ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال هذا الأسبوع، وعلى غرار كل الأعضاء الجدد في الكونغرس، تستعد النائبة الجديدة عن ولاية ميشيغان، رشيدة طليب المنتمية للحزب الديمقراطي، لأداء أول قسم لها في منصبها الجديد. ولكن على خلاف أغلب الأعضاء الجدد في الكونغرس، فإن رشيدة سوف تؤدي القسم على القرآن، الكتاب الأكثر قداسة في الدين الإسلامي. وليس أي كتاب قرآن، بل النسخة المترجمة بالإنجليزية، والتي ترجع إلى العام 1734، وكانت ملكا للرئيس الثالث للولايات المتحدة توماس جفرسون، وهي مودعة الآن في مكتبة الكونغرس.
رشيدة طليب، التي تعد واحدة من اثنين من أوائل النساء المسلمات اللواتي يتم انتخابهن لدخول الكونغرس، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت أنها تريد إثارة مسألة هامة من خلال اختيارها للكتاب الذي ستقسم عليه. حيث قالت في لقاء مع صحيفة ديترويت فري بريس: “هذا مهم جدا بالنسبة لي لأن كثيرين من الأمريكيين لديهم هذا النوع من الشعور بأن الإسلام غريب عن التاريخ الأمريكي، ولكن المسلمين كانوا هنا منذ البدايات.”
ولابد أن المتابعين لأخبار الكونغرس يتذكرون النائب كيث أليسون عن الحزب الديمقراطي في ولاية مينيسوتا، الذي كان أول أمريكي مسلم يدخل إلى هذا المجلس، وقد استخدم هو أيضا “قرآن جفرسون” عند أدائه للقسم في العام 2007.
عارض جورج سايل تنصير المسلمين بشكل قسري، وأقر بوجود فضائل في تعاليم محمد، فإن فكره رغم ذلك كان نتاجا لتلك الفترة المليئة بالشحن الديني، ولذلك كان ينظر للإسلام على أنه ديانة غريبة
وقد ذكر أليسون في لقاء مع أسوشيتد بريس حينها: “هذا يظهر أنه منذ بداية تأسيس بلدنا، كان هنالك أشخاص أصحاب رؤية، وكانوا متسامحين دينيا، ويؤمنون بأن العلم والحكم يمكن استقاؤها من عدة مصادر، من بينها القرآن.”
هذه المشاعر نبيلة، ولكن في نفس الوقت هي لا تمثل القصة الكاملة. حيث أن ترجمة جفرسون للقرآن في 1734 لم يتم إنجازها بدافع المحبة للإسلام بل في إطار جهود الحملات التبشيرية المسيحية في الأراضي المسلمة. وكما كتب المترجم جورج سايل في مقدمته للقارئ: “مهما يكن غرض استخدام نسخة نزيهة من القرآن في أي سياق آخر، فإنه من الضروري جدا عدم خداع اولئك الذين بناء على الترجمات الجاهلة أو غير المنصفة التي ظهرت، تكونت لديهم آراء إيجابية تجاه النسخة الأصلية، كما أن هذا العمل سيمكننا من فضح الدجل بشكل فعال.”
وبينما عارض جورج سايل تنصير المسلمين بشكل قسري، وأقر بوجود فضائل في تعاليم محمد، فإن فكره رغم ذلك كان نتاجا لتلك الفترة المليئة بالشحن الديني، ولذلك كان ينظر للإسلام على أنه ديانة غريبة. حيث كتب في مقدمته: “إن البروتستانتيين بمفردهم هم القادرون على مهاجمة القرآن بنجاح. وأنا أثق في أنهم هم وحدهم من ضمنت لهم العناية الإلهية القدرة على إسقاطه.”
وقد تولى أحد الباحثين اقتباس هذه الأسطر، كمثال على عدم التسامح الديني في الجمهورية الأمريكية في أيامها الاولى.
وبعبارات أخرى، فإن قرآن توماس جفرسون هو في الواقع أكثر تعقيدا مما يعتقده الناس المتابعون لوسائل الإعلام خلال العشر سنوات الأخيرة. ولكن هل يعني هذا أن الكتاب غير مناسب ليكون حاضرا عند دخول مشرعة مسلمة لأروقة الحكم الأمريكية؟ الإجابة هي لا. ففي الواقع، “قرآن جفرسون” سيكون مناسبا للغاية لهذه المناسبة، ليس على الرغم من الأحكام المسبقة الواردة في مقدمته، بل بسبب هذه الأحكام.
حيث أن السبب هو أن قرآن توماس جفرسون يجسد الحقيقتين اللتين يجب أن نقر بهما حول علاقة أمريكا بالمسلمين. فمن جهة، كما أشارت إلى ذلك رشيدة طليب وهي محقة، وجود هذه الترجمة يظهر أن الإسلام كان جزء من قصة أمريكا منذ البداية. ومن جهة أخرى، كما تذكرنا ترجمة جورج سايل، فإن الخوف وسوء فهم المسلمين كان أيضا حاضرا منذ البداية.
رشيدة طليب
وحقا، فإنه منذ وقت طويل قبل ظهور المحافظين المتبنين لنظرية المؤامرة، والذين اتهموا الرئيس باراك أوباما بأنه يعتنق الديانة الإسلامية في السر، كما لو أن الإسلام يعني عدم أهليته للمنصب، كان هنالك كاتب معارض للفيدرالية في 1788، أعلن أنه “بدون وجود اختبار ديني في الدستور، فإن الرئاسة الأمريكية يمكن أن يظفر بها شخص من الكاثوليكيين، أو المحمديين، أو الربوبيين، وحتى من الملاحدة.”
ولحظتنا الحالية ليست مختلفة عن ذلك الزمن. إذ أنه تماما كما يمثل المسلمون اليوم جزء أساسيا من أمريكا، فإن الأحكام المسبقة ضدهم حاضرة هي أيضا. وعندما اختار النائب أليسون استخدام القرآن لأداء القسم قبل دخول الكونغرس في 2007، أثار هذا الأمر جدلا كبيرا على المستوى الوطني، واتخذ عددا من أعضاء الكونغرس والمحللين المحافظين مواقف ضد ما اعتبروه خروجا عن القيم اليهودية-المسيحية.
الأمريكيين مؤخرا انتخبوا أول امرأتين مسلمتين لتمثيلهم في الكونغرس الأمريكي. ولهذا فإن “قرآن جفرسون” هو رمز مهم جدا لهذه الثنائية الدقيقة في حياة الأمريكيين المسلمين
وفي رسالة وجهها للناخبين، كتب النائب الجمهوري عن فيرجينيا فيرجيل غود: “إن النائب المسلم من مينيسوتا تم انتخابه من قبل الناخبين في تلك المنطقة، وإذا لم يستفق المواطنون الأمريكيون ويتبنوا موقف فيرجيل غود من الهجرة فإنه على الأرجح سيكون هنالك آخرون كثيرون من المسلمين المنتخبين والذين يطلبون استخدام القرآن. وبعد 11 عاما، هاهي أمريكا يقودها رئيس من نفس النوع، لا يخفي ازدرائه للمسلمين. والأسوء من ذلك هو أنه تعاطى مع فكرة جمع أسماء المسلمين في سجل، وروج للدعايات اليمينية المتطرفة ضدهم، وقال بشكل علني “إن الإسلام يكرهنا”.
ولكن رغم كل هذا، فإن الأمريكيين مؤخرا انتخبوا أول امرأتين مسلمتين لتمثيلهم في الكونغرس الأمريكي. ولهذا فإن “قرآن جفرسون” هو رمز مهم جدا لهذه الثنائية الدقيقة في حياة الأمريكيين المسلمين، سواء كانوا مندمجين أو مقصيين. ومن خلال وضع يدها على هذا الكتاب بالذات عند دخولها الكونغرس لتمثيل المواطنين الأمريكيين، فإن رشيدة طليب سوف تحول هذا العمل الذي رأى المسلمين على أنهم الآخر، إلى حجر أساس نحو مستقبل مختلف.
إن استخدام نسخة غير دقيقة من أقدس كتاب في الإسلام لهذا الغرض، لن يدل على قصة بسيطة، بل سيحكي قصة حقيقية، ويقدم خطاب أمل وتقدم دون أن ينشر المخاوف والفشل. وعلى غرار أشياء كثيرة سلبية تخللت ماضينا، فإن “قرآن جفرسون” لا يمكن تغييره، ولكن من خلال جهودنا لإكسابه معنى جديد، يمكننا تصحيحه.
المصدر: واشنطن بوست