يومًا بعد يوم تزداد الفجوة بين حركتي “فتح” و”حماس” عمقًا وبُعدًا، وتكون القرارات الانتقامية التي تصدر من قادة الحركتين، كرصاصة الرحمة التي تُطلق على كل الآمال التي علقها الفلسطينيين على عام جديد يكون عنوانه المصالحة وتحقيق الوحدة.
لكن، يبدو أن الخطوات التي تسير على أرض الواقع مخالفة تمامًا لكل تلك الآمال، وستقود الفلسطينيين لمرحلة أكبر خطورة عنوانها الدائم تعميق الانقسام وتدعيم الانفصال، ليكون العام 2019 شاهدًا حيًا على فصل جديد من المعاناة التي أثقلها كثيرًا الحصار والظلم الإسرائيلي.
قبل أيام قليلة، وتحديدًا بعد إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحل المجلس التشريعي في 22 ديسمبر الماضي، خرجت تصريحات فوضاوية من قبل قادة حركة “فتح”، أكدوا فيها جميعًا أن الحركة متجه نحو الدخول في انتخابات تشريعية قادمة قد لا يكون لقطاع غزة نصيبًا فيها، الأمر الذي من شأنه أن يعمق الانقسام بشكل أكبر من شاكلته الحالية، ويزيد من حالة عدم الثقة القائمة ويقود القضية الفلسطينية برمتها نحو النفق المظلم الطويل.
بعد قرار المحكمة الدستورية حل المجلس التشريعي، والدعوة لعقد انتخابات، يبقى الأسئلة الثلاث في الساحة وهي كيف ستجرى هذه الانتخابات؟، وهل قوائم أم ترشح فردي؟، وما مصير المصالحة وغزة؟
الانتخابات التشريعية التي حدد الرئيس عباس موعد انطلاقها بعد ستة أشهر، ستكون العنوان الأبرز للخلافات المتشعبة والمتفاقمة بين حركتي “فتح” و”حماس”، في ظل إصرار الأولى (فتح) على إجراءاها دون القطاع، ورفض الثانية (حماس) إجرائها دون توافق وطني داخلي.
كيف ستجري الانتخابات؟
وبعد قرار المحكمة الدستورية حل المجلس التشريعي، والدعوة لعقد انتخابات، يبقى الأسئلة الثلاث في الساحة وهي كيف ستجرى هذه الانتخابات؟، وهل قوائم أم ترشح فردي؟، وما مصير المصالحة وغزة؟، وللإجابة على تلك التساؤلات يوضح أستاذ القانون الدكتور المحامي بسام القواسمي والمحاضر في جامعة الخليل، أن قانون الانتخابات العامة- قرار بقانون 1 لسنة 2007- سيكون مرجعية لجنة الانتخابات المركزية لإجراء الانتخابات التشريعية بعد ستة أشهر من الآن، مشيراً إلى أن هذا القانون فيه اختلافات عن سابقه، حيث اعتبر أن الوطن دائرة واحدة وسيكون الترشح وفقاً لنظام التمثيل النسبي الكامل.
ويضيف “هناك تعديلات جوهرية وفوارق كبيرة بين الانتخابات التي جرت عام 2006 وبين الانتخابات التي ستجرى عام 2019، ومن أهم الفوارق ما جاء في الترشح لعضوية المجلس مادة (45) فقرة 6- “أن يلتزم بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبوثيقة إعلان الاستقلال وبأحكام القانون الأساسي، وهذه ستُشكل عبئاً ثقيلاً عى الحركات والقوى الإسلامية إن أرادت خوض الانتخابات التشريعية.
أشار المحامي بسار القواسمي إلى أن “قانون الانتخابات العامة ، قد شدد على أن تكون الأراضي الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة، إضافة لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى 16 منطقة انتخابية لتسهيل عملية الاقتراع من قبل الناخبين، وفرز الأصوات”
واستطرد بالقول: “جميعنا نعرف بأن هذه المادة قد لا تتفق مع بعض وجهات النظر الحزبية اليسارية أو الإسلامية، وستكون هذه الأحزاب مضطرة لتغيير برامجها السياسية والنضالية لخوض الانتخابات التشريعية وهذا صعب عليها، وستفضل أن تبقى بعيدة عن الانتخابات وستهاجم الانتخابات من خلال منابرها المختلفة أو العمل على تعديل نصوص قانون الانتخابات العامة”.
وقال القواسمي: “في الوقت الذي تعترف فيه كافة دول العالم العربية منها والأجنبية بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، أرى أنه من العار علينا أن لا نعترف بها كممثل وشرعي وحيد لنا”.
وحول اعتماد الأراضي الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة بنظام التمثيل النسبي الكامل “القوائم”، أشار إلى أن قانون الانتخابات العامة ، قد شدد على أن تكون الأراضي الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة، إضافة لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى 16 منطقة انتخابية لتسهيل عملية الاقتراع من قبل الناخبين، وفرز الأصوات، حيث جاء في المادة (7) من القانون “تعتبر الأراضي الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة لغرض انتخاب الرئيس وانتخابات عضوية المجلس، وتقسم لهذه الغاية إلى ست عشرة منطقة انتخابية”.
كما جاء في المادة (6) من ذات القانون: “تودع كل قائمة انتخابية قائمة بأسماء مرشحيها لدى اللجنة قبل إغلاق باب الترشح”. إضافة إلى أنه “يخصص عدد من المقاعد لكل قائمة انتخابية حازت على نسبة (1,5%) أو أكثر من الأصوات الصحيحة للمقترعين في الانتخابات يتناسب مع مجموع ما حصلت عليه من الأصوات”.
ويختم حديثه: “من الجيد التنويه هنا إلى أن تشكيل القوائم لا تعتمد على الأحزاب أو القوى السياسية فقد أتاح القانون الفرصة أمام الآخرين لتشكيل قوائم انتخابية حيث جاء في المادة (4) من قانون الانتخابات العامة “تشكل القائمة الانتخابية من حزب أو ائتلاف أحزاب أو مجموعة من الناخبين تتشكل لغرض الانتخابات على أن تستوفي شروط الترشح وفقاً لأحكام هذا القانون”. وهذا يؤكد على أن العملية الانتخابية هي عملية ديمقراطية”.
أخر انتخابات فلسطينية أقيمت بالضفة
طريق حرق السفن
وبحث الرئيس عباس مع حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية الاستعدادات لإجراء انتخابات برلمانية (التشريعية) فلسطينية جديدة بعد يومين من إعلانه حل المجلس التشريعي المنتخب في عام 2006.
وأكدت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية جاهزيتها لتنظيم انتخابات تشريعية أو رئاسية حال صدور مرسوم رئاسي يحدد الموعد لذلك.
وكانت حركة “حماس“، التي تسيطر على غالبية مقاعد المجلس التشريعي، رفضت قرار حل المجلس واعتبرته “إجراء غير قانوني وتعميقاً للانقسام الفلسطيني، وقال النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي عن حماس أحمد بحر، إن “المجلس سيد نفسه ولا ولاية قانونية ولا يجوز لأي من السلطات حله“.
بدورها، رفضت حركة الجهاد الإسلامي، قرار عباس حل المجلس التشريعي والتوجه نحو الانتخابات دون توافق، مؤكدة أنها “خطوة كارثية”. وقال المتحدث باسم الحركة مصعب البريم إن “حل التشريعي خطوة أحادية مرفوضة ومدانة، وهي خطوة كارثية رفضتها كافة القوى وحذرت من تداعياتها في تكريس الانقسام”.
تعد الانتخابات المقبلة في حال تمت هي أول استحقاق انتخابي رئاسي بعد انتخابات الرئاسة التي جرت في التاسع من يناير عام 2005
وشدد على أنه “لا يصح خلط القانوني بالسياسي، وتسخير لوائح النظام السياسي الفلسطيني لخدمة سياسات التفرد واحتكار المرجعية السياسية والوطنية”. وأكد أن “الشرعيات الفلسطينية غير مكتملة باستثناء شرعية البندقية والمقاومة، وأن الشرعية الحقيقية للمقاومة وسلاحها”.
وأضاف “يبدو أن أبو مازن يسير على طريق حرق كل السفن مع شعبه وقواه الحية والمقاومة في طلاق سياسي يأخذ الساحة الفلسطينية إلى مزيد من الانتكاسات، ويسبب انهيارا في النظام السياسي الفلسطيني ويتجه نحو المفاصلة السياسية لا التقارب، وهذا أخطر تحدي يمكن ان تواجهه القضية الفلسطينية داخليًا”.
ولفت البريم إلى أن مواجهة التحديات والأخطار التي تعصف بالقضية الفلسطينية واجب وطني لا يترجم إلا بالوحدة والشراكة والانسجام الداخلي وتغليب الصالح الوطني وتجريم الاحتلال عبر مواجهته والاعتزاز بالمقاومة وحواضنها الشعبية والارتقاء بالموقف الفلسطيني إلى مستوى التضحية والنموذج الذي يقدمه الشعب الفلسطيني في كل الساحات.
وحول تداعيات قرار عباس الدعوة للانتخابات، أكد أستاذ العلوم السياسية، هاني البسوس، أن هذا القرار “سيرسخ الانقسام الفلسطيني، ويزيد من عزلة قطاع غزة المحاصر”.
ورجح أن يتم “عقد الانتخابات التشريعية في الضفة الغربية المحتلة فقط”، منوها بأن هناك “حاجة ماسة لعقد الانتخابات لكافة المؤسسات السياسية الفلسطينية، ولكن بتوافق وطني وليس بحد السيف”.
واستبعد البسوس أن يكون قرار رئيس السلطة جاء في إطار المناورة؛ “لأن الأمور وصلت إلى ذروتها، وبالتالي ما يحدث هو أن أبو مازن وضع مسألة حل المجلس التشريعي في مجال اختصاص المحكمة الدستورية، كي لا يتحمل هو مسؤولية هذا القرار”.
وتعد الانتخابات المقبلة في حال تمت هي أول استحقاق انتخابي رئاسي بعد انتخابات الرئاسة التي جرت في التاسع من يناير عام 2005، حيث اختير محمود عباس خلفا لرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وفاز حينها محمود عباس بـ 62.5% من أصوات الناخبين، وهي الانتخابات الثانية التي تجرى في فلسطين حيث جرت الأولى عام 1996، بعد ثلاثة أعوام من تأسيس السلطة الفلسطينية والتي انتخب فيها ياسر عرفات، فيما جرت أخر انتخابات تشريعية في يناير الأول 2006.