ترجمة وتحرير: نون بوست
شنّ المقاتلون البوذيون التابعون لجيش أراكان هجوما مفاجئا ضد مواقع الجيش البورمي في ولاية راخين المضطربة، وهي المنطقة ذاتها التي أُرغم 700 ألف مسلم روهينغي على الفرار منها بسبب أعمال العنف سنة 2017. وقد أدّت حدة العنف إلى مقتل 13 شخصا من جهاز الشرطة وأسر 14 آخرين، وفقا لما صرحت به المجموعة المسلحة. وقد اعترف هؤلاء المسلحون على صفحتهم على فيسبوك بأن ثلاثة من المقاتلين التابعين لهم قد لقوا حتفهم خلال هذه المواجهات، كما أصيب العديد منهم بجروح.
عصابات شبه عسكرية
وفقا للوكالة الرسمية للأنباء بميانمار، شارك المئات من المقاتلين في الهجوم المسلح على الجيش البورمي الذي بدأ في الساعات الأولى من الصباح. ووقع الاعتداء المنسق على أربعة مراكز تابعة لجهاز الشرطة في منطقة بوتيدونغ الواقعة في شمال راخين في نفس اليوم الذي احتفلت فيه البلاد بالذكرى السنوية لاستقلالها سنة 1948، فضلا عن ذكرى الهجوم الذي ترأسه جيش إنقاذ روهينغا أراكان سنة 2017. يُذكر أن هذا الهجوم الأخير أطلق شرارة حملة التطهير العرقي التي قادها الجيش المحلي للبلاد والتي دعمتها آنذاك العصابات شبه العسكرية التابعة للجماعة البوذية المحلية.
ينتشر العلم الأبيض والأحمر الخاص بحزب أراكان الوطني في جميع أنحاء مدينة سيتوي، حيث أنه أخذ مكان علم دولة ميانمار في بعض المباني الرسمية.
ساهم العداء والكراهية تجاه المسلمين في اتحاد القوات المسلحة والسكان البوذيين الأصليين في ولاية راخين. وبعد نجاح عملية الطرد الجماعي للمسلمين، كثّفت هذه المجموعات دعمها لجيش أراكان الذي يدافع بدوره عن استقلال راخين، التي كانت مملكة مستقلة قبل غزوها من قبل القوات التابعة لميانمار سنة 1785.
مسلمي الروهينغا أقلية مكروهة
خلال زيارته لولاية راخين سنة 2017، تأكّد مراسل الصحيفة من موجات التعاطف التي بثّها جيش أراكان في صفوف البوذيين في راخين الذين لم يترددوا في التعبير عن ذلك بشكل علني. في هذا الخصوص، صرّح أحد المواطنين البالغ من العمر 40 سنة والمقيم في إحدى القرى الفقيرة جدا والواقعة على بعد بضعة كيلومترات من سيتوي، عاصمة ولاية راخين قائلا: “تمتلك راخين العديد من الموارد الطبيعية تماما مثل كاشين التي تقع في شمال ميانمار لكننا مازلنا فقراء للغاية. إن مؤسسة الجيش تضطهدنا. كانت راخين مملكة لعدة قرون قبل ضمها إلى ميانمار ونحن الآن نسعى لاسترجاع حقوق ولاية راخين”.
لم يخف هذا المزارع مشاعر الكره التي يكنّها لمسلمي الروهينغا ولكنه أيضا لم يخف رغبته في أن تكون راخين “مستقلة”، كما رفض المقارنة بين تمرّد المسلمين في المنطقة وتمرد جيش أراكان. وقد أفاد هذا المزارع أن “جيش أراكان ليس جماعة إرهابية بل يدافع عن أرضه، حيث أن البنغاليين (نظرا لأن البوذيين لا يستخدمون مصطلح الروهينغا) ليسوا أصيلي هذه المنطقة، إنهم مهاجرون”.
ينتشر العلم الأبيض والأحمر الخاص بحزب أراكان الوطني في جميع أنحاء مدينة سيتوي، حيث أنه أخذ مكان علم دولة ميانمار في بعض المباني الرسمية. وقد تحدّث أونغ هتاي، وهو أحد قادة هذا الحزب في المقر الخاص به في سيتوي، إلى المراسل موجها انتقادات لاذعة لمسلمي الروهينغا، كما أسهب في الحديث عن التاريخ الطويل لمملكة أراكان التي اختفت (الاسم القديم لولاية راخين). وقد سأل هتاي المراسل: “هل ترى الشكل الذي يزين علمنا؟ إنه يحمل رأس تنين وهو مزيج من تسعة حيوانات، بما في ذلك الأسد والفيل والحصان”.
أكدت المعطيات الصادرة عن وسائل إعلام بورمية أن عدد الكمائن قد تضاعف في المكان الذي استخدم فيه المقاتلون “آر بي جي” المضادة للدبابات
أردفت هتاي أن “جيش أراكان هو الممثل الشرعي لشعب راخين. وتمتلك كل الأقليات في ميانمار عصابات للدفاع عن نفسها، ومن المنطقي أن نؤيد التحالف بين القوات المسلحة والسكان البوذيين الأصليين في ولاية راخين”. تجدر الإشارة إلى أن جيش أراكان بدأ في تكثيف أعماله ضد المسلمين في نهاية سنة 2018، مع التركيز بشكل خاص على الجزء الشمالي من منطقة راخين القريبة من الحدود مع بنغلادش والهند. كما أدّت غارات جيش أراكان ضد الروهينغا إلى تغيير البنية الديموغرافية وبالتالي أصبح البوذيون الآن يشكلون الأغلبية في تلك المنطقة.
نصب الكمائن
أكدت المعطيات الصادرة عن وسائل إعلام بورمية أن عدد الكمائن قد تضاعف في المكان الذي استخدم فيه المقاتلون “آر بي جي” المضادة للدبابات. وفي بداية هذا الشهر، تمكّن يو نيي بو، زعيم السلطة التنفيذية الإقليمية من النجاة من هجوم إثر انفجار العديد من الألغام أثناء مرور موكبه. وقبل عدة أيام، ذكرت بعض وسائل الإعلام على غرار صحيفة “ذا إيراوادي”، أن جيش أراكان أرسل العديد من الرسائل إلى العديد من ممثلي الحكومة المركزية مصحوبة بطلقات نارية، في إشارة إلى ما تنوي القيام به مستقبلا. وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر، أُطلقت النار على يو خين ثان مونغ في منزله، وهو سياسي معروف تابع لحزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الذي ترأسه مستشارة الدولة السياسية، أون سان سو تشي.
موجة نزوح جديدة
وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، نزح أكثر من 2500 شخص في شمال المقاطعة منذ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وشجّع مؤيدو جيش أراكان حملة واسعة تحت عنوان “طريق راخيتا” وهو شعار طُبع باللغة الإنجليزية على قمصان العديد من المواطنين. وتهدف هذه الحملة إلى تعزيز تمرد مسلح واسع النطاق في ولاية راخين.
تأسس جيش أراكان سنة 2009 بمساعدة جيش استقلال كاشين، وهو واحد من الجماعات المسلحة الرئيسية في ميانمار
في ظل الحكم الاستعماري والنظام العنصري في ميانمار، أصبحت راخين أفقر ولاية في ميانمار، حيث يعيش السكان في حلقة مفرغة من انعدام المساواة والفقر والجوع. وقد كتب أحد الانفصاليين خلال الأشهر الماضية أن “هذه المعاناة والمآسي العظيمة لا تعطي للأجيال الجديدة من سكان راخين أي خيار آخر سوى إطلاق الثورة لتغيير الوضع الحالي”.
تأسس جيش أراكان سنة 2009 بمساعدة جيش استقلال كاشين، وهو واحد من الجماعات المسلحة الرئيسية في ميانمار. وقد درّب هذا الجيش المسلحين في شمال البلاد وزوّدهم بالأسلحة التي يستخدمونها. وقد بدأت الجماعات شبه العسكرية، التي تقوم أيديولوجيتها على القومية أكثر منها على الدين، في التسلل إلى راخين منذ سنة 2015.
خلال نهاية الأسبوع الماضي، أفاد المؤرخ ثانت مينت – يو على حسابه في تويتر أن ظهور جيش أراكان “هو أحد أهم منعطفات الصراع في ميانمار طيلة أجيال قادمة”. وحذر هذا الخبير من إمكانية أن تؤدي هذه المواجهة إلى انقسام بين متساكني راخين وغيرهم من الطوائف مثل “بامار”، وهي المجموعة العرقية المهيمنة في ميانمار التي تنتمي إليها أون سان سو تشي والتي يتشاركون معها في الدين وليس المشاعر الوطنية.
المصدر: الموندو