عادت الاشتباكات مجددًا بين هيئة تحرير الشام وحركة نور الدين الزنكي المنضوية تحت راية الجبهة الوطنية للتحرير التي رعتها ودعمتها تركيا في الآونة الأخيرة، هذا الاقتتال مستمر منذ فترة طويلة، نظرًا لخلافات بين قادة فصيل هيئة تحرير الشام من جهة وقيادي الزنكي وأحرار الشام من جهة أخرى، فالأخيرتان سبق وشكلا فصيلًا عسكريًا باسم جبهة تحرير سوريا التي دارت بينها وبين هيئة تحرير الشام معارك عديدة في العام الفائت 2018.
اشتباكات متواصلة بين تحرير الشام والوطنية للتحرير
اشتباكات بين تحرير الشام والوطنية للتحرير تودي بحياة مدنيين
شنت هيئة تحرير الشام هجومًا عنيفًا على مناطق واقعة تحت سيطرة الجبهة الوطنية للتحرير، في العديد من القرى والبلدات غربي حلب، حيث تركز الهجوم على مدينة دارة عزة وقرى تقاد وبسرطون الواقعة تحت سيطرة حركة نور الدين الزنكي، حيث اندلعت الاشتباكات صباح الثلاثاء 1 من يناير/كانون الثاني، في مدينة دارة عزة بعد تحشدات عسكرية للهيئة، بحسب شهود عيان من المدينة، وأدت الاشتباكات إلى مقتل أكثر من عشرة عسكريين وإصابة العشرات من كلا طرفي النزاع.
وسيطرت هيئة تحرير الشام خلال هجومها على مناطق سيطرة الجبهة الوطنية للتحرير، على كل جبل الشيخ بركات وأجزاء من مدينة دارة عزة، وقرى السعدية وعاجل وبسرطون وتقاد وفدرة وطريق قلعة سمعان، بعد اشتباكات عنيفة أدت إلى انسحاب عناصر حركة نور الدين الزنكي.
وذكر ناشطون أن هيئة تحرير الشام استطاعت الوصول إلى مشفى الكنانة في المدينة بعد استهدافه بقذائف الدبابات، ويحتوي المشفى على عشرات المرضى إضافة إلى الكادر الطبي القائم عليه، مما أدى إلى إصابة عدة أشخاص من الكادر الطبي، كما استهدفت الهيئة سيارة إسعاف تقل مصابين من جبل الشيخ بركات، فيما ناشد الكادر الطبي بعزل المدنيين عن أطراف الاشتباك، إلا أن استمرار الاشتباكات جعل المشفى في حصار لعدة ساعات.
تعود أسباب الاقتتال الجاري إلى مقتل أربعة عناصر من هيئة تحرير الشام قبل أيام في قرية تلعادة، حيث اتهمت الهيئة حركة نور الدين الزنكي أحد مكونات الجبهة الوطنية باغتيال عناصرها في القرية
وفي ذات السياق سيطرت هيئة تحرير الشام على مشفى الفردوس في مدينة دارة عزة، بعد إطلاق الرصاص العشوائي، على الكادر الطبي فيه، فيما وجه ناشطون نداء استغاثة لإخلاء المرضى من مشفى الفردوس، بعد إطلاق النار على الكادر الطبي في المشفى، مما أدى إلى مقتل الممرض عبد الله جلو إضافة إلى إصابة طبيب وممرض آخر بجروح خطيرة، بينما وافقت تحرير الشام بعد مفاوضات على نقل المرضى إلى مشفى الريح بريف حلب الغربي.
ونقل موقع نداء سوريا عن مصادر وصفهم بشهود عيان، أن هيئة تحرير الشام والحزب التركستاني قاموا بالبحث عن عناصر يتبعون للجبهة الوطنية للتحرير والفرقة التاسعة التابعة للجيش الوطني السوري، في الأحياء التي سيطروا عليها، وذكر الموقع أن عناصر هيئة تحرير الشام نفذت إعدامات ميدانية بحق أسامة عبد الرزاق طنو وأيهم جمعة اللودعمة، إضافة إلى مقتل الطفل بشار بيطار، وعدد من الجرحى في أثناء الاشتباكات.
كما اندلعت اشتباكات بين الجبهة الوطنية للتحرير وتحرير الشام في بلدة خان العسل مما أدى لمقتل الشاب بشار عطية والطفل زكريا كناس، وعشرات الجرحى في صفوف المدنيين.
الاقتتال بعد اتفاق ينهي الخلاف
تعود أسباب الاقتتال الجاري إلى مقتل أربعة عناصر من هيئة تحرير الشام قبل أيام في قرية تلعادة، حيث اتهمت الهيئة حركة نور الدين الزنكي أحد مكونات الجبهة الوطنية باغتيال عناصرها في القرية، وخلال عرضهم للقضاء فقد توصلا الأحد 30 ديسمبر/كانون الأول لاتفاق، ينهي خلافهما في القضية، وتكليف الشيخ أنس عيروط بالقضية، وتكون حركة أنصار الدين كطرف محايد لتسليم المتهمين.
أشارت الهيئة في بيانها أنها قبلت التفاوض بعد ادعاء حركة نور الدين الزنكي موافقتها على المحكمة الشرعية، واستعدادها لتوقيف القتلة وتقديمهم للقضاء مع علمنا أنها لا تتخذ تلك الدعوى إلا للتملص من الحق، بحسب ما أورد البيان
وجاء في نص الاتفاق: “بعد لقاء الجبهة الوطنية للتحرير وتحرير الشام بشأن عملية القتل الأخيرة التي حصلت في قرية تلعادة، ذكرت حركة نور الدين الزنكي أن مجموعة من بيت (البرشا) تقيم في مناطق درع الفرات، تسللت من مفرق القاطورة عبر طريق ما يسمى الورش باتجاه قرية تلعادة ونفذت عملية القتل، واعترف أفرادها بالقتل ثأرًا لقتلاهم السابقين.
من جانبها هيئة تحرير الشام قالت: “المجموعة تسللت من نقاط رباط الزنكي في جبل بركات إلى قرية تلعادة، وقتلت عناصرها ولديها أدلة على ذلك”، وعلى ذلك تم الاتفاق بتعيين القاضي أنس عيروط للبت في القضية كاملة، وعلى كلا الطرفين القبول بالأحكام التي تصدر عنه، وتسليم الأشخاص المتهمين لحركة أنصار الدين كطرف ثالث محايد، فيما ذكر الاتفاق إنهاء الاستنفار القائم في تلك الأيام، وفتح الطرقات بين كلا الطرفين، إلا أن هيئة تحرير الشام استغلت هذه المشكلة لتوسيع رقعة سيطرتها في المنطقة، وشن هجوم على مناطق سيطرة الجبهة الوطنية للتحرير.
تحرير الشام تهاجم مدينة دارة عزة غرب حلب
تبادل الاتهامات
أصدرت هيئة تحرير الشام الثلاثاء 1 من يناير/كانون الثاني بيانًا بخصوص الاقتتال الحاصل بينها وبين حركة نور الدين الزنكي، وجاء في البيان اتهامات لحركة نور الدين الزنكي بقتل أربعة عناصر لها الجمعة 28 ديسمبر/كانون الأول 2018، وذكر البيان أنه تم “تصفيتهم بدم بارد وفق شهود العيان ووقائع الجريمة، ووصل الإجرام إلى حد قتل الشخص الذي أراد طلب النجدة بل والتعرض لسيارة الإخلاء التي جاءت لمحاولة إنقاذ الإخوة”.
وأشارت الهيئة في بيانها أنها قبلت التفاوض بعد ادعاء حركة نور الدين الزنكي موافقتها على المحكمة الشرعية، واستعدادها لتوقيف القتلة وتقديمهم للقضاء مع علمنا أنها لا تتخذ تلك الدعوى إلا للتملص من الحق، بحسب ما أورد البيان، وأردفت متعجبة أنه تم تسليم شخص واحد فقط من المتهمين، وقالت في البيان: “كنا أكدنا للقاضي أننا في حل من الاتفاق إن لم يسلم الزنكي المتهمين قبل انتهاء المهلة المتفق عليها، وقد انتهت المهلة ولم يتم التسليم”.
من جانبها أصدرت الجبهة الوطنية للتحرير بيانًا بخصوص هجوم هيئة تحرير الشام على مناطق سيطرتها، وجاء في البيان “على الرغم من تجاوب حركة نور الدين الزنكي فإننا فوجئنا بحشود وأرتال لهيئة تحرير الشام باتجاه حركة نور الدين الزنكي بذريعة التأخر عن تسليم العناصر المطلوبين”.
تحاول هيئة تحرير الشام مرارًا توسيع رقعة سيطرتها غربي حلب، وذلك بالقضاء على الفصائل العسكرية المسيطرة على المنطقة، في خطة منها للسيطرة على كامل مناطق نزع السلاح التي أقرها مؤتمر سوتشي
وأشار البيان أن حركة نور الدين الزنكي سلمت كل عناصرها المطلوبين وتعهدت بجلب المطلوبين من المدنيين إذا كانوا ضمن مناطقها، وعلى الرغم من ذلك استمرت الهيئة في حشوداتها وبدأت عدوانها، وأكد البيان أن الهيئة تريد كعادتها استغلال حادثة تلعادة كذريعة لتصفية حساباتها مع فصائل ومكونات الجبهة الوطنية للتحرير، ومحاولة توسيع سيطرتها على المناطق المهمة الواقعة تحت سيطرة الجبهة الوطنية للتحرير، ووقفت الجبهة الوطنية موقف الدفاع عن نفسها، بأنها سترد على أي اعتداء من هيئة تحرير الشام لها.
ما هدف تحرير الشام من السيطرة على غرب حلب؟
تحاول هيئة تحرير الشام مرارًا توسيع رقعة سيطرتها غربي حلب، وذلك بالقضاء على الفصائل العسكرية المسيطرة على المنطقة، في خطة منها للسيطرة على كامل مناطق نزع السلاح التي أقرها مؤتمر سوتشي، للتحكم في المنطقة وليكون لها مقعدًا للمفاوضات في المراحل القادمة.
ويبدو الاقتتال الذي يجري بين هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية لبسط النفوذ والتوسع أكثر على حساب الأخيرة التي تدعمها تركيا وتسيطر على البلدات الواقعة على الطريق الدولي حلب إعزاز، ومن جهة أخرى تبدو هيئة تحرير الشام الآن أكثر إصرارًا على بسط نفوذها على هذا الطريق الذي سيغذي حكومة الإنقاذ التي شكلتها في فترات سابقة، اقتصاديًا وسيؤهلها للخوض في مفاوضات مع تركيا التي تدعم الجبهة الوطنية للتحرير.
صنفت تركيا هيئة تحرير الشام على قائمة المنظمات الراديكالية، وتعهدت بالقضاء عليها بعد مؤتمر سوتشي الذي جرى بين الرئيس التركي ونظيره الروسي، وذلك لتجنيب المدنيين من مجازر في حل شن النظام حملة عسكرية نحو المنطقة
ولعل هذه الخيارات هي الوحيدة لاستمرار وجودها في المنطقة، إذ إنها مصنفة على قوائم الإرهاب لدى تركيا وروسيا وأمريكا، ولكن سيطرة هيئة تحرير الشام على كل المنطقة ستكون ذريعة للنظام وروسيا للسيطرة على المنطقة لأنها مصنفة على قائمة الإرهاب، ومنه تكون أدت الهيئة دورها في القضاء على فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، مما سيشرع عمليات النظام نحو المنطقة.
هل ستخوض تركيا معركة ضد هيئة تحرير الشام؟
صنفت تركيا هيئة تحرير الشام على قائمة المنظمات الراديكالية، وتعهدت بالقضاء عليها بعد مؤتمر سوتشي الذي جرى بين الرئيس التركي ونظيره الروسي، وذلك لتجنيب المدنيين من مجازر حال شن النظام حملة عسكرية نحو المنطقة، والكثير من التحليلات أشارت أن تركيا ستخوض معركة ضد هيئة تحرير الشام في إدلب للقضاء عليها، لكنها إلى الآن لم تعط أي إشارة للقضاء عليها، وبخصوص الاقتتال الذي جرى بين هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير تقف تركيا موقف المشاهد، في ظل تمادي الهيئة على الفصائل التي تدعمها في المنطقة.
ولكن بعد محاولات هيئة تحرير الشام بالعبث في المنطقة لزعزعة أمن المنطقة وتصدر المشهد السوري عبر الاقتتال مع قوات المعارضة، ومنع عملية شرق الفرات، وكذلك من خلال الفتوى التي ألقاها القيادي في هيئة تحرير الشام خلال خطبة الجمعة 28 من ديسمبر/كانون الأول.
وقال أبو اليقظان “المشاركة في معركة شرق الفرات حرام شرعًا، والمعركة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل”، وأضاف أن المعركة بين جيش علماني مشيرًا إلى الجيش التركي، وحزب علماني ملحد، بالنسبة للوحدات الكردية، وسبق ووصفت هيئة تحرير الشام قوات درع الفرات بالردة نظرًا لعملهم تحت أجندات خارجية.
ومن جانب آخر ذكر ناشطون أن رتلًا تابعًا للجيش الوطني الموجود قرب مدينة منبج الواقع تحت سيطرة الوحدات ذهب نحو مدينة دارة عزة التي تجري فيها اشتباكات بين الجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام، هذه المؤشرات تشير إلى شن معركة ضد هيئة تحرير الشام من قوات المعارضة المتمثلة بالجيش الوطني السوري والجبهة الوطنية للتحرير بغطاء تركي، للقضاء على هيئة تحرير الشام، وإنهاء آمال النظام بالسيطرة على إدلب والأرياف التي حولها.