ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتبر تونس دولة رائدة في مجال تحرير المرأة في العالم العربي، لاعتمادها منذ سنوات على دور المرأة في الكثير من المجالات التي عادة ما تكون حكرا على الرجال، على غرار إدارة الأعمال والقضاء والجراحة. إلى جانب ذلك، تضافرت جهود السياسيين في تونس للموافقة على قانون انتخابي برلماني جديد يسمح لعضوات المجالس البلدية من السيطرة على 40 بالمائة من مجمل المقاعد في الانتخابات البلدية، التي تم تنظيمها في شهر أيار/ مايو الماضي.
لكن الغريب في الأمر أن النساء الحاضرات بقوة في المجال السياسي التونسي لم ينشأن في بيئات نسائية تقليدية بل ترعرعن في أوساط دينية محافظة. ومن بين أكثر الوجوه النسائية بروزا وتمثيلا لهذه الفئة من النساء في السياسة التونسية، سعاد عبد الرحيم رئيسة بلدية تونس، وسيدة الونيسي وزيرة التشغيل والتكوين المهني.
تونسية تحمل باقة من الزهور أثناء الاحتفال باليوم الوطني للمرأة، بتاريخ 13 آب/ أغسطس في العاصمة التونسية
خلال تواجدها في مكتبها الفسيح في القصر الفاخر الذي شيّده الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي، صرّحت سعاد عبد الرحيم قائلة: “نحن رئيسات البلديات نحمل على عاتقنا مسؤولية كبيرة، نظرا لأنه علينا أن نثبت أنه بإمكاننا أن نحكم بشكل جيّد وحتى أفضل من الرجال”. وتتميز سعاد عبد الرحيم بشخصية قوية، حيث تفاوضت حتى اللحظة الأخيرة على دعم بقية الأحزاب لتنصيبها في وقت بدا فيه أن حركة النهضة قد فقدت الأمل في نجاح ممثلتها. ولا تعتبر رئاسة البلدية أول منصب سياسي تشغله عبد الرحيم، فقد سبق لها أن تولت رئاسة لجنة حقوق الإنسان والحريات التابعة للجمعية الدستورية سنة 2012.
تجدر الإشارة إلى أن سعاد عبد الرحيم، التي حققت نجاحا في مجال المستحضرات الصيدلانية، أول امرأة تشغل منصب رئيسة بلدية تونس في العاصمة التونسية. وقد برهنت عبد الرحيم على قدرة المرأة على تولي زمام الأمور بروح يغلب عليها “مبدأ التصالح”، وهو الموقف الذي يجب أن يقود ولايتها.
في هذا السياق، أفادت سعاد عبد الرحيم بأنها لم تجد رفضا من قبل السكان بشأن مسألة توليها هذا المنصب لكونها امرأة أثناء الحملة الانتخابية. وأضافت عبد الرحيم: “فقط البعض عارض تنصيبي في رئاسة البلدية فيما بعد” في إشارة منها إلى خصومها السياسيين. ويزعم بعض المسؤولين في الحزب العلماني المحافظ “نداء تونس” أن منصب “شيخ المدينة” يجب أن يتولاه رجل بسبب دوره التمثيلي في بعض المناسبات الدينية. وقد كانت عبد الرحيم المرشحة الوحيدة في العاصمة ومثّل ترشحها محور المعركة الرئيسية في الانتخابات البلدية.
تختلف صورة سيدة الونيسي عن سعاد عبد الرحيم، ولا يعزى ذلك إلى أنها ترتدي حجابا يعبر عن نشأتها المحافظة. وتُعد الونيسي ابنة أحد النشطاء الإسلاميين، الذي عبر الحدود الجزائرية رفقة عائلته خلسة في سن مبكرة، وقد ترعرعت في فرنسا. وقد ساهم اندلاع الثورة التونسية ودعوة حركة النهضة إلى أن تنضّم لقوائمها في الانتخابات التشريعية التونسية سنة 2014 إلى وقف مسيرتها الأكاديمية الرائعة في جامعة السوربون.
تعتبِر الونيسي نفسها نسويّة وهي تشعر بالراحة داخل حركة النهضة، وقد أكّدت أن عقلية السلطة الأبوية موجودة في كل الأحزاب السياسية في تونس دون استثناء
بعد الانتخابات، عُينت الونيسي في منصب كاتبة الدولة لدى وزير التشغيل والتكوين المهني، وقد حققت صعودا لامعا بتعيينها وزيرة التشغيل والتكوين المهني خلال الخريف الماضي. وتعليقا على هذه المسألة، أوردت الونيسي البالغة من العمر 31 سنة والتي تتقن أكثر من لغة وأصغر وزيرة في تاريخ المغرب العربي: “بالنسبة لي إن تولي هذا المنصب فرصة هامة لأخدم بلدي وأطبّق ما تعلمته في الجامعة”.
تعتبِر الونيسي نفسها نسويّة وهي تشعر بالراحة داخل حركة النهضة، وقد أكّدت أن عقلية السلطة الأبوية موجودة في كل الأحزاب السياسية في تونس دون استثناء. وقد أفادت الوزيرة الشابة بأن “بعض الزميلات المنتميات إلى أحزاب تونسية أخرى قد واجهن نفس المشاكل والعقبات التي اعترضت طريق نساء حزب حركة النهضة”. ولا تتفق الوزيرة مع فكرة اعتبار هويتها ومهنتها استثناء في حركة النهضة، حيث أوضحت: “لقد ألهمتني محاربات النهضة، إنهّن مناضلات حقيقيات، وقد لعبت المرأة دورا فعّالا في الحزب منذ زمن طويل”.
هل تعد المرأة ورقة دعاية لحركة النهضة؟
يرى منتقدو حزب حركة النهضة أن تسمية سعاد عبد الرحيم وسيدة الونيسي في هذه المناصب ليس سوى حملة دعائية سياسية لهذا الحزب. في المقابل، أكّد قادة حركة النهضة أن هذه التسميات ثمرة تطور الحزب الذي راهن على الفصل بين السياسة والدين والانفتاح على الآخر خلال المؤتمر الذي عقده سنة 2016.
حيال هذا الشأن، قال الأستاذ محمد ضياء الهمامي إن “حركة النهضة ترددت في دمج العنصر النسائي في السياسية في بداياتها، وقد بدأ تغيير هذا المنهج في بداية السبعينات حينما غيّر راشد الغنوشي، مؤسس الحركة، موقفه إزاء هذه المسألة”. وأضاف الهمامي أن “حركة النهضة حاولت أن تقدم نفسها كمدافعة عن حقوق المرأة ولكنها لا تزال تتبنّى المواقف التقليدية حول وضع المرأة في حياتها الخاصة”.
من الممكن أن تمنح الانتخابات القادمة المقرر تنظيمها سنة 2019 حظوظا أكثر للسياسيات العلمانيات في محاولة منهن لصد قوة الحضور النسائي لحركة النهضة.
كانت الهواجس المتعلقة بحقوق المرأة واضحة في موقف حزب النهضة خلال مناقشة الدستور، حيث اختارت الحركة أن تصف علاقة الرجل والمرأة بأنها “تكميلية” قبل أن تضطر إلى استبدالها بمفهوم “المساواة” بسبب تعبئة الحركات النسوية والعلمانيين. ويعد اقتراح الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي حول تعديل القانون من أجل ضمان المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وعدم التقيد بما تنص عليه الشريعة الإسلامية من أكثر المسائل إثارة للجدل في تونس. وفي الوقت الحاضر، لم تصدر حركة النهضة اعتراضا رسميا حول هذا الاقتراح ولكن كل المؤشرات تشير إلى أنها سوف تعارض هذا الإجراء.
من الممكن أن تمنح الانتخابات القادمة المقرر تنظيمها سنة 2019 حظوظا أكثر للسياسيات العلمانيات في محاولة منهن لصد قوة الحضور النسائي لحركة النهضة. فعلى سبيل المثال، تعتبر سلمى اللومي، وزيرة السياحة السابقة التي تنتمي إلى إحدى أغنى العائلات في البلاد، من ضمن المرشحات لتكون ممثلة حزب نداء تونس الذي يرأسه الباجي قايد السبسي في الانتخابات الرئاسية القادمة.
هل تونس مستعدة بالفعل إلى انتخاب امرأة لرئاسة الدولة، مع العلم أن كلثوم كنّو، الرئيسة السابقة لجمعية القضاة التونسيين، قد شاركت في الانتخابات الرئاسية الماضية. وقد أكدت القاضية، التي تشعر بالتفاؤل، أنها بصدد الحديث مع الكثير من القطاعات وأنها تنوي الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019.
المصدر: البايس