عادة عندما يأتي ذكر السياحة في القارة السمراء، فإن كثيرًا من الناس يربطونها بفصل الصيف الذي تشهد فيه معظم دول القارة ـ الواقعة جنوب الصحراء ـ أمطارًا غزيرة مع الطبيعة البِكر والخضرة التي تكتسي السهول والجبال، لكننا سنتحدث هنا على غير العادة عن وجهات إفريقية مميزة وتصلح للسياحة في موسم الشتاء الذي تشهد فيه درجات الحرارة انخفاضًا ملحوظًا لما دون الصفر في عدد كبير من دول العالم.
1- الرأس الأخضر.. أرخبيل إفريقي بنكهة برتغالية
رسميًا “جمهورية الرأس الأخضر”، تتكون من أرخبيل مؤلف من عشر جزر بركانية تقع في وسط المحيط الأطلسي، إلى الغرب من سواحل شمال إفريقيا، تقع جزر الرأس الأخضر على بعد 570 كيلومترًا من سواحل السنغال في المحيط الأطلنطي، وتتكون من قسمين: جزر جبلية وعرة وجزر سهلية منبسطة.
مناخها معتدل طوال العام بالنسبة لموقعها البحري وأهم هذه الجزر سانتاغو، وهي أكبر الجزر، وبها مدينة برايا العاصمة، ثم جزيرة القديسة ونسانت وجزيرة سانتا أنتاو وجزيرة فوغو وجزيرة نيكولو وجزيرة مايو وجزيرة سانتالوسيا، اكتشف هذه الجزر البرتغاليون سنة 1460، وتشكل هذه الجزر موقعًا ممتازًا في المحيط الأطلنطي لهذا احتلتها البرتغال واستقلت سنة 1975.
عدد سكان الرأس الأخضر يقترب من 600 ألف شخص وهم خليط من الأفارقة والبرتغاليين الذين استعمروها لفترة طويلة من الزمن، يشكل قطاع السياحة نحو 66% من اقتصاد البلاد، فهي وجهة مفضلة للعديد من الأوروبيين وبعض دول المغرب العربي بحكم القرب الجغرافي ولأن الخطوط الجوية المغربية تسيّر رحلات مباشرة إلى برايا عاصمة الرأس الأخضر، وأكثر ما يشجع السياح على زيارتها هو إمكانية الحصول على تأشيرة الدخول عند الوصول إلى المطار بالنسبة لجميع الدول بما فيها مواطني الدول العربية، وهذا الإجراء لا يشمل دول غرب إفريقيا التي يتمتع مواطنوها بإعفاء كامل من متطلبات تأشيرة الدخول.
أجمل المناطق السياحية في الرأس الأخضر
جزيرة سانتياغو وهي الجزيرة الأكبر والأولى التي استوطنها البشر في الرأس الأخضر، تقع فيها العاصمة الحاليّة برايا، والعاصمة الأصلية سيدادي فيليا، وتسكنها الأغلبية الأكبر من سكان البلاد.
جزيرة سانتو أنتاغو، هي ثاني أكبر الجزر وهي مثالية للمشي لمسافات طويلة، تقع في أقصى الشمال الغربي من أرخبيل بارلافينتو ومن جزر الرأس الأخضر، ومن أجمل مدنها هناك بورتو نوفو وريبيريا غراندي.
ساو فيسينتي، وتقع فيها العاصمة الثقافية الرائعة مينديلو، وأكثر الأنشطة السياحية قائمة حول هذه المدينة الجميلة ويمكن الوصول إليها بحرًا من بورتو نوفو، أو جوًا من العاصمة برايا.
سانتا لوزيا، جزيرة غير مأهولة تقع في الجزء الشمالي الغربي من الرأس الأخضر، بين جزيرتي ساو فيسينتي وساو نيكولاو، يمكن زيارتها ضمن رحلات اليوم الواحد من ساو فيسنتي.
ساو نيكولاو، جزيرة جبلية مع مناطق ريفية قائمة على الزراعة، تقع وسط أرخبيل بارلافينتو ووسط الرأس الأخضر، ويمكن الظفر فيها بالكثير من الهدوء والاسترخاء والابتعاد عن صخب المدن والمنتجعات السياحية.
المناخ على الجزر ألطف من الموجود في الساحل الإفريقي، نظرًا لوقوع الأرخبيل في المنطقة المعتدلة حراريًا في البحر
جزيرة سال هي الأخرى تضم العديد من الشواطئ الكبيرة والمثالية وفرص الأنشطة والرياضات المائية مع وفرة الفنادق والمنتجعات، وتقع في أقصى شمال أرخبيل سوتافينتو، إلى الشمال من جزيرة بوافيستا، وأهم مدنها إسبارغوس وسانتا ماريا.
أنشطة يمكن فعلها في الرأس الأخضر
يمكنك لزائر أرخبيل الرأس الأخضر القيام بالعديد من النشاطات الفريدة، بدءًا من الإبحار وممارسة الصيد إلى ركوب الأمواج، وغيرها من الرياضات المائية، وهي أمور تستطيع القيام بها في أغلب الجزر، أما إذا كنت من محبي رياضة التجديف فيمكنك زيارة جزيرة أنتاغو، ولممارسة المشي لمسافات طويلة وتسلق الجبال فيُنصح بزيارة جزيرة فوغو لتوافرها على مسارات هائلة، ناهيك عن بركان بيكو دو فوغو الذي يعتبر من أعظم التجارب السياحية في جزر الرأس الأخضر.
والمناخ على الجزر ألطف من الموجود في الساحل الإفريقي، نظرًا لوقوع الأرخبيل في المنطقة المعتدلة حراريًا في البحر، كما أن التيارات الباردة في المحيط الأطلسي حول الجزر تجعل الجو باردًا ومعتدلًا عن الدول القريبة منها، وتتكثّف السحب بفعل الهواء البارد، وتمطر على الجبال الشاهقة، وينتج عنها غطاء نباتي وغابات غنية تعطي الجزر منظرًا رائعًا بالإضافة للماء الشفاف على سواحلها، ما جعل منها وجهة سياحيّةً مُتعاظِمة النمو.
2- جنوب إفريقيا.. وجهة يفضلها الأوروبيون
دولة تقع في أقصى جنوب القارة السمراء ويحدها كل من ناميبيا وبوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق وسوازيلاند، كما أن دولة ليسوتو محاطة بالكامل بأراضي جنوب إفريقيا، اقتصادها هو الأكبر والأكثر تطورًا بين كل الدول الإفريقية، والبنية التحتية الحديثة موجودة في كل أنحاء البلاد تقريبًا، يوجد في جنوب إفريقيا أكبر عدد سكان ذوي أصول أوروبية في إفريقيا، وأكبر تجمع سكاني هندي خارج آسيا، مما يجعلها من أكثر الدول تنوعًا في السكان بالقارة الإفريقية.
أفضل وقت للسفر إلى جنوب إفريقيا هو الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول ومارس/آذار أي فصل الشتاء وجزء من الربيع
يسود جنوب إفريقيا مناخ معتدل بصفة عامة، فيما عدا أقصى الجنوب الغربي للبلاد حيث تهب عليه الرياح الشرقية التجارية من المحيط الهندي، ونظرًا لوقوع جنوب إفريقيا إلى الجنوب من خط الاستواء فإن فصول السنة بها تكون معاكسة لتلك التي تسود النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ويتنوع المناخ تبعًا لتنوع الارتفاعات واتجاهات الرياح والتيارات البحرية.
فتتمتع جبال الكاب بمناخ دافئ وجاف في الصيف ومناخ معتدل وممطر في الشتاء، أما منطقة الساحل فحارة ورطبة في الصيف ومشمسة وجافة في الشتاء والهضاب الشرقية حارة في النهار ومعتدلة في الليل في فصل الصيف ومعتدلة في النهار وباردة في الليل في فصل الشتاء، وتنخفض درجات الحرارة عادة إلى دون الصفر خلال الشتاء في الهضاب، ويتراوح تساقط الأمطار فيها ما بين 65 – 100 سنتيمتر في العام، وتقل الأمطار على الساحل الجنوبي.
أفضل وقت للسفر إلى جنوب إفريقيا هو الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول ومارس/آذار أي فصل الشتاء وجزء من الربيع، ويكفي أن تقضي فيها أسبوعين لزيارة أشهر معالمها السياحية، ولم تنل جنوب إفريقيا شهرتها كوجهة سياحية عالمية من فراغ، ذلك أنها تضم معالم سياحية عدة متعددة وطبيعة خلابة، من شأنها استرعاء انتباه الباحثين عن وجهة عالمية فريدة من نوعها.
فيما يلي قائمة بأبرز الأماكن السياحية التي تستحق الزيارة في جنوب إفريقيا:
– كروجر ناشونال بارك: حديقة حيوانات تقع شمال البلاد، تضم طيفًا واسعًا من تلك التي تزخر بها براري جنوب إفريقيا، بالإضافة لتوافر عدد من المخيمات فيها.
– مدرّج دراكنزبيرغ: الجبل الأعلى في جنوب إفريقيا، ويصل ارتفاعه إلى 3482 مترًا، يعد قِبلة عالمية للراغبين بممارسة هواية تسلق الجبال.
– دربان بيتشيز: مجموعة من الشواطئ المفعمة بالحيوية والحياة، تشتمل على مرافق خدماتية عدة.
– هلوهواي أمفلوزوي غيم ريزيرف: منطقة غنية بالحيوانات البرية والنباتات النادرة وقوارب التجديف عبر مياه سد هلوهواي.
أهم المدن
تعتبر جوهانسبرغ من أفضل المدن السياحية في جنوب إفريقيا، وهي تقع في مقاطعة جوتنغ في الجزء الشمالي الشرقي من جنوب إفريقيا على بعد 1400 كم تقريبًا من العاصمة التشريعية كيب تاون، تتميز جوهانسبرغ بكونها أكبر مدن جنوب إفريقيا والمركز الترفيهي والمالي الرئيسي حيث تضم العديد من المنتزهات والمتاحف والمعارض وتشتهر فيها البلدة القديمة.
بريتوريا: بريتوريا إضافة إلى أنها العاصمة الإدارية فهي إحدى مدن جنوب إفريقيا السياحية المهمة، تبعد عن جوهانسبرغ 70 كيلومترًا باتجاه الشمال، وهي مدينة راقية توجد فيها العديد من السفارات وتضم أماكن سياحية عديدة بما في ذلك المتاحف وأماكن الترفيه والمنتزهات مثل حديقة ريتفلاي الوطنية.
ديربان: ديربان إحدى مدن جنوب إفريقيا الساحلية واقعة في مقاطعة كوازولو ناتالو على الساحل الشرقي، تعتبر من أهم وجهات السياحة في جنوب إفريقيا وهي مشهورة بشواطئها الساحرة وتضم العديد من الحدائق الجميلة والمعالم السياحية التي تستحق الزيارة كما أنها تضم مجموعة من الفنادق الفخمة.
3- إريتريا.. روما الصغرى المعزولة عن العالم
دولة تتمتع بمساحات كبيرة من الجمال أورثتها الطبيعة بعضًا منه، ومنحها الاستعمار الإيطالي بعضه الآخر، تفتقر هذه الدولة الواقعة في الشرق الإفريقي إلى معرفة الناس بها وبطبيعتها وبعوامل الجذب السياحي فيها؛ بسبب نظامها السياسي المعروف عالميًا بفرض السطوة وسياسة العزل على البلد ذي الأجواء الرائعة والمناطق الخلابة إذ يمكن زيارتها في أي وقت سواء كان في الصيف الماطر أم في الشتاء المعتدل.
وإريتريا هي دولة إفريقية عاصمتها أسمرة، يتحدث كثير من سكانها العربية، ويحدها البحر الأحمر والمحيط الهندي من الشرق والسودان من الغرب، وتحدها إثيوبيا من الجنوب، وجيبوتي من الجنوب الشرقي.
يمتد الجزء الشمالي الشرقي من البلاد على ساحل البحر الأحمر، مباشرة في مواجهة سواحل السعودية واليمن، وتصل مساحتها إلى 118 ألف كيلومتر مربع، ويصل عدد سكانها إلى 4 ملايين نسمة، وتمتلك أجواءً وأرضًا خلابة مرتفعة تعرف بالهضبة الإريترية.
إذا زرت العاصمة أسمرة فلن تجد عناءً في ملاحظة الطابع الإيطالي الذي يغطي المدينة بأسرها، فأسمرة التي تتمدد على هضبة “كبَسا” بارتفاع أكثر من 2300 متر عن سطح البحر، حُظيت باهتمام خاص من المستعمر الإيطالي الذي اعتبرها “بيكولا روما”، أي روما الصغرى، وستعزز أنماط البناء والأحياء والشوارع التي لا تزال تحتفظ بأسمائها ونسقها الإيطالي، وتمتاز مدينة أسمرة الجميلة بذلك الطقس المعتدل طوال العام، حيث لا وجود بتاتًا للمراوح وأجهزة التكييف، وهذا بالطبع يعني وجود سخانات المياه بمعظم البيوت والفنادق لانخفاض درجات الحرارة في فصل الصيف نظرًا لهطول الأمطار المستمر.
مسجد الخلفاء الراشدين.. أحد معالم العاصمة الإريترية أسمرة
المهتمون بالتاريخ والتراث سيجدون ضالتهم في “بيت مزحفتي” أي المتحف الوطني الإريتري، ذلك المكان الذي يحكي عن تراث القوميات الإريترية التسعة، والمتمثلة في: التجري، التجرنية، النارا، الكناما، الحدارب، الساهو، البلين، الرشايدة، العفر، إضافة إلى تاريخ النضال الإريتري عبر الحقب انتهاءً بالثورة الإريترية الحديثة ونضالها ضد إثيوبيا حتى إعلان الاستقلال في مايو/أيار 1991.
وفي إريتريا ثمة مناطق يتمتع بها الهواة بالتسلق على الجبال، والمناطق الجبلية حيث التين الشوكي، كما بها مدينة مصوع المطلة على ساحل البحر الأحمر مباشرة التي يقصدها عشاق رياضة الغوص ومحبي الاستمتاع بالطبيعة الفاتنة بعيدًا عن إزعاج العواصم، وفيها يمكن للزائر رؤية “معبر الصحابة” إلى الحبشة القديمة في “رأس مدر”.
أهمية مدينة كرن تنبع من أنها ذات موقع إستراتيجي ومناظر طبيعية جذابة
وفي إريتريا أيضًا، مدينة كَرن وهي تقع على بعد 91 كيلومترًا عن العاصمة أسمرة، وتقع بالتحديد على الطريق البري الرابط بين ميناء مصوع ومدينة تسني على الحدود الإرتيرية السودانيّة، وتتبع المدينة إداريًّا لإقليم عنسبا، وتحد كَرن (بفتح الكاف) الجبال والمرتفعات من كل جانب، ويعتقد أنها سُميت بكرن بمعنى: حجر؛ بسبب وقوعها بين الروابي المكونة من الحجارة الصلبة، فيما يُشير البعض إلى أنّ كرن تعني في اللغة التغرينية: الكرم وموسم النماء
أهمية مدينة كرن تنبع من أنها ذات موقع إستراتيجي ومناظر طبيعية جذابة، إذ تقع على ارتفاع 1390 متر فوق سطح البحر في منخفض تحيط به الروابي والجبال مثل جبال سانكيل وزبان وفلستو وإيتعبر ولالمبا، وبها العديد من المعالم الأثرية والمساجد القديمة التي تحكي عظمة تاريخ إريتريا.
كانت هذه لمحات لـ3 دول إفريقية من أقاليم مختلفة غربًا وجنوبًا وشرقًا، ذات طبيعة جذابة وتصلح لأن تكون وجهات سياحية مفضلة في فصل الشتاء البارد الذي يحتار فيه كثير من الناس في كيفية قضاء عطلة مناسبة مع أجواء البرد والصقيع التي تنزل على أجزاء واسعة من العالم.