ترجمة وتحرير: نون بوست
بالنسبة للرئيس السوري المحاصر بشار الأسد، يمكن القول إن سنة 2018 انتهت بشكل جيد. ففي حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قرار انسحاب قوات بلاده من شرق سوريا، أشارت عدة دول عربية إلى استعدادها للمصالحة. وخلال شهر كانون الأول/ ديسمبر المنصرم، أصبح الرئيس السوداني عمر البشير أول زعيم عربي يزور سوريا منذ اندلاع شرارة الصراع في البلاد سنة 2011.
بعد وقت قصير، أعلنت كل من الإمارات والبحرين والكويت إعادتها لعلاقاتها مع دمشق، وذلك بعد أن أعربت عن معارضتها لنظام الأسد في وقت سابق، وهو ما يشير إلى أن استئناف العلاقات بين هذه الدول وارد الحدوث في المستقبل القريب. وبالتزامن مع استئناف تونس للرحلات الجوية المباشرة نحو سوريا والأردن في إطار سعيها لإعادة العلاقات التجارية، يرى العديد من المراقبين أن أيام سوريا، كمنطقة منبوذة إقليميا بسبب بشار الأسد، باتت معدودة.
علاوة على ذلك، يبدو أن السعودية، الراعي الرسمي لقوات المعارضة خلال الحرب، أصبحت مستعدة بشكل متزايد لقبول بقاء الأسد في دمشق، على أمل الحد من اعتماد الرئيس السوري على منافستها الإقليمية إيران. ومن المتوقع أن تُرحّب الجامعة العربية، التي طردت الأسد في أعقاب القمع الوحشي الذي انتهجه ضد المتظاهرين سنة 2011، بقدومه مرة أخرى خلال سنة 2011.
ما مدى عزلة الأسد في السابق؟
بطبيعة الحال، لم يكن بشار الأسد معزولا بشكل حقيقي، وهو ما أدى بالأساس إلى نجاته طوال السنوات الماضية. ولم يتوقف الحلفاء الروس والإيرانيون عن مد الرئيس السوري بالمساعدات الحيوية اللازمة لضمان استمرار حكمه، كما حرصت روسيا على تجنيب دمشق أية عقوبات صادرة عن الأمم المتحدة، على غرار العقوبات التي طالت صدام حسين في السابق. وبالتعاون مع إيران، قدمت موسكو المساعدات والقروض والدعم لإبقاء دولة الأسد وقواته العسكرية في طور العمل.
على غرار جميع الدول غير الغربية، لم تطالب دول البريكس، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بتنحية بشار الأسد. وتجدر الإشارة إلى أن الصين تعد أكبر مؤيد لنظام الأسد، حيث نقضت ستة قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي ضد الرئيس السوري منذ سنة 2011. ومن جانبها، احتفظت الهند بعلاقاتها مع دمشق إما خوفا من اعتلاء الإسلاميين لسدة الحكم أو ربما لمكافأة لسوريا على موقفها السابق المؤيد لإقليم نيودلهي حول كشمير.
في حين يأتي الانضمام إلى الجامعة العربية بمكافآت اقتصادية مهمة ونظرا لأن ذلك يمثل نهاية فترة رمزية قوامها محاولات أعداء الأسد العرب الإطاحة به، فإنه لا يمكننا القول بأن دمشق كانت منعزلة كليا عن العالم العربي
من جهتها، سحبت البرازيل سفيرها لدى سوريا، بتعلّة وجود أسباب تتعلق بسلامته بشكل يتجاوز أي رغبات معلنة مناهضة لممارسات الأسد. وحتى قبل انتخاب الرئيس اليميني المناصر لعمليات التعذيب، جايير بولسونارو، أعربت البرازيل عن رغبتها في استعادة العلاقات الكاملة مع دمشق والمشاركة في عمليات إعادة الإعمار.
إعادة إعمار سوريا سيكون مكلفا للغاية
من غير المرجح أن تتمكن دول البريكس وحلفاء الأسد من جمع مبلغ 400 مليار دولار لإعادة بناء سوريا بعد انتهاء الحرب. ففي حين لا تبدو الدولة الصينية الأكثر ثراء متحمسة لهذه المشاريع، تفتقر إيران وروسيا للموارد الكافية لتمويلها. وفي الواقع، أدرك الأسد وحلفاؤه منذ فترة طويلة أن دول الخليج الفارسي أو الغرب وحدها قادرة على توفير مليارات الدولارات اللازمة لعمليات إعادة الإعمار. ويعتبر ضيق خيارات الحكومة السورية نتاج توتر علاقاتها مع الحكومات العربية الأخرى.
في حين يأتي الانضمام إلى الجامعة العربية بمكافآت اقتصادية مهمة ونظرا لأن ذلك يمثل نهاية فترة رمزية قوامها محاولات أعداء الأسد العرب الإطاحة به، فإنه لا يمكننا القول بأن دمشق كانت منعزلة كليا عن العالم العربي. وعلى العموم، سيعمل الرئيس السوري على الترويج لانتصاره من خلال الإشادة بنجاحه في استعادة العلاقات مع الدول العربية.
على الرغم من العوامل الإيجابية التي تحيط بمساعي الرئيس السوري، إلا أن خطته لإجراء عملية إعادة تأهيل دولية تشهد اعتراض كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا
في شأن ذي صلة، رفض لبنان والعراق الانضمام إلى أي عقوبات تقودها دول الخليج ضد سوريا وحافظا على علاقاتهما الوثيقة مع البلد المجاور، في حين احتفظ الأردن بوجود دبلوماسي في سوريا حتى عندما أجبرته الحرب والضغوط السياسية الخارجية على وقف المبادلات التجارية ومنح القوات المعارضة ملاذا آمنا. ومن جهتها، عملت الجزائر، وهي دولة دكتاتورية أخرى سبق لها التصدي لثورة داخلية في فترة التسعينات، على معارضة قرار طرد سوريا من الجامعة العربية، في حين دأب نظام عبد الفتاح السيسي في مصر على تطوير روابط سرية مع نظام الأسد.
تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تعيق عملية إعادة التأهيل الدولية لبشار الأسد
على الرغم من العوامل الإيجابية التي تحيط بمساعي الرئيس السوري، إلا أن خطته لإجراء عملية إعادة تأهيل دولية تشهد اعتراض كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا. ويبدو أن الحكومة الأمريكية تنتهج سياسة أكثر صرامة حيال هذا الشأن. ففي حين يعزز قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات من سوريا رغبة نظيره السوري في استعادة جميع الأراضي السورية، لا يوجد ما يدل على أن هذه الخطوة تدور في فلك التقليص من حدة لهجة السياسة الأمريكية تجاه دمشق.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم الأصوات المؤيدة لإسرائيل والمناهضة لإيران في واشنطن في تعزيز المعتقد السائد بأن رفع العقوبات الأمريكية في أي وقت قريب، أمر مستبعد للغاية. وإن لم يكن ذلك كافيا، لا تزال القيود المفروضة على الشركات الأمريكية والمواطنين الذين يوظفون أموالهم بأي شكل من الأشكال داخل سوريا تمثل مشكلة كبرى بالنسبة للمستثمرين الدوليين.
تعتبر العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا مماثلة لنظيرتها الأمريكية. فالأوروبيون يمتلكون نظرة أكثر تشاؤما حول مستقبل بشار الأسد على الرغم من كون سياستهم تجاهه لا تُعدّ بحجم قساوة السياسة التي ينتهجها الأمريكيون. ولطالما شهد الاتحاد الأوروبي انقساما كبيرا فيما يتعلق بالشأن السوري، حيث أيّدت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا الموقف الأمريكي المتشدد، في حين أعربت الدول الأوروبية الجنوبية المحاذية لسوريا عن شكوكها إزاء هذا الموقف.
مثل تركيا العقبة الأكبر لمخططات الأسد، حيث يمكن للاقتصاد السوري وخاصة لمدينة حلب السورية التي دمرتها الحرب أن تستفيد بشكل كبير من إعادة فتح الطرق المؤدية إلى تركيا
نظرا لتنامي فرص الأسد للبقاء على رأس النظام السوري، سترتفع أصوات الدول التي تحتضن العديد من اللاجئين السوريين على أراضيها. ففي حين تهم بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي، وتستضيف ألمانيا 600 ألف لاجئ سوري، قد تجد فرنسا نفسها غير قادرة على منع حدوث تغيير جذري على مستوى السياسة الأوروبية. وفي هذا الصدد، تعتبر سياسة الاتحاد الأوروبي بطيئة الحركة وستظل تسعى إلى تضمين شروط تقوم على رفع العقوبات عن سوريا ومدها بالمساعدات بشكل تدريجي. وفي حين يمكن للاتحاد الأوروبي امتلاك موقف مخالف للموقف الأمريكي إزاء سوريا، سيتعين على الأسد أن يتريث قليلا قبل الإقدام على أي خطوة.
في المقابل، تمثل تركيا العقبة الأكبر لمخططات الأسد، حيث يمكن للاقتصاد السوري وخاصة لمدينة حلب السورية التي دمرتها الحرب أن تستفيد بشكل كبير من إعادة فتح الطرق المؤدية إلى تركيا. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطرق والمعابر مغلقة في الوقت الحالي بواسطة أنقرة والمعارضين المدعومين من قبل تركيا، والذين يضطلعون بمهمة السيطرة على إدلب. وعلى الرغم من تخلي سوريا عن مطالبها برحيل الأسد، يمكن تبين ثلاثة مناطق متنازع عليها بين البلدين، والتي تمنع إقرار المصالحة فيما بينهما.
أولا، يمكن لأنقرة ودمشق خوض غمار صراع عسكري عقب انسحاب قوات ترامب من شرق سوريا، حيث تسعى تركيا إلى طرد الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين، في حين من المرجح أن تتوصل سوريا إلى اتفاق مع هذه القوات التي كانت حليفة لواشنطن بهدف استعادة منطقتها. وبشكل عام، ستتوقف نتيجة هذه المفاوضات على مدى قدرة روسيا على التوسط في أي صفقة.
في الحقيقة، تمثل إدلب ثاني المناطق المتنازع عليها بين الطرفين، وذلك نظرا لكونها الجيب الأخير الذي تسيطر عليه قوات المعارضة. وفي الوقت الذي يسعى خلاله الأسد إلى السيطرة على إدلب، تحمي تركيا المنطقة خوفا من توافد اللاجئين والمسلحين إذا ما سيطر عليها نظام بشار الأسد. وثالثا، يمكن الإشارة إلى الجزء الشمالي من سوريا بين عفرين وجرابلس باعتباره أحد المناطق التي تمثل أسس النزاع التركي السوري، والذي تسيطر عليه تركيا حاليا بالاعتماد على الوكلاء ولا ترغب في التفريط فيه. بشكل عام، من غير المحتمل حل هذه القضايا بسرعة، فتركيا وسوريا تبدوان على بعد سنوات عديدة من أي نوع من التطبيع فيما بينهما حتى إذا ما توصلتا إلى إبرام أية اتفاقيات حول التجارة الحدودية والطرق السريعة.
لطالما كانت استراتيجية نظام بشار الأسد قائمة على انتظار تغير الظروف الخارجية لصالحه أكثر من اعتماده على تغيير سياسته
عموما، سيرحب الأسد بأي مقترح للعودة إلى الجامعة العربية، لكن أهمية هذا الأمر محدودة نسبيا. وفي حين كانت سوريا بعيدة كل البعد عن العزلة طوال الحرب الأهلية، لا يمكننا القول إنها قد اقتربت من التصالح مع الحكومات الغربية ومع تركيا. والجدير بالذكر أن نظام الأسد يتمتع بخبرة تمتد لعقود من الزمن في مواجهة العقوبات والعزلة الغربية والإقليمية، والتي كان أحدثها في منتصف العقد الأول من القرن الحالي.
لطالما كانت استراتيجية نظام بشار الأسد قائمة على انتظار تغير الظروف الخارجية لصالحه أكثر من اعتماده على تغيير سياسته. ومن شأن الانفتاح الأخير على سوريا من طرف البلدان العربية تبرير هذا النهج بشكل أكبر، كما أن الأسد سيكون واثقا من أن الغرب وأنقرة سيوافقان على إعادة العلاقات مع دمشق في النهاية، وذلك بغض النظر عن المدة التي سيستغرقها هذا الأمر.
المصدر:واشنطن بوست