قد نكون جميعنا وضعنا بعض القرارات والخطط المتعلقة بالعام الجديد في أذهاننا، تمامًا كما نفعل في نفس الوقت من كلّ عام، متفائلين بقدرتهم على التغيير الحقيقيّ هذه المرة. لكنّ الماضي والواقع يخبراننا بأنّنا جميعنا أيضًا معرّضون للفشل في تحقيق تلك القرارات والتوقّف عن العمل لإنجازها.
فقد أظهرت العديد من الأبحاث أن حوالي نصف البالغين يقومون باتخاذ عددٍ من القرارات للسنة الجديدة. ومع ذلك، فإنّ أقلّ من 10٪ منهم فقط ينجح في الاحتفاظ بها والعمل على تحقيقها لأكثر من بضعة أشهر. فعلى سبيل المثال، ما يقرب من 80٪ من رواد صالات الألعاب الرياضية الذين ينضمون مع بداية العام الجديد يستقيلون من عضويتهم في الأسبوع الثاني من شهر فبراير. 6 أسابيع ليست بالفترة الطويلة، أليس كذلك؟
وكما ذكرنا في المقال السابق، يرى علم النفس أنّ الأشخاص يتأثرون عادةً بما يُعرف بمصطلح تأثير البداية الجديدة أو البداية الطازجة، بحيث أنّنا نتعامل مع بعض المناسبات أو الأيّام الخاصة والمحدّدة على أنّها “معالم زمنيّة” مميّزة، والتي قد تكون بداية كلّ أسبوع أو شهر أو فصل دراسيّ أو عام، أو قد تكون مرتبطة بشهر رمضان أو بذكرى عيد ميلادك، أو بانتقالك لوظيفةٍ جديدة أو منزلٍ جديد، حتى أنّ البعض يمكن أنْ يلجأ لقصّ شعره حتّى يصنع “بدايته” الجديدة دون الارتباط بمناسبةٍ معيّنة.
فعلى سبيل المثال، تخبرنا تلك الأبحاث بالفعل أنّ معدّلات البحث في شبكات الإنترنت عن كلمة “حِمية” تكون أكثر ارتفاعًا في اليوم الأول من كل شهر وفي اليوم الأول من كل أسبوع. وليست صدفةً أنّ البحث عن تلك الكلمة في محرّك البحث جوجل يزيد بنسبة 82٪ في الأول من كانون الثاني من كل عام.
لكن في المقابل، يمكن أنْ يساعدنا علم النفس من خلال العديد من أفكاره ونظرياته في الالتزام بتلك القرارات والأهداف، خاصة وأنّه يعرّفنا على الطريقة الصحيحة لوضعها واختيارها قبل البدء في تنفيذها وتحقيقها.
ابدأ بالأهداف الصغيرة: غيّر سلوكياتك واحدًا تلو الآخر
ينصح الخبراء والدارسين لعلم النفس باتخاذ القرارات التي تعتقد أنه يمكنكَ الاحتفاظ بها والمداومة عليها، وبالتالي كلّما كانت أصغر وأكثر تحديدًا، أصبح من السهل عليك إنجازها. فإذا كان هدفك، على سبيل المثال، هو ممارسة التمرينات الرياضية والالتزام بها، حدّد موعدًا لثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع في الصالة الرياضية أو لممارستها في البيت أو الركض خارجًا بدلًا من تفكيرك بأنك ستقوم بالأمر خلال أيام الأسبوع جميعها. وإذا كنت ترغب في تناول الطعام الصحي، حاول استبدال الحلوى بشيء آخر تستمتع به مثل الفاكهة على سبيل المثال، أو ابدأ بتخفيف كمية السكّر التي تتناولها، ابدأ من كوب الشاي أو القهوة الذي تتناوله بشكلٍ يوميّ.
ركّز في كلّ فترة زمنية على تغيير سلوكٍ واحد أو على اكتساب غيره وإضافته لحياتك، فالتغيير على المدى الطويل قد أثبت نجاعته ونجاحه مقارنةً بالرغبة بالتغيير خلال فترة قصيرة جدًا
فكثيرٌ منّا يعتقد أنّ عليه تغيير سلوكه أو نمط حياته بشكلٍ كامل مرةً واحدة، وهذا غير صحّي بتاتًا. فسلوكيّاتنا السلبية وغير الصحية قابلة للتطوّر على مدار الوقت وفي جميع الحالات، واستبدال السلوكيّات غير الصحية بأخرى صحّية يتطلّب وقتًا طويلًا. وبالتالي، لا تكن قاسيًا مع نفسك باعتقادك أنه يجب عليك تغيير وتقييم نمط حياتك بشكلٍ كلّي.
بدلًا من ذلك، ركّز في كلّ فترة زمنية على تغيير سلوكٍ واحد أو على اكتساب غيره ممّا ترغب في اكتسابه وإضافته لحياتك، فالتغيير على المدى الطويل قد أثبت نجاعته ونجاحه مقارنةً بالرغبة بالتغيير خلال فترة قصيرة جدًا. إضافةً إلى أنّ بعض الأبحاث تُشير إلى أن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى 18 يومًا متواصلًا حتى يلتزم الشخص بروتينٍ أو سلوكٍ معيّن، وليس أقلّ من ذلك.
كما أنّ تحقيق أهداف صغيرة بشكلٍ تدريحيّ يمكن أنْ يؤدي إلى تعزيز معتقداتك الذاتية عن ذاتك وقدرتك ويزيد من مستوى النجاعة الذاتية “self-efficacy” لديك، وهي مدى اعتقادك ويقينك بقدرتك على إتمام المهام وبلوغ الأهداف. وتنصح الجمعية الأمريكية لعلم النفس أيضًا بأنّ التركيز على سلوك واحد فقط في كل مرة من المرجح أن يؤدي إلى نجاح أكبر على المدى الطويل.
قد يستغرق الأمر معك ما يصل إلى 18 يومًا متواصلًا حتى تلتزم بروتينٍ أو سلوكٍ معيّن، وليس أقلّ من ذلك
ما يعني أنّك بدلًا من وضع خطة لإنقاص وزنك خلال شهرٍ أو اثنين، حاول تغيير عاداتك غير الصحية واحدة تلو الأخرى بتركيزك عليها كلٍّ على حدة خلال الفترة الزمنية الواحدة. كما أنّ محاولة تغيير الكثير من السلوكيات دفعة واحدة أو السعي إلى تحقيق هدف صحي بعيد المنال قد يؤدي بشكلٍ كبير إلى تآكل الشعور بالثقة والكفاءة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إضعاف النوايا والرغبات في التغيير.
كافئ نفسك ولا تعاقبها
هذه نقطة مهمّة. فالكثير منّا يعتقد أنه عندما يكون قاسيًا على نفسه عندما يفشل في الالتزام بالهدف أو الخطة فإنّ ذلك سيساعده على البقاء على المسار الصحيح أكثر وأكثر، كأنْ تعاقب نفسك بعد تخلّفك عن ممارسة الرياضة ليوم أو اثنين، أو بعد تناولك لقطعة حلوى لذيذة. لكن وعلى النقيض من ذلك، تشير بعض الأدلة إلى أنّ رد الفعل القاسي على النفس بعد مثل هذه الانتهاكات يمكن أن يجعلك أقلّ، وليس أكثر، قابلية لتحقيق أهدافك.
تُشير الأدلة إلى أنّ رد الفعل القاسي على النفس يمكن أن يجعلك أقلّ، وليس أكثر، قابلية لتحقيق أهدافك وخططك
فالكمال بالالتزام بخطةٍ ما غير قابل للتحقيق. تذكّر أن العثرات البسيطة في طريقك إلى أهدافك طبيعية تمامًا، ثمّ درّب نفسك على قبول العيوب وممارسة اللطف الذاتي للحفاظ على الدافع بعد فترات الانقطاع التي لا مفر من حدوثها. في واحدة من التحليلات لأكثر من 3200 شخص، تبيّن أنّ كون المرء لطيفًا مع نفسه في تنفيذه لخططه، يعزّز التزامه بالسلوكيات الصحية أكثر من قيامه بمعاقبة ذاته أو القسوة عليها.
كما تُخبرنا النظريات السلوكيّة في علم النفس، أنّ المكافأة أكثر نجاحًا من العقاب حين يتعلّق الأمر بتعلّم سلوكٍ جديد والالتزام به على كلٍ من المدى القصير والطويل. وبالتالي، ضع لنفسك خطةَ التزامٍ واضحة يرافقها بعض المكافآت والجوائز التي تستحقّها بعد انتهاء المدّة المخصّصة لها، سواء كانت أسبوعًأ أو شهرًا أو أكثر من ذلك.
شارك قراراتك وخططك مع من حولك
تعدّ مشاركة القرارات والخطط والآمال مع من حولك أمرًا هامًّا نظرًا لأنها تساعدك أكثر في مراقبة السلوكيات المتعلقة بالقرار، كما يمكن للمشاركة أيضًا أنْ تزيد من مستويات التحفيز والتشجيع لا سيّما إنْ وجدتَ من يشاركك في نفس الأهداف، كأنْ تبدأ بممارسة الرياضة مع صديق، أو أنْ تضع خطةً مالية للتوفير مع أفراد عائلتك.
وعلى الرغم من أنّ البعض يعتقد أنّ الإفصاح عن الخطط والأهداف يحمل نتائج عكسية نظرًا لكونه يعطي شعورًا بزيف الهوية الشخصية وقدرة الشخص على الإنجاز، إلا أنّ الأمر يصبح مختلفٌ عندما تبدأ بطريقك نحو تحقيق أهدافك حيث تصبح أفعالك هي ما تتحدّث عنك وعن نواياك وأحلامك لمن حولك وليس فقط كلماتك وتعبيراتك. وبالتالي، حاذر من اقتصارك على الحديث فقط، ابدأ بتنفيذ خطتك ثمّ ابحث عن صديقٍ تشاركه فيها حتى يقوم بتشجيعك وتحفيزك ومراقبة سير إنجازك فيها، عوضًا عن أنه قد يساعدك في التحكّم في توتّرك أو قلقك أو خوفك من عدم إمكانيتك بتحقيق ما تريده.
وبالمحصلة، ثق تمامًا أنه لا يوجد خطة موحّدة للنجاح وتحقيق الأهداف يتشارك فيها الجميع، فهذا يعتمد بالنهاية على الشخصية والظروف والقدرة الفردية، لكنّ اتّباعك لبعض القواعد العامّة قد يساعد كثيرًا في معظم الأوقات. والأهم من ذلك، يعدّ الصبر مفتاحًا أساسيًّا لمتابعة الطريق وتحمّل الهفوات الممكنة، فالعادات السيئة قد تستغرق شهورًا أو سنوات حتى يمكن التخلّي عنها أو استبدالها بأخرى أكثر صحية، ولا يوجد حلول سريعة لإجراء التغييرات الكبيرة في نمط حياتك، وما يهمّ فعلًا هو أنْ تتعلّم من أخطائك. ولا تنسَ أنّ كلّ يوم يمكن له أن يكونَ يومًا جديدًا، فلا تجعل أهدافك وخططك تتوقف عند بداية السنة وحسب.