وقعت أحداث كثيرة عام 2018 على المستوى العالمي منها ما يحدث لأول مرة كاللقاء بين زعيمي الكوريتين على خط الحدود بعد احتدام الأمور ووصولها إلى حد التنازع النووي، وفيما وقعت أحداث سوداء كقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقعت أحداث ملونة لونتها السترات الصفراء في فرنسا، ومن الزلازل الطبيعية كما حدث في إندونيسيا إلى الزلازل السياسية كما في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ومن التطورات المتوقعة كفوز الرئيسين بوتين وأردوغان في الانتخابات الرئاسية في بلديهما والانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، إلى القرارات المفاجئة كقرار ترامب بالانسحاب من سوريا رغم وجود معارضة داخلية له.
وعلى الصعيد التركي وقعت أحداث كثيرة جدًا أيضًا على مستوى السياسة الخارجية التركية وعلى مستوى السياسة الداخلية ونسلط الضوء على أهمها فيما يلي:
نجاح عملية غصن الزيتون في السيطرة على عفرين وطرد قوات وحدات الحماية منها
بدأ الجيش التركي العملية ضد وحدات حماية الشعب بمدينة عفرين الحدودية شمالي سوريا، رسميًا يوم السبت 20 من يناير/كانون الثاني 2018 وانتهت في نهاية مارس 2018، واستطاعت تركيا من خلال نجاح عملية غصن الزيتون تثبيت قدمها في شمال سوريا والقضاء على أحد مناطق التهديد الثلاثة لها في شمال سوريا، كما أثبتت كفاءة جيشها واستخباراتها والتنسيق ببين أجهزة الدولة بعد حادثة الانقلاب في 2016.
انتخابات 24 حزيران 2018 التي انتقلت البلاد بموجبها إلى النظام الرئاسي مودعة النظام البرلماني
الرئيس التركي أردوغان يحتفل مع أنصاره في أنقرة
انتقلت تركيا للنظام الرئاسي بشكل كامل بموجب انتخابات يونيو 2018 وقد تضمن العديد من التغييرات، من بينها خفض عدد الوزارات من 26 إلى 16 وزارة، وتأمل تركيا مع النظام الجديد أن تصبح أكثر سرعة وإنجازًا وزيادة في الإنتاج ومؤسسية، حيث شهد النظام الجديد إنشاء تسع لجان جديدة هي لجنة سياسات الإدارة المحلية ولجنة السياسات الاجتماعية ولجنة سياسات الصحة والغذاء ولجنة سياسات الثقافة والفن ولجنة سياسات القانون ولجنة سياسات الأمن والخارجية ولجنة سياسات الاقتصاد ولجنة سياسات التربية والتعليم ولجنة سياسات العلوم والتكنولوجيا والحداثة.
أزمة القس برانسون التي وقعت واشنطن بسببها عقوبات على أنقرة في نهاية تموز قبل أن يتم التوصل لحلها
القس برانسون
أندرو برونسون هو قس أمريكي سجين في تركيا، اعتُقل في عمليات التطهير التي حدثت بعد محاولة الانقلاب في تركيا 2016 بتهمة التجسس، وتسبب اعتقاله في أزمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا ثم تم الإفراج عنه في أكتوبر 2018، وفي الحقيقة كانت قضية برانسون مجرد عرض لحقيقة الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة، حيث كان هناك ملفات خلاف رئيسية وقد كان إطلاق سراحه أيضًا مؤشرًا على تحسن متوقع في العلاقات وإن لم يكن كافيًا.
حضور الملف الاقتصادي مع تراجع الليرة ثم تعافيها جزئيًا
تسببت أزمة العقوبات الأمريكية على تركيا في تراجع قيمة الليرة التركية
فقدت الليرة التركية ما يقارب جزءًا من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي وهو انخفاض بأكثر من 45% منذ بداية هذا العام، وقد حلل الاقتصاديون ذلك لأسباب اقتصادية تتعلق بحركة رؤوس الأموال وبنية الاقتصاد التركي واعتماده على الاستثمارات وتوسيع الاقتراض بالعملة الأجنبية، كما عزا كثيرون ذلك إلى وجود قوى خارجية أردات إلحاق ضرر بالاقتصاد من خلال العمل على تقويض ثقة المستثمرين وتشجيع هروب الأموال.
وإزاء هذا كرست تركيا جهودها للتعامل مع الأزمة بإجراءات وتدابير داخلية من خلال البنك المركزي ورفع نسبة الفائدة، ومن خلال خطة قامت بها وزارة المالية بالإضافة إلى العمل على حل الأزمات وخاصة مع الولايات المتحدة، وقد كان محصلة ذلك حدوث تحسن في سعر صرف الليرة أمام الدولار، وأعلنت الحكومة التركية تبني نموذج اقتصادي جديد تتمثل ملامحه الرئيسية في:
أولاً: التأكيد على مبدأ استقلالية البنك المركزي وتعزيز الاستقرار المالي، لتعزيز ثقة المستثمرين.
ثانيًا: خطة للحكومة في استكمال المرحلة الأولى من الخروج الاقتصادي الآمن من اقتصاد الطفرة هذا العام من خلال خفض النمو بحدود 3%، والتركيز على ثلاث أولويات وهي محاربة التضخم بقوة وخفض العجزين: في الميزانية إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الحساب الجاري من 5.5% إلى 4%.
قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية بإسطنبول
في بداية أكتوبر 2018 دخل الصحفي جمال خاشقجي إلى قنصلية بلاده في إسطنبول لإجراء معاملات رسمية ولكنه لم يخرج منها ليتبين بعد ذلك أنه تمت تصفيته داخل القنصلية وقد تحول مقتله إلى حدث عالمي وقد كان هناك الكثير من التفاصيل والأدلة التي عرضتها تركيا والكثير من الانعكاسات لهذه القضية على السعودية والولايات المتحدة ولا نبالغ إن قلنا على المنطقة بأسرها.
وفيما يلي آخر ما بقي عليه الموقف التركي من خلال تعقيبات وزير العدل التركي عبد الحميد غول وفقًا لما نشرته وكالة الأناضول:
“جريمة قتل خاشقجي تتعلق بحق الإنسان في الحياة، وستتابع تركيا إلى النهاية هذه القضية التي استهدفت من خلالها حياة إنسان”، كما أفاد أن تركيا ستلجأ في هذا الإطار إلى كل الآليات الدولية الممكنة بما فيها الأمم المتحدة وأنها تعاملت مع القضية منذ البداية باهتمام بالغ ودقة كبيرة، وأدى موقفها إلى معرفة الجميع بحقيقة ما حدث.
أصدر القضاء التركي، في 5 من ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، والمستشار السابق لولي العهد سعود القحطاني، على خلفية الجريمة
طلبت تركيا من السلطات السعودية تسليمها 18 شخصًا على علاقة بالجريمة التي ارتكبت في إسطنبول، والقضاء التركي مخول بالنظر في القضية، كما تتابع السلطات التركية الإجراءات المتعلقة بملاحقة المتورطين في الجريمة عن طريق الإنتربول.
أصدر القضاء التركي، في 5 من ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، والمستشار السابق لولي العهد سعود القحطاني، على خلفية الجريمة، وقال وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو، إن تركيا تعمل مع دول أخرى لإحالة التحقيق في القضية إلى الأمم المتحدة.
قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا الذي أُعلن بعد مكالمة هاتفية بين أردوغان وترامب
ما زالت انعكاسات القرار الأمريكي بالانسحاب من شمال سوريا تتفاعل عبر المشاورات والتنسيق التي كان آخرها وفد تركي رفيع المستوى إلى موسكو أجرى مباحثات مع الروس وقد نجم عن الاجتماع التوافق على استمرار التنسيق بين تركيا وروسيا ومن المحتمل أن الانسحاب الأمريكي يعطي لتركيا فرصة أكبر للقضاء على أي تهديد بقيام كيان على حدودها مع سوريا مع التأكيد على أنه يوجد سيناريوهات سلبية محتملة لهذا القرار.
استمرار التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية لخوض الانتخابات البلدية في نهاية مارس 2019
أكد الحزبان تحالفها في الانتخابات البلدية وهو ما يعطي ضمانات قوية لحفاظ حزب العدالة على بلديتي إسطنبول وأنقرة ومحاولة الفوز على حزب الشعب الجمهوري في بلديات أخرى مثل يلوا وإزمير.
الاستعداد لعملية عسكرية جديدة شمال سوريا بعد عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون
قوات تركيا متوجهة لسوريا
تستعد تركيا لعملية عسكرية في منبج بعد استكمال التنسيق مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، وقد لوحظ التأكيد التركي على وحدة أراضي سوريا في ظل وجود تحريض من بعض الدول المعارضة لتركيا على الدور التركي بسوريا.
بشكل عام بدا عام 2018 عامًا جيدًا للسياسة التركية الداخلية والخارجية ما عدا الأزمة التي وقعت على صعيد العملة ولكن هذه أيضًا حدث فيها تحسن ملحوظ ومن المرجح أن تعمل تركيا على اتخاذ خطوات لتأمين نفسها في هذا الجانب ومنع تكرر المشكلة ولهذا يتوقع التركيز على البُعد الاقتصادي وهو ما يستدعي استقرارًا سياسيًا وأمنيًا.
أنهت تركيا عام 2018 بعلاقات متوازنة مع كل من واشنطن وموسكو ورغم توتر علاقاتها مع عدد من دول المنطقة مثل السعودية و”إسرائيل” فإن تركيا فرضت نفسها لاعبًا قويًا في حاضر ومستقبل المنطقة.
يمكن القول إن تركيا راكمت في عام 2018 إمكانات سياسية ودبلوماسية وعسكرية جديدة واستطاعت الخروج من أزمات كبيرة وتعاملت مع الكثير من الأزمات بمرونة وذكاء وهو ما يزيد من مكانتها وقوتها في المنطقة.