ترجمة وتحرير حفصة جودة
فقد مصطفى صديقته جاسمين التي انتحرت بسبب التنمر في المدرسة، وبعدها حاول هو بنفسه الانتحار نتيجة التنمر، يقول أشرف في حزن: “كانت جاسمين مكتئبة قليلًا قبل أن تبلغ حتى 12 عامًا لكنها لم تشاركني كثيرًا مما كانت تتعرض له، لقد فقدت الشخص الوحيد الذي أستطيع أن أتحدث معه، وأصبت بالاكتئاب نتيجة ذلك”.
هذه التجربة المؤلمة التي تعرض لها في طفولته، جعلته بعد سنوات يؤسس منظمة “Advice Seekers” التي تحارب التنمر، يقول مصطفى: “عندما كنت في الـ11 كنت أتعرض للتنمر بسبب شكلي وكان الأطفال يسخرون مني كذلك لأنني أتحدث الإنجليزية ولغتي العربية ضعيفة، كان وقتًا كئيبًا وكنت وحيدًا طوال الوقت ولم أرغب في التفاعل مع الآخرين”.
في عمر الـ14 حاول أشرف الانتحار في منزل صديقه بقطع معصمه، لكن صديقه أوقفه في الوقت المناسب، يقول أشرف: “في تلك الليلة نمت في منزله لأننا كنا نعمل على مشروع مشترك للمدرسة، ظل صديقي مستيقظًا طوال الليل يراقبني خوفًا من تكرار المحاولة، ما فعله معي جعلني أفكر في مساعدة الآخرين بدلًا من قتل نفسي”.
في تلك الفترة لم يحصل مصطفى على أي علاج نفسي واعتمد على دعم والده، بعد 4 سنوات أصيب بالاكتئاب الشديد وحاول إنهاء حياته ثانية، يقول أشرف: “مساعدة الناس أمر جيد، لكنك في بعض الأحيان تساعد الآخرين وتفشل في مساعدة نفسك، لقد حاولت أن أخنق نفسي بالوسادة ولم أنجح، وحاولت قطع معصمي مرة أخرى وفشلت”، في تلك اللحظة اتجه مصطفى للحصول على مساعدة نفسية، يضيف مصطفى: “في عمر الـ18 انهرت تمامًا وبدأت في زيارة الطبيب النفسي لعلاج الاكتئاب فترة من الوقت، وقد ساعدني ذلك كثيرًا”.
الأطفال يشاهدون أفلامًا عن التنمر
عندما أسس أشرف “Advice Seekers” كان يروج لها عبر الإنترنت فقط، ثم أدرك بعدها أنه لا بد من الوجود على الأرض، يشرح مصطفى قائلًا: “كنت أواصل نشر النصائح عن مواجهة التنمر وتلقيت العديد من رسائل الضحايا وأجبتهم حسب خبرتي الشخصية”.
الأبواب مفتوحة
لم يستسلم مصطفى رغم أن العديد من المدارس رفضت أن يقدم بها عروضًا عندما علمت بسنه، يقول أشرف: “عندما أدركت أنني أخشى المواجهة تعلمت مهارات التحدث أمام العامة وكذلك لغة جسد الجمهور”.
تطورت المبادرة ببطء، لكن قبل عام فتحت “الأكاديمية الحديثة لعلوم الكمبيوتر والإدارة” في المعادي أبوابها لأشرف وقدمت له الفرصة ليبدأ حملته “ضد التنمر” في الجامعة، ومع تقدم الأمور انضم لأشرف العديد من المتطوعين الذين أصبحوا بعد ذلك مستشارين ضد التنمر في العديد من المدارس الخاصة والدولية في مصر، وكان عمر أشرف حينها 18 عامًا فقط.
يعمل أشرف حاليًّا كمحرر فيديو حر في الأوقات التي لا يمارس فيها عمله التطوعي، ورغم أنه تلقى عروضًا بمنح دراسية في جامعات مرموقة بالولايات المتحدة وإنجلترا، قرر عدم مواصلة دراسته الجامعية في الفترة الحاليّة.
تأثير إيجابي
كان لأشرف – الذي سيكمل 21 عامًا قريبًا – تأثير إيجابي على حياة مئات الطلاب، يقول أحد الطلاب: “كنت ضحية للتنمر وأفكر في الانتحار كل يوم، كنت أختلق الأعذار للتغيب عن المدرسة رغم أنني كنت طالبًا ملتزمًا، لكنني تواصلت مع متطوعي المنظمة حيث علموني كيف أواجه التنمر بنفسي وقد ساعدني ذلك كثيرًا”.
مصطفى أشرف يتحدث عن التنمر أمام مئات الطلاب
ينفذ المتطوعون العديد من الطرق في جلسات المدارس حسب أعمار المشاركين، فمثلاً يطبقون طريقة لعب الأدوار مع الطلاب ما بين المرحلة الـ3 وحتى الـ6، يقول أشرف: “نحن نتفاعل مع الطلاب ونطلب من المعلمين لعب الأدوار معهم عن سيناريوهات التنمر، كما أننا نعرض مقاطع فيديو قصيرة من إنتاج المنظمة عن التنمر”.
يقول مصطفى: “عادة ما يبتعد الأطفال عن المسار لذا أطلب مشاركة المعلمين، وفي كل مرة أنفذ سيناريوهين في أحدهما أكون المتنمر وفي الآخر يكون المعلم المتنمر، على سبيل المثال، إذا قال التنمر أنت قبيح، فإما أن أقول: “أنت تراني بتلك الطريقة لكنني وسيم” أو أقول: “بل أنت القبيح”، ثم أسأل المشاركين أي الاستجابتين أفضل”.
يتحدث السيناريو الثالث عن التنمر الجسدي، فعندما يدفعني المعلم وأدفعه نعلم الطلاب أن العنف ليس الحل، فهو يجعلك شخص متنمر أيضًا.
ضحايا الضحايا
تقول مستشارة نفسية في إحدى مدارس القاهرة إن المتنمر والمتعرض للتنمر كلاهما ضحية، وتضيف: “عادة ما يكون المتنمر قد تعرض لاضطهاد نفسي من أقرانه أو والديه أو أشقائه، فيتصرف بتلك الطريقة، لذا نتعامل مع المتنمرين بمعالجة السبب الذي يدفعهم للتنمر، لكن للأسف معظم المتنمرين لا يلجأون للمشورة”.
يتبع المديرون نفس المنهج كذلك، تقول مديرة إحدى المدارس: “في معظم الحالات استخدم التوجيه والإرشاد مع المتنمرين، وينجح ذلك في كثير من الأحيان، لكن عند تكرار الفعل كثيرًا نرسل المتنمر إلى مستشار المدرسة، وفي حالات التنمر الجسدي نلجأ للفصل المؤقت لكنها ليست شائعة”.
الأطفال يستمعون إلى مصطفى في إحدى قاعات المدارس
تقول هالة أبو خطوة مديرة الاتصالات في اليونيسيف بمصر: “يتعرض أكثر من 70% من طلاب المدارس في مصر للتنمر مما يجعلها ظاهرة شائعة”، وبالنسبة لمنظمة “Advice Seekers” فتنظيم الحملات في المدراس الحكومية ليس أمرًا سهلاً.
يقول مصطفى: “تقدمنا بطلب تقديم جلسات في المدارس الحكومية لكنهم سألونا عن المحتوى ورفضوا الأمر، فقد طلبوا أن لا نتحدث عن الاكتئاب أو إيذاء النفس أو الانتحار، كيف من المفترض أن أحذر الأطفال من عواقب التنمر إذًا؟”.
لكن في شهر سبتمبر الماضي قبل بداية العام الدراسي الجديد، قام المجلس القومي للأمومة والطفولة برعاية الحملة القومية الأولى لإنهاء العنف بين الأقران، وتم تنفيذ المبادرة بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم المصرية واليونيسيف ويمولها الاتحاد الأوروبي، كما شارك العديد من الشخصيات المشهورة في دعم الحملة مثل الممثل أحمد حلمي والممثلة منى زكي، وتدعو الحملة الأطفال والشباب لمشاركة خبراتهم عند التنمر وآرائهم والحلول المقترحة لمواجهة التنمر.
المعلمون يتنمرون أيضًا
يستخدم لعب الأدوار لزيادة وعي الأطفال عن التنمر
لا يقتصر التنمر على الطلاب فقط، فالمعلمون قد يكونوا متنمرين كذلك، في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر انتحرت الطالبة إيمان صالح في الإسكندرية بالقفز من الشرفة، وفي رسالة صوتية تركتها لصديقتها قالت فيها إن المشرفات بالمدرسة يسخرون من لون بشرتها الداكنة وشعرها وملابسها ويقولون إنها مثل الأولاد ويتساءلون عن أنوثتها، اتهمت والدتها مشرفي المدرسة بالتسبب في انتحار ابنتها وما زال التحقيق مستمرًا.
في الأسبوع نفسه تعرضت طالبة تدعى بسلمة وعمرها 8 سنوات إلى التنمر من معلمها في دمياط، حيث طلب المعلم في أثناء الدرس من الطلاب أن يستخرجوا الخطأ من الجملة التالية: “بسملة طالبة سوداء” وأشار حينها إلى بسملة، أبلغت والديها عن الحادثة وانتشر الأمر فتعرض المعلم للتحقيق وتم احتجازه عدة أيام وما زال مصيره غير معلوم.
مع انتشار حملات الوعي ضد التنمر هل سينتهي التنمر في مصر؟ يقول أشرف: “يقول الناس إنني أقوم بحملات ضد التنمر منذ 5 سنوات ولم يتوقف التنمر فأقول لهم: التنمر لن ينتهي أبدًا، فستأتي أجيال قادمة تمارس التنمر أيضًا، وبالتالي لا يمكننا إيقافه، لكننا نستطيع أن نمنعه الآن برفع الوعي ومساندة الشخص الذي يتعرض للتنمر”.
المصدر: ميدل إيست آي