الوسائل الأخرى التي جاءت قبلها.
المصدر: بوليتيكو