في زيارةٍ تاريخية، وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى ريو دي جانيرو، كأول رئيس وزراء إسرائيلي يزور البرازيل زيارةً رسمية منذ إعلان “إسرائيل” الدولة عام 1948، وكان في استقباله إدوارد بولسونارو نجل الرئيس البرازيلي المنتخب حديثًا ونائبه، الفائز والده، اليميني المتطرف، جايير بولسونارو، بالانتخابات الرئاسية أكتوبر/تشرين الأول، على حساب مرشح اليسار فرناندو حداد بنسبة 52.8% من الجولة الثانية، مقابل 43.2% لمرشح اليسار.
وقد التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بالرئيس البرازيلي المنتخب حديثًا في لقاء رسمي منفرد، أعقبه جلسة مباحثات مشتركة بين الوفد الإسرائيلي الرسمي، ووزراء الخارجية والدفاع والمالية من الجانب البرازيلي، فلم هذه الزيارة؟ وماذا حدث خلالها؟
أمريكا اللاتينية متنفسًا جديدًا لدبلوماسية تل أبيب
بشكل عام، تعتبر أمريكا اللاتينية هدفًا نوعيًا غير تقليدي في السياسة الخارجية لتل أبيب، فمن جهةٍ تسعى البلد الصغير لنفي تهمتي “العزلة” و”الحصار” اللتين طالما التصقتا بها، عبر فتح عواصم جديدة لم تعتد دبلوماسية “إسرائيل” التواصل معها، بعيدًا عن العواصم التقليدية والإستراتيجية التي تجمعها علاقات بها بطبيعة الحال، فتوجه قطارها ناحية: البلاد العربية وأقاصي آسيا، وأمريكا اللاتينية.
ومن جهة أخرى، وعلى نحو مخصوص، وجدت القيادة الإسرائيلية أن الفرصة سانحةٌ أمامها لتحقيق هذا الهدف، بعد تفتت الموانع التي كانت تحول بينها وبين ذلك في أمريكا اللاتينية، فقد أفل نجم اليسار في كبرى دول القارة الغنية بعد رحيل كرستينا كرشنر زعيمة الأرجنتين، وديلما روسيف رئيسة البرازيل، اللتين تبنتا سياسات معادية للمعسكر الغربي، وجاهرتا بدعم بلادهن للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، على خلفية انتماءاتهن السابقة للفئات الاجتماعية المهمشة واشتغالهن بالعمل الحقوقي قبل الانخراط في العمل السياسي، حتى إن رئيسة الأرجنتين اعتادت مهاجمة “إسرائيل” في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونشب بينهما خلاف دبلوماسي عقب تقاربها مع إيران.
قام نتنياهو في سبتمبر الماضي – لأول مرة أيضًا – بزيارة ثلاث دول لاتينية دفعة واحدة، هي: الأرجنتين والمكسيك وكولومبيا؛ لتصبح بذلك البرازيل المحطة الثانية لنتنياهو في القارة اللاتينية، والأولى من حيث الأهمية
فيما وصفت زعيمة البرازيل القصف الإسرائيلي على غزة في معركة “الجرف الصامد/العصف المأكول” يوليو 2014 بـ”المجزرة” وسحبت سفير بلادها من تل أبيب لنفس السبب، وهو الأمر الذي دفع تل أبيب لوصف البرازيل “بالقزامة الدبلوماسية “.
أما الآن، فالمعطيات قد تغيرت كثيرًا عن ذي قبل، خاصة مع اعتلاء السلطة زعماء يمينيين ذوي خلفيات عسكرية وميول شعبوية، ينقمون على الديمقراطية ويؤيدون “إسرائيل”، ومنهم بولسونارو الذي بشر “إسرائيل” إبان حملته الانتخابية، بنقل عاصمة بلاده إلى القدس بدلاً من تل أبيب، معتبرًا أن “إسرائيل دولة ذات سيادة، لها حقها في اختيار عاصمتها، بينما فلسطين ليست دولة، ويجب غلق سفارتها في برازيليا”.
وعلى نفس الخط، قام نتنياهو في سبتمبر الماضي – لأول مرة أيضًا – بزيارة ثلاث دول لاتينية دفعة واحدة، هي: الأرجنتين والمكسيك وكولومبيا؛ لتصبح بذلك البرازيل المحطة الثانية لنتنياهو في القارة اللاتينية، والأولى من حيث الأهمية.
فرص واعدة للعمل المشترك
بطبيعة الحال، لم تغب المصالح الاقتصادية عن هذه الزيارة المهمة، فـ”إسرائيل”، كما تقول في بياناتها الرسمية، تنظر للبرازيل باعتبارها بوابةً لتثبيت أقدامها في أمريكا اللاتينية، خاصة لكونها الدولة الأكبر من حيث عدد السكان، والخامسة على مستوى العالم “بأكثر من 250 مليون نسمة” وقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين 1.2 مليار دولار في 2018.
ويرى خايمي بلاي رئيس الغرفة التجارية المشتركة بين البلدين، في حوار مع صحيفة “نوتيامريكا” البرازيلية، أن المستثمرين اليهود موجودون فعلًا في البرازيل، ووجودهم سيكون مرشحًا للزيادة والازدهار، مع تطور العلاقات بين البلدين، وأن “إسرائيل” التي تمتلك التكنولوجيا يمكنها مساعدة البرازيل في مجالات الزراعة والأمن وضبط الحدود ومكافحة الإرهاب.
ومن جانبه، أكد الرئيس البرازيلي أن بلاده تتطلع حقًا للاستفادة من الإمكانات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم سوف توقع، ليضمن البلدان “مستقبلاً مشرقًا”.
زيارة رسمية ودعايا انتخابية
وفقًا لصحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، فإن لتوقيت هذه الزيارة التاريخية بعدًا إعلاميًا مهمًا جدًا، فقبل الانتخابات كل حدث يكتسب أهميةً مضاعفة، فكيف بزيارةٍ كهذه؟! وبحسب الصحيفة، فإن نتنياهو، بزيارته البرازيل، يسعى لإضافة حلقة جديدة في سلسلة “أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي” بعد أن زار: كينيا وأثيوبيا ورواندا وكازخستان وسنغافورة وأستراليا والأرجنتين والمكسيك وكولومبيا وعمان، جميعهم لأول مرة.
قد حملت كلمة نتنياهو إشاراتٍ مبطنة في هذا الصدد، حينما أكد أن “إسرائيل”، بفضل توجهه، تتحول من دولة صغيرة ومعزولة إلى دولة منفتحة على كل الآفاق، منبهًا على أن هذه المرحلة من الانفتاح تأتي بعد أن تمكنت “إسرائيل” من بناء جيشٍ واقتصاد قويين عالميًا، ووضعت أسس الثقافة والصناعة، على حد قوله
كما سيحرص المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء الإسرائيلي والقائمون على حملته الانتخابية بإظهاره في ثوب “رجل الدولة والزعيم الدولي الذي يتحدث بطلاقة ويتمتع بخبرة تمكنه من إبعاد الإرهابيين عن الشوارع وحماية حياة الأطفال” على حد وصف الصحيفة.
وقد حملت كلمة نتنياهو إشاراتٍ مبطنة في هذا الصدد، حينما أكد أن “إسرائيل”، بفضل توجهه، تتحول من دولة صغيرة ومعزولة إلى دولة منفتحة على كل الآفاق، منبهًا على أن هذه المرحلة من الانفتاح تأتي بعد أن تمكنت “إسرائيل” من بناء جيشٍ واقتصاد قويين عالميًا، ووضعت أسس الثقافة والصناعة، على حد قوله.
زيارة رسمية وطقوس يهودية
وقد شهدت الزيارة المتوقع استمرارها ستة أيام، نفسًا دينيًا أيديولوجيًا واضحًا، فقد زار نتنياهو كنيسًا يهوديًا يعرف بـ”كيهيلات يعقوب” في ريو دي جانيرو، حيث التقى بالجالية اليهودية هناك، وألقى كلمة عكست تشابك السياسي بالديني لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، أثنى خلالها على الشعب اليهودي الذي حطم كل قواعد التاريخ، رافضًا الخضوع لحتمياته، عندما أبى أن يسكن أي بلد جديد أو أن يتماهى مع أي شعبٍ آخر، محافظًا على أصالته، مؤمنًا بمقولة:”عامنا القادم بأورشليم”.
مشددًا على أن هجرة الجالية اليهودية إلى البرازيل، قد حدثت مع بدء اضطهادهم في إسبانيا والبرتغال، وأنه على الرغم من استقبالهم بـ”حفاوة” في البرازيل، فإنهم كانوا يحلمون دومًا بالعودة إلى “صهيون” تصديقًا للنبوءات الواردة في التوراة.
وقد فاجأ الرئيس البرازيلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بحضوره كلمته في الكنيس، وسط الجالية اليهودية في البرازيل، معلنًا تلبية دعوةٍ رسمية من نتنياهو لزيارة “إسرائيل”، عقب اكتمال تشكيل الحكومة واستقرار الأوضاع، مارس/آذار المقبل، كأول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيسًا للبرازيل.
حلم نقل السفارة مؤجل حتى إشعار آخر
يبدو أن أحد أهم ملفات هذه الزيارة لم يكتب له النجاح في هذه المرة، وهو مطلب نقل السفارة، فعلى الرغم من تأكيد نتنياهو، في تصريح صحافي قبل الزيارة، أن نقل السفارة البرازيلية إلى القدس على رأس أولويات مباحثاته مع الرئيس البرازيلي، ونية بولسونارو منذ حملته الانتخابية، على هذه الخطوة، التي شدد عليها مؤخرًا في تصريح نقلته صحيفة “إسرائيل هيوم” نوفمبر/تشرين الماضي؛ فإن المؤتمر الصحفي الذي عقد على هامش الزيارة لم يتطرق فيه أحدهما لموضوع السفارة.
يرجح محللون أن يحسم الرئيس البرازيلي موقفه في زيارته القادمة للقدس، بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية التي سوف تحدد مصير نتنياهو
وتفسر “يديعوت أحرونوت” هذا الموقف بأن عدة مشكلات تقف أمام رغبة الرئيس البرازيلي في اللحاق بأمريكا ونيكاراغوا، أهمها:
– تجنب الرئيس الجديد صدامًا متوقعًا مع القيادات القديمة في الخارجية البرازيلية، ممن تبنوا دومًا دعم فلسطين في المحافل الدولية أو الوقوف على الحياد على أقل تقدير.
خشية الرئيس من تأثر قطاعيْ الزراعة واللحوم اللذين يصدران بمليارات الدولارات سنويًا إلى الأسواق العربية، خاصة مع تحذير سابق من “الجامعة العربية” بتعرض علاقات بلاده بالدول العربية إلى “انتكاسة” في حال أقدمت على هذه الخطوة.
– تحذيرات أمنية من احتمال وقوع أعمال إرهابية في البرازيل، تشبه “أحداث السفارة الإسرائيلية” 1992 و”دار أميا” 1994، التي راح ضحيتهما قرابة 100 قتيل في الأرجنتين.
ويرجح محللون أن يحسم الرئيس البرازيلي موقفه في زيارته القادمة للقدس، بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية التي سوف تحدد مصير نتنياهو.
زخم دبلوماسي
يلتقي نتنياهو الذي تم منحه أرفع وسام يمنح لشخصية أجنبية بارزة مؤثرة في البرازيل، ويشارك في حفل تنصيب الرئيس المنتخب، بشخصيات دبلوماسية رفيعة على هامش الزيارة، منها: مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الذي رحب في كلمة صحفية قبل السفر إلى البرازيل بنية رئيسها نقل سفارة بلاده إلى القدس، ليبحث كلاهما الأوضاع الجديدة في سوريا، وسباستيان مينيير رئيس دولة تشيلي، وخوان أورلاندو إرننديس رئيس دولة هندوراس.