الشرطة الأوروبية.. بعبع أوروبا الجديد في وجه اللاجئين

53p16-1170x780

إجراءات جديدة وتضييقات إضافية على المهاجرين واللاجئين، أقرتها دول الاتحاد الأوروبي قبل أيام، لتعزيز نظام شنغن للبيانات المعني بمواجهة الإرهاب والقضايا المرتبطة به، وبمقتضى التعديلات الجديدة يصبح للأجهزة الأمنية بالدول الموقعة على الاتفافية، كامل الحق في توقيف كل من يشكل تهديدًا لها، منذ قدومه إلى الحدود وقبل أن يدخل الدولة أو تطئ قدماه داخل أراضيها، بالتنسيق مع الإنتربول وتحت إشرافه.

السنوات الماضية، كانت الأجهزة الأمنية في دول الاتحاد قد استقرت على مجموعة من الأطروحات، بناءً على أبحاث وتحليلات أكدت وجود ثغرات أمنية كبيرة على الحدود وداخل البلدان الأوروبية على حد سواء، قدم الجميع اقتراحات للحل، وبُلورت في ديسمبر 2016 صيغة جديدة للتعديلات المطلوبة، وتلخصت في ضرورة تحصين قاعدة البيانات الأمنية، وإدارة الحدود، بجانب دعم ما يعرف باليوروبول في إنفاذ القانون، والقبض على المجرمين الخطرين والإرهابيين، وتوفير قدر أكبر من الحماية للأطفال المفقودين والبالغين المستضعفين، وسميت بقواعد حماية البيانات الجديدة.

أحد أهم المميزات التي تعتبرها الدول الأوروبية من إنجازات التعديلات الجديدة، إمداد أجهزة الشرطة المحلية من الشرطة الأوروبية بالمعلومات الكافية والثمينة، عن الخطرين والمطلوب القبض عليهم في الاتحاد الأوروبي

الفجوة الأمنية الحرجة، قادت دول الاتحاد لإجراء التعديلات الجديدة في نظام شنغن للمعلومات، بما يلزم الدول الأعضاء جميعًا، بتركيب إنذارات للإرهاب، ومن خلال هذه الإنذارات، وعبر تقنيات شديدة الدقة، يتم التقاط أي شخص يشكل تهديدًا للبلاد، مهما كانت قدرته على التخفي، بجانب الكشف عن المقيمين غير الشرعيين وترحيلهم فورًا سواء إلى بلادهم أم البلد المطلوب.

أحد أهم المميزات التي تعتبرها الدول الأوروبية من إنجازات التعديلات الجديدة، إمداد أجهزة الشرطة المحلية من الشرطة الأوروبية بالمعلومات الكافية والثمينة، عن الخطرين والمطلوب القبض عليهم في الاتحاد الأوروبي، بجانب الاستفادة من هذه القدرات في العثور على الأشخاص المفقودين والسيارات المسروقة أو تلك التي تتطلب فحوصات محددة أو مراقبة سرية.

نظام شنغن.. ما هو؟

نظام مختصر يعرف بـ”SIS” أو شنغن للبيانات، وهو عبارة عن أرشيف مشترك بين الدول الأعضاء، والغرض منه التنسيق الدائم على مستوى متطور وعالي الجودة، لتوفير الأمن والسلامة للدول الأعضاء، وأهم البنود التي سيتم التعاون فيها، وفقًا للتعديلات الجديدة، تبادل الأسماء الخطرة الذين طردوا من البلدان الأوروبية أو الخاضعين لمراقبة أمنية والأغراب من مواطني الدول الأخرى.

ويضمن نظام “شنغن” في المقابل، حرية التقاضي لكل شخص يوّقف أو يوضع على القائمة الأمنية، أوروبيًا كان أو وافدًا، وتمكينه من الوصول إلى البيانات المتعلقة به والمسجلة في نظام المعلومات شنغن، كما تعطيه حق تصحيح البيانات المسجلة بناءً على وجود خطأ قانوني أو مادي، شريطة رفع دعوى قضائية لتصحيح أو حذف البيانات الخاطئة، والمطالبة بالتعويض عن الضرر من أي خطأ يمارس بحقه، وأن يكون الاعتراض والرغبة في التقاضي مكتوبًا باللغة الايطالية.

تأسس “يوروبول” عام 1999 لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة التي تزايدت، بسبب حرية التنقل داخل أوروبا

ويعود تاريخ هذه التعديلات إلى عام 2016، والضجة الكبيرة التي أثارها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، وهجومه الشرس وانتقاده لأسلوب إدارة البيانات وما يسمى بالتشغيل البيني لأنظمة المعلومات القائمة بين بلدان الاتحاد الأوروبي لا سيما نظام شنغن، وكشف آنذاك عن ثغرات واسعة، كانت قد اتضحت بشدة مطلع عام 2014، مع موجات التدفق غير المسبوق للاجئين الفارين من بلدانهم، للاحتماء من جحيم الصراعات المفتوحة في أغلب بلدان الشرق الأوسط

المناقشات المستفيضة والشفافية الكاملة، أوصلت الاتحاد إلى تأييد ما قاله يونكر وأقر تعديلات جديدة على القانون، بما يجنب الأنظمة السياسية القائمة مزايدات اليمين المتطرف في جميع أنحاء أوروبا، ويكف عنهم اتهامهم بتسهيل القوانين أمام عمليات الهجرة غير المسبوقة للغرب، واستيراد مشاكل الشرق الأوسط وتوطينها في القارة العجوز، ما انعكس بدوره على شكل الصراع المسلح في الشرق الأوسط، ونبذ آليات الحل السياسي، بما ساهم في تشريد المزيد من المدنيين، وتوجيه وجهتهم صوب أوروبا.

تمكين اليوروبول.. ما السبب؟

كان لافتًا في الثورة الأمنية الجديدة بالغرب، التي قادت بلدان الاتحاد الأوروبي إلى تعديل نظام شنغن للمعلومات، إعادة الاعتبار للشرطة الأوروبية المعروفة باليوروبول، في ظل امتلاكها قاعدة معلومات جنائية واستخباراتية تغطي جميع مجالات الجريمة وعلى رأسها الإرهاب، وهي متوفرة منذ عام 2005 بـ”22 لغة” وتتضمن تعريفات ووثائق عن الجرائم الدولية الخطيرة والأشخاص المشتبه فيهم والهياكل الجنائية والجرائم والوسائل المستخدمة لارتكابهم.

تأسس يوروبول عام 1999 لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة التي تزايدت، بسبب حرية التنقل داخل أوروبا، الذي تضمنه اتفاقية شنغن، وهو اختصار يطلق على المكتب الأوروبي للشرطة، ويقع المقر الخاص به في مدينة لاهاي بهولندا، وقوامه نحو 900 فرد أمن من مختلف الرتب، مهمتهم قيادة التنسيق بين الأجهزة الأمنية بمختلف دول الاتحاد الأوروبي، كما تقع ضمن اختصاصاتهم القيام بعمليات أمنية، حال طلب منهم ذلك.

في عام 1995، بدأت الشرطة الأوروبية، تطلع بأدوار جادة، وقادت ألمانيا مفاوضات استغرقت أربع سنوات، لإخراج أول معاهدة تحكم عمل الجهاز، وتم إقرارها فعليًا عام 1999

جاءت الشرطة الأوروبية أو “اليوروبول” لتواجه الأثر السلبي المصاحب لمبدأ حرية التنقل بين الدول الأوروبية الذي أقر عام 1975، وكُلف بمواجهة 4 ملفات، هي الإرهاب والراديكالية والتطرف والعنف الدولي، وكانت أخطر التحديات، تتمحور في تهديدات المافيا الإيطالية والروسية والمنظمات اليسارية المتطرفة والجيش الجمهوري الإيرلندي، فضلاً عن التنظيمات الثورية الفلسطينية وعلى رأسها منظمة أيلول الأسود التي استهدفت الوفد الإسرائيلي في أولمبياد ميونيخ عام 1974.

شملت المجموعة حديثة التكوين في سبعينيات القرن الماضي، ممثلين عن وزارات العدل والداخلية في دول المجموعة الأوروبية، ورغم الدقة الشديدة في تحديد مجالات عملها، كان لافتًا عدم تحصينها قانونًا وفقًا لأي معاهدات مكتوبة، وظلت سلطاتها محدودة بشدة، لم تتجاوز حدود التنسيق وتبادل المعلومات، وأسند العمل الميداني بشكل شبه كامل، للمؤسسات الشرطية في كل بلد أوروبي على حدة.

وتشير هذه الأحداث إلى أن البناء المؤسسي الأوروبي الذي نعهده حاليًّا، لم يكن قد نضج بعد، بسبب الخلافات السياسية والأيدلوجية بين التيارات التي تأتي منها نُظم الحكم دائمًا في أوروبا، وهي صراعات دفعت أوروبا ثمنها من تزايد الجريمة المنظمة وتصاعد تجارة المخدرات القادمة وتفشي موجات الهجرة غير الشرعية من جميع بلدان العالم، وخاصة الشمال الإفريقي.

في عام 1995، بدأت الشرطة الأوروبية، تطلع بأدوار جادة، وقادت ألمانيا مفاوضات استغرقت أربع سنوات، لإخراج أول معاهدة تحكم عمل الجهاز، وتم إقرارها فعليًا عام 1999، وحُددت لأول مرة صلاحيات لليوروبول، لمواجهة الجريمة العابرة للحدود ومحاربة المخدرات والهجرة غير النظامية، ورغم الاعتراف بأهمية الجهاز وتوقيع معاهدة تضمن صلاحياته، ظل معطلاً على الأرض، بسبب خوف الدول الأوروبية من المساس بسيادتها الوطنية، وهي نقطة لا رجعة فيها لدى الغرب.

وعلى عكس صلاحياتها، مُنعت الشرطة الأوروبية من القيام بأي ملاحقة أو اعتقال، رغم طلباتها المتكررة بتوقيف أشخاص ومتابعة آخرين، وجاءت الأزمات الحدودية والانفلات القائم في بلدان الربيع العربي وتدفق البشر بمئات الآلاف عبر الحدود، لتعطي لها قبلة الحياة، لا سيما أنها نجحت بشدة في تلبية طلب السلطات الإسبانية، ومساعدتها في تنفيذ عملية واسعة ضد عصابات إجرامية تهرب المخدرات عام 2013، وطلب مماثل من ألمانيا عام 2015.

في 2015، بدأت 24 دولة ومنظمة في الاستعانة بالشرطة الأوروبية، وآمنوا بقدراتها على تحديد قوائم موثقة للإرهابيين الأجانب، ومع بداية 2016 تزايد الاهتمام باليوروبول، وطلبت الاستفادة منها أكثر من 800 جهة أمنية مختلفة، وبشكل خاص البيانات المخزنة التي يحق للأعضاء في الاتحاد الوصول المباشر إليها دون تعقيدات، إلا لو تحفظت الشرطة الأوروبية على حجب بعض المعلومات لحالات بعينها، على أن توضح السبب من خلف الإجراء، وهو ما يعزز الثقة من جديد في اليوروبول، ويعطيها أدوارًا جديدة، تساهم في تحمل عبء عالم مضطرب ومجنون، ما زال يرى في أوروبا رغم كل شيء، المكان المثالي للحياة.