ترجمة حفصة جودة
كتب سيباستيان كاستيلر وكوينتن مولر
يقف موسى سليم – 48 عامًا – وسط مشهد طبيعي جبلي خلاب عند جبل شمس في عمان محاطًا بآلاف النحل الطنان ليجمع العسل من فتحات جذوع 12 شجرة نخيل، بتلك الطريقة التقليدية لتربية النحل العماني توضع خلايا النحل في فتحات بجذوع أشجار النخيل التي تمنح العسل طعمًا فريدًا، كما أنها تحمي النخل من حرارة الصيف وبرودة الشتاء، تتخلل رائحة الخشب العسل لتخلق هذا الطعم الفريد.
خلال مرتين في العام، ما بين مارس ومايو ثم سبتمبر وديسمبر، يجمع سليم العسل وفقًا للطريقة التي تعلمها من والده، ولكي يُباع في الأسواق المحلية، يقوم مزارعو عمان بتعبئة هذا السائل الذهبي الثمين في زجاجات “فيمتو” المعاد تدويرها وهي زجاجات المشروب المفضل لسكان الجزيرة العربية في شهر رمضان.
يجلس 4 أطفال حول أبيهم في غرفة المعيشة ليتذوقوا عسل سدر الطازج بينما يستمعون إلى حكايات أبيهم، يقول سليم بفخر: “سيخلد ابناي هذه التقاليد العظيمة”، لكن هذا التقليد بدأ في الاندثار، فهذه الأسرة إحدى آخر الأسر في القرى المحيطة التي تمارس تلك التقنية القديمة.
موسى سالم – نحال عماني – يجمع خلايا النحل لإنتاج العسل
أما بقية العمانيين فقد انشغلوا بوتيرة الحياة العصرية السريعة وتحولوا إلى استخدام خلايا النحل الموحدة الأسهل في الاستخدام والتشغيل وبالتالي تحتاج لوقت أقل، يقول سليم: “أنا رقيب في الجيش الملكي لكنني ملتزم بتربية النحل مثل والدي الذي كان يقدم الكثير من الوقت لنحلاته”.
أنواع تحت التهديد
يقول علي الوهيبي أستاذ تربية النحل بجامعة السلطان قابوس إن الاتجاه الممنهج لاستخدام خلايا نحل حديثة مصنوعة من الخشب أو البلاستيك أدى إلى ارتفاع إنتاج العسل وتزامن ذلك مع انتشار العقلية المهتمة بجمع المال منذ أن دخلت التقنيات الحديثة لأول مرة عمان في سبعينيات القرن الماضي.
معظم مربي النحل البالغ عددهم 5 آلاف في أنحاء البلاد يستخدمون تلك الطريقة الأكثر فعالية من الناحية الاقتصادية للحفاظ على خلايا النحل، يقول الوهيبي: “لقد أصبحت المعرفة الجماعية بتقاليد تربية النحل مفقودة”.
الأسوأ من ذلك أن النحالين يبحثون عن عائد قصير الأجل فبدأوا بالاستثمار في شراء النحل المصري على نطاق واسع منذ 10 سنوات، ورغم أن هذا النحل أكثر نشاطًا من الأنواع المحلية، فإنه يحمل أنواعًا جديدة من الآفات، كما أن تهجينه مع الأنواع العمانية يهدد النحل الأصلي على المدى البعيد.
معالج صغير لعسل النحل لدى أحد النحالين
يقول الوهيبي: “وزارة الزراعة لا تضع أي قانون لمنع استيراد النحل المصري في عمان”، أضف إلى ذلك تسبب طفيلي الفاروا المدمر (أحد آفات النحل الرئيسية الذي يتغذى على دم النحل)، في دمار شامل، ولم يجر حتى الآن أي بحث عن انتشاره الجغرافي لكنه تسبب في تدمير العديد من مستعمرات النحل، وأخيرًا مع تناقص هطول الأمطار بشكل ملحوظ وجفاف التربة، اتجه النحالون إلى تزويد النحل بالتغذية الاصطناعية من الشراب أو السكر.
آخر صائدي النحل في ظفار
كان محمد سالم معلقًا على ارتفاع 20 مترًا فوق سطح الأرض يستكشف تجاويف الجبل الصخري في وادي شير جنوب محافظة ظفار، دون أي ملابس وقائية والحبل ملفوف حول وسطه فقط، حيث يجمع العسل بيديه العاريتين من خلايا النحل الطبيعية.
يقول سالم: “يظل صيد النحل مهنة خطيرة، ففي بعض الأحيان يقابلك ثعبان خارج من الفتحة كما أن النحل قد يلسعك في وجهك”، يعمل سالم صائدًا للنحل منذ 15 عامًا، وقد تعلم جمع العسل البري من والده الذي عمل في هذا المجال عقودًا كثيرة، يضيف سالم: “لقد علمني هذا التقليد القديم ليخلده، لكن رغم ذلك هذا التقليد العريق سيختفي تمامًا يومًا ما”.
يتم وضع خلايا النحل في طبق بعد جمعها
كانت محافظة ظفار الجنوبية أقل تأثرًا بنمط الحياة العصرية لكنها لم تعد ملجأً لصائدي النحل، يقول سالم: “في عام 1997 كانت هذه الجبال تنعم بالعسل، لقد جمعت 42 زجاجة من مكان واحد، أما الآن فلا أجمع أكثر من زجاجتين في الشهر”.
في الأزقة المزدحمة بسوف صلالة المركزي يبيع أحمد الجبلي عسل الجبال بسعر 260 دولارًا للزجاجة، يُقدم هذا السائل الطبيعي مع الطعام لكنه يستخدم أيضًا لقواه العلاجية، في عمان يعد اللبان البدوي (لبان الذكر) والطلح وعسل السدر من أشهر الأنواع المتاحة للبيع، لكن بعض النحالين يستوردون عسل النحل السكري الرخيص من الصين ويقومون بتعبئته في زجاجات الفيمتو لتضليل المستهلكين.
من بين 5 آلاف نحال يعملون في تلك الصناعة هناك 60 نحالاً فقط ملتزمون بالطريقة التقليدية، أما البقية فقد استخدموا الصناديق الحديثة لخلايا النحل، ووفقًا لوزارة الزراعة فإن عدد النحالين في ظفار من المتوقع أن يزداد نحو 800 نحال في غضون 3 سنوات حيث بدأ الناس في إدراك فرص العمل في تلك الصناعة.
محمد سالم أحد صائدي النحل يتسلق جبلا في وادي شير
بحسب الإحصاءات فهناك 5 آلاف نحال في عمان عام 2016 يبيعون العسل بمبلغ 39.5 مليون دولار في العام أي بمتوسط دورة رأس مالك 7900 دولار في الشهر.
التدريب والنمو الاقتصادي
في محاولة لتنويع اقتصاد عمان بدلاً من الاعتماد على الهيدروكربونات فقط، أشادت السلطات المحلية بطرق تربية النحل الجديدة التي انتقدها الوهيبي، يقول أحمد حسن رئيس قسم العسل بوزارة الزراعة في صلالة: “نحن ندعم التحول من طرق الأسلاف إلى الطرق الحديثة لإنتاج المزيد”.
أقام قسم العسل في الوزارة دورة تدريبية لمدة 10 أيام حضرها 150 مواطنًا عمانيًا في 2018 لمساعدة الأشخاص الأقل تعليمًا على العمل من خلال إدارة المناحل، في الوقت الذي تعاني فيه عمان من أزمة عمل أدت إلى اندلاع مظاهرات في البلاد في وقت مبكر من هذا الشهر.
صائدو العسل يتجولون في وادي شير
هذه الإستراتيجية التي تتبعها الحكومة لتشجيع إنتاح العسل آتت ثمارها، فقد ازداد عدد النحالين بنسبة 90% منذ عام 2011 لإنتاج 600 طن من العسل سنويًا، ويتم تصدير جزء منه لدول مجلس التعاون الخليجي وغيرهم.
في هذا السياق، فسوف تصبح التعبئة تبعًا للمعايير الدولية وبالتالي ستختفي زجاجة الفيمتو، لكن هذا التوسع الاقتصادي في تجارة العسل قد يهدد بانتهاء عصر حرفة صناعة العسل في سلطنة عمان، يقول حسن: “لقد اعتاد الناس رؤية تربية النحل كتقليد، أما الآن فقد أصبح تجارة”.
المصدر: ميدل إيست آي