قالت مصادر إسرائيلية بأنه من المرجح أن تتعرض الحكومة الإسرائيلية إلى ضغوط من المجتمع الدولي في حال تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وذلك بعد استقالة الحكومة السابقة برئاسة رامي حمدالله تمهيداً لتطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية.
وكان الرئيس عباس قد قال في كلمة له أمام المجلس المركزي الفلسطيني يوم السبت الماضي أن حكومته ستعترف بإسرائيل، وستنبذ العنف وتلتزم بالاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. الأمر الذي قالت عنه حركة حماس بأنها لن تعترف بإسرائيل.
الإذاعة الإسرائيلية في الوقت ذاته قالت أن “الرئيس عباس سيتمكن من تشكيل حكومة كفاءات وطنية توافقية، وذلك خلافاً للتوقعات السابقة التي أبدتها بعض الجهات في إسرائيل”، الأمر الذي يعني مزيداً من الضغوط على إسرائيل التي عارضت اتفاق المصالحة واعتبرته تهديداً مباشراً لها.
في الوقت ذاته أبدت السلطات الإسرائيلية التخبط في اعلان المصالحة وكأنه جاء في الوقت الغير متوقع، فبعد التصريحات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باعتبار المصالحة وخطاب عباس مسماراً في نعش إسرائيل والسلام، بدأت اتخاذ خطوات عملية بعقوبات اقتصادية والتهديد بوقف المفاوضات بأكملها وإلغاء اجتماع مجدول و وقف مشاريع فلسطينية للبناء في الضفة الغربية.
وكان وزير الجبهة الداخلية الإسرائيلية جلعاد أردان قد أعلن الجمعة الماضية عن سلسلة عقوبات اقتصادية بحق الفلسطينيين، أولها وقف كامل في أموال المقاصة الشهرية المستحقة للفلسطينيين، رداً على اتفاق المصالحة الفلسطينية.
وإيرادات المقاصة، هي تلك الأموال التي تجبيها إسرائيل، نيابة عن الفلسطينيين عن السلع والخدمات الصادرة والواردة من وإلى فلسطين، عبر الحدود الدولية، والبالغ متوسط قيمتها الشهرية أكثر من 140 مليون دولار.
وأضاف أردان أن العقوبات المفروضة سترتفع تدريجياً بقوله “وسنبدأها بوقف تحويل إيرادات المقاصة الشهرية، التي يعتمد عليها الفلسطينيون في نفقاتهم الشهرية”.
وإضافة للعقوبات الاقتصادية، كانت إسرائيل قد أعلنت تعليق المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، جاء ذلك بعد اجتماع لرئيس الوزراء مع اللجنة الوزارية المصغرة، لبحث سبل الرد على توقيع اتفاق المصالحة.
وكانت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قد وصلت في الفترة الأخيرة من قبل المصالحة إلى أصعب مراحلها، وذلك بعد نحو 9 أشهر على استئنافها، خاصة في أعقاب رفض إسرائيل الإفراج عن دفعة من الأسرى القدامى، والرد الفلسطيني بتوقيع طلبات الانضمام لـ15 معاهدة واتفاقية دولية.
أستاذ الاقتصاد في جامعة حيفا، توفيق الدجاني قال أن قرار وقف إيرادات المقاصة كان مطروحاً مطلع الشهر الجاري، إلا أن التصريحات حول تجميدها لم تكن بتلك الثقة والقوة، “لكن الآن لهجة الإسرائيليين تغيرت، ويبدو أن خطوات تصعيدية اقتصادية ستتبع هذا القرار”.
وأضاف الدجاني لوكالة الأناضول أن التهديدات الإسرائيلية هذه المرة جدية، “لأن آخر ما كانت تتوقعه حكومة نتنياهو أن تنهي حركة فتح بقيادة الرئيس محمود عباس، الانقسام مع قطاع غزة ممثلاً بحركة حماس”.
أما الباحث في الاقتصادي الإسرائيلي مهند عقل توقع أن تطال العقوبات مستقبلاً حركة الأفراد بين المدن في الضفة الغربية، والضغط على الجانب المصري لإبقاء معبر رفح مغلقاً بوجه سكان قطاع غزة.
وتابع، “أن أكثر العقوبات التي وجدتها إسرائيل مؤثرة بحق الفلسطينيين، هي المتعلقة بحركة المواطنين والبضائع بين المدن والمناطق الفلسطينية داخل الضفة الغربية، “إضافة إلى عقوبات أخرى مرتبطة بسحب السيولة من عملتي الشيكل والدولار الأمريكي من السوق الفلسطينية”.
ومضى قائلاً، “ربما في مراحل لاحقة، ستقوم إسرائيل بفرض عقوبات أخرى، مرتبطة بمنع تصدر المنتجات الفلسطينية إلى الأسواق الأجنبية، كما ستمنع الاستيراد، وتجبر التجار على الاعتماد على السوق الإسرائيلية كمصدر للسلع والبضائع”.
يذكر أن إجمالي الصادرات الفلسطينية يبلغ سنوياً نحو 800 مليون دولار، بينما وصلت قيمة الاستيراد إلى أكثر من 5 مليارات دولار، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن العام الماضي.
وإزداد تعمق الأزمة الإسرائيلية من المصالحة الفلسطينية بعد ترحيب الإتحاد الأوروبي باتفاق المصالحة، والذي جاء على لسان الممثلة العليا للشؤون الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي “كاثرين أشتون التي قال أن “الاتحاد الأوروبي يدعم دائما المصالحة بين الفلسطينيين، شريطة أن يكون أي اتفاق بين حركتي فتح وحماس، بقيادة رئيس السلطة الفلسطينية عباس”، معربة عن “تبني الحكومة الجديدة المرتقبة موقفا ضد العنف، وضرورة الوفاء بشروط السلام، والقبول بالالتزامات والاتفاقات السابقة لصالح الحل السلمي بما فيها حق إسرائيل في الوجود”.
رد الإسرائيلين على موقف الأوروبيين -غير المتوقع- جاء على لسان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي زئيف إلكين الذي قال أن “الموقف الأوروبي تحليل للمحرَّم، فحماس هي تنظيم إرهابي حسب المفهوم الأوروبي أيضاً”.
وكان قطاع غزة قد شهد الأربعاء الماضي توقيع وفد من منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقاً مع حركة حماس، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتشكيل حكومة توافقية في غضون 5 أسابيع، وإجراء انتخابات في غضون 6 أشهر.