للمرة الأولى في شهر واحد تقريبًا تحصل نتفليكس على اهتمام حماسي من المشاهدين لفيلمين في الوقت ذاته، فقد بثت شبكة نتفليكس فيلمBird Box يوم 21 من ديسمبر من العالم المنصرم، ورغم أنها بثت حلقة مسلسل Black Mirror المثيرة للجدل بعدها بأيام، فإن فيلم Bird Box ما زال يحقق انتشارًا كاسحًا ونجاحًا كثيفًا بين المشاهدين إلى أن أصبح ترندًا وحديث العالم بين المجتمعات الأوربية وهو آخذ في الانتشار بالمجتمعات العربية كذلك.
في سابقة من نوعها ذكرت شركة نتفليكس في مصادر رسمية عدد مشاهدي الفيلم في أول أسبوع من بثه والذي تجاوز 45 مليون مشاهدة، هذا وفقًا للإحصاءات الرسمية التي ذكرتها الشركة في جريدة الغارديان البريطانية، بخلاف المواقع التي تمكنت من تسريب الفيلم، وهذا يجعلنا نلتفت إلى مدى الاهتمام غير المسبوق بالفيلم رغم أن نتفليكس لم تذكر عدد مشاهدات أي فيلم من أفلامها الشهيرة السابقة التي انفردت بها وحققت نجاحًا بين الجماهير مثل فيلم Roma.
ورغم تصنيف الفيلم الذي يعتبر من أفلام نهاية العالم الذي لم يُمثل لأول مرة أو تنفرد فكرته بين الأفلام المشابهة، فإن الحبكة الدرامية والأداء التمثيلي لطاقم العمل كان له قدرة فريدة على لفت أنظار المشاهدين ودمجهم داخل ما يحدث في الفيلم بالكامل.
قصة الفيلم مستوحاه من رواية بنفس الاسم للكاتب إيريك هيزير الذي يروي قصته المتخيلة عن نهاية العالم بمرض غريب يجتاح العالم، ويبدأ بسكان روسيا ثم يأخذ في الانتشار السريع بين دول العالم، وتصل قصته إلى البطلة وأختها فتصاب أختها بالمرض وتقتل نفسها، بينما تستطيع الممثلة ساندرا بولوك النجاة وخوض رحلة الفيلم المثيرة والمروعة.
كانت قصة الفيلم جذابة في اختيار البطلة الأم العزباء التي لا ترغب في الإنجاب وغير المهتمة في الأساس بالطفل الذي اقتربت من وضعه، كما كانت إنسانة منعزلة صامتة لا تحب الناس ولكن استطاعت خلال رحلة الفيلم أن تجسد لنا شخصية البطلة المنعزلة وكيفية تحملها المسؤولية تجاه الأطفال لتنجو بهم من العالم المنكوب إلى مكان آمن به بشر على قيد الحياة.
تبدأ حبكة الفيلم في السير على خطين زمانيين أولهما يصور لنا البطلة في صورتها الواقعية التي تبحث فيها عن مأوى ولا نفهم أي شيء سوى أنها في خطر، والخط الزمني الثاني يحدثنا عن ماضي الأم قبل خمس سنوات وكيف بدأت رحلتها التي دفعتها إلى ما هي عليه الآن بسبب اجتياح المرض الخطير الذي يصيب كل من يراه ويجعله يرغب في إيذاء نفسه أو إيذاء الآخرين، وبالتالي يجب أن يظل الشخص معصوب العينين حتى يتمكن من النجاة والهرب من المرض ومن يحملونه، يروي لنا الفيلم رحلة البطلة في الهروب والولادة وكيف أصبحت الوحيدة الناجية مع الأطفال وسط كل البشر الذين عايشتهم في القصة.
بعد أن أخذ الفيلم في الانتشار وشاهده ملايين الناس قاموا بتقليد الفيلم وتحويله لترند وتحدٍ يختبر فيه المشاهدون قدرتهم على التحرك معصوبي العينين والتعامل مع العالم بمفردهم أو مع ذويهم، مقلدين ساندرا بولوك وهي معصوبة العينين هي والطفلين لكي لا تتعرض للمرض أو الأذى، مما جعل نتفليكس تخرج تحذيرًا بشكل رسمي تدعو المشاهدين لتوخي الحذر من التحدي وما يمكن أن ينتجه من ضرر على حياتهم.
من الجدير بالذكر أن حبكة الفيلم بها شبه كبير جدًا من رواية الأديب البرتغالي العالمي ساراماجوا “العمى” التي روت قصة شبيهة كتلك ولكن كان المرض الذي يجتاح العالم في روايته هو العمى إلى أن تمكنت سيدة وحيدة، وهي هنا تشبه البطلة، من النجاة وإنقاذ العالم.
ورغم أن حبكة الفيلم بها بعض المبالغات أو السقطات مثل مدة الفيلم التي مرت بسرعة، فالخمس سنوات التي عاشتها البطلة واستطاعت أن تربي خلالهم الأطفال مروا بسرعة ودون اهتمام سينمائي جيد، بجانب طاعة الأطفال الدائمة لها، مهما يكن ما نالهم من تحذيرها، فالأطفال دائمًا شغوفون بالفضول والرغبة في المعرفة، ورغم أن الرحلة داخل النهر كانت قاسية فإنها تمكنت من النجاة واحتضان طفليها مجددًا، فقد استطاعت ساندرا بولوك أن تقوم بأداء ممتاز في فيلمها بجانب الموسيقى التصويرية التي أثارت حماستنا والتشويق المستمر طوال الفيلم كان مميزًا ولم يدعنا نفلت من أيديهم، فالفيلم يستحق أن يكون واحدًا من الأفلام السينمائية المميزة.