حددت لجنة الإنقاذ الدولية “IRC” البلدان الأكثر عرضة لخطر الكوارث الإنسانية في العام المقبل، وتتصدر اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان قائمة العشرة الأوائل، أما البلدان السبع المعرضة للخطر التي حددها خبراء الاستجابة للطوارئ في لجنة الإنقاذ الدولية، فهي أفغانستان وفنزويلا وجمهورية إفريقيا الوسطى وسوريا ونيجيريا وإثيوبيا والصومال.
قد تكون المخاطر بشرية مثل الصراعات المسلحة والانهيار الاقتصادي أو طبيعية كالجفاف والفيضانات وغيرها من الأحداث المتعلقة بالمناخ، وفي كل المخاطر يكون النزوح الداخلي أو الخارجي الاتجاه السائد، وقد نزح نحو 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وتمثل الدول العشر أكثر من نصف عمليات النزوح أو ما يقرب من 22 مليونًا.
وتمثل البلدان العشر أيضًا 13 مليون لاجئ، و65% من الإجمالي العالمي، بالإضافة إلى 3 ملايين شخص إضافي فروا من فنزويلا، وفقًا للأمم المتحدة، سيحتاج نحو 132 مليون شخص في 42 دولة حول العالم إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الحماية، في عام 2019.
الكونغو.. الفرار من الجوع والإيبولا
يعد الوضع الإنساني في جمهورية الكونغو الديمقراطية أحد أكثر الأوضاع الإنسانية تعقيدًا وصعوبة في العالم، وأدى ما لا يقل عن عقدين من الصراع إلى حالة من عدم الاستقرار في أجزاء كبيرة منها، حيث يعاني أكثر من 13 مليون شخص في الدولة الشاسعة من أزمة ما أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي.
جمهورية الكونغو الديمقراطية تشهد أيضًا ثاني أكبر تفشٍ للإيبولا في التاريخ
وتسببت موجات جديدة من الاضطرابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية بنزوح أكثر من 1.9 مليون شخص منذ يناير 2017، لا سيما في مناطق كاساي وتانغانيكا وكيفو، وفر عشرات آلاف الأشخاص الآخرين إلى أنغولا وزامبيا وغيرها من البلدان المجاورة، بوتيرة تدعو للقلق، نظرًا لأن العنف المتفاقم يعطل الحياة وسبل كسب العيش في مختلف أنحاء البلاد.
وشهدت أرقام النزوح الأخيرة تباينًا، لكن الأمم المتحدة حددت 4.5 مليون نازح داخليًا في عام 2017، ويزداد خطر حدوث موجات جديدة من النزوح، نظرًا لأن الصراعات السياسية والعرقية تطال مناطق عديدة، هذا بالإضافة إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تشهد أيضًا ثاني أكبر تفشٍ للإيبولا في التاريخ.
وتشير التوترات بشأن الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 30 ديسمبر 2018 إلى أن عام 2019 من المرجح أن يبدأ بخلافات سياسية مكثفة واحتجاجات وربما عنف متزايد من الميليشيات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم حالات النزوح وانعدام الأمن الغذائي، في حين سيستمر انتشار الإيبولا.
فنزويلا.. الطرق إلى الجحيم الاقتصادي
رغم ثروة فنزويلا النفطية المتميزة، فهي تمر بأسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخها الحديث بسبب تراجع أسعار النفط، فقد تراجعت أسعار النفط منذ خمس سنوات على الأقل والملايين من الفنزويليين في أزمة اقتصادية واجتماعية لا مثيل لها في تاريخ هذا البلد، متسببة في نفس الوقت، في أزمة سياسية خانقة تدور بين الرئيس مادورو الذي خلف الزعيم المتوفي هيغو تشافيز، والمعارضة اليمينية التي تطالب برحيله من الحكم.
وأدى الانهيار الاقتصادي في فنزويلا إلى خروج 3 ملايين شخص على الأقل من البلاد، وذلك إلى حد كبير لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف إطعام أسرهم، كما أدى إلى ارتفاع سريع في مستوى الجرائم والعنف وانهيار نظام الرعاية الصحية، مما ساهم في انتشار أمراض مثل الحصبة والدفتيريا.
ومن المرجح أن تزداد أزمة فنزويلا الاقتصادية سوءًا في عام 2019، إلا إذا قامت الحكومة بتحويل الاتجاه بشكل جذري وقدمت إصلاحات اقتصادية، وعلى عكس ذلك، ستستمر الأمراض في الانتشار وسيكون الناس بلا طعام ومجبرين على الفرار من البلاد.
جمهورية إفريقيا الوسطى.. أزمات تلوح في الأفق
شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى حالة من عدم الاستقرار المستمر منذ أن أطاحت الجماعات المسلحة بالحكومة عام 2013، مما أدى إلى تفاقم الوضع في بلد كان يعاني بالفعل من نقص في التنمية.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لجلب الجماعات المسلحة إلى طاولة الحوار، يبقى العديد من المدنيين تحت رحمتهم، ويواجه أكثر من 550 ألف شخص مستويات مزعجة من انعدام الأمن الغذائي، بحسب منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”.
قد يكون المدنيون السوريون أكثر عرضة للهجمات الجوية ولديهم خيارات قليلة للأماكن التي يمكنهم الفرار إليها
وعلى أعتاب عام جديد، من المرجح أن تستمر النزاعات التي تؤدي إلى مزيد من التشريد وانعدام الأمن الغذائي في جمهورية إفريقيا الوسطى، ومع وجود عدد قليل من السكان الضعفاء أصلاً، فإن الصراعات الصغيرة نسبيًا أو الأحداث الطبيعية سيكون لها آثار إنسانية كبيرة تهدد الأرواح.
ويستمر الصراع في سوريا
تواجه سوريا نزاعًا مسلحًا منذ اندلاع الاحتجاجات ضد حكومة الرئيس بشار الأسد عام 2011، ويبدو الصراع في سوريا مستمرًا في المسار نفسه، ويبدو أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيفوز بمعركته ضد المعارضة، وذلك بمساعدة من إيران وروسيا.
وعلى إثر ذلك، انهارت الخدمات الصحية والتعليمية، وهناك ما يقرب من 6.2 مليون نازح في سوريا ينتظرون العودة إلى مناطقهم، فيما يتجاوز عدد اللاجئين بالخارج 5.5 مليون سوري، يعانون كما لو كانوا خارجها.
ومع إعلان ترامب منتصف الشهر الحاليّ عزمه سحب قواته من سوريا، فإن احتمالات نشوب صراع دموي بين تركيا وحلفائها السوريين والأكراد السوريين ونظام الأسد، آخذة بالتزايد، فيما لا تزال مناطق شمال غرب سوريا عرضةً للتهديدات الرئيسية والمزيد من تدمير البنية التحتية في عام 2019، مع استمرار النزاع، وقد يكون المدنيون السوريون أكثر عرضة للهجمات الجوية ولديهم خيارات قليلة للأماكن التي يمكنهم الفرار إليها.
الصومال.. حين تجتمع الكوارث بمختلف أنواعها
ابتلي الصومال بالصراع المستمر منذ عقود، وتسبب عدم الاستقرار وانعدام الأمن إلى جانب الكوارث الطبيعية في أزمة خلَّفت أكثر من 2.6 مليون صومالي من النازحين داخليًا و870 ألف شخص مسجلين كلاجئين، وما يزيد المشكلة تفاقمًا هو حالة الجفاف في أجزاء من جنوب ووسط الصومال، ناهيك عن تدهور المراعي في المناطق الشمالية جراء الموسم الجاف.
قد يؤدي انهيار اتفاق السلام بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار إلى حالة من سفك الدماء مرة أخرى
وﻣﻦ اﻟﻤﺮﺟﺢ أن يﺒﻘﻰ اﻟﺼﻮﻣﺎل ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻘﺮ وﻣﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻨﺰاﻋﺎت ويﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻧﻌﺪام اﻷﻣﻦ اﻟﻐﺬاﺋﻲ ﻃﻮال ﻋﺎم 2019، في حين أنه من غير المحتمل استمرار هجمات عناصر “حركة الشباب” التي تتبنى فكر تنظيم “القاعدة” في الصومال، إلا أن النزوح ﺴﻴتواصل ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻨﺰاع اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ.
جنوب السودان.. اتفاق لا يوقف الحرب الأهلية
بعد عامين من الاستقلال في عام 2011، سقط جنوب السودان في قبضة حرب أهلية مدمرة أدت إلى مقتل عشرات الآلاف، وبينما انخفض القتال في أعقاب اتفاق سلام “هش”، استمر العنف الذي خلَّف 1.96 مليون نازح في الداخل، و2.47 مليون لاجئ، و6.1 مليون شخص يواجهون مستويات أزمة انعدام الأمن الغذائي أو ما هو أسوأ من ذلك.
حتى دون تصعيد في القتال، سوف تكافح نسبة كبيرة من سكان جنوب السودان للحصول على ما يكفي من الطعام، أما إذا كان اتفاق السلام قائمًا، فمن المرجح أن يستمر النزاع المحلي في تهجير عشرات الآلاف من المدنيين، نظرًا للتهديدات التي تهدد سلامتهم من أنشطة الجماعات المسلحة، وقد يؤدي انهيار اتفاق السلام بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار إلى حالة من سفك الدماء مرة أخرى، وزيادة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية.
اليمن.. عندما تجتمع الحرب والكوليرا
منذ عام 2015، تورط اليمن في حرب أهلية مريرة، حيث لا يزال أكثر من 24 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، مع تحذير الأمم المتحدة في أواخر عام 2018 بأن البلاد تخاطر بمواجهة “مجاعة هائلة”، ووفقًا لأحدث التقييمات، يعاني أكثر من نصف مليون يمني من مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، اليمن أيضًا موطن التفشي الأسوأ للكوليرا في التاريخ الحديث، حيث تأثر أكثر من مليون شخص.
مما زاد الأمور تعقيدًا أن عام 2018 شهد عودة أكثر من نصف مليون لاجئ أفغاني من إيران قسرًا
ومن المرجح أن تستمر الحرب الأهلية وما يرتبط بها من كوارث إنسانية في عام 2019 مع استمرار دعم التحالف بقيادة السعودية والإمارات للقوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي في قتالهم ضد المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وأجزاء أخرى من البلاد، ومع تزايد انعدام الأمن الغذائي واستمرار الضربات الجوية في قصف المناطق المدنية والمرافق الطبية، سيكون من الصعب على المنظمات الإنسانية تقديم المساعدات، ومساعدة الأشخاص الذين نزحوا من منازلهم، والتصدي لسوء التغذية المنتشر على نطاق واسع.
ويمكن للأزمة الإنسانية – الأسوأ في العالم – أن تتدهور أكثر في عام 2019 إذا لم يستغل اللاعبون الرئيسيون الفرصة التي اكتسبها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن جريفيث خلال الأسابيع الماضية في تحقيق وقف جزئي لإطلاق النار وتشجيع سلسلة من خطوات بناء الثقة، وفي حال فشلت جهود الحوار وبدأ التحالف هجومًا للسيطرة على مدينة الحديدة، التي تستحوذ على 70% من المساعدات الواردة لليمنيين الذين يموتون جوعًا، فإن نحو 250 ألف شخص آخر يمكن أن يقعوا في المجاعة، إذا لم يستمروا في تلقي المساعدات الغذائية الكافية، بل قد يفقدوا كل شيء حتى حياتهم.
أفغانستان.. مستقبل سياسي مجهول
إذا كان اليمن يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم، فإن أفغانستان تعاني من أكثر المعارك دموية منذ غزو عام 2001 بقيادة الولايات المتحدة، وبعد أن كانت حركة طالبان على حافة الهزيمة، بدأت تتقدم باطراد منذ عام 2014.
وبلغت حصيلة قتلى الحرب في أفغانستان عام 2018 وحده أكثر من 44 ألفًا من المدنيين والمقاتلين، وقد أدى الصراع المقترن بالجفاف المزمن إلى نزوح واسع النطاق وانعدام لأمن الغذاء، ومما زاد الأمور تعقيدًا أن عام 2018 شهد عودة أكثر من نصف مليون لاجئ أفغاني من إيران قسرًا، مع احتمالية عودة ربع مليون العام 2109.
قد يكون للانتخابات النيجيرية تأثير مزعزع للاستقرار ويمكن أن يثير شرارة نزاع أكبر، مما يؤدي إلى مزيد من النزوح
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعلن في منتصف الشهر الحاليّ بأن نصف القوات الأمريكية في أفغانستان قد تغادر البلاد، يترك المزيد من القلق، ولن يكون له أثر عسكري حاسم، كما تعتبر عملية السلام عالقة في ظل إصرار طالبان المستمر على التزام الولايات المتحدة بجدول زمني للانسحاب الكامل للقوات الدولية.
وستتزامن الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل 2019 مع بداية موسم القتال في الربيع، ومن المرجح أن تؤدي إلى زيادة عنف طالبان، كما سيزداد النزوح المدفوع بالنزاعات، ومن المتوقع أيضًا أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي بسبب استمرار العنف وتداعيات الجفاف في الفترة 2017-2018.
نيجيريا.. السياسيون يؤججون الانقسامات
خلال عام 2018، شهدت أجزاء من نيجيريا هجمات متكررة من الجماعات المسلحة، فضلاً عن العنف الطائفي الذي تفاقم بسبب التنافس على موارد المياه والأراضي، ونتيجة لذلك، شُرِّد أكثر من مليوني نيجيري داخليًا وحاول نحو 230 ألف اللجوء إلى البلدان المجاورة.
وخلال الأيام القادمة يمكن أن يتفاقم العنف، مما يؤدي إلى المزيد من حالات النزوح ويؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي لملايين النيجيريين، بينما يتحمل المدنيون في أجزاء من شمال شرق البلاد وطأة الصراع الوحشي بين القوات الحكومية وتمرد بوكو حرام الإسلامي المرن.
سيذهب النيجيريون إلى صناديق الاقتراع في فبراير 2019 لانتخاب رئيس وهيئة تشريعية فيدرالية جديدة، ومرة أخرى في مارس لاختيار حكام الولايات والمشرعين، وقد يكون للانتخابات النيجيرية تأثير مزعزع للاستقرار ويمكن أن يثير شرارة نزاع أكبر، مما يؤدي إلى مزيد من النزوح.
إثيوبيا.. مهمة الإنقاذ الصعبة
تشهد إثيوبيا صراعًا داخليًا متزايدًا، وسجلت أعلى عدد من النازحين داخليًا في عام 2018، حيث شهد نزوح 1.4 مليون شخص داخليًا شخص من ديارهم وسط العنف في النصف الأول من عام 2018؛ أي أكثر من أي بلد آخر.
ويزداد الوضع سوءًا بسبب التوتر بين المجموعات السياسية والإثنية الإقليمية، ومنذ تولى رئيس الوزراء الجديد آبي أحمد منصبه في أبريل/نيسان الماضي، وشروعه في إدخال إصلاحات جديدة، تشهد إثيوبيا بين الحين والآخر مواجهات وأعمال عنف دامية بين المجموعات العرقية المختلفة الموجودة في البلاد، وهو ما أثر على استقرارها، وما من شأنه أن يؤثر أيضًا على الإصلاحات التي يسعى رئيس الوزراء الذي ينحدر من عرقية أورومو أكبر مجموعة عرقية في البلاد.
ومن المتوقع أن تظل التقلبات السياسية مع احتمال كبير لمواصلة الصراع على أسس عرقية، مما يؤدي إلى تفاقم حالات النزوح الرئيسية وانعدام الأمن الغذائي، الأمر الذي سيزداد سوءًا إذا استمرت ندرة الأمطار وقلة الحصاد.