ترجمة حفصة جودة
من أين نبدأ أو ننهي نظرة عامة على عام من الإسلاموفوبيا في المملكة المتحدة؟ يمكننا أن نركز على تعليقات العديد من الشخصيات العامة وليس أقلها وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي تمت تبرئته من تعليقاته المعادية لارتداء المسلمات للنقاب في التحقيق الذي أجراه حزب المحافظين.
ثم المهزلة التي قامت بها رئيس المفتشين في هيئة “أوفستيد” أماندا سبيلمان حيث هاجمت ارتداء الفتيات المسلمات للحجاب في سن معينة، ناهيك عن الذكر الهجوم اللانهائي على المنظمات المسلمة من الإعلام المحافظ وشيطنتهم ووصفهم بالتطرف.
هذه الكراهية الشديدة للمؤسسات الإسلامية لم تثبتها فقط الاعتداءات المتزايدة والموثقة في جرائم الكراهية والتمييز ضد المسلمين بل يزيد منها طردهم وتهميشهم في الأماكن السياسية، وما زالت المحاولات مستمرة في الفترة القادمة، حيث يسعون لتعريف التطرف بشكل رسمي من خلال الدولة.
عمل كالمعتاد
من الممكن أن نقول إن الوضع كالمعتاد، لكن عند سرد الأحداث وتحليل مدى سوءها فإننا نغفل الدور الذي تقدمه للمزيد من الهجمات القانونية والأخلاقية على المسلمين والإسلام، الإسلاموفوبيا أداة تستخدمها الدولة مثل أشكال العنصرية الأخرى لتقويض الإحساس بالمواطنة بين الأشخاص المستهدفين.
طبيعة الإسلاموفوبيا لتدخلات سبيلمان كانت لتؤدي إلى اعتذار وربما استقالة
وبينما لا يقدم المجتمع المدني المسلم أي استجابة باسم القيم الحقيقية للإسلام من التواضع والكرامة فإنه يتوقع من المسلمين الالتزام بهذا القانون الأخلاقي، كما أنه يتوقع أيضًا أن تنقذه الدولة التي لا تهتم بالتقوى لكنها بدلاً من ذلك تستخدمها لتقويض أي توقعات بالقبول.
من هنا تظهر شخصية “المسلم المستحيل” وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا مواطنين في نظر الدولة والأغلبية التي تتحدث باسمهم، ولا يمكن أن يحصلوا أبدًا على المواطنة التي يستحقونها.
يمكننا أن نستخدم بداية العام ونهايته لنرى كيف يحدث ذلك، فالمسلم المستحيل يظهر في تلك السيناريوهات كالجزرة التي تمسكها الدولة للمسلمين حيث تعدهم بالتكافل والشمول إذا ابتعدوا عن التجاوزات، لكن هذه التجاوزات هي التطرف وهي مستمرة ومتغيرة في رواية الدولة.
وكما أظهرت لنا فضيحة “حصان طروادة” عام 2014، فإن الآباء المسلمين ومنظماتهم وقدرتهم على الاندماج كأي مواطن آخر لا يعد بداية بالنسبة لسياسات الدولة، من آثار تلك الفضيحة التي صورت المسلمين ومعلميهم وحكامهم كأشرار من أجل وضع معايير للطلاب في المدارس ذات الأغلبية المسلمة، أن نجد سبيلمان باسم الليبرالية تعلن أن الفتيات المسلمات تحت سن 8 سنوات يجب أن لا يُسمح لهن بارتداء الحجاب.
قوة التسمية
قام الآباء بحملة ناجحة لإلغاء القرار، فقامت سبيلمان والإعلام برسمها بشكل كاريكاتيري ووصفها بالتطرف، شعر الآباء والمنظمات التي تدعمهم بالحيرة ليس بسبب تعريف التطرف لكن بسبب تأثير تلك التسمية.
بوريس جونسون في مؤتمر لحزب المحافظين
إن قوة هذه التسمية يتحكم بها أوفستيد ووسائل الإعلام والمؤسسات السياسية والتعليمية المقدمة للاقتراح، وهو أمر لا يمكن الحديث فيه بالعقل أو المنطق أو الحقوق، في سيناريو آخر ووقت آخر فإن تجاوزات المدارس المعنية وطبيعة الإسلاموفوبيا لتدخلات سبيلمان كانت لتؤدي إلى اعتذار وربما استقالة، لكن بدلاً من ذلك استمر الوضع ذاته واًصبح هذا المستوى من الإسلاموفوبيا طبيعيًا واتسعت دائرة التطرف.
قبل عدة سنوات في مشروع توقعات الحكومة البريطانية للمسلمين الذي مولته مؤسسة جوزيف رونتري الخيرية، كنت أحد الأشخاص المسؤولين عن تحليل وكتابة نتائج البحث.
في الأسئلة ذات النهايات المفتوحة مثل التعرض لتجارب سلبية أو كراهية أو عنصرية كانت معظم الإجابات “لا”، لكن عند الحديث تفصيليًا ذكروا كيف كان سائقو الحافلات يغلقون الأبواب ويتحركون عندما يكونون على وشك الوصول، أو كيف يناديهم الناس بأسماء عنصرية، وكيف يفترض المعلمون أنهم أقل ذكاءً أو يعلقون تعليقات مهينة عن دينهم وثقافتهم، وغيره الكثير.
لقد اتضح أن كل ما سبق كان أساسًا لتجارب سلبية بالإضافة إلى العنف الجسدي، أما العنف العاطفي وانتهاك الكرامة الإنسانية فقد كان يعد أمرًا طبيعيًا للمسلمين في المجتمع البريطاني، هذا ما تم برمجتهم على قبوله بعد سنوات من تلك التجارب، لكن وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والقانونية والسياسية تتحدث كذلك عن تحديد المتطرفين من بين المواطنين.
تجريم المسلمين
المسلمون ليسوا وحدهم المتطرفون لكنهم الجماعة الرئيسية التي تُعرف بذلك، وبالنظر لعام 2018 سنجد أن القبول بمواطنة من الدرجة الثانية أو الثالثة ما زال مستمرًا في نفسية المجتمع المدني المسلم على المستوى المؤسسي.
اعتادت الدولة أن تستخدم الإسلاموفوبيا لقمع أي معارضة
وسواء كان ذلك اعتقادًا حقيقيًا أم ببساطة سياسة واقعية انهزامية، فالقبول بهذا الوضع لا يقدم أي خدمة للمسلمين على الأقل، فهو بذلك يسرع من المناخ الذي يسمح بسن القوانين التي تجرم المسلمين، فكانت العديد من المقالات قد انتقدت المنع وظهرت نتائجها في قانون الأمن ومكافحة الإرهاب عام 2015.
وبعد عدة سنوات من المحاولة والفشل ما زالت الحكومة تحاول الدفع بقانون مكافحة الإرهاب الذي من شأنه أن يجرم أي جماعات يُعتقد أنها متطرفة، فما زالت العملية مؤجلة لأنه من المستحيل تعريف ما هو متطرف وما هو غير متطرف بشكل قانوني.
يبدو أنه في تلك البيئة التي يوصم فيها المسلمون بشكل عام بالتطرف، سنجد أننا في 2019 في موقف تقوم فيه الحكومة بإدارج قائمة من السلوكيات أو المعتقدات التي تراها غير مقبولة، وما حدث من قبل يمهد الطريق لذلك.
عندما تمت تبرئة جونسون بعد تعليقاته بشأن ارتداء المسلمات للنقاب كان واضحًا أنها صورة زائفة للعدالة، لكنها ذات صلة بما سيحدث لاحقًا، فالحقيقة أن تبرئته كانت بسبب عدم القدرة على الحد من حرية التعبير وعلى أساس من السخرية والتهكم.
المسلمون يصلون في مانشستر
عندما يتعرض المسلمون لسنوات من القوانين والسياسات التي تحد من حرية التعبير بالفعل، بالإضافة إلى إسكاتهم وفرض رقابة ذاتية عليهم بمزيج من الخوف والقانون ومجموعة القوانين التي تستهدفهم، فالأمر أكثر من مجرد معايير مزدوجة.
احتمالات المعارضة
كانت نتيجة ما توصل إليه جونسون هو إعلان ضرورة أن تضع السلطة ما هو أقل منها في مكانه الصحيح، هذا السيناريو يعني أن تنظيم الآباء لاحتجاج على منع الحجاب أو المطالبة برفع معايير مدارسهم أو تنظيم حملة ضد الإسلاموفوبيا، كلها تعد من علامات التطرف، في تلك البيئة لا يعد الفشل في تعريف التطرف أمرًا مهمًا، فالجوهر الأخلاقي الأساسي للدولة يقول بالحاجة إلى السيطرة على السياسة الإسلامية التي لن تكون أبدًا سوى سياسة متطرفة.
بالعودة إلى بداية الألفية سنجد أن حكومة حزب العمال الجديد برئاسة توني بلير أشارت إلى تلك الحتمية بسخريتها من المعتقدات والسلوكيات التي تراها غير مقبولة، يتضمن ذلك التساؤل عن شرعية “إسرائيل” والاعتقاد بأن المثلية الجنسية خطيئة ومعارضة حرب العراق وأفغانستان ومعارضة السياسات الخارجية البريطانية والبعثات العسكرية بشكل عام.
لذا فالعديد من المنظمات التي تحدثت في معارضتها عن السياسة العسكرية والمالية للمملكة المتحدة وقعت ضحية الادعاء بالتطرف، ونتيجة لذلك تناقصت قدرتها على توجيه انتقادات مهمة، لذا فوضع قانون جديد لتجريمهم ليس مستحيلاً بالنسبة لدولة اعتادت أن تستخدم الإسلاموفوبيا لقمع أي معارضة.
لقد حان الوقت للمسلمين وهؤلاء الذين يهتمون بالعدالة في المطلق أن يدركوا إمكانية المعارضة في إعادة تقويم الضعف الذي تسبب فيه النظام الحاليّ.
المصدر: ميدل إيست آي