في هذا الوقت من كل عام ينتظر عشاق القراءة في جميع أنحاء الوطن العربي الإعلان عن نتيجة القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”؛ وفي يناير/كانون الثاني 2019 وقع اختيار لجنة التحكيم على 16 رواية منشورة بين يوليو/تموز 2017 وحتى يونيو/ حزيران 2018 اختيرت من بين 134 رواية رُشحت للجائزة.
فما هو المميز في الأعمال الفائزة ولماذا اختيرت هي دوناً عن باقي الروايات المتقدمة؟ الحقيقة أن جودة العمل الأدبي تتوقف على الكثير من العوامل بداية من اختيار الموضوع ومروراً بالأسلوب والمعالجة الروائية، ولا يشترط في موضوع العمل الأدبي أن يكون جديداً ولم يُطرح من قبل يكفي فقط جودة النص المقدم ومضمونه والإبداع في سرده الأدبي.
كتاب يصلون لقائمة البوكر الطويلة للمرة الأولى
من بين الأسماء التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة للمرة الأولى: الكاتب المصري إيمان يحيى عن رواية “الزوجة المكسيكية” واللبناني محمد أبي سمرا وروايته “نساء بلا أثر” والكاتب الإرتري الواعد حجي جابر عن رائعته “رغوة سوداء” والأردنية كفى الزعبي وروايتها “شمس بيضاء باردة” والأديب الجزائري الحبيب السائح عن رواية “أنا وحاييم” والمصري عادل عصمت ورواية “الوصايا” والكاتب المغربي محمد المعزوز عن عمله “بأي ذنب رحلت؟”، والعراقية ميسلون هادي عن رواية “إخوة محمد”، والكاتب الأدرني جلال برجس وروايته “سيدات الحواس الخمس” والمغربي مبارك الربيع عن عمله “غرب المتوسّط”.
حكايا الروايات: تاريخ وفلسفة وبينهما قصص للانتصار على التحديات
تحكي رواية الزوجة المكسيكية قصة العلاقات التي تنشأ نتيجة لزيجات تنتمي لثقافات مختلفة وتنتقل بنا أحداث الرواية بين أزقة القاهرة وفيينا والمكسيك لنرى أماكن وأزمنة ونسق حياة لم يعد له وجود في حياتنا المعاصرة التي غلبت عليها السرعة، أما نساء بلا أثر فقد كتُبت خصيصاً تحت رغبة محمومة في هجاء التحديات والتقاليد المجتمعية والأهلية والعائلية والانتماءات الثقافية، هذا في الوقت الذي تقتحم فيه رواية رغوة سوداء عالم اللاجئين الإرتريين الفارين من بطش الوطن أملاً في حياة كريمة في المنفى.
الكتابات الفلسفية كان لها نصيب أيضاً من القائمة على غرار الكتابات التاريخية
في غرفة باردة بلا نوافذ تنبثق لنا رواية “شمس بيضاء باردة” لترصد جذور التخلف والتسلط الأسري والبؤس الاجتماعي والاقتصادي والواقع المشوه والعدواني تجاه اختلافات الأفراد، أما رواية ” أنا وحاييم” فتأخذنا إلى ذلك الزمن البعيد جداً من تاريخ الجزائر ومن بين سطور هذه الرواية سوف تأتي إليك رائحة الجزائر خلال زمن الاستعمار الفرنسي وغداة الاستقلال ليطل عليك بعد ذلك من خلال الأحداث هاجس الهوية الوطنية لدى الجزائريين، نترك الجزائر ونعود إلى مصر مع رواية “الوصايا” التي تنتمي إلى أدب الأجيال وهو الأدب الذي سطرته روائع عربية خالدة مثل “ثلاثية نجيب محفوظ” وخماسية “مدن الملح” لعبد الرحمن منيف ومائة عام من العزلة لغابرييل غارسيا ماركيز، وتتبع الرواية عائلة سليم منذ عشرينات القرن الماضي عروجاً بمراحل الملكية ثم ثورة يوليو وعبد الناصر والسادات فالنكسة وحرب أكتوبر.
الكتابات الفلسفية كان لها نصيب أيضاً من القائمة على غرار الكتابات التاريخية؛ فعوالم رواية بأي ذنب رحلت تتجاوز حدود الحكايا المغلقة لتقترب من الكتابة الفلسفية والبحث المرتكز على النظرة التأملية والفنية سواء التشكيلي أو الموسيقي، وبالنسبة لرواية “إخوة محمد” فتدور أحداثها داخل زقاق بغدادي جميع سكانه يحملون اسم محمد ماعدا شخص واحد وتحاول الروائية من خلال هذا العمل أن تجعل الحضور ممكناً لمن غاب، أما رواية “سيدات الحواس الخمس” فتندرج تحت الأدب الخارق للواقع والذي وُجد بالأساس للتعبير عن القلق الوجودي والانفصال النفسي الناتج عن تغيرات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة، وأخيراً رواية “غرب المتوسط” تعد شهادة حاضرة على عصر الظلم والطغيان والاستبداد في حقبة زمنية سوداء من تاريخ المغرب.
كتاب وصلوا من قبل للقائمة الطويلة والقصيرة لجائزة البوكر
بالنسبة للكتاب الذين وصلوا للقائمة الطوّيلة والقصيرة للبوكر من قبل فهم: الكاتبة السعودية أميمة الخميس المرشحة للقائمة الطويلة 2010 عن رواية “الوارفة” والتي وصلت لهذا العام من خلال رواية “مسرى الغرانيق في مدن العقيق”، واللبنانية هدى بركات المرشحة للقائمة الطويلة 2013 عن رواية “ملكوت هذه الأرض” وخلال هذا العام وصلت برواية “بريد الليل”، والكاتبة العراقية إنعام كجه جي المرشحة للقائمة القصيرة مرتين عن رواية “الحفيدة الأميركية” 2009 و”طشّاري” 2014 ووصلت قائمة هذا العام عبر رواية “النبيذة”.
تحفر رواية “قتلت أمي لأحيا” في عمق الوجع الإنساني الناجم عن الحرب والهجرة القسرية والسجن والمرض، فعوالم الرواية تضغى عليها مآسي البشر وأوجاعهم التي جاءت من تهاوي الأوطان
أما الكاتب الجزائري واسيني الأعرج فقد رُشح ثلاث مرات للقائمة الطويلة عن رواية “البيت الأندلسي” 2011، و”أصابع لوليتا” 2013 و”رماد الشرق: الذئب الذي نبت في البراري” 2014، وخلال هذا العام وصلت روايته “مى: ليالى إيزيس كوبيا” للقائمة الطويلة، ومي منسّى المرشحة للقائمة القصيرة عن رواية “أنتعل الغبار وأمشي” 2008 وروايتها المرشحة هذا العام هي “قتلت أمي لأحيا” وشهلا العجيلي المرشحة للقائمة القصيرة عن رواية “سماء قريبة من بيتنا” 2016 أما روايتها لهذا العام فهي “صيف مع العدو”.
قصص الروايات؛ حول ما خلفته بلاد العرب على أبنائها وما تركته داخل أرواحهم
بأسلوبها العذب ولغتها الأخاذة القوية تتنقل بنا عوالم رواية “مسرى الغرانيق في مدن العقيق” مع بطلها مزيد الحنفي من بغداد إلى القدس ثم القاهرة فالقيروان عروجاً على الأندلس لتحكي لنا عن حقبة الحكم الإسلامي في الأندلس، أما رواية “بريد الليل” فيقوم أبطالها العرب بكتابة رسائل لن تصل وهي ليست مكتوبة لتصل إذ لا عناوين تُرسل إليها مما يدفعنا إلى التفكير في الخلل الإنساني الكبير الذين أصبحنا نحيا بداخله فلم نعد نحسن قراءة بعضنا بعضاً، نتكلم ولكن كلامنا لا يصل إلى الآخر.
وتضعنا رواية “النبيذة” وجهاً إلى وجه في خضم عالم واسع يعاني أبطاله من الفقد والخسارة على مدار 80 عام تكشف عن تاريخ العراق الذي عذب أبنائه، حين انهارت الأديبة اللبنانية الشهيرة مي زيادة في آخر عمرها وأودعت مستشفى الأمراض العقلية قالت ” إني أموت، لكني أتمنى أن يأتي من ينصفني” وبعد قرابة ثمانين عاماً على وفاتها أتى من ينصفها من خلال رواية “مي: ليالي إيزيس كوبيا” التي تحكي مي زيادة بكل تفاصيلها.
تحفر رواية “قتلت أمي لأحيا” في عمق الوجع الإنساني الناجم عن الحرب والهجرة القسرية والسجن والمرض، فعوالم الرواية تضغى عليها مآسي البشر وأوجاعهم التي جاءت من تهاوي الأوطان، أما رواية “صيف مع العدو” فتحكي لنا من خلال تفاصيل المكان الصغيرة وتفاصيل عالم النساء الدقيق والمباني والطرق والأزياء والعطور وكل ما يجعل من الحياة حياة عن مائة عام من تاريخ المنطقة العربية بحروبها وتحولاتها الاجتماعية وقضاياها الشائكة.