في زيارة تشمل كلاً من “إسرائيل” وتركيا، وصل مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون إلى تل أبيب صباح اليوم الأحد لبحث عدد من الملفات الإقليمية على رأسها مناقشة ترتيبات الانسحاب الأمريكي المرتقب من سوريا الذي كان قد أعلنه الرئيس دونالد ترامب في وقت سابق من ديسمبر الماضي.
زيارة بولتون تأتي قبل أيام قليلة من الجولة المرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التي يزور فيها عددًا من بلدان الشرق الأوسط، الجولة وفق البعض تأتي في إطار حرص واشنطن على مصالحها الإقليمية وتأكيدها على مواقفها إزاء بعض الملفات التي قد تتأثر بالأحداث الأخيرة سواء قرار الانسحاب أو تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
رسائل عدة حملتها جولة بولتون لتل أبيب ومن بعدها أنقرة، بعضها يأتي في إطار طمأنة الحليف الإسرائيلي بشأن الأوضاع داخل سوريا بعد سحب القوات الأمريكية من مواقعها هناك، كذلك التنسيق مع الجانب التركي بشأن إستراتيجيات التعامل العسكري مع الأكراد وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” خلال الفترة المقبلة.
طمأنة لتل أبيب
مستشار الأمن القومي الأمريكي، خلال حديثه للصحفيين على متن الطائرة التي تقله إلى تل أبيب أكد أنه “ليس هناك تغير على الإطلاق في موقف الولايات المتحدة، وأي استخدام من النظام السوري لأسلحة كيميائية سيقابل برد قوي للغاية، كما فعلنا في مرتين سابقتين”.
وبحسب هيئة البث التليفزيوني الإسرائيلية فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيناقش مع بولتون اليوم الأحد التنسيق بين الجانبين تمهيدًا لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا، فيما نقلت “أسوشيتدبرس” عن مسؤول أمريكي لم تسمه قوله إن بولتون سيؤكد لـ”إسرائيل” دعم الولايات المتحدة لضربات إسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا.
تلميح ترامب لاحتمالية استخدام قوات بلاده المتمركزة في العراق في بعض العمليات بالداخل السوري حسبما تقتضي الحاجة هو في الحقيقة رسالة طمأنة واضحة لحلفاء أمريكا في المنطقة، على رأسهم “إسرائيل” والسعودية
وكان بولتون قد وجه تحذيرًا قبيل تلك الزيارة للنظام السوري من مغبة اعتبار الانسحاب العسكري الأمريكي المتوقع دعوة إلى استخدام الأسلحة الكيمائية، لافتًا إلى استعداد بلاده توجيه ضربات في أي وقت إذ ما استدعت الضرورة، وهو التحذير الذي يأتي في إطار مغازلة الحليف الصهيوني في المقام الأول.
زيارة تل أبيب تأتي تتويجًا للزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سرًا، لقاعدة الأسد الجوية في الأنبار العراقية (غرب بغداد)، في الـ26 من ديسمبر الماضي، وهي الزيارة التي تعد الأولى له لمنطقة صراع منذ توليه السلطة قبل عامين.
ترامب أكد خلال لقائه جنود بلاده أنه “لا خطط لسحب القوات الأمريكية من العراق”، مضيفًا “في الواقع، بإمكاننا استخدام (العراق) كقاعدة إذا أردنا القيام بشيء في سوريا”، وذلك بعد أيام قليلة من إعلانه انسحاب قوات بلاده من سوريا ما أثار وقتها جدلاً وقلقًا لدى حلفائه في الشرق الأوسط.
ترامب يعلن سحب قوات بلاده من سوريا
تلميح ترامب لاحتمالية استخدام قوات بلاده المتمركزة في العراق في بعض العمليات بالداخل السوري حسبما تقتضي الحاجة هو في الحقيقة رسالة طمأنة واضحة لحلفاء أمريكا في المنطقة، على رأسهم “إسرائيل” والسعودية، خاصة أنهما على وجه التحديد كانا أكثر القلقين من قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا، لما قد ينطوي عليه من فتح المجال أمام القوات المدعومة إيرانيًا في زيادة النفوذ وربما استهداف المصالح والأهداف الإسرائيلية.
وفي مقابل طمأنة الولايات المتحدة لحليفها أفادت بعض وسائل الإعلام الصهيونية أنه من المتوقع أن يكشف مستشار الأمن القومي الأمريكي عن مخاوف بلاده من النفوذ الصيني في “إسرائيل” في أعقاب تعزيز التعاون بينهما وحصول بكين على امتيازات تجارية كبيرة داخل الأراضي المحتلة على رأسها ميناء حيفا.
مسؤول في الكيان الإسرائيلي يتوقع أن واشنطن ستضغط على تل أبيب لتقليص حجم التعاون مع الصين، وتحجيم نفوذها في المنطقة، إذ غيرت الولايات المتحدة موقفها تجاه سلوك الصين، وتتوقع الآن أن تفعل “إسرائيل” ذلك أيضًا حسبما نقلت قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية.
ترامب أجرى اتصالاً مع أردوغان، للتباحث بشأن مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والانسحاب المنسق بشكل عال والبطيء للقوات الأمريكية من سوريا
تنسيق مع الأتراك
وفي الجهة المقابلة من المقرر أن يتوجه بولتون إلى أنقرة بعد زيارته لتل أبيب، إذ من المتوقع أن ينضم إليه هناك رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الجنرال جوزيف دنفورد، لبحث التنسيق المتبادل بين البلدين فيما يتعلق بإستراتيجيات التعامل بعد سحب القوات الأمريكية من سوريا.
حرص واشنطن على التنسيق مع أنقرة ياتي في إطار رغبتها الجامحة في الحفاظ على الحضور داخل سوريا وإن كان من باب تفاهمات سياسية وعسكرية مع الجانب التركي، وإن كان مسألة الانسحاب بصورة كاملة لم تحسم بعد حتى الآن في ظل تباين الآراء بشأن الموعد المحدد لتنفيذ هذه الخطوة وحجم القوة التي يتم سحبها حتى وإن تحولت دفتها إلى العراق.
اتصالات بين ترامب وأردوغان للتنسيق بشأن سحب القوات الأمريكية من سوريا
يذكر أن الرئيس الأمريكي ونظيره التركي قد أجريا مكالمتين بعد أن تم اتخاذ قرار “الانسحاب الأمريكي من سوريا” في منتصف ديسمبر الماضي، حيث أكد أردوغان أن الآراء بشأن التنسيق في سوريا والتجارة متطابقة مع ترامب، مضيفًا أنه أجرى مكالمة “هاتفية مثمرة معه”، وتم خلالها التوافق على تعزيز التنسيق بين تركيا وأمريكا في العديد من القضايا، بحسب وكالة “الأناضول“.
وبحسب الوكالة ذاتها فإن ترامب قد أجرى كذلك اتصالاً مع أردوغان، للتباحث بشأن مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، والانسحاب المنسق بشكل عالٍ والبطيء للقوات الأمريكية من سوريا”، كذلك بحث سبل تعزيز التبادل التجاري مع أنقرة بشكل موسع.
بات من الواضح أن زيارة بولتون ومن بعدها جولة بومبيو تأتي في إطار “إعادة صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط” في المرحلة المقبلة، تلك السياسة التي وضع ترامب قواعدها الأساسية وتنطلق من مبدأ “أمريكا أولاً” غير أنها في ذات الوقت ربما تعيد الكثير من ملامح خريطة المنطقة حال استمر الرئيس الأمريكي في إستراتيجيته التي تبناها منذ توليه زمام الأمور.