استقبلت دول المغرب العربي، كسائر دول العالم أمس الثلاثاء أول أيام سنة 2019، سنة من المنتظر أن تحمل معها أحداث كبرى ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل هذه البلدان، أهمها الانتخابات التي ستجرى في 4 دول نتعرف عليها في هذا التقرير الذي أعده نون بوست.
هل تنهي الانتخابات حالة الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا؟
كان مبرمجًا لها أن تجرى في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول من السنة الماضية باقتراح فرنسي، غير أن الموعد المحدد تم إرجاؤه إلى ربيع السنة الحالية، لعدم توافر الظروف الملائمة لنجاحها وفق الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وإلى الآن لا يعرف الموعد النهائي لهذه الانتخابات.
وتأمل قوى غربية والأمم المتحدة أن تجري ليبيا الانتخابات العامة بحلول يونيو/حزيران المقبل، بعد استفتاء على إطار عمل دستوري، بهدف إخراج البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها منذ ثورة فبراير سنة 2011.
وإلى الآن لا يوجد تصور لقانون الانتخابات في ليبيا، وما إذا كانت ستتم على أساس فردي أو على شكل قوائم حزبية، فضلًا عن أن مجلس النواب الذي يعمل بالتشريع لا يستطيع أن يسن قانون للانتخابات، في ظل استمرار تهديدات مجلس الدولة له بالطعن على القوانين، في حال تضمنها تقسيم البلاد إلى 3 دوائر انتخابية.
لا يعلم هل تجرى الانتخابات الجزائرية في موعدها أم يتم تأجيلها إلى موعد لاحق
وسبق أن لمحت أطراف دولية عدة لصعوبة إجراء الانتخابات في ظروف أمنية وسياسية عصيبة تواجهها ليبيا، وكانت ليبيا قد شهدت في الـ7 من يوليو/تموز 2012 انتخابات المؤتمر الوطني الليبي، وبعدها انتخابات مجلس النواب عام 2014، غير أن تلك الانتخابات لم تعزز سوى الانقسام والفرقة في البلاد، ولم تساهم في وجود مؤسسات تتمتع بمصداقية من جميع الأطراف والقوى السياسية هناك.
وتتنافس على السلطة في ليبيا العديد من القوى، على رأسها اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يسيطر على مساحة كبيرة في شرق البلاد، فضلاً عن جماعة القذافي ويقودهم نجله سيف الإسلام الذي يمتلك نفوذًا كبيرًا لدى القبائل الليبية، إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على غرب البلاد.
غموض في تونس
تونس بدورها، ستشهد في الشهر الأخير لهذه السنة انتخابات رئاسية مصيرية، انتخابات كلما اقترب موعدها ارتفع منسوب الأزمة السياسية في البلاد أكثر، فكل طرف يسعى إلى تعبيد الطريق أمامه للوصول إلى قصر قرطاج والجلوس فوق كرسي الرئاسة خلال الخمس سنوات القادمة.
وإلى الآن، لم يتبين هل يترشح الرئيس الحاليّ الباجي قائد السبسي لمنصب الرئاسة مرة أخرى أم لا، ويحق له دستوريًا الترشح لولاية ثانية، وكان قد وصل إلى منصب الرئاسة عقب فوزه في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2014 على حساب منافسه الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي.
ويعمل الرئيس السبسي، منذ أشهر على تجميع فرقاء الماضي، تحت الشعار نفسه، وهو محاصرة حزب النهضة وقطع الطريق عليه، غير أن الجديد هذه المرة، ما شهده المشهد السياسي في البلاد من تغير للمواقع والتحالفات، ما جعل مسعى السبسي يبوء بالفشل أكثر من مرة.
ومن الأسماء المتوقع ترشحها لهذا المنصب رغم عدم إعلانها ذلك صراحة إلى الآن، رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد، ويسعى هذا الأخير إلى الاستفادة من التحسن الاقتصادي الذي تعرفه البلاد مؤخرًا، وإلى الاستفادة من مؤسسات الدولة للترويج لشخصه وتلميع صورته خاصة بعد إعلانه الحرب على الفساد، التي اتخذها مطية للقضاء على بعض الوجوه التي تدعم الشق الذي يواليه العداء ويسعى إلى إبعاده من الساحة السياسية في البلاد.
لم يعلن السبسي إلى الآن ترشحه إلى الانتخابات من عدمه
واستطاع رئيس الوزراء التونسي الشاب يوسف الشاهد، منذ توليه منصبه في قصر القصبة أن يقوي مكانه بعد أن كان سياسيًا مغمورًا، حتى إنه استطاع استمالة الكتلة الأساسية لنواب حزب نداء تونس، ووراثة الحلف القائم مع “النهضة”، ما أفقد الرئيس السبسي كل أوراقه السلطوية.
وأشار استطلاع رأي أجرته مؤسسة “سيغما كونساي”، ويشمل الفترة من 29 من نوفمبر/تشرين الثاني إلى 6 من ديسمبر/كانون الأول 2018، بالتعاون مع صحيفة “المغرب”، إلى تصدر يوسف الشاهد، نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة بـ17.9%.
وإلى الآن لم يتبين بعد هل سترشح حركة النهضة مرشحًا لها لهذه الانتخابات أم ستكتفي بالحياد كما حصل في الانتخابات الرئاسية الماضية، غير أن تصدر الحركة الإسلامية للمشهد السياسي في تونس سيمكنها من التحكم في الانتخابات القادمة حتى وإن لم ترشح أحدًا.
الجزائر والتأجيل المرتقب
إلى الجارة الغربية لتونس، الجزائر الذي ينص قانونها الانتخابي في مادته الـ135، على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في ظرف الـ30 يومًا السابقة لانقضاء عهدة رئيس الجمهورية، وفي حالة بوتفليقة والانتخابات المقبلة، يفترض أن تجرى الانتخابات في الفترة بين 14 من مارس/آذار و14 من أبريل/نيسان المقبل.
غير أنه إلى الآن، لا يعلم هل ستجرى الانتخابات في موعدها أم يتم تأجيلها إلى موعد لاحق، على أن يتم تنظيم حوار سياسي يجمع كل الأطراف في البلاد لبلورة سياسات البلاد ما بعد عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن ذلك سيضع الجزائريين في موقف يعارض دستور البلاد الذي يمنع التأجيل إلا عندما تكون البلاد في حالة حرب، وذلك بموجب مادته الـ110.
ورغم دخول الاستحقاق الرئاسي مرحلة العد التنازلي، حيث لم يتبق على موعده إلا أربعة أشهر، فإن الغموض ما زال يخيم على المستقبل السياسي للبلاد، في ظل صمت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والدلالات المبهمة حتى الآن بشأن أبعاد التغييرات العميقة التي مست هرم الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية.
وتشهد الجزائر، العضو في منظمة أوبك، منذ صائفة عام 2014 أزمة اقتصادية حادة، جراء انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية الذي يشكل أكثر من 95% من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، كما أن الموازنة العامة للدولة تعتمد على نحو 60% من هذه الموارد المالية.
لا يبدو الغزواني الخيار الوحيد أمام السلطة، فلهم مرشحون آخرون على غرار رئيس البرلمان الحاليّ الشيخ ولد بايه
ومن أبرز الأسماء التي يمكن أن تترشح إلى هذه الانتخابات فضلاً عن الرئيس الحاليّ عبد العزيز بوتفليقة، نجد رئيس الحكومة الحاليّ أحمد أويحي، وشقيق الرئيس الأصغر ومستشاره الخاص الذي يُقدم على أنه الرجل الأقوى في النظام العليل سعيد بوتفليقة، وأيضًا وزير الاقتصاد الأسبق شكيب خليل الذي عاد من مقر إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية إلى البلاد عام 2016، والناطق الرسمي باسم “الحركة الديمقراطية الاجتماعية” وريثة الحزب الشيوعي الجزائري سابقًا الذي يعد أول شخصية سياسية تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة.
من الأسماء أيضًا نجل الرئيس الجزائري المغتال محمد بوضياف، ناصر بوضياف، وهو ثاني من أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وكذلك رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش الذي يوصف بأنه “مهندس مرحلة الانفتاح السياسي في الجزائر من خلال دستور العام 1989 الذي أنهى مرحلة حكم الحزب الواحد، وكذلك رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، وسبق أن أطلق الخبير في المجال الاقتصادي بن بيتور سنة 2011 مبادرة من أجل تغيير ديمقراطي في البلاد تستغرق 17 عامًا، من شأنها أن تنقل الجزائر إلى مصاف الدول الديمقراطية القوية في العالم.
ولد عبد العزيز يبحث عن خليفة لرئاسة موريتانيا
ينتظر أن تشهد موريتانيا، انتخابات رئاسية في منتصف السنة الحاليّة، ومع تأكيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، في أكثر من ظهور إعلامي، عدم ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، تبدو الفرصة متاحة للمعارضة للفوز بالحكم، غير أن الواضح أن ولد عبد العزيز لم يترك شيئًا للصدفة فها هو يبحث عن خليفة له لتبادل المناصب.
وينص الدستور الموريتاني على أن عدد الولايات الرئاسية المسموح بها لا تتجاوز ولايتين رئاسيتين فقط، ووصل ولد عبد العزيز للسلطة في انقلاب عسكري عام 2008، أطاح بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في البلاد.
ويبرز اسم القائد العام لأركان الجيش الموريتاني السابق والمعين حديثًا في منصب وزير الدفاع محمد ولد الغزواني، كأبرز مرشح لخلافة ولد عبد العزيز بالقصر، ذلك أنه سيكون مرشح حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم للانتخابات الرئاسية المقبلة.
يسعى ولد عبد العزيز لإيجاد خليفة له
ولا يبدو الغزواني الخيار الوحيد أمام السلطة، فلهم مرشحون آخرون على غرار رئيس البرلمان الحاليّ الشيخ ولد بايه، ويعد هذا الأخير، وهو عقيد متقاعد في الجيش الموريتاني، صديقًا شخصيًا للرئيس محمد ولد عبد العزيز.
أما بخصوص أحزاب المعارضة، فهي تدرس إمكانية تقديم مرشح موحد لها لهذه الانتخابات، خصوصًا أن النقاشات بهذا الأمر وصلت مرحلة متقدمة، وتخطط المعارضة للدفع بشخصية توافقية حتى ولو لم تكن من السياسيين البارزين، من أجل خوض السباق الرئاسي الذي ينتظر أن يكون الأكثر سخونة وإثارة في تاريخ البلاد.