في ظل حالة الغموض القاتمة التي تسيطر على المشهد الفلسطيني الداخلي واتساع رقعة الخلاف بين القوى والفصائل على رأسهم حركتي فتح وحماس، مما عمق الانقسام ورمى بالوحدة الوطنية بعيدًا، بدأ صوت قوى فلسطينية أخرى يرتفع ويعلو تدريجيًا، وباتت تجهز نفسها لتكون ذات تأثير على الشعب والساسة معًا.
5 فصائل فلسطينية لم يعجبهم كثيرًا الوضع الفلسطيني القائم، وحالة المخاصصة والاحتكار بين حركتي فتح وحماس للملفات الداخلية والخارجية الساخنة، فقررت أن تنفض الغبار عنها وتلعب دورًا مهمًا بدل المشاهدة عن بعد، واتجهت لتشكيل جسم موحد لأول مرة داخل فلسطين.
“التحالف الديمقراطي الفلسطيني”، هذا ما أطلق على الحزب الفلسطيني الجديد الذي ضم الفصائل الخمس اليسارية وهي “الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وحزب فدا وحركة المبادرة الوطنية”، ليعن عن ميلاد تيار جديد سيكون قادرًا على كسر هيمنه فتح على القرار الفلسطيني.
عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حسين منصور، يقول: “الهدف الأساسي للتحالف إيجاد تكتل تنظيمي، بمشاركة شخصيات من المجتمع المدني، لتحقيق عدة مسارات، أولها المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام”
وفي 23 من ديسمبر الماضي، أعلنت الفصائل الخمسة عن تشكيل تحالفهم الموحد، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقدته تلك الفصائل في مدينة غزة ورام الله بشكل متزامن، بهدف إيجاد جسم سياسي فلسطيني يمكنه الضغط لإنهاء الانقسام الفلسطيني وكسر حالة الهيمنة السياسية التي يتفرد بها قطبا السياسة حماس وفتح.
أهداف مهمة
عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حسين منصور، يقول: “الهدف الأساسي للتحالف إيجاد تكتل تنظيمي، بمشاركة شخصيات من المجتمع المدني، لتحقيق عدة مسارات، أولها المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، إضافة لتشكيل وبلورة رؤية وطنية جامعة بشأن عدد من القضايا”.
ويوضح أن من أهداف التحالف العمل على وجود صوت موحد لترتيب وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية والحفاظ عليها، ووقف حالة التدهور التي تعيشها ومعالجة السلبيات التي تنتابها الفترة الحاليّة، منبهًا إلى أن التيار الديمقراطي من أهدافه أيضًا مشاركة القوى على توحيد الصف الفلسطيني، ومواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، والوقوف في وجه التطبيع وفضحه، والمحافظة على المشروع الفلسطيني والثوابت، في ظل محاولات فرض الرؤية الأمريكية المتمثلة في “صفقة القرن” على الشعب الفلسطيني.
وبين منصور أنه على الصعيد الداخلي سيقوم “التيار” بجهد موحد وحثيث لوقف حالة تدهور حرية الرأي والتعبير، ومناصرة حقوق الناس ومساندتهم في ظل المعاناة التي يعيشونها سواء كان ذلك في الضفة أم القطاع.
الفصائل تقيم علاقات جيدة مع كل من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة، ولكنها تفتقد إلى قاعدة شعبية تستطيع من خلالها منافسة الحركتين
وأكمل: “التجمع يهدف لأن يكون لقوى اليسار دور مميز وبارز وقوي وفاعل ومؤثر في القرار السياسي والوطني، والحياة المجتمعية، والوقوف إلى جانب قضايا الجماهير وهمومهم، بعيدًا عن المواقف المتشرذمة”.
بدوره نوه عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية طلال أبو ظريفة، أن “هذا التحالف يحمل أفكارًا تقدمية تدعو إلى شراكة حقيقية في الحكم والمقاومة وصياغة المشروع الوطني على أساس الحفاظ على الثوابت والمقدرات التاريخية للشعب الفلسطيني، بالإضافة لمنع تفرد فصيل معين بالقرار السياسي، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في ظل الهجوم الأمريكي الهادف لتصفية القضية الفلسطينية”.
مسيرة لفصائل اليسارية في غزة
وشدد أبو ظريفة أن هذا التحالف لن يكون بديلاً عن منظمة التحرير باعتبارها ممثلاً شرعيًا للشعب الفلسطيني، ولكن هذا لا يمنعنا من تبني خطوات ميدانية لإعادة بنائها على أساس توافق وطني لتكون مظلة للجميع.
وتُعتبر هذه الفصائل الخمسة جزءًا من تأسيس منظمة التحرير، وتمثلها في المجلسين الوطني والمركزي، ولكن العام الماضي شهد توترًا في العلاقات مع المنظمة، كان من أبرزها رفض الجبهة الشعبية المشاركة في اجتماعات الوطني، كما رفضت الجبهتان الشعبية الديمقراطية والمبادرة الوطنية المشاركة في اجتماعات المجلس المركزي، بسبب استمرار السلطة بفرض العقوبات على غزة، ورفضها تعليق الاعتراف بـ”إسرائيل”.
وتقيم هذه الفصائل علاقات جيدة مع كل من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة، ولكنها تفتقد إلى قاعدة شعبية تستطيع من خلالها منافسة الحركتين.
بوابة الأمل للفلسطينيين
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة، أن ما يجمع تلك القوى أكثر ما يفرقها، فكلها تنتمي إلى فكر أيديولوجي واحد، وهو الفكر اليساري الشيوعي، متوقعًا أن يشكل ذلك التحالف بوابة أمل للفلسطينيين للخروج من حالة الاستقطاب السياسي بين فتح وحماس الممتدة منذ عام 2006، التي أضرت بالقضية الفلسطينية.
على الرغم من إعلان تلك القوى الخمسة تشكيل قائمة موحدة لخوض الانتخابات المحلية في شهر أغسطس 2016، فإن تأجيل الانتخابات حتى شهر مايو 2017، كان كفيلاً بتفكك ذلك التحالف الانتخابي
ولفت إلى أن قياس مدى نجاح ذلك التحالف في إثبات نفسه على الساحة السياسية الفلسطينية، يبقى تحديًا في ظل القوّة السياسية والشعبية التي تتمتع بها كل من حركتي فتح وحماس.
تجدر الإشارة إلى أن التحالف موجود في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتم التشاور بين الأحزاب فيما بينها للقيام بالنشاطات المتفق عليها من خلال اجتماعات مستمرة تعقدها.
وعلى الرغم من إعلان تلك القوى الخمسة تشكيل قائمة موحدة لخوض الانتخابات المحلية في شهر أغسطس 2016، فإن تأجيل الانتخابات حتى شهر مايو 2017، كان كفيلاً بتفكك ذلك التحالف الانتخابي، فبعض تلك الفصائل شارك في الانتخابات كالجبهة الديمقراطية وحركة المبادرة الوطنية، وقاطعها بعض الفصائل اليسارية كالجبهة الشعبية، وذلك بسبب إجراء تلك الانتخابات في الضفة دون غزة بعد رفض حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة إجرائها في القطاع.
وبفعل حالة الانقسام التي كانت تعصف بقوى اليسار فقد شاركت بعض فصائله في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في 30 من أبريل الماضي، ومقاطعة فصائل يسارية أخرى، جراء عقده في رام الله وصعوبة حضور قياداتها الجلسة بسبب المنع الأمني الإسرائيلي لهم من دخول الضفة، بالإضافة إلى تضامنهم مع حماس والجهاد الإسلامي اللتين طالبتا بعقد الجلسة في أي دولة عربية ليتمكنوا من الحضور ولكن حركة فتح رفضت ذلك.
بعبارة أخرى، الكثير من المواقف السياسية التي تتخذها فصائل اليسار تكون بشكل منفرد وليس جماعيًا، وهو ما أثر على مواقفها السياسية في الساحة الفلسطينية وأضعف وجودها السياسي لصالح حركتي فتح وحماس.
وعلى الرغم من تشكيك البعض بالساحة الفلسطينية في نجاح ذلك التحالف، فإن نتائج الحراك الميداني والسياسي لذلك التحالف هو ما سيحدد مدى قدرته على ترسيخ نفسه كتيار فلسطيني ثالث قوي.