إن سألك أحدهم هل تحب الشعر ستقول نعم مثل أغلب الناس لإنه كلام جميل موزون ومُقفى وله معنى وتطرب له الأذن، وإن سُئلت عن ذكر اسماء بعض الشعراء العرب بالتأكيد ستذكر بعضهم حتى لو لم تكن مثقفًا أو مطلعًا على الشعر الحديث، يمكنك أن تذكر شعراء مثل احمد شوقي، نزار قباني، محمود درويش ربما الأبنودي أو حتى هشام الجخ، ولكن هل يمكن أن تُجيب إن سُئلت عن ذكر أسماء بعض الشعراء الشباب الجدد؟ أعتقد أن هذا أصعب الأسئلة كلها.
كلمة شعر كلمة سهلة على أغلب الناس لأنه كما ذكرت الشعر لا يمكن بالضرورة أن يكون شعر فصحى مُقفى كشعر عنترة وغيره من شعراء الجاهلية، بل يمكن أن نقول أن حكايات أبي زيد الهلالي كانت نوع من الشعر كذلك، لأنها كانت تروي حكايات ملحمية في طابع شعري يستمع لها الكثيرين وتداولتها الأجيال واهتمت بها بجانب كل الأشعار الحديثة، وكذلك نعرف شعر العامية الشعر الذي يروي بعض الحكايات باللهجة المحلية العامية ويكون له هدف ومضمون يرغب في توضيحه للجمهور.
في الفترة الأخيرة أصبحت الساحة الأدبية المصرية مكانًا مفتوحًا وسهلًا يمكن لأي شخص إقحام نفسه في هذا الوسط مستغلًا شهرته الفيسبوكية أو عدد متابعينه على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، بغض النظر عما يقدمونه من محتوى حقيقي وهادف. بدون رقيب أو حسيب أقر البعض باعتبارهم “مشاهير السوشيل ميديا” قدرتهم على الانتشار واستهدافهم لأصحاب الذوق الرديء وغيره من الأمور التي يمكنهم الفتي بها لمجرد أنهم مشهورين ولديهم قاعدة جماهيرية كبيرة.
كان آخر ما شهدته الساحة الأدبية لقاء مع “الشاعرة” ريهام شعبان كما أطلق عليها طاقم المذيعات والإعداد في البرنامج التلفزيوني “كلام ستات” الذي تقدمه الإعلامية “شاهيناز أبو الحسن” وبعض الفنانات، استضاف البرنامج ريهام على اعتبارها شاعرة المستقبل الحالمة التي تبدع في مزج الشعر العربي بالانجليزي وتكتب شعر العامية، وبعد أن استمعنا لما قدمته ريهام، نجد أنها لاقت هجومًا كثيفًا عليها وعلى ما تقدمه بعد انتهاء هذه الحلقة، وتبرر ما قالته ونُشر بعد ذلك على أحد الصحف المصرية، أنه ليس شعرًا وإنما ” مجرد مشاعر وأحاسيس بتكتبها” وترى أن لها جمهورها الداعم لها وأنها فخورة بما تقدمه، لتنضم إلى مجموعة صانعي الأدب الرديء ،كما يمكننا أن نسميهم، الذي لا يجد رادعًا له أو سيطرة مع الإقبال الجماهيري الكثيف.
من الذي يسمح بهذه المهازل؟
لن أكون قاسية إلى هذا الحد على شخص بعينه ولكن الفترة الاخيرة شهدت تساهلات غير متناهية مع المحتوى الأدبي العربي والمصري تحديدًا، فنجد أن مئات الروايات قد انتشرت دون وجود بذرة موهبة في أصحابها ودون وجود أي هدف حقيقي لها، لم يحدث الأمر مع الرواية فقط بل حدث مع الشعر كذلكن لنفاجيء بأن هناك شعراء مثل “عمرو حسن” و “محمد ابراهيم” ولا نعرف ما المسمى الحقيقي لما يكتبونه بالتحديد، نحن أمام نوع جديد من الشعر ربما أو نوع أدبي يقوم على الاسترسال في الكلام العاطفي أو ما شابه من شجون ومواقف وذكريات بجانب خلفية موسيقية ليتأثر المستمع أكثر، تطورت الأمور إلى أن صار هناك حفلات مخصصة يحضرها عشرات الآلاف من الشباب وبمرور الوقت يقتنع الشخص بأنه موهوب وأنه يقدم أدبًا حقيقيًا له هدف ومغزى.
لا تنخدع إن كنت تشعر بالموهبة فكثير من المستمعين يجاملون أكثر مما يقولون آراءًا حقيقية
من ناحية أخرى لا يمكننا أن ننكر أن الشهرة هي حلم يراود الكثيرين وهي وسيلة مؤثرة للغاية ويمكن أن تصنع الكثير، ولكن ما الشيء الأسهل ليقدمه الشخص كي يصل إلى مكانه معينه بين المتابعين؟ يمكن أن يكتب أو يغني أو حتى يقدم لنا فيديوهات كوميدية، وأنا لا اعترض على ذلك، ومع الوقت يجد الشخص أنه أصبح مشهور أو مثير للجدل فيمضي على هذه الشاكلة حتى يستطيع أن يُثبت أقدامه لدى الجمهور سواء ظل الشخص مؤثرًا بشكل نافع أم لا فإن ذاع صيته فهو مُسلح أيًا يكن رأي جمهوره؛ من هذه الشاكلة نجد “الخليل كوميدي” الذي لا يختلف إثنان على ثقل ظله ومع ذلك نجده مستمر فيما يقدمه ونجده رغم تفاهه ما يقدمه يظهر في الأعلام ويتم التعامل معه كظاهرة تستحق التأمل!
حتى لا نجد للمشكلة أزمة
يجب أن يعترف كل من يستشعر بأنه موهوب أو أن لديه شيئًا يقدمه قيمته الحقيقية مهما أدعى المدعون أو المجاملون ذلك، لا تنخدع إن كنت تشعر بالموهبة فكثير من المستمعين يجاملون أكثر مما يقولون آراءًا حقيقية، والمشكلة الأكبر في الرؤية السحرية للأعلام كمكان الاحلام الذي يسعى أن يظهر فيه أي موهوب، بالطبع يمكنك أن تحلم بالظهور على شاشة التلفيزيون ولكن تظهر وأنت واثق من موهبتك ومتأكد من استحقاقك لذلك وليس فقط مجرد ظاهرة ينتقدها الناس وتختفي باختفاء الترند، أما عن المجاملون ومتبنين المواهب خاصة الأهل يجب تقدير قيمة الموهبة الحقيقة لدى أبناءكم أو معارفكم لا تبالغوا في التمجيد الذي يُدمر ولن يفيد الاعتدال مناسب ويرضي جميع الأطراف، ولن يعود علينا بخسائر كبيرة.
أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مقياسًا للحقيقة، لا يعني أن لديك مُتابعين كُثر أنك موهوب او خفيف الظل أو حتى أنك شخص مميز، ليس بالضرورة كل هذا، الموهبة الحقيقية والتفرد يخضعان لمقاييس أكبر من الاهتمام الفردي العشوائي
المغزى الأهم من كل حديثي هذا أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مقياسًا للحقيقة، لا يعني أن لديك مُتابعين كُثر أنك موهوب او خفيف الظل أو حتى أنك شخص مميز، ليس بالضرورة كل هذا، الموهبة الحقيقية والتفرد يخضعان لمقاييس أكبر من الاهتمام الفردي العشوائي؛ انظر إلى جمهورك ومتابعينك ومحبيك من هم؟ ومن أي فئة؟ ولا تفرح كثيرًا بالإعجابات والمشاركات فهي ليست إلا تعبير افتراضي لا تقابله الحقيقة بالضرورة.