نشأت بين أسوار المدينة العتيقة بتونس وأزقتها المتعرجة وباقي معالمها التاريخية لتأخذ منها قيم الأصالة والثبات على المبدأ، ودرست في مدرسة الصادقية التي تعتبر أول مدرسة ثانوية عصرية في البلاد التونسية، فمنحتها قيم الحداثة والتطور والتقدم، إنها التونسية أفنان كودجي التي نهلت من هذا وذاك قيمًا ساعدتها على صقل شخصية ناجحة رغم الصعوبات التي اعترضتها في بلادها تونس وخارجها عندما قررت الهجرة.
بداية التجربة
لم يتجاوز عمرها الـ23 ربيعًا بعد، ودخلت الجامعة في تونس، تخصصت في مجالين مختلفين لمدة سنتين وانسحبت لأسباب شخصية، ثم بدأت العمل في التسويق والتنظيم، لتنشئ مشروعها الخاص عندما كانت في الـ21 من عمرها، لم يفشل المشروع ولكن مشاكل بين الشركاء جعلتهم يقررون غلقه بأخف الأضرار.
بعد غلق هذا المشروع بفترة قصيرة، سافرت أفنان إلى الكوت ديفوار للمشاركة في مؤتمر يعني بالمرأة المبادرة التي تبدأ نجاحها من دون مساعدات، بعد تلقيها دعوة من شركة إفوارية لما شهدته فيها من روح المبادرة، هناك شاركت كودجي عشرات النساء الإفريقيات تجاربهن في الابتكار، لتبدأ بعدها تجربة قصيرة في مجال تطوير الأعمال مع عدة شركات تونسية وأجنبية.
بعد انتهاء المنحة الماليزية ذهبت أفنان إلى تركيا وعادت إلى مقاعد الدراسة الجامعية بعد انقطاع عنها دام سنتين
هذه التجربة لم تدم طويلاً، فقد حصلت أفنان على منحة من منظمة عالمية تعني بالتعليم والابتكار بالاشتراك مع مايكروسوفت، لدراسة المشاريع وتطويرها من بين 100 شخص قدموا للحصول على هذه المنحة المهمة.
مر هذا البرنامج بعدة مراحل، آخرها كانت تقديم فكرة المشروع أمام سفير أمريكا بتونس دانيال روبنشتاين بحضور وزير تكنولوجيات المعلومات التونسي أنور معروف، حينها حصلت الشابة التونسية على شهادة المبادرة من المنظمة.
الهجرة إلى تركيا
بعد مدة صغيرة، حصلت أفنان كودجي على منحة اللغة الإنجليزية من منظمة تركية تعني بالتعليم، ذهبت عندها إلى ماليزيا للدراسة في جامعة البخاري وكانت المنحة لفترة ليست بطويلة وهناك تمكنت أفنان مرة أخرى من الحصول على فرصة الهجرة إلى تركيا.
بعد انتهاء المنحة الماليزية ذهبت أفنان إلى تركيا وعادت إلى مقاعد الدراسة الجامعية بعد انقطاع عنها دام سنتين، ومع وصولها إسطنبول دخلت الجامعة وبدأت تدريس بعض الأطفال اللغة الفرنسية غير أن ذلك لم يدم طويلاً، فقد بدأت المشاكل والمصاعب في اعتراضها، حتى وجدت كودجي نفسها دون مال ومأوى لولا تدخل بعض الأصدقاء.
بقيت الحال كما هي لأشهر، “كانت فترة صعبة جدا” تقول أفنان، “كنت أحاول الوقوف مع كل الضغط والغربة وخاصة ألم الوحدة، لا يمكن الحديث عن تفاصيل التحديات التي تواجهنا لأننا نمر بألف مشكلة ثم ما إن نقرر التوقف عن التجديف حتى نجد المخرج من حيث لا ندري فنأخذ القارب مرة أخرى ونبدأ بالتصارع مع الأمواج ثانية”، هكذا تلخص الشابة التونسية معاناتها في إسطنبول التركية.
حصلت أفنان على العديد من الجوائز المهمة
تضيف أفنان “هذه الحياة لا تسمح لك بالتوقف، حتى إن أردت صراعًا دائمًا، الشيء الوحيد الذي يجعلك تقاوم هو حلمك وفرحة عائلتك خاصة والدي ووالدتي اللذين لا يمكن أن أنسى فضلهما الكبير في تشجيعي على مواصلة طريقي للنجاح”.
لوهلة، ظنت أفنان أن كل ما حققته سيذهب أدراج الرياح، وأن حلمها بالتفوق سيطول أمده أو ربما لن يتحقق، فلا أفق أمامها سوى الصبر الذي اكتسبته من أزقة مدينة تونس العتيقة، وروح الأمل التي تنبعث من ثنايا تلك المدينة التاريخية.
“فما بعد الضيق إلا الفرج وما بعد العسر إلا اليسر”، هكذا كانت تردد أفنان في أثناء محنتها، وهو ما حصل بالضبط، فقد عادت للدراسة والعمل، وعاد معهما حلمها القديم الذي بقي يراودها منذ الصغر ولم يأب إلا أن يتحقق رغم كل الصعوبات، حلم النجاح والتفوق.
جائزة “إفريقيا للإلهام 2018”
نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، حصلت الشابة التونسية أفنان كودجي على جائزة العام “إفريقيا للإلهام 2018” في نسختها الأولى المحدثة من المنظمة العالمية للشباب، وتم تقليد الشابة التونسية بهذه الجائزة الفخرية للشباب من وزير الشباب والرياضة بحكومة المالديف أحمد مهولوف الذي أشرف على تسليمها ميدالية ذهبية وشالاً، تثمينًا لروح القيادة نحو التغيير حول العالم التي تمتاز بها.
وتعني المنظمة العالمية للشباب (IYC)، بالشباب وتقدم الفرصة لهم لإثبات أنفسهم في المجال الإنساني، وتفتح أبواب السفر والتعلم من الثقافات الأخرى، حيث يلتقي الفرد هناك بعدة جنسيات فاعلة في المجتمع المدني التي تحاول التأثير في الشباب حولها من خلال الفعاليات والمبادرات التي تنظمها وتشرف عليها.
تطمح التونسية أفنان كودجي في إنشاء خلية شبابية إفريقية وعربية تهتم بكل ما يطور الشباب ويجعلهم متميزين
عن هذه الجائزة، تقول أفنان: “حصلت على جائزة الإلهام الإفريقية بما أنني ناشطة في المجتمع المدني وأحاول أن أحدث التغيير، وأكون فاعلة في المجتمع، وكنت التونسية والعربية الوحيدة بين الأجناس والأصناف الموجودة”.
وتضيف الشابة التونسية في حديثها لنون بوست: “لقد مثلت لي حافزًا كبيرًا للعمل الدائم وتطوير مهاراتي حتى لا أخذل الناس المؤمنة بي، وهي أيضًا بمثابة الرابط الكبير الذي يربط بيني وبين تحقيق حلمي الكبير الذي أنشد الوصول إليه منذ صغري”.
ويتم تسليم هذه الجائزة للاعتراف بمجهود الشباب المبتكرين والملهمين لجعل العالم مكانًا أفضل للعيش، وتمنح على أساس جودة مستوى التأثير للابتكار وخلق المقاربات من أجل حل المشاكل، وجودة دليل تحقيق التنمية المستدامة، وبناء قدرات أجيال المستقبل من أجل تلبية حاجياتهم.
أفنان في أثناء تسلمها جائزة “الالهام الإفريقي”
لم تكن هذه الجائزة، الوحيدة التي تحصل عليها أفنان، فقد حصلت على عدة جوائز ومناصب أخرى من بينها تعيينها في منصب منسقة برامج لقسم البحوث والترجمة والتوثيق والنشر في المنظمة العالمية للشباب إضافة إلى تعيينها سفيرة المنظمة في تونس.
وتطمح التونسية أفنان كودجي إلى إنشاء خلية شبابية إفريقية وعربية تهتم بكل ما يطور الشباب ويجعلهم متميزين في عدة مجالات سواء بالتدريبات أم بالسفر لمدة قصيرة للتعلم من الثقافات الأخرى، حتى ترتقي بواقع الشباب في المنطقة التي تنتمي إليها.
طموح تعترضه إرادة السلطة
“لتكون فاعلاً يجب أن تكون مبادرًا” تقول أفنان وتضيف “عليك أن تبادر للتحسين والتغير في الفكر أولاً لأنه إذا ما نريد تغيير أو تحسين سلوك الأفراد يجب تغيير تفكيرهم أولاً، لا يجب أن يكون الشخص من الأفراد الذين تحركهم العاطفة والظروف وتتحكم في قدراتهم، أي التفكير بإيجابية وعدم الاستسلام للأنظمة الفاسدة الموجودة بل السعي للتعلم أكثر ومحاربتهم”، بهذه الكلمات تقيم أفنان واقع الشباب في تونس.
وترى أفنان كودجي أن الشباب التونسي من أذكى الشباب الموجود والأكثر طموحًا، فهو يريد التغيير غير أن المشكلة وفقها تتمثل في قلة الفرص المتوفرة في تونس أو القيود السياسية التي تكبت أفكارهم وتجعلهم يعيشون في واقع كله أحداث جانبية تلهيهم عما يجب القيام به للتقدم نحو الأفضل وتلك مع الأسف سياسة الدولة.
تسعى أفنان إلى تنمية واقع الشباب في تونس والمنطقة العربية
وفي حديثها لنون بوست، تقول أفنان: “تونس اليوم تصدر خيرة شبابها والجميع يتحدث عن التونسي أو التونسية خاصة في الملتقيات، غير أن غياب فضاءات تنمية القدرات الشبابية في تونس وعدم قيام وزارة الشباب والرياضة التونسية بأي مجهود يهتم بالشباب ساهم في تضييع الفرصة أمامهم”.
وتختم أفنان حديثها لنون بوست بالتأكيد على أهمية المشاركة في الفعاليات والملتقيات والمؤتمرات، فهي تنمي وعي الإنسان وتفتح قريحته للانتقال من التفكير إلى الفعل، والأهم وفق قولها هو وضع أهداف واضحة ترسم خطاك مستقبلاً.