ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد مرور أقل من شهر على الحرب الإسرائيلية على غزة، قررت فجأة حسابات مؤيدة لإسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعضها في الهند، والتي تم تعليقها منذ ذلك الحين، أنها قلقة للغاية مما يحدث في السودان.
وتساءلت هذه الحسابات: لماذا لم يهتم العالم بالحرب المستعرة منذ نيسان/أبريل 2023؟
وأعلن المؤثر اليميني حنانيا نفتالي، الذي يعمل في الفريق الرقمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على قناته على تيليجرام أنه “لا يوجد أي اهتمام بالمدنيين الذين يقتلون في السودان”.
وكتب نفتالي: “من الواضح الآن أن الاحتجاج المؤيد للفلسطينيين غالبًا ما يخفي كراهية أعمق لليهود. بدون يهود، لا أخبار”.
وفي أحيان أخرى؛ زعمت حسابات موالية لإسرائيل وجود صلة مباشرة بين الحركات المسلحة التي تقاتل إسرائيل في غزة ولبنان، وقوات الدعم السريع السودانية شبه العسكرية التي تخوض حربًا مع الجيش السوداني والمتهمة على نطاق واسع بتنفيذ إبادة جماعية مستمرة ضد “الجماعات غير العربية” في دارفور.
ونشر أحد الحسابات التي تتخذ من الهند مقرًا لها منشورًا كتب فيه: “مذبحة في السودان: مدنيون أبرياء يقعون ضحية لميليشيا إرهابية مرتبطة بحماس وحزب الله”.
وقام حساب “غرفة الحرب الإسرائيلية” ومقره الولايات المتحدة (شعاره: “أعداء إسرائيل لا ينامون، ونحن كذلك”)، بنشر تغريدة – حُذفت الآن – بالتأكيد على نفس الحجة؛ حيث قال فيها إن “ميليشيا الإرهاب السودانية متحالفة مع حماس وحزب الله”.
مدافعون يائسون
هذه الحجج خادعة بطبيعة الحال، إن “الميليشيا الإرهابية” المعنية – قوات الدعم السريع – ليست مرتبطة بحماس أو حزب الله.
وعلاوة على ذلك، يشعر الناس في جميع أنحاء العالم الغربي بالفزع تجاه ما تفعله إسرائيل لأن حكوماتهم تتصرف ضد رغباتهم من خلال تزويد إسرائيل بالأسلحة والدعم العسكري والغطاء الدبلوماسي اللامتناهي.
هذا ليس هو الحال في السودان؛ فقد اتسمت ردود الفعل الغربية بالارتباك والفشل؛ حيث تتخبط الجهود الدبلوماسية الأمريكية وتحاول المملكة المتحدة حماية الإمارات العربية المتحدة، الراعي الرئيسي لقوات الدعم السريع.
ربما يمكن أن نتوقع هذا المستوى من الحجج الباطلة من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بمجموعة متنوعة من الإسرائيليين اليمينيين والروبوتات التي تتخذ من الهند مقرًّا لها.
ولكن مع الحرب التي تجر إسرائيل الشرق الأوسط بأكمله لها، ومع تزايد وحشية حملة الإبادة الجماعية في غزة، انتقلت هذه الحجج إلى الليبراليين في الغرب، وبالنسبة للمدافعين اليائسين عن إسرائيل، فإن الإشارة إلى أوضاع أخرى فظيعة لا توصف – وعلى رأسها الحرب في السودان – أصبحت ملاذًا أخيرًا لا يمكن مقاومته.
ومن أبرز هؤلاء كاتب العمود في صحيفة الغارديان جوناثان فريدلاند، الذي استخدم نفس تكتيك الإلهاء في مقاله الأخير بعنوان “السودان أخطر كارثة إنسانية في العالم – لكن لا أحد يهتم تقريبًا”.
فقد خاض فريدلاند، الذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز ذات مرة بأنه “صهيوني ليبرالي بريطاني بارز”، في موضوع لم يكتب عنه من قبل، مدعيًا أن الحرب في السودان، والتي مضى عليها الآن قرابة 18 شهرًا، تكاد لا تحظى بتغطية إعلامية وأن “النشطاء والتقدميين” غير مهتمين بها.
وكتب يقول: “لا توجد مظاهرات حاشدة في الشوارع”، على الرغم من وجود مظاهرات ووقفات احتجاجية بالفعل، بما في ذلك تلك التي نُظّمت بالتعاون مع الحركة الفلسطينية البريطانية.
ويتابع فريدلاند: “لا توجد هاشتاجات على وسائل التواصل الاجتماعي”، على الرغم من أن هاشتاج “Keep Eyes on Sudan” وصل إلى 18 مليون شخص في الأيام السبعة التي سبقت نشر مقاله.
وعلى الرغم من ذكر “بعض الاستثناءات المشرفة”، يستمر كاتب العمود في افتراض أن أكبر أزمة إنسانية في العالم لا تحظى بأي تغطية إعلامية تقريبًا، رغم توافر التغطية بشكل كبير إذا بحثت عنها، بما في ذلك من قبل الصحيفة التي تنشر مقاله.
ليس هناك اهتمام كافٍ
لقد تم تضخيم هذا الجانب من المقال من قبل شخصيات بريطانية مشهورة أخرى متعاطفة مع إسرائيل؛ حيث غرد المؤرخ الشهير سيمون شاما: “دعونا نرى ما إذا كانت كارثة السودان تحظى بأي اهتمام على الإطلاق، على سبيل المثال، في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس أو نيويورك ريفيو أوف بوكس”.
وغطت المجلتان موضوع السودان بالتفصيل، بينما ذكره شاما ثلاث مرات على تويتر، مرتين منهم للشكوى من أنه لا يحظى بالاهتمام الكافي.
ويذهب فريدلاند إلى القول بأن العالم بالنسبة “لليسار، الذي كان متقاعسًا للغاية” بشأن السودان، مقسم إلى فئات دقيقة – “هناك المظلومون وهناك الظالمون، وهناك المستعمَرون والمستعمِرون” – وأن “التقدميين الغربيين” في السودان لا يعرفون من الذي يجب “أن يشجعوه”.
وكتب: “نفس الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع عندما قُتل جورج فلويد في مينيابوليس، لم ينبسوا ببنت شفة أمام القتل المنظم لعشرات الآلاف من الرجال والنساء السود في السودان”.
وخلص فريدلاند إلى أن “معاداة الاستعمار” الفجة التي يتبناها اليسار قسمت العالم إلى “أخيار وأشرار”، وهذا يعني أنه مرتبك عندما يتعلق الأمر بالسودان ومتحزب بشدة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين، التي يرى أنها صراع بين “قضيتين عادلتين“.
من الصعب ألا نلاحظ وجود قدر معين من المبالغة في هذه الاتهامات.
الدعاية اليمينية
صحيح أن ما يحدث في السودان معقد: حرب أهلية تحولت إلى حرب بالوكالة.
والطرفان الرئيسيان في الحرب – الجيش وقوات الدعم السريع – كلاهما كيانان عسكريان، وقبل أن ينقلب كل منهما على الآخر، كانا يعملان معًا لتنفيذ انقلاب ضد الحكومة المدنية في السودان وقمع الحراك الثوري في البلاد بعنف.
إن هذه الحركة الثورية – التي أظهرت تضامنًا هائلًا مع الفلسطينيين – وشبكة الناشطين الوطنيين من لجان المقاومة التي تناضل من أجل مستقبل السودان هي التي تحظى بدعم اليسار الدولي.
ويقاتل بعض أعضاء هذه المجموعات، بما في ذلك منظمة “غضب بلا حدود“، إلى جانب الجيش السوداني؛ حيث قرروا أن ذلك في الوقت الراهن أهون الشرين.
ولكن بالنسبة لنا نحن في الغرب، فإن القضية التي يجب أن نناقشها مع حكوماتنا ليست التواطؤ النشط، كما هو الحال مع إسرائيل، بل التقاعس المتخبط.
لن يؤدي ذلك إلى خروج الناس إلى شوارع لندن بمئات الآلاف، خاصةً عندما تأخذ في الحسبان دعم بريطانيا المستمر والمتواصل لإسرائيل في مقابل تورطها التاريخي – ولكن غير النشط الآن – مع السودان.
لا شك في أن المدافعين الليبراليين عن إسرائيل يشعرون بقدر من الضيق الآن، فالدولة التي يدافعون عنها قتلت عشرات الآلاف من المدنيين في غزة، وأطلق قناصوها النار على الأطفال في الرأس، وحرقت الفلسطينيين أحياءً في الخيام.
لقد كشف مقال للكاتب البريطاني هاورد جاكوبسون نشرته مؤخرًا صحيفة الأوبزرفر ربط فيه بين التغطية الإعلامية لمقتل الأطفال الفلسطينيين وبين مقولة “التشهير بالدم” المعادية للسامية التي تعود إلى القرن الثالث عشر عن رجل يائس يتخبط بحثًا عن أي شيء يصرف الأنظار عما تفعله إسرائيل في هذه اللحظة بالذات بدم بارد.
ولكن كل هذا ليس سوى دعاية يمينية إسرائيلية أضيف إليها القليل من التجميل الفكري؛ فلو استطاع هؤلاء المعلقون الموقرون أن يتفاعلوا بصراحة وصدق مع ما تفعله إسرائيل، لربما كان لدينا شيء يستحق القراءة.
ولو كانوا يريدون الكتابة عن السودان، لكتبوا عنه، ولكن حتى ذلك الحين، فإن قلقهم الزائف هذا يفضح طبيعتهم أكثر مما يعبر عن أي شيء آخر.
المصدر: ميدل إيست آي