في إطار حربها الشرسة المفتوحة التي تقودها على مدينة القدس المحتلة منذ اليوم الأول من احتلالها عام 1967، لتدمير وخنق اقتصادها خدمة لمخططاتها العنصرية والتهودية والترحيلية، فتحت “إسرائيل” أبواب أسواقها ومراكزها التجارية، لتكون ذراعًا جديدًا لضرب الاقتصاد المقدسي وإصابته في مقتل.
الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه مدينة القدس، وما يفرض على تجارها من ضرائب باهظة واعتداءات متواصلة ومتكررة ومحاربتهم في لقمة عيشهم وإغلاق محالهم التجارية بقوانين ظالمة ومجحفة، عطل ماكينتها الاقتصادية بالكامل، لكن، في الطرف الآخر قدمت حكومة الاحتلال كل التسهيلات لتعاظم ودعم وانتشار مراكزها التجارية في قلب المدينة.
هذا الوضع المتردي والمتصاعد وعدم وجود فرص العمل وحالة الضائقة المالية المستشرية في المجتمع المقدسي، أجبر العدد من التجار ورغم خطورة هذه الخطوة، إلى إغلاق محالهم التجارية والانتقال بها لتلك المولات التي كانت بمثابة فخ ينصب للتجار المقدسيين وعلى رأسهم محلات “رامي ليفي”.
ضياع القدس
في الأسابيع الأخيرة شهدت مدينة القدس المحتلة طفرة غير مسبوقة حيث تزينت بعض المراكز التجارية الإسرائيلية، ببعض الشركات الفلسطينية التي فتحت أفرع فيها، في مؤشر يدق ناقوس الخطر بشأن هذه الخطوة والأبعاد التي تترتب عليها لاحقًا، وخاصة في مدينة الصراعات.
قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في تقرير سابق لها إن سلسلة المحال التجارية الفلسطينية “أحلى قمر” تنوي أيضًا فتح فرع لها داخل المجمع التجاري الإسرائيلي
وأعلنت محال تجارية الفلسطينية فتح أفرع لها داخل مجمع تجاري جديد أقامه رجل الأعمال الإسرائيلي “رامي ليفي” في مستوطنة “عطروت” التي أقيمت على أراض فلسطينية شمال القدس المحتلة، حيث بدأت هذه المحال في الآونة الأخيرة بنشر دعوات للمشاركة بافتتاح محالها داخل المجمع التجاري خلال هذا الأسبوع.
ونشر محل الملابس الشبابية المعروف باسم (tag) منشورًا يدعو به إلى المشاركة في افتتاح فرعه الجديد داخل مجمع “عطروت” التجاري خلال الأسبوع الحاليّ، ويملك (tag) أيضًا فرعًا آخر في مدينة رام الله.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في تقرير سابق لها إن سلسلة المحال التجارية الفلسطينية “أحلى قمر” تنوي أيضًا فتح فرع لها داخل المجمع التجاري الإسرائيلي، كذلك أضافت الصحيفة في تقريرها أن شركة “سلفاردو” الفلسطينية للمجوهرات ستفتتح أحد فروعها داخل المجمع، إضافة إلى أحد محال الملابس الموجود في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة سيفتتح فرعًا له داخل المجمع.
وتنوي عدد من الشركات التجارية الإسرائيلية فتح فروع لها داخل نفس المجمع التجاري أيضًا، حيث أعلنت شركات (سكوب) الإسرائيلية فتح فرع داخل مجمع “عطروت” إضافة إلى فرع آخر تمتلكه الشركة قرب البلدة القديمة للقدس المحتلة، وأعلنت عدد من الشركات الأخرى فتح أفرعها داخل المجمع خلال الأسبوع الحاليّ.
وأعرب عدد من التجار المقدسيين في بلدة بيت حنينا بالقدس المحتلة عن خشيتهم من انهيار محالهم بسبب افتتاح المجمع التجاري الجديد قرب البلدة، حيث تقوم سلطات الاحتلال بفرض الضرائب الطائلة عليهم لإجبارهم على إغلاق محالهم.
مع افتتاح الفرع الجديد لـ”رامي ليفي” في القدس، يصل عدد متاجر هذه السلسلة التي افتتحت داخل أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة إلى ستة متاجر، تبيع بأقل الأسعار وتشمل كل أنواع البضائع.
جمال جمعة منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، يؤكد أن المتجر الجديد يشكل خطورة كبيرة على المستقبل الاقتصادي لمدينة القدس، مضيفًا أنه عندما تعرض البضائع بأسعار رخيصة جدًا، فإنها تشكل عامل جذب واستقطاب إلى مركز التسوق وهذا الأمر خطير جدًا.
الأخطر من ذلك في هذا المجمع الجديد لـ”رامي ليفي”، أنه أقيم على الطريق الرئيسي الذي يربط بين رام الله والقدس، وتحديدًا قبل الدخول إلى بلدتي بيت حنينا وشعفاط والأحياء الفلسطينية في القدس، وبالتالي وفق جمعة، فقد جهز المتجر الجديد على الشارع الرئيسي حتى يكون البوابة لمدينة القدس، ومن خلاله يتم التسوق قبل الدخول إليها أو الخروج منها.
حرب اقتصادية خانقة
بدوره حذر رئيس لجنة تجار شارع صلاح الدين بالقدس حجازي الرشق من مخاطر قيام تجار مقدسيين بفتح محال تجارية لهم في فرع “رامي ليفي” الجديد في عطروت قرب قلنديا، وقال إنهم حتى اللحظة ليس لديهم علم بعدد المحلات التجارية التي قد يفتحها تجار مقدسيين في هذا المجمع، مشيرًا إلى أن الأمر سيتضح لاحقًا.
أمام خطورة هذه الخطوة، دعت القوى الوطنية في مدينة القدس وائتلاف جمعيات حماية المستهلك، إلى مقاطعة وإجهاض فتح بعض تُجّار القدس محلات لهم في سوق “رامي ليڤي” الاستيطاني في المدينة المحتلة
وأوضح رئيس لجنة تجار شارع صلاح الدين بالقدس أن أصحاب المحلات التجارية في بلدة بيت حنينا وشعفاط والرام وكفر عقب ستلحق بهم خسائر فادحة جراء افتتاح الفرع الجديد لـ”رامي ليفي”، معتبرًا افتتاح المجمع الجديد ضربة اقتصادية مباشرة لشارع صلاح الدين والزهراء والبلدة القديمة في القدس لأنه يقلل وصول القوة الشرائية إلى تلك الأسواق.
وأمام خطورة هذه الخطوة، دعت القوى الوطنية في مدينة القدس وائتلاف جمعيات حماية المستهلك، إلى مقاطعة وإجهاض فتح بعض تُجّار القدس محلات لهم في سوق “رامي ليڤي” الاستيطاني في المدينة المحتلة.
وأوضح الائتلاف عقب اجتماع في ضواحي القدس المحتلة عشية افتتاح متجر “رامي ليڤي” قرب حاجز قلنديا شمالي القدس، أن وجوده يساهم في توسيع المشروع الاستيطاني في القدس على حساب الأرض والاقتصاد المقدسي.
فرع رامي ليفي الجديد بالقدس
وأكد ضرورة منع المستهلك الفلسطيني من التسوق في هذا المركز الاستيطاني ونشر الوعي بخطورته على الاقتصاد الفلسطيني، داعيًا منظمة التحرير ووزارة الاقتصاد والجهات المعنية العمل على إجهاض فتح تلك المتاجر، وشدد على ضرورة تنفيذ مقاطعة شاملة لجميع المحلات والشركات التي وافقت على فتح فروع أو متاجر لها في سوق “رامي ليفي” وأن تطال المقاطعة كل فروعهم في فلسطين أينما كانوا.
إلا أن الائتلاف دعا إلى منحهم فرصة لإلغاء العقود مع “رامي ليفي” قبل التورط في هذا المشروع الاستيطاني وتقديم عون قانوني لهم للتخلص من الأعباء المترتبة على فسخ العقود.
وأمام هذا الخطر، أوضح منسق جمعية حماية المستهلك جنوبي الضفة الغربية المحتلة فريد الأطرش، أن هذه الشراكة ستنعكس سلبًا على قدرة التجار الفلسطينيين على المنافسة نظرًا للحصار المفروض على القدس المحتلة وحرمانها من ترابط سوقها مع بقية السوق الفلسطينية.
وانتقد الأطرش الصمت الفلسطيني من جهات الاختصاص عما يحدث في “رامي ليفي” دون حراك أو حتى ضغط على التجار الذين توردوا من أجل إلغاء عقودهم في المجمع، داعيًا القوى الوطنية في مدينة القدس إلى مقاطعة مراكز التسوق الإسرائيلية، معتبرًا ذلك تمويلًا للاحتلال ومشاركة في تهويد القدس المحتلة.
طالب جمعة يونس وهو أحد النشطاء في حركة مقاطعة “إسرائيل”، المواطنين بمقاطعة هذه المتاجر بغض النظر عن الأسعار المعروضة
وأكد أن شراء البضائع الإسرائيلية هو تمويل للاحتلال الإسرائيلي، داعيًا إلى مقاطعة مراكز التسوق الإسرائيلية، موضحًا أن التعاطي معها يؤدي إلى المساهمة في حصار القدس وتكريس عزلها وحصارها وسلخها عن محيطها الذي يمارسه الاحتلال على الأرض لإفقار أهلها في محاولة لإخضاعهم.
ما المطلوب؟
وعن كيفية مواجهة هذا الخطر الذي يجتاح مدينة القدس ويهدد اقتصادها، طالب جمعة يونس وهو أحد النشطاء في حركة مقاطعة “إسرائيل”، المواطنين بمقاطعة هذه المتاجر بغض النظر عن الأسعار المعروضة، وأشار إلى أن الحالة التجارية في القدس ضعيفة جدًا، لذلك نحتاج لكل دكان ومحل تجاري فلسطيني في القدس، لأنه يحافظ على عروبة وفلسطينية المدينة.
أما سليمان شقيرات الناشط الآخر بنفس الحركة، فطالب بتطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني الأخيرة، التي تتعلق بإعادة النظر في كل الاتفاقيات السابقة مع الاحتلال، وبشكل خاص اتفاق باريس الاقتصادي، نتيجة انعكاساتها السلبية على الاقتصاد الفلسطيني، وتابع شقيرات “جزء من هذه القرارات يتعلق بمقاطعة منتجات المستوطنات ومقاطعة كل المنتجات الإسرائيلية التي لها بديل محلي”.
أما حركة مقاطعة إسرائيل “BDS“، فقد طالبت التجار والشركات بالضغط من أجل مقاطعة وإفشال مجمع “رامي ليفي”، كما دعت إلى مقاطعة المجمع التجاري بشكلٍ كاملٍ، واعتبرت أن المشاركة بهذا المشروع التجاري مخالفة للإجماع الوطني وقيم المقاومة المتأصلة في شعبٍ يناضل من أجل حريته وحقوقه وتحرّره منذ سبعين عامًا.
وتقول إحصاءات إسرائيلية رسمية: “80% من الفلسطينيين في شرق القدس فقراء، ونسبة البطالة هناك تصل إلى 25%، أما معدل الدخل فيبلغ للفلسطيني نحو ألف دولار، وهو أقل من نصف تكلفة المعيشة بالمدينة”، ويعيش في شرق القدس 320 ألف فلسطيني يشكلون 36% من مجمل سكان القدس بشطريها، في المقابل يعيش نحو مئتي ألف مستوطن شرق القدس.