ترجمة وتحرير: نون بوست
تبدو المملكة العربية السعودية والعائلة الحاكمة، النظام الملكي المطلق الذي يستحوذ على ثروات البلاد النفطية، ظاهريا في مأمن. وعلى الرغم من التقلبات التي تشهدها أسعار النفط، ظل الناتج القومي للفرد ثابتا إلى حد ما لسنوات عديدة.
على الرغم من الخلل، لا يزال البلد غنياً
نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المملكة العربية السعودية
تعتبر المملكة العربية السعودية دولة غنية من حيث تعادل القدرة الشرائية، وتتقدم عليها الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة فيما يتعلق بمستويات المعيشة. وفي الوقت نفسه، تشعر قيادة البلاد بالثقة والقوة الكافية لخوض حرب في اليمن وقتل الصحفيين المعارضين للنظام.
لكن خلف هذا المشهد الهادئ في ظاهره تكمن مشكلة عصية. ففي المقام الأول، يتبع سكان البلاد اتجاها تشوبه أحيانا بعض الاضطرابات الاجتماعية. وخلال سنة 2000، كانت العائلات السعودية كبيرة بمعدل يزيد عن ستة أطفال لكل امرأة. لكن مستوى الخصوبة انخفض بسرعة، حيث أصبح دون مستوى الاحلال البالغ 2.1 طفل لكل إمرأة.
تراجع مستويات الخصوبة في المملكة
الولادات للمرأة الواحدة في السعودية
يعني هذا التراجع في مستوى الخصوبة أن عددا كبيرا من السعوديين الذين يبلغون سن الرشد الآن سيكون لديهم عدد قليل نسبيا من الأطفال. وفي البلدان ذات الاقتصاديات القائمة على التصنيع، يساعد ذلك على تحقيق عائد ديموغرافي، مما يساهم بدوره في تسارع النمو الاقتصادي بسبب وفرة اليد العاملة الشابة.
أما بالنسبة لاقتصاد المملكة القائم على الموارد النفطية، فإن ذلك سيؤدي ببساطة إلى فرض ضغوط على الوضع المالي للحكومة. ففي الماضي، كانت المملكة العربية السعودية تعتمد على الاقتصاد الريعي، حيث توزع الحكومة أموال النفط على السكان لمنع نشوب التوترات الاجتماعية. وبالنسبة للحكومة، يعني ارتفاع عدد السكان وجود المزيد من الأفواه لاسكاتها. وتتراوح نسبة بطالة الشباب في البلاد بين 25 و30 في المائة، في حين بلغ معدل البطالة الإجمالي مستويات قياسية في أوائل سنة 2018.
وفقًا لمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، تعتمد المملكة على النفط في حوالي 50 بالمئة من اقتصادها و70 بالمئة من عائدات التصدير
في الحقيقة، قد يسفر العدد الكبيرة من الشبان العاطلين عن العمل ومعدلات البطالة المرتفعة وقلة الالتزامات المرتبطة برعاية الأطفال عن حدوث تقلبات اجتماعية. ولطالما لاحظ علماء السياسة العلاقة بين ارتفاع عدد الشباب في المجتمعات ونشوب الصراعات المحلية. ويمكن أن يصبح هذا الوضع المتقلب أكثر خطورة بسبب ثلاثة عوامل إضافية، تتمثل أساسا في انخفاض عائدات النفط وتغير المناخ والتحرير الاجتماعي.
عبء السيارات الكهربائية
مع تقدم وتطور البطاريات وتقنيات الشحن، سرعان ما ستصبح السيارات الكهربائية شائعة. فقد بلغت المبيعات من هذا النوع من السيارات 400 ألف سيارة خلال الربع الواحد من السنة لأول مرة.
وفقًا لمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، تعتمد المملكة على النفط في حوالي 50 بالمئة من اقتصادها و70 بالمئة من عائدات التصدير، على الرغم من بعض التقديرات الأخرى تشير إلى أن النسبة الأخيرة أعلى من ذلك بكثير. وعموما، تتعدد استخدامات النفط بداية من تشغيل السيارات والشاحنات، وصولا إلى استخدامه في صناعة البلاستيك، الأسمدة، السفن، ووقود الطائرات فضلا عن مجموعة من المواد الكيميائية. ولكن إذا ما تمكنت المركبات الكهربائية من السيطرة على أسواق محركات الاحتراق الداخلي، قد تخسر أسعار النفط قيمتها للأبد.
لقد تعهدت البلاد منذ فترة طويلة بتنويع اقتصادها في مجالات أخرى بعيدا عن النفط، ولكن غالبا ما تتبلور خططها الإصلاحية الطموحة في مزيد من الإنفاق الحكومي المفرط. وفي هذه الأثناء، حتى لو لم تسبب السيارات الكهربائية أي انهيار فعلي في الأسعار، فإن مخزون احتياطي النفط في البلاد سيظل محدودا، ما قد يدفع بالبلاد للكفاح من أجل زيادة الإنتاج لاحقا.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد كذلك تهديد آخر من شأنه أن يهزّ استقرار البلاد، ألا وهو التغير المناخي، الذي بدأت آثاره في الظهور بالفعل. فالجفاف الناجم عن الاحتباس الحراري من شأنه أن يعمّق من حدة الصراع في اليمن، حيث تسبب في اختفاء الأراضي الصالحة للزراعة، الأمر الذي من شأنه أن يطال السعودية لاحقا. وفي الحقيقة، لا تستطيع المملكة تحقيق الكثير بمفردها من أجل التصدي للتغير المناخي، سواء وقف التنقيب عن النفط (وهو ما من شأنه أن يدمر اقتصادها).
على الرغم من تظاهر المملكة السعودية بالاستقرار والثروة والقوة، إلا أنها في الواقع، تتجه نحو عاصفة من المشاكل على غرار انخفاض عائدات النفط، الجفاف، وحشود غاضبة من الشباب العاطل عن العمل مع توقعات محبطة.
أما الخطر الثالث المحتمل الذي قد يهدد استقرار البلد، فيتمثل في التغيّر الاجتماعي. فقد أصبحت المملكة تعتمد ثقافة التحرر؛ إذ أضحت الفنون والمسارح وغير ذلك من أشكال التعبير الثقافي منتشرة على نطاق واسع. كما أصبحت النساء يقدن السيارات ويصوّتن في الانتخابات. علاوة على ذلك، أصبحت الحكومة تسعى للاستغناء عن الإسلام السياسي المتشدد. وعلى الرغم من روعة هذا التقدم بالنسبة للمجتمع السعودي، إلا أنه يمهد لحالة من الاضطراب، إذ أن الشباب الذين اعتادوا على الوتيرة السريعة للتغيّر الاجتماعي لن يكونوا راضين بتاتا في حال تباطأ هذا التقدم؛ وهي ظاهرة تعرف باسم “ثورة التوقعات المتصاعدة”.
على الرغم من تظاهر المملكة السعودية بالاستقرار والثروة والقوة، إلا أنها في الواقع، تتجه نحو عاصفة من المشاكل على غرار انخفاض عائدات النفط، الجفاف، وحشود غاضبة من الشباب العاطل عن العمل مع توقعات محبطة. وبالتأكيد، يدرك حكام البلاد خطورة هذا الوضع، الذي قد يكون السبب كذلك وراء توزيعهم للمزيد من الأموال وتركيزهم على الإصلاحات الاجتماعية، حتى في ظل الضغوط الموجهة من المعارضة السياسية ونقاد النظام الاستبدادي.
فضلا عن ذلك، تخاف السعودية من أن تؤدي الحرب الأهلية في اليمن إلى تفشي مشاعر الاحتقان داخل المملكة، وهو ما يعد السبب الذي دفعها إلى قمع التمرد على أراضي جارتها. في المقابل، قد تبوء جميع هذه الإجراءات بالفشل، ولعل عهد المملكة الصحراوية الغنية بالنفط والتي تلبي عادة الحاجات الاقتصادية والاجتماعية لسكانها، تقترب ببساطة من نهايتها.
المصدر: بلومبرغ