نجحت حركة حماس مؤخرًا في الإفراج عن ثلاثة معتقلين من عناصرها لدى القاهرة بعد احتجازهم من السلطات المصرية لمددٍ مختلفة في 2017، ووفقًا للخبر الذي نشرته “الأناضول” ووكالات محلية الأسبوع الماضي، فإن المعتقلين المفرج عنهم هم: أيمن مليحة، 47 عامًا، أكاديمي، اعتقلته السلطات المصرية في أثناء رحلته من كوالالمبور إلى غزة عبر القاهرة في أغسطس/آب 2017، وحسام أبو وطفة، 37 عامًا، اعتقل في أبريل/نيسان 2017 في أثناء سفره إلى عائلته بقطر عبر معبر رفح، ومحمد غيث الذي لا يعرف الكثير عن تفاصيل اعتقاله.
وبحسب الخبر، فإن جهودًا دبلوماسية من أعضاء المكتب السياسي ورئيس الحركة إسماعيل هنية ساهمت في عودة المعتقلين الثلاث رفقة وفد حماس العائد من القاهرة إلى غزة الأسبوع الماضي.
وتشهد العلاقة بين مصر وحماس تحسنًا نسبيًا في الآونة الأخيرة، تمثل في تكثيف الزيارات المتبادلة من وفود الجانبين ذهابًا وإيابًا، وتوج مؤخرًا بنجاح الحركة في الإفراج عن بعض عناصرها المعتقلين لدى مصر، فكيف نفهم ذلك في ضوء اتهامات القاهرة القديمة لحماس بالضلوع في عمليات إرهابية ضدها، وتسلل عناصرها من غزة إلى القاهرة لتهريب معتقلي الإخوان إبان ثورة يناير، وهي اتهاماتٌ رسمية وقضائية عقد على ضوئها محاكماتٌ لعشرات الأشخاص المصريين والفلسطينيين، واتخذ بسببها إجراءات أمنية غير مسبوقة على الخط الحدودي المشترك، مست غزة، قيادةً وشعبًا ومقاومةً؟
خلفية ضرورية
لا تخفى على أحدٍ العلاقة بين حركة حماس الفلسطينية التي أسسها الشيخ الراحل أحمد ياسين 1987، وجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعةً ممتدة عالميًا، لها رؤية وتصورات وأهدافٌ خاصة، التي قد تتفق أو لا تتفق مع رؤية وأهداف الأنظمة المحلية الحاكمة للدول العربية، خاصة أن تأسيس الإخوان على يد حسن البنا 1928، جاء عقب سقوط الخلافة العثمانية 1924، كآخر مرحلة يحتكم فيها المسلمون لنظامٍ سياسي جامع له جذور عقدية وتاريخية، بغض النظر عن طبيعة هذا النظام وتقييمه وصلاحيته.
ولا ينفي هذا بطبيعة الحال أدوار الإخوان التاريخية في فلسطين قبل تأسيس حماس، كدور الشيخ عز الدين القسام ورفاقه ضد الإنجليز 1936، وجهادهم ضد اليهود مع الجيوش العربية 1948، والأعمال الفدائية في 1968وما بعدها.
حركةٍ حماس ذات بعدين: بعد أيديولوجي، يتمثل في انتمائها للإخوان المسلمين، وبعد وطني يتجلى في انتمائها لفلسطين، وهو ما يسبب ارتباكًا يعيق تفسير توجهاتها في كثير من الأحيان: هل هي تكتيكات أم قناعات؟
وقد جاء في المادة الثانية من ميثاق تأسيس الحركة أنها “جناحٌ من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث”، تستشهد في صدره بكلمة حسن البنا: “ستقوم إسرائيل وستظل قائمة إلى أن يبطلها الإسلام كما أبطل ما قبلها”، وتقول في مادتها الرابعة عشرة: “قضية تحرير فلسطين تتعلق بدوائر ثلاث: الدائرة الفلسطينية، والدائرة العربية، والدائرة الإسلامية، وكل دائرةٍ من هذه الدوائر الثلاث لها دورها في الصراع مع الصهيونية وعليها واجبات، وإنه لمن الخطأ الفادح والجهل الفاضح إهمال أي دائرة من هذه الدوائر”.
لذا، وبناءً على ما سبق، فإننا أمام حركةٍ ذات بعدين: بعد أيديولوجي، يتمثل في انتمائها للإخوان المسلمين، وبعد وطني يتجلى في انتمائها لفلسطين، وهو ما يسبب ارتباكًا يعيق تفسير توجهاتها في كثير من الأحيان: هل هي تكتيكات أم قناعات؟ كما يقول سعيد عكاشة الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية.
وقد أضاف ناصر اللحام الصحافي الفلسطيني، لهذه الثنائية بعدًا ثالثًا، وهو “البعد الوظيفي” الذي ظهر نتيجة بروز حلفين سياسيين يتصارعان على النفوذ في المنطقة مؤخرًا، وحاجة حماس المتزايدة للدعم الإقليمي، ولعل في هذا تفسيرًا مناسبًا لعبارة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، التي يشكر فيها مصر وقطر وإيران في عبارة واحدة.
العلاقة مع مبارك
وفي ضوء الأداة التفسيرية سالفة الذكر، يمكن التنبؤ بمسار العلاقة بين حماس والقاهرة إبان حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، إذ كانت العلاقة باردةً بين الطرفين، فمن جهةٍ، لم يكن الرئيس الذي حكم مصر 30 عامًا، يسعى جديًا لحلول جذرية للقضية الفلسطينية، وإن تمنى ذلك وعبر عنه في أكثر من مناسبة، ومن جهةٍ، لم يكن الإخوان المسلمون طامعين لحكم أي من الدول العربية، فسياق ما قبل الإطاحة بمبارك كان دبلوماسيًا بامتياز.
لم يعكر صفو هذا المسار إلا استيلاء حماس على القطاع 15 من يونيو/حزيران 2007، الأمر الذي رفضته القاهرة رسميًا وعبرت عن ذلك بنقل سفارتها إلى “رام الله” واعترافها بأبو مازن ممثلاً رسميًا للشعب الفلسطيني
وقد سمح الرئيس المصري لحماس بحفر الأنفاق على الحدود بين غزة وسيناء، حيث كانت تهرب البضائع ومواد البناء والوقود “والأسلحة غير النوعية” إلى حماس، بعلم الحكومة والأمن المصري.
ولم يعكر صفو هذا المسار إلا استيلاء حماس على القطاع 15 من يونيو/حزيران 2007، الأمر الذي رفضته القاهرة رسميًا وعبرت عن ذلك بنقل سفارتها إلى “رام الله” واعترافها بأبو مازن ممثلاً رسميًا للشعب الفلسطيني، وبعض تفاهمات صفقة “شاليط”، ما أدى إلى قيام مصر بهدم نحو 20 نفقًا على الشريط الحدودي وتحميل حماس مع “إسرائيل”، مسؤولية التصعيد العسكري في ديسمبر/تشرين الثاني 2008، المعروف إعلاميًا بـ “حرب الفرقان/الرصاص المصبوب”.
وفي النهاية، قامت مصر كالمعتاد بالوساطة بين “إسرائيل” وحماس لإنهاء التصعيد، وأشرفت المخابرات المصرية على صفقة تبادل الأسرى المعروفة بـ”وفاء الأحرار” 2011.
ثورة يناير نقطة التحول
بعد مشاركة الإخوان في ثورة يناير التي أطاحت بمبارك، وهددت بنية الحكم المؤسس في مصر على شرعية تحركات يوليو/حزيران 1952 وما بعدها، أصبح الإخوان المسلمون في نظر البنية الأمنية العميقة في مصر، خطرًا “وجوديًا” يجب إنهاؤه في أقرب وقت ممكن، انتقامًا من دورهم في ثورة يناير، وقطعًا لدابر طموحهم السلطوي، ومنعًا لتكرار سيناريو الثورة من جديد الذي عكس قدرة الجماعة على الحشد والتنظيم والإدارة.
أما فرعها الفلسطيني “حماس” فقد بدأ نصيبه من العداء مع أجهزة الأمن المصرية بدءًا من انحيازها لمرسي أمام شفيق في انتخابات ما بعد الثورة 2012 كما يقول ناصر اللحام، وهنا غلبت الحركة “الأيديولوجية” بوضوح، كبعدٍ حاكم ومنظمٍ للعلاقة مع مصر، وقد زاد الأمر تعقيدًا موقف مرسي من “الثوابت” الإستراتيجية التي يحميها الجيش المصري في العلاقة مع “إسرائيل”، حينما هدد “إسرائيل” من مسجد بالقاهرة، متحدثًا بـ”لهجة إسلامية خطابية” عن سرديات تاريخية مثل “صلاح الدين” و”بيت المقدس”، وأرسل وفدًا رسميًا إلى غزة يرأسه رئيس الوزراء هشام قنديل، وفتح معبر رفح على مصرعيه، وسحب السفير المصري من تل أبيب، فلم يستمر التصعيد أكثر من أسبوع عكس حرب 2008 التي استمرت 22 يومًا، وقصفت في هذا الأسبوع حماس تل أبيب والقدس ومبنى الكنيست، لأول مرة في تاريخ الصراع.
عبر الجيش المصري عن سخطه على علاقة إخوان مصر بفرعهم في فلسطين آنذاك عبر أداة “الإعلام” التي حملت غزة عبء كل شيء في مصر
نظر الجيش المصري إلى موقف مرسي بأنه تغليبٌ واضح لانتمائه الإخواني على حساب تفاهمات مصر الإستراتيجية والتاريخية مع “إسرائيل”، وهو ما استوجب “العقاب” لاحقًا، فقد تحولت اتصالات ضباط الجيش المصري مع نظرائهم الأمريكيين إلى حصص تذمر على حكم الإخوان، وفقًا لما حكاه ديفيد كيركباتريك مراسل نيويورك تايمز بالقاهرة إبان حكم مرسي.
وعبر الجيش المصري عن سخطه على علاقة إخوان مصر بفرعهم في فلسطين آنذاك عبر أداة الإعلام التي حملت غزة عبء كل شيء في مصر، بدءًا من نقص التموين، مرورًا بأزمة الكهرباء، وصولًا إلى مذبحة رفح الأولى وخطف جنود الداخلية في سيناء، فيما يرى اللحام أن أكثر مشهد عكس تغليب حماس بعدها الأيديولوجي وتسبب لإحراجها لاحقًا، هو العرض العسكري لعناصر “كتائب القسام” الذين رفعوا شارات رابعة وصورًا لمرسي بعد إطاحة الجيش به، بالإضافة إلى نقل قنوات حماس بثًا مباشرًا من ميدان رابعة.
الجيش والقضاء سلاحا الانتقام
مع وصول السيسي سدة الحكم في مصر، وهو الرجل الذي يدعو إلى حل القضية الفلسطينية نهائيًا، ويتبنى نموذج “الدولة الوطنية دون ميليشيات”، ويعتبر الإرهاب في كل مكان ابنًا شرعيًا للإخوان، تغيرت نظرة مصر الرسمية لحماس تمامًا، وبجانب الإعلام، كشرت مصر عن أنيابها بسلاح القضاء الذي كان يعبد الطريق، بأحكامه، أمام آليات الجيش على الحدود:
– ففي 4 من مارس/آذار 2014 أصدرت محكمة مصرية حكمًا يحظر أنشطة حماس في مصر.
– 26 من يوليو/تموز 2014 أصدر قاضٍ مصري حكمًا بحبس مرسي 15 يومًا على ذمة التحقيق في قضية التخابر مع حماس واقتحام سجن وادي النطرون.
– 31 من يناير/كانون الثاني 2015 أصدرت محكمة الأمور المستعجلة حكمًا باعتبار كتائب القسام منظمة إرهابية.
– 28 من فبراير/شباط 2015 أصدرت نفس المحكمة حكمًا باعتبار حماس منظمة إرهابية.
عقب انتخاب رئيس جديد للمكتب السياسي للحركة، عادت بانتخابه القيادة من الدوحة إلى غزة ارتأت حماس “الجديدة” التي تحتاج لمصر في التفاوض مع “إسرائيل” أن الفرصة سانحة لعودة علاقتها مع مصر، وتغيير إستراتيجيتها الوظيفية بعض الشيء
– 16 من مايو/آيار 2015 قضت محكمة مصرية بإعدام رائد العطار وحسن البرغوثي مع مرسي و100 آخرين.
– 6 من مارس/آذار 2016، اتهم وزير الداخلية المصري حماس بالضلوع في عملية استهداف النائب العام المصري المستشار هشام بركات.
يقول إبراهيم المدهون، الصحافي المقرب من حماس: “مصر قررت إنهاء حماس في الفترة من 2016:2013؛ فإلى جانب غلق معبر رفح بصورة شبه تامة، وهدم أكثر من 1000 نفق حدودي وإنشاء المنطقة العازلة، تركت مصر حماس وحدها تحت القصف الإسرائيلي 51 يومًا، كأطول مدة حرب في تاريخ الصراع، قتل خلالها قيادات قسامية منهم رائد العطار وأبو شمالة وبرهوم، واستهدف فيها محمد الضي الذي نجا بأعجوبة، في الحرب التي عرفت إعلاميًا بـ”العصف المأكول/الجرف الصامد” يوليو 2014″.
وثيقة حماس.. نفخ الروح في جسد ميت
في هذه الظروف، وعقب انتخاب رئيس جديد للمكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، عادت بانتخابه القيادة من الدوحة إلى غزة ارتأت حماس “الجديدة” التي تحتاج لمصر في التفاوض مع “إسرائيل” بشأن صفقة أسرى جديدة، وتطمع في الاستفادة من معبر رفح، أن الفرصة سانحة لعودة علاقتها مع مصر، وتغيير إستراتيجيتها “الوظيفية” بعض الشيء؛ فأطلقت وثيقة جديدة، مايو/آيار 2017، تقول فيها إنها تتخلى عن انتمائها للإخوان المسلمين وتتمسك بعملها داخل فلسطين، وتعرب عن استعدادها للقبول مؤقتًا بدولة عاصمتها القدس المحتلة على حدود 1967، والحوار مع ممثل تيار الإصلاح في فتح، المقيم في الإمارات والمقرب لمصر محمد دحلان.
كما أعلنت حماس حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة، وقبولها بانتخابات مبكرة، ودعوتها حكومة الوفاق لاستلام مهامها في القطاع، مرحبة بأي دور مصري لإنهاء الانقسام.
وبدءًا من 2017، عادت الزيارات بين الجانبين، التي كان من ضمنها انعقاد أول اجتماع لمكتب الحركة المنتخب، بأعضاء الداخل والخارج، في القاهرة، التي انتهت بإفراج القاهرة عن عناصر حمساوية لديها مؤخرًا، وهو ما دعا اللحام لاعتبار أن فرص الصلح بين القاهرة وحماس أفضل من فرص الصلح بين حماس وفتح.
في حين يعتبر حسن أبوهنية أنه حتى مع عودة العلاقات بين الطرفين، فإنها لن تصل إلى المستوى الإستراتيجي أبدًا، وستظل محصورة في إطار تكتيكي خاصة مع تزايد التوتر الداخلي بين فتح وحماس من جهة، وعباس ودحلان من جهة أخرى، ورفض حماس اتفاقية القرن، واستمرار اعتقال الجانب المصري عناصر قسامية منذ 2015.