يرتبط الرقص عادة عند كل شعوب العالم بالفرحة والبهجة، فنحن نرقص في حفلات الزفاف ونرقص في الأعياد والأوقات الممتعة، ويرتبط الرقص لدينا كعرب بأصول وعادات مثل أن ترقص الفتيات وحدهن أو الرجال وحدهم، ولا يمكننا أن ننظر إلى الرقص باعتباره شيئًا مهمًا خارج إطار الترفيه، فأن تعمل الفتاة راقصة أو أن ترقص أمام جموع الناس فبالتأكيد هو عار وعيب.
وباختلاف الشعوب في العالم التي تتخذ ثقافات معينة في الرقص ولكن كلها شائعة ومألوفة بالنسبة لنا، نلاحظ أن القارة السمراء تميزت بثقافة الرقص التي تعتبر أسلوب حياة أكثر من أي شيء آخر وبخاصة أفارقة جنوب الصحراء الكبرى بعاداتهم وأصولهم المختلفة للرقص التي سنعرفها هنا.
عندما يأتي ذكر الأفارقة في أذهاننا فعادة ما يرتبط ببعض البشر السود البدائيين الذين يعيشون في أوج الحرارة والجهل ولا شيء سوى هذا، نجهل كل شيء عن الأفارقة رغم أن الدول العربية بها عرب أفارقة أيضًا، وفي إطار التحدث عن القارة السمراء، نذكر لكم اليوم الرقص الإفريقي وما به من تفرد وتميز عن باقي بلدان العالم، فقد شهد الكثير من المستفرقين على تفرد الرقص الإفريقي بل وبدايته بين كل شعوب العالم، قائلين إن الأفارقة أول من رقصوا واتخذوا منهاجًا فريدًا للرقص.
يعتبر الرقص عند الأفارقة عادة ونمطًا اجتماعيًا سائدًا يعبر عن حياتهم كلها
سيكون من الغريب جدًا أن تسمع أنه توجد رقصة للموت، وفي الوقت الذي تفقد فيه أحد الأحبة ترى شخصًا يرقص أمامك، ولكن هذا ما يحدث بالفعل في إفريقيا، فعلى عكس ما نتصور نجد أن الرقص في إفريقيا أسلوب حياة واقعي وليس مجرد فعل بدني مرتبط بالسعادة والبهجة، فبه الكثير من المشاعر والتضامن المعنوي مع بعض، ليس من الضروري أن نلقي الاستغراب والاستعجاب مما نفكر به ولكن يجب أن نغير نظرتنا للأمور بمقاييسنا التقليدية، وعلينا أن نضع جزءًا من فكرنا في تقبل الاختلاف والتنوع الثقافي في الحضارات والبلدان الأخرى.
يعتبر الرقص عند الأفارقة عادة ونمطًا اجتماعيًا سائدًا يعبر عن حياتهم كلها، فلكل حدث من أحداث الحياة نجد أنه مرتبط برقصة محددة، فهناك رقصة الموت ورقصة الحرب ورقصة البلوغ ورقصة الزواج أو الخطبة، نحن أمام شعب لا يعتبر الرقص فعلاً مبهجًا بل طبيعة وميزة يتشارك فيها الجميع ويتشاركون مستجداتهم اليومية من خلالها.
وعلى عكس أغلب دول العالم نجد أن طريقة الرقص الإفريقي تختلف عن باقي رقصات العالم، فنجد أن الرقص فعل جماعي وليس فرديًا، فيتشارك الجميع في الرقص ويرتدون زيًا موحدًا دون تفرقة بين النساء والرجال، الكل يرقص دون أي تحيز أو عنصرية حتى الأطفال يتشاركون معهم.
كما تقوم كل رقصة على طريقة مختلفة ومتنوعة من الأداء، فهناك رقصات تعتمد على هز الأرجل فقط ورقصات يتم تحريك الجسد كله فيها، وبشكل عام فإن الرقصات ترتبط لديهم بنوع من الطاقة الروحية التي تثير فيهم الحماس وتشعرهم بالسمو.
للرقصات الإفريقية دور مهم في الحرب، فكان المستعمرون يمنعون الرقصات الإفريقية ويحرمونها لأن الأفارقة كانوا يستعينون بها في إثارة الحماسة واللهيب للاعتراض والقتال
يستخدم الأفارقة ملابس معينة للرقص، كل رقصة لها زي مختلف وطريقة مختلفة، ولكن بشكل عام يرتدي الأفارقة زيًا يشعرهم بالراحة والتحرر ولا يقيدهم في أثناء الرقص، فيمكن أن تجدهم في بعض الرقصات يمسكون عُصي ويرتدون ملابس قصيرة تستر النصف الأسفل من الجسد فقط، حتى النساء منهم، وتجدهم في مناسبات أخرى يرتدون ملابس بها ريش النعام أو جلود الحيوانات، مهما اختلفت أشكال الملابس لديهم فهي خفيفة تمكن الواحد منهم من الرقص بسهولة، وغالبًا ما يرتدون أحذية خشبية تمكنهم من الرقص عاليًا بسهولة، في كل رقصة يتخذ الأفارقة شكلاً جديدًا في الحركة أو الزي مثل رقصة الحرب التي يرتدي فيها زعيمهم ملابس مميزة عن باقي أفراد القبيلة ويبدأ هو بالتحرك والاحتدام وتتبعه القبيلة في ذلك.
من الأمور الأخرى التي يجب أن نعرفها، أن للرقصات الإفريقية دورًا مهمًا في الحرب، فكان المستعمرون يمنعون الرقصات الإفريقية ويحرمونها لأن الأفارقة كانوا يستعينون بها في إثارة الحماسة واللهيب للاعتراض والقتال، كما تثير الرقصات الإفريقية في حد ذاتها المشاهدين سواء كانوا من المستعمرين أم لا، لهذا تم اعتبارها من الأنواع الخطرة التي لا بد أن يتم حظرها، كما يستخدم الأفارقة في رقصهم الطبول وبعض الأدوات البدائية ولكن تبقى آلتهم الموسيقية الأولة هي أصواتهم أنفسهم، ولكنها مع ذلك تبقى ثقافة عجيبة تستحق النظر والتأمل.