كيف تستخدم الجمعيات الخيرية الكندية التبرعات لتمويل مشاريع الجيش الإسرائيلي؟

ll

كان الصندوق القومي اليهودي في كندا (JNF)، وهو أحد المؤسسات الخيرية التي أنشئت في البلاد منذ فترة طويلة، موضوعًا للتدقيق والمراجعة من مصلحة الدخل القومي الكندي بعد تقديم شكوى في أكتوبر/تشرين الأول 2017، لاستخدام تبرعاتها الخيرية في بناء البنية التحتية للقوات الإسرائيلية، في انتهاك للقواعد الضريبية الكندية.   

ويمول الصندوق القومي اليهودي العديد من المشاريع في “إسرائيل”، مثل جهود إعادة التشجير في المناطق التي ضربتها حرائق الغابات، وبناء ملاعب للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنها مولت أيضًا مشاريع البنية التحتية في جيش الاحتلال الإسرائيلي والقواعد الجوية والبحرية، حسبما نقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن هيئة الإذاعة الكندية العامة.

وفي حين لا يوجد قانون يمنع مواطنًا كنديًا من كتابة “شيك” مباشرة إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية، تحظر القواعد المؤسسات الخيرية المعفاة من الضرائب من إصدار إيصالات ضريبية لهذه التبرعات، كما تحظر على المانحين المطالبة باستقطاعات ضريبية لهم.

على الرغم من أن الصندوق القومي اليهودي الكندي يزعم أنه توقف عن مثل تمويل هذه المشاريع عام 2016، فإن هذا لن يمنع مصلحة الدخل القومي الكندي من اتخاذ إجراءات ضد المؤسسة الخيرية التي تنتهك المبادئ التوجيهية المحددة بوضوح.

وكانت مصلحة الدخل القومي ألغت في أغسطس/آب الوضع الخيري لمركز “أوتاوا” الإسلامي ومسجد السلام في شارع سانت لوران بمدينة مونتريال الكندية بسبب ادعاءات بالتشجيع على “الكراهية والتعصب”، وكذلك للمخالفات المالية التي وقعت بين عامي 2009 و2014، تحت مجموعة سابقة من المديرين.  

مساهمات الصندوق القومي اليهودي الكندي في تمويل مشاريع الجيش الإسرائيلي – المصدر: الصندوق القومي اليهودي 

تمويل القواعد العسكرية الإسرائيلية

لا تزال أنشطة الصندوق القومي اليهودي تنتهك القانون الكندي الذي يمنع الأموال الخيرية من دعم أي جيش أجنبي، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017 تم تقديم شكوى رسمية بدعم من مؤسسة أصوات يهودية مستقلة في كندا (IJV)، التي شنت حملة “اوقفوا الصندوق القومي اليهودي”، وقدمت دليلاً تفصيليًا على أن الصندوق القومي اليهودي ينتهك قانون ضريبة الدخل ويتعارض مع السياسة الخارجية الكندية بطرق عديدة.

وفقًا لمؤسسة أصوات يهودية مستقلة، فقد مول الصندوق القومي اليهودي أكثر من 12 مشروعًا لدعم القوات الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية فقط

وفي دليلها للجمعيات الخيرية الكندية المسجلة التي تقوم بأنشطة في الخارج، تقول مصلحة الدخل القومي الكندي بوضوح: “زيادة فعالية وكفاءة القوات المسلحة الكندية هي أعمال خيرية، ووفقًا لمبادئها لا يمكن اعتبار تمويل المشاريع – التي تهدف إلى زيادة فعالية وكفاءة أي جيش أجنبي – خيرية، وبالتالي لا يجب أن تكون هذه المشاريع معفية من الضرائب”.

إلا أن وثائق الصندوق القومي اليهودي تصف بعض نفقات المؤسسة الخيرية في “إسرائيل” بهذه الشروط ذاتها، وتشير إحدى الوثائق المسماة “فرص المشروع” إلى “منطقة لياقة بدنية في الهواء الطلق في قاعدة غادنا العسكرية”، وتصف برنامج غادنا الإسرائيلي بأنه برنامج خاص للشباب في “إسرائيل” يعدهم للخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي، وشمل المشروع منطقة للياقة البدنية لموظفي الجيش في قاعدة غادنا بمنطقة سيدي بوكر بصحراء النقب.

ووفقًا لمؤسسة أصوات يهودية مستقلة، فقد مول الصندوق القومي اليهودي أكثر من 12 مشروعًا لدعم القوات الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية فقط، بالمشاركة  بشكل رسمي مع القوات الإسرائيلية ووزارة الدفاع الإسرائيلية، وتشمل مشاريعها العسكرية قاعدة التدريب الجديدة المخطط لها في صحراء النقب والمساعدة في تطوير منطقة معسكر تدريب قاعدة بات غاليم (البحرية).

وفي عام 2014، نظم الصندوق القومي اليهودي حفل عشاء في صحراء النقب الواقعة ضمن الحدود السياسية لـ”إسرائيل”، حيث كانت العائدات لتطوير ثلاث مناطق من قاعدة جيش تسئيليم في النقب، وهي أكبر منشأة للتدريب العسكري في “إسرائيل”، والمركز الوطني لتدريب القوات البرية، وسيقوم المشروع بترقية وتهيئة منطقة زيارة العائلات، بالإضافة إلى مرافق وساحة الثكنات الرئيسية، كما هو مذكور على صفحة “فيسبوك” الخاصة به. 

كما مول الصندوق القومي اليهودي الطرق الأمنية على طول حدود “إسرائيل” المعادية مع لبنان وغزة، التي حسب قول الصندوق القومي اليهودي في كندا، تهدف إلى تعزيز النشاط العسكري في هذه المناطق الحدودية ، حسبما كتبت مؤسسة أصوات يهودية مستقلة.

وبحسب الحاخام الكندي ديفيد ميفاسير، وهو أحد مقدمي الشكاوى الأربعة: “من غير المعقول أن يدعم الكنديون منظمة تستخدم تبرعات معفاة من الضرائب لدعم الجيش الإسرائيلي،  خاصة عندما قتل هذا الجيش ما يقرب من 200 متظاهر سلمي في غزة في العام الماضي، بما في ذلك العاملين في المجال الطبي وأعضاء وسائل الإعلام والأطفال”.

ما وراء تخضير “إسرائيل”

يشتهر الصندوق القومي اليهودي بمشاريع إعادة التشجير “تخضير أرض إسرائيل”، التي امتدت عبر خط الهدنة عام 1949 (الخط الأخضر) في أراضي الضفة الغربية المحتلة، لذلك يصعب أن تجد أن الصندوق القومي اليهودي متورط في مشاريع تعتقد أنها لا تتوافق مع القواعد الكندية الخيرية. 

أما كندا، فهي تعارض رسميًا بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وتذكر موقفها من المستوطنات على موقع الشؤون الدولية الكندي على شبكة الإنترنت: “تشكل المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة انتهاكًا لاتفاقية جنيف الرابعة، كما تشكل المستوطنات عقبة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم”. 

ساهم 15 مليون دولار من الأموال الكندية المعفاة من الضرائب في بناء “منتزه كندا” أو “Canada park

لكن رغم ذلك، تضمنت الشكوى المقدمة عام 2017 معلومات جديدة عن مساهمات الصندوق القومي اليهودي في مشاريع البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية ومشاركتها في البناء بالضفة الغربية.

وتضمنت مهام الصندوق القومي اليهودي الكندي في “إسرائيل” بشكل مباشر بناء مستوطنة غير قانونية واحدة على الأقل على التلال، وتلقت تلة جفعات عوز فيغون في الضفة الغربية، جنوب بيت لحم ما لا يقل عن 18 أمر هدم من وزارة الدفاع الإسرائيلية، لكنها تجاهلتهم.  

كما زارت بعثة تضامن القيادات الشابة الكندية في مؤسسة الصندوق القومي اليهودي الموقع في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2014، وعملت إلى جانب الحفارات والمعاول لتهيئة الأرضية لبناء وحدة سكنية ليستخدمها حارس الأمن.     

خرائط جوجل تعرض “كندا بارك” بوضوح عبر خط الهدنة لعام 1949 في الأراضي المحتلة

وفي وثيقة عام 2014، أعدتها المنظمة الأم لمؤسسة الصندوق القومي اليهودي في كندا Keren Kayemeth LeIsrael”“، يدرج قسم الموارد والتنمية في الصندوق القومي اليهودي الإسرائيلي 12 مشروعًا على مدى العقد الماضي تحت اسم “برعاية كندا “، ومعظمها في الفترة 2011 – 2014.

إحدى وثائق الصندوق الوطني اليهودي في كندا عام 2014 تقدم للمانحين فرصة المشاركة في بناء “نقطة التقاء” لتمكين الجنود من رؤية أفراد العائلة في أثناء الخدمة الفعلية، كما أن المانحين الكنديين مدعوون أيضًا إلى تمويل “طريق أمني” بطول 900 متر في “قادش بارنة” بالقرب من الحدود المصرية، من شأنه تحسين وصول قوات الأمن إلى المنطقة.

أي مانح كندي يعرف الصندوق القومي اليهودي يفكر تلقائيًا في زراعة الأشجار، لكن هناك ما هو أبعد من زراعة الأشجار بالنسبة للصندوق

وتصف وثيقة أخرى “KKL-JNF” طرقها في النقب الغربي بأنها “طرق أمنية تخدم القوات المسلحة التي تقوم بدوريات في المناطق الحدودية، فكل العمل الذي تقوم به مؤسسة الصندوق القومي اليهودي يتم تنسيقه مع جيش الدفاع الإسرائيلي، وبفضل هذه الطرق، تم تعزيز النشاط العسكري”.

كما ساهم 15 مليون دولار من الأموال الكندية المعفاة من الضرائب في بناء “منتزه كندا” أو “Canada park“، وهي حديقة وطنية ثابتة يملكها الصندوق القومي اليهودي في كندا، وتقع معظمها في الضفة الغربية، بُنيت على أراض محتلة عسكريًا عام 1967، على أنقاض ثلاث قرى فلسطينية أسقطتها القوات الإسرائيلية وشردت أهلها وزرعت مكانها غابة بأموال المتبرعين اليهود الكنديين.

وزير السلامة العامة رالف جودال والنائب الليبرالي مايكل ليفيت يزرعان شجرة في مركز زراعة الأشجار لكبار الشخصيات في القدس

الدعم الكندي لجيش الاحتلال

كنتيجة لهذه الممارسات، حصلت مؤسسة الصندوق القومي اليهودي على علامة صفر للشفافية المالية، وفقًا لما ذكرته كيت بهين رئيسة مؤسسة Charity Intelligence“، وهي منظمة غير حكومية مقرها تورونتو تصدر تقييمًا للجمعيات الخيرية الكندية عن شفافية وكفاءة إنفاق أموال المتبرعين.

وقالت بهين إن المؤسسة الخيرية قامت بالشيء الصحيح عندما أفصحت للجهات المانحة عن أنها تخضع للمراجعة، لكنها تبقى “صندوقًا أسود” عندما يتعلق الأمر بتقديم تفاصيل عن كيفية إنفاق أموالها، وتضيف: “أي مانح كندي يعرف الصندوق القومي اليهودي يفكر تلقائيًا في زراعة الأشجار، لكن هناك ما هو أبعد من زراعة الأشجار بالنسبة للصندوق.

قبل بضعة أسابيع، جمع حفل آخر أُقيم في نيويورك مبلغ 32 مليون دولار لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وحضرته شخصيات رئيسية في المؤسسة الإسرائيلية

لقد كانت مؤسسة فريدريش ناومان تربطها علاقات قوية مع الحكومات المتعاقبة والليبرالية المتعاقبة، فواحدة من مشاريعها الأخيرة في “إسرائيل” هي محمية ستيفن هاربر (رئيس وزراء كندا الأسبق) للطيور في الجليل، وآخر هو متنزه جون باريد (عضو مجلس العموم الكندي) في مدينة سديروت شمال قطاع غزة.

على الرغم من أن المجموعة تتمتع بعلاقات قوية بشكل خاص مع حكومة هاربر، فإنها كانت أيضًا قريبة من حكومة جاستن ترودو، وفي يوليو الماضي، زرع وزير الأمن العام الكندي رالف جودال شجرة في مركز زراعة الأشجار لكبار الشخصيات في القدس، وكان برفقته زميله النائب الليبرالي مايكل ليفيت، وهو عضو سابق في مجلس إدارة الصندوق القومي اليهودي في كندا.

نجوم في هوليوود يساهمون خلال الاحتفال السنوي لمؤسسة “أصدقاء قوات الدفاع الإسرائيلية”

ويسلط ما سبق الضوء على التبرعات الدولية المقدمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي جمع مشاهير هوليود 60 مليون دولار في الاحتفال السنوي لمؤسسة “أصدقاء قوات الدفاع الإسرائيلية” (FIDF)، وحضر الاحتفال الذي أقيم في بيفرلي هيلز بولاية كاليفورنيا الأمريكية أكثر من 1200 من أنصار “إسرائيل”، بما في ذلك ممثلين بارزين ومغنين مثل أشتون كوتشر وفاريل ويليامز وجيرارد بتلر وكاثرين ماكفي، ما أدى لإطلاق حملة عبر الإنترنت بسرعة لانتقاد مشاركة المشاهير.

وقبل بضعة أسابيع، جمع حفل آخر أُقيم في نيويورك مبلغ 32 مليون دولار لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وحضرته شخصيات رئيسية في المؤسسة الإسرائيلية، بما في ذلك سفير “إسرائيل” لدى الأمم المتحدة داني دانون والقنصل العام الإسرائيلي في نيويورك داني ديان، وكانت منظمتان يهوديتان أمريكيتان – “لاشايل” التي تعمل على تعزيز الهوية اليهودية للجيش الإسرائيلي، و“نفيش بنيفيش” التي تروج للهجرة اليهودية إلى “إسرائيل” – من بين أكبر المانحين في المهرجان.