في ديسمبر/كانون الأول 2017، وخلال اعتقاله بفندق “الريتز كارلتون” الفاخر في الرياض، ضمن ما عُرف بـ”حملة مكافحة الفساد” في السعودية، قرر الأمير الوليد بن طلال الذي كان واحدًا من بين مئات الأمراء والوزراء ورجال الأعمال الذين تم التحفظ عليهم والتحقيق معهم بشبهة الفساد بيع حصته في فندق “فوز سيزون” وسط العاصمة السورية دمشق، على بعد مسافة قصيرة من منطقة الغوطة الشرقية التي تعرضت لهجوم كيماوي منذ خمس سنوات.
لم يكن المشتري الجديد للفندق – بقيمة 115 مليون دولار – إلا سامر الفوز، الشخصية المثيرة للجدل التي تقف على واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاقتصادية في سوريا، الذي بدأ نجمه باللمعان منذ عام 2010، وهو رجل أعمال متحالف مع الحكومة ومسؤول عن الاستيلاء على ممتلكات النازحين تحت قانون المصادرة الجديد رقم “10” لسوريا.
لم تكن تلك الصفقة سوى حلقة في سلسلة “ملياردير الظل” الذي بنى ثروة من حرب حطمت بلاده، فإن رخّصت وزارة التجارة العام الفائت حصريًا، شركة لإنتاج السكر، فسامر فوز هو المستثمر، وإن تم بيع ممتلكات رجال الأعمال المعارضين للأسد بمزادات علنية، أمثال رئيس غرفة صناعة دمشق السابق عماد غريواتي، فسامر فوز هو المشتري، وإن اقترح نظام الأسد إبعاد شركة “حميشو” عن الضوء وتم تفجير أكبر معمل حديد بسوريا يتبع لها، فسامر فوز هو البديل، وإن تم خرق العقوبات المفروضة على نظام الأسد منذ منتصف 2011، فسامر فوز الذي يمتلك استثمارات وشركات بتركيا والإمارات ولبنان وشركات “أوف شور” بموسكو، هو الحل لاستيراد وتصدير كل ما يطلبه النظام، فإلى أي مدى يمكن أن تنجح شخصية كهذه بمساعدة النظام؟
إمبراطورية “الفوز” على ركام الحرب التي حطمت سوريا
خلال سنوات الحرب هرب العديد من رجال الأعمال وفرضت دول الغرب عقوبات اقتصادية قاسية على عشرات رجال الأعمال السوريين ممن بقوا في سوريا، ومنعت الشركات والمواطنين من التعامل معهم وجمّدت أصولهم في الخارج؛ لتسهيلهم مبيعات النفط لتنظيم “داعش” أو لتمويلهم ميليشيات موالية للنظام، إلا أن سامر فوز أحد أبرز رجال الأعمال الذين ظهروا في ظل الحرب في سوريا ونجوا من العقوبات الدولية.
بقي رجل الأعمال سامر فوز دون غيره يبني إمبراطوريته وسط اقتصاد بلد دمرته الحرب، وتعامل مع العديد من أطراف الصراع موزعًا القمح في المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم “داعش”، وكذلك في مناطق الأكراد
وكان أبرز هؤلاء الذين نالتهم العقوبات الغربية ابن خال رئيس النظام السوري وقطب الاتصالات السلكية واللاسلكية رامي مخلوف الذي قال عنه الاتحاد الأوروبي إنه يمول النظام، بالإضافة إلى رجالات النظام الآخرين الذين يسهلون له عملياته الاقتصادية وخصوصًا ما يجري من تحت الطاولة، ليصبح سامر الفوز واجهة النظام الاقتصادية الجديدة دون أن يواجه عقوبات دولية بعد أن خلت الساحة أمامه مع هجرة كبار رجال الأعمال للبلاد مع احتدام الصراع.
بقي رجل الأعمال سامر الفوز دون غيره يبني إمبراطوريته وسط اقتصاد بلد دمرته الحرب، وتعامل مع العديد من أطراف الصراع موزعًا القمح في المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم “داعش”، وكذلك في مناطق الأكراد، مستفيدًا من “اقتصاد الحرب” عبر شبكة علاقات متشعبة بين مختلف أطراف الصراع، لتتوسع ثروته الضخمة.
رئيس النظام السوري بشار الأسد ورجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال
تراوحت أعماله التجارية بين المواد الدوائية وصولاً إلى مواد البناء، كما بقي على مسافة قريبة من الحكومة السورية ليصبح فيما بعد أهم قناة لنظام الأسد في إبرام الصفقات التجارية، واستنادًا لتقرير وكالة “رويترز” بتاريخ 2013 فإن إحدى شركات عائلة فوز المعروفة باسم “أمان” عقدت صفقات مع شركات لتوريد الحبوب إلى سوريا تعمل من أجل زيادة مكاسبها مستغلة حالة الحرب في البلد.
وصلت سمعة سامر الفوز إلى شتى بقاع الأرض وسمع بها كل من استفسر أو فكر حتى بعملية استثمارية في سوريا، لكن السمعة المقصودة مليئة بعمليات النصب والاحتيال والتجارة غير المشروعة التي تديرها عائلة آل الأسد، وكان يتصدر مشهدها رامي مخلوف، لكن فضح أمر الرجل دفع بالعائلة الحاكمة إلى تصدير واجهة جديدة لها ولتجارتها في سوريا وخارجها لتتمثل الواجهة الجديدة في شخص سامر الفوز.
من مجرم مطلوب للعدالة إلى وجه اقتصادي لامع لعائلة الأسد
الفوز، ابن مدينة اللاذقية، وصاحب شركة “أمان القابضة” التي أُسست عام 2010، وسُمح لها دون غيرها بالتوسع ومنافسة استثمارات رامي مخلوف في البلاد، وُلد عام 1973 في ميدنة اللاذقية الساحلية المطلة على البحر المتوسط لأسرة ميسورة مقربة من السلطة، ونشأ خلال الفترة التي قامت فيها أسرة الأسد الحاكمة بإدخال سياسات لتحفيز الاقتصاد، مما أدى إلى ظهور نخبة جديدة من رجال الأعمال في المدن.
لمع نجم سامر الفوز بعد جريمة قتل ارتكبها أواخر عام 2013 بصحبة 10 آخرين بتركيا، وراح ضحيتها رجل الأعمال المصري الأوكراني رمزي متَّى، إثر خلاف مالي دار بينهما على صفقة قمح بقيمة 14 مليون دولار
وفي أوائل التسعينيات درس بالجامعة الأمريكية في باريس قبل أن يعود إلى سوريا للانخراط في أعمال العائلة، من خلال استيراد الآلات الزراعية والأسمنت، لكن مع ضعف العلاقات، لم تنمُ كثيرًا، وبحسب قوله لصحيفة “وال ستريت جورنال“: “كنا رجال أعمال من الدرجة الثانية والثالثة“.
لكن الوضع تغير بعد اندلاع الثورة بداية عام 2011، وتحوله في مرحلة لاحقة إلى نزاع مُسلح، فوُلدت سوق جديدة أمام الموالين للنظام، حيث اشترى الفوز أصول رجال أعمال غادروا سوريا بأسعار منخفضة، وبفضل اتصالاته الوثيقة مع النظام استفاد من التعاقدات الحكومية.
انتشار الفوز الاقتصادي بدأ يتسع شيئًا فشيئًا بعد انطلاق الثورة السورية عندما انتقل إلى تركيا ليدير العلميات التجارية لشركاته من هناك، قبل أن يُعرف بصفقة القمح الفاسد مع تنظيم “داعش”، عندما اشترى قمحًا قديمًا مليئًا بالحشرات من التنظيم وخزنه في تركيا.
سامز الفوز خلال القبض عليه في تركيا
لمع نجم سامر الفوز وبدأ اسمه بالتداول بقطاع الأعمال والوسائل الإعلامية، بعد جريمة قتل ارتكبها أواخر عام 2013 بصحبة 10 آخرين بتركيا، وراح ضحيتها رجل الأعمال المصري الأوكراني رمزي متَّى، إثر خلاف مالي دار بينهما على صفقة قمح بقيمة 14 مليون دولار، ليخرج في مايو 2014 بكفالة تجاوزت 500 ألف دولار، وُصفت بالـ”المشبوهة”، قبل أن تصدر محكمة تركية حكمًا بالسجن عليه 4 سنوات بتهمة التلاعب بالأدلة، وعُلِّق الحكم بانتظار الطعن.
الفوز، الهارب من العقاب في تركيا انتقل إلى سوريا مجددًا خلال عام 2014 ليوسع أعماله وصفقاته، ويتحول إلى رجل الأعمال الأكثر نفوذًا في البلاد، حيث حاز حصة كبيرة من أسهم فندق “فوز سيزون” بالمشاركة مع النظام، وبات الوكيل الحصري لشركة “كيا” في سوريا، في حين أنه ما زال يواجه اتهامات بالقتل ويزور تركيا بانتظام لحضور جلسات المحاكمة.
ومع عودته إلى سوريا، بدأت الحكاية بلغز جديد “قاتل” يضاف إلى سجل رئيس مجلس إدارة “مجموعة الفوز القابضة” التي تأسست عام 1988، التي كبرت أعمالها لتصبح “مجموعة أمان” التي يرأسها، ويتفرع عنها شركات “فوز للتجارة، فوز التجارية، المهيمن للنقل والمقاولات، صروح الإعمار”، عدا ما يتفرع عن مجموعة الفوز القابضة، من استثمارات متنوعة في مجال استيراد وتصدير المواد الغذائية، قبل أن تتجه أخيرًا، إلى الاستثمار العقاري بمشاريع في تركيا وسوريا، والإعلامي عبر مواقع إلكترونية وصحف وتمويل وسائل عدة بدمشق.
الفوز مؤسس مجموعة تقاتل لجانب الأسد بمدينة اللاذقية “درع الأمن العسكري” وهو من “أدّب” بالضرب الفنانة اللبنانية “قمر” بعد عشقها أخيه الأصغر عامر وكشفها تجارة الممنوع
كما يملك الفوز شركات لصناعة الحديد وتجميع السيارات ومعامل غذائية ودوائية وشركات تجارية وتطوير عقاري، وقناة تليفزيونية خاصة، تنضوي جميعها تحت مظلة مجموعة “أمان دمشق”، ولديها علاقات إستراتيجية مع شبكة واسعة من الموردين في أكثر من 30 بلدًا وفقًا لموقعها الإلكتروني.
وعلى الرغم من أنه ليس من الممكن تقدير القيمة الصافية لثروة الفوز، وعدم إفصاحه عن ذلك، لكن السوريين يقولون إنه أصبح أحد أغنى رجال الأعمال في البلاد، لا سيما مع تعدد القطاعات التي يعمل بها، فبالإضافة إلى الحديد والصلب والفنادق والإسكان، هناك أيضًا صناعة الأدوية وتكرير السكر وتجميع السيارات وتعبئة المياه وتعدين الذهب.
حجم العلاقات آل الأسد وعائلة “الفوز” تلامس الإمارات
قد لا تكون جريمة القتل التي ارتكبها الفوز – عبر الاستعانة برجل عصابات مقدوني يُدعى سلوفان يتكوف وآخر ألماني يُدعى كيانوش – هي الأهم بمسيرة شهرته، فهو مؤسس مجموعة تقاتل لجانب الأسد بمدينة اللاذقية “درع الأمن العسكري” وهو من “أدّب” بالضرب الفنانة اللبنانية “قمر” بعد عشقها أخيه الأصغر عامر وكشفها تجارة الممنوع، لكن جريمة قتل المصري بتركيا هي الأفقع.
في تحقيق مطول لمجلة “ذا ديلي بيست” الأمريكية تبين أن دبي مركز رئيسي لإدارة أعمال المقرب جدًا من الرئيس بشار الأسد سامر الفوز، ولكن اللافت هو تعامل أحد أكبر ممولي حملة الرئيس دونالد ترامب براين بالارد مع شركة عائلة الفوز حليفة نظام دمشق
ومع زيادة نفوذه الاقتصادي في سوريا، دعت العديد من السفارات الأجنبية في بيروت في اجتماعات عُقدت مؤخرًا لفرض عقوبات على الفوز لتقربه من النظام، ولكن حتى الآن لم تدع أي دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى فعل ذلك، بينما يدافع الفوز عن نفسه في حديثه لصحيفة “وال ستريت جورنال” إنه تم إعفاؤه من العقوبات بشكل صحيح لأنه يستثمر في صناعات لا علاقة لها بالشؤون العسكرية للنظام، وعندما كان يوزع سلعًا غذائية كان ذلك بمثابة مساعدة إنسانية، ويضيف: “إذا عُوقبت، يجب أن تُفرض عقوبات على الأمم المتحدة”.
ومنذ أشهر قليلة، كشف مصدر مطلع في اتحاد غرف السياحة السورية عقد صفقة مع رجل الأعمال موفق القداح، بلغت 12 مليون دولار، واشترى خلالها سامر الفوز “نادي الشرق”، المعروف بكونه واحدًا من أكبر الأماكن السياحية في العاصمة، وهو ما يعني أن رامي مخلوف ليس الوكيل الحصري للصفقات المشبوهة بمال الشعب السوري المنهوب.
في تحقيق مطول لمجلة “ذا ديلي بيست” الأمريكية تبين أن دبي مركز رئيسي لإدارة أعمال المقرب جدًا من الرئيس بشار الأسد سامر الفوز، ولكن اللافت هو تعامل أحد أكبر ممولي حملة الرئيس دونالد ترامب براين بالارد مع شركة عائلة الفوز حليفة نظام دمشق، إذ أعلنت شركة بالارد في الـ15 من مارس/آذار الماضي استحواذها على شركةASM International General Trading في دبي، وهي شركة تابعة لإمبراطورية “الفوز” في دولة الإمارات.
وعلَّق بالارد على خبر ارتباط الشركة بنظام الأسد أنه لم يكن يعرف بعلاقة الفوز بنظام الأسد عندما أبرم الصفقة، وأوضح قائلاً: “نحن لسنا “سي أي إيه” حتى نعرف هذه التفاصيل، وإذا تبين أن هذه الشركة لها علاقة بنظام الأسد فإننا سنقطع علاقتنا معها”.
ووفق معارضين سوريين تحدثوا مع صحيفة “فايننشال تايمز” فإن استخدام سامر الفوز دبي كمركز تجاري أمر سمح له بتطوير علاقاتهم مع إيران حليفة نظام دمشق والتقرب من رجال أعمال روس يترددون على دولة الإمارات.
في مقابلة نادرة مع مجلة “أرابيسك لندن” في صيف 2017 قال سامر إن شركته لن تتردد في المشاركة في إعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الحرب، لكن لا حرب السلاح انتهت ولا توشك عمليات الفساد المزمنة في رأس النظام والمقربين منه على التوقف طالما هناك دائمًا ملاذات آمنة للفاسدين، ليس فقط في جزر بعيدة بل أيضًا في دول لا مانع لديها من احتضان مال وأفراد عائلات حكام ترقى أفعالهم إلى جرائم حرب.