بعد أكثر من أسبوعين من الاحتجاجات الشعبية التي طالت مناطق مختلفة من البلاد للمطالبة بإسقاط النظام، يتواصل حجب وسائط الإعلام الاجتماعي وتعطيل خدمات الإنترنت، واقتصار خدمة الاتصالات على المكالمات والرسائل النصية في السودان، في مشهد مماثل لما يحصل في العديد من الدول الإفريقية خلال معظم الاحتجاجات، فقطع الإنترنت أو تعطيله أصبح سلاح القادة الأفارقة للتصدي لأي طارئ يمكن أن يقوّض حكمهم، عوض الاستجابة لمطالب المحتجين.
السودان يحجب مواقع التواصل الاجتماعي
يقول سودانيون إن السلطات في بلادهم تحجب مواقع شهيرة للتواصل الاجتماعي استخدمت في تنظيم حركة الاحتجاجات التي بدأت بسبب الأزمة الاقتصادية منذ شهر ديسمبر/كانون الأول، ونشر أخبارها على مستوى البلاد.
وقال مستخدمو الشركات الثلاثة التي تقدم خدمة الإنترنت في البلاد – وهي “زين” و”إم.تي.إن” و”سوداني”، إن الدخول على مواقع فيس بوك وتويتر وواتساب لم يعد ممكنًا إلا باستخدام شبكة افتراضية خاصة “في.بي.إن”، وتوسع النشطاء في استخدام تلك الشبكات الخاصة، رغم مشاكلها ورغم أن بعض السودانيين لا يعلمون بوجودها، في تنظيم وتوثيق الاحتجاجات، وانتشر هاشتاغ “مدن_السودان_تنتفض” وغيره على نطاق واسع داخل السودان وخارجه.
وقال الفريق صلاح عبد الله مدير جهاز الأمن الوطني والاستخبارات بمؤتمر صحفي في 21 من ديسمبر/كانون الأول الماضي: “كان هناك نقاش داخل الحكومة بشأن حجب مواقع التواصل الاجتماعي وفي النهاية اتخذ القرار بحجب هذه المواقع”، وتقول وسائل الإعلام المحلية إن نحو 13 مليونًا من بين سكان السودان البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة، يستخدمون الإنترنت وأكثر من 28 مليونًا يملكون هواتف محمولة.
تعطيل عملية الوصول إلى المعلومة وتبادلها بين أكبر عدد من المستخدمين لا يكون عبر حجب الإنترنت أو تعطيله فقط، بل أيضًا توفير زيادة كبيرة في أسعار الاتصالات
ما أقدم عليه نظام عمر البشير لم يكن أول مرة في تاريخ البلاد، ففي 2013 قطع النظام أيضًا الإنترنت عن مناطق متفرقة في السودان، بهدف قطع التواصل للحشد إلى المظاهرات التي اندلعت ضد نظام الحكم في عدد من المناطق، احتجاجًا على رفع أسعار المحروقات بالبلاد.
وانطلقت الاحتجاجات في السودان في 19 من ديسمبر/كانون الأول إثر قرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، قبل أن تتحول إلى مظاهرات أشمل، بات ينظر إليها على أنها أكبر تهديد واجه حكم البشير منذ تسلمه السلطة عام 1989، وكان متظاهرون قد أحرقوا العديد من مقار حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير في بداية الاحتجاجات التي خرجت في بلدات وقرى سودانية قبل أن تمتد إلى الخرطوم، ويرفض الرئيس السوداني دعوات التنحي عن الحكم قائلاً: “من يريد الحكم، عليه المشاركة في الانتخابات وليس عن طريق المؤامرات”.
الكونغو الديمقراطية تقطع الإنترنت
لم يكن السودان الاستثناء في القارة الإفريقية، فغيره كثير، من تلك الدول جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أقدمت السلطات هناك بداية شهر يناير/كانون الثاني الحاليّ على تعليق الإنترنت والرسائل النصية القصيرة، وذلك عقب الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية الشهر الماضي.
قبل عامين، كان الأمر كما هو الآن، ففي عشية 19 من ديسمبر/كانون الأول 2016، كانت النهاية الرسمية لولاية جوزيف كابيلا الثانية والأخيرة، التي تميزت بالعنف الشعبي، فقد أمر النظام الكونغولي بالفعل جميع المشغلين بتعليق خدماتهم.
وترجع السلطات في الكونغو الديمقراطية، قطعها للإنترنت إلى خشيتها من انتشار ما وصفته بالشائعات التي تتنامى عقب كل انتخابات وارتفاع منسوب “الأخبار الوهمية” التي يقدمها المترشحون للانتخابات وأنصارهم، ونشر النتائج قبل الإعلان الرسمي عنها، غير أن البعض ربطها أيضًا بخوف السلطات من المظاهرات وبالتالي فهي تسعى لمنع تنسيق المحتجين فيما بينهم.
وتتهم المعارضة الكونغولية، حكومة بلادهم بقطع الإنترنت حتى تتمكن من تزوير الانتخابات، وقال بيير لومبي مدير حملة مرشح المعارضة مارتن فايولو، في مؤتمرٍ صحفيٍ عُقد بعد فترة وجيزة من قطع الإنترنت: “قطعت الحكومة الإنترنت من أجل التلاعب خلف الأبواب المغلقة”.
يرى القادة الأفارقة أن الإنترنت يزيد من حدّة الاحتجاجات
وقبل يومين، أعلنت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فوز المعارض فيليكس تشيسيكيدي في الانتخابات الرئاسية التي جرت 30 ديسمبر/كانون الأول 2018، بحصوله على سبعة ملايين و51 ألفًا و13 صوتًا صحيحًا، أي 38.57% من أصوات المقترعين، فيما جاء مرشح السلطة وزير الداخلية السابق إيمانويل رمضاني شاداري في المرتبة الثالثة بـ23.8% من الأصوات خلف المرشح الآخر للمعارضة المنقسمة على نفسها مارتن فايولو الذي حصل على 34.8% من الأصوات.
وبإعلان هذه النتائج، تمّ رسميًا إنهاء حقبة الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا الذي يحكم البلاد منذ 18 عامًا، ولم يكن بوسعه المنافسة على الظفر بولايةٍ رابعةٍ في حكم البلاد، بعد تعديلٍ دستوري قصر ولايات الحكم عند حاجز الولايتين فقط.
ويخشى الكونغوليون، من انزلاق بلادهم إلى أتون العنف، خاصة بعد أن أبدت كل من فرنسا وبلجيكا والكنيسة الكاثوليكية ذات النفوذ الكبير، عدم رضاهم عن نتائج الانتخابات، وقولهم إن مرشّح المعارضة الآخر مارتن فايولو هو من كان يجب أن يفوز، وسط اتهامات لتشيسيكيدي بالتواطؤ مع الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا.
الغابون تلتحق بالركب
في الـ7 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، استفاق الغابونيون على صوت نائب قائد الحرس الجمهوري في بلادهم “كيلي أوندو أوبيانغ”، يردّد: “لقد أعطانا الوطن كل شيء وجعلنا الشخصيات التي نحن عليها الآن، لا يمكننا تركه عندما يحتاج منا أكثر… حان الوقت كي نأخذ مصيرنا، لقد وصل اليوم الذي طال انتظاره، وهو اليوم الذي قرر فيه الجيش الوقوف إلى جانب شعبه من أجل إنقاذ الغابون من الفوضى”.
كلمات جاءت ضمن بيان لما أطلق عليها “حركة الشباب الوطني في قوات الدفاع والأمن الغابونية”، تعلن فيه الحركة انقلابها ضد الرئيس المختفي منذ توجهه للسعودية في أكتوبر/تشرين الماضي، علي بونغو.
وأول ما أقدم عليه المنقلبون بعد السيطرة على الإذاعة الوطنية في العاصمة ليبرفيل وبث بيان الانقلاب، هو قطع الإنترنت، لمنع تسرّب المعلومات إلى الخارج والسيطرة على الوضع والتمكن من السلطة، إلا أنهم فشلوا في ذلك وتم القبض عليهم وإفشال مخططهم بعد ساعات قليلة من إعلانه.
ضرائب على استخدام الشبكات الاجتماعية
تعطيل عملية الوصول إلى المعلومة وتبادلها بين أكبر عدد من المستخدمين لا يكون عبر حجب الإنترنت أو تعطيله فقط، بل أيضًا توفير زيادة كبيرة في أسعار الاتصالات، وهو ما حصل في أوغندا حيث لجأت السلطات إلى فرض ضرائب على استخدام الشبكات الاجتماعية.
ولئن بررت السلطات الأوغندية قرارها هذا بسعيها إلى جني عوائد مالية إضافية، فإن العديد من المعارضين شكّكوا في ذلك، وأرجعوا القرار إلى خشية حكومة بلادهم من الانتقادات التي تطالها، وسعيها إلى منع انتقاد الرئيس يوويري موسيفيني القابع في السلطة منذ عام 1986.
يعتبر قطع الإنترنت خلال الانتخابات أو الاحتجاجات، بمثابة جزء من ترسانة الأسلحة التي تلجأت إليها الأنظمة الإفريقية التي تخشى الانتفاضات الشعبية
وبموجب هذا القرار، يُطلب من المستخدمين دفع 200 شلن (0.0531 دولار أمريكي) يوميًا مقابل استخدام خدمات مثل فيسبوك وتويتر وواتساب وهو ما يعادل نحو 19 دولارًا سنويًا في دولة بلغ فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 615 دولارًا في عام 2016 وفقًا لإحصاءات البنك الدولي.
ويستخدم 40% من سكان أوغندا البالغ عددهم 40 مليون نسمة الإنترنت وفقًا لبيانات هيئة الاتصالات الأوغندية وهي منظم الاتصالات الرسمي، ويستخدم فيسبوك وواتساب على نطاق واسع في أوغندا والعديد من الدول الإفريقية الأخرى.
وسيلة جديدة لقمع حرية التعبير
قطع الإنترنت أو حجب بعض المواقع وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي أو فرض ضرائب لاستخدامها، يرى فيه العديد من الأفارقة محاولة من حكومات بلداهم للحد من النقاش السياسي ومصادرة الحقوق المدنية وتكميم أفواه المعارضة، فخلال فترات القطع أو التعطيل، تبقى الصور التي التقطت في المظاهرات حبيسةَ الهواتف ولا يستطيع المحتجون إيصالها للعالم والجهات الحقوقية المعنية.
ويرى هؤلاء أن اللجوء إلى تعطيل النفاذ إلى الإنترنت، أصبح وسيلة جديدة لقمع حرية التعبير في البلدان الإفريقية التي تعيش تحت وطأة الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية التي لا تريد ترك السلطة لغيرها بأساليب ديمقراطية وحضارية.
ويراد من خلال هذه الوسيلة الجديدة لقمع حرية التعبير، القضاء كليًا وبصفة نهائية ولو بالتدرّج على الدور المركزي المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي في العمل السياسي بدول القارة الإفريقية التي ينشد شعوبها التغيير السلمي.
احتجاجات في السودان مناوئة لحكومة عمر البشير
ويعتبر قطع الإنترنت خلال الانتخابات أو الاحتجاجات، بمثابة جزء من ترسانة الأسلحة التي تلجأ إليها الأنظمة الإفريقية التي تخشى الانتفاضات الشعبية، باعتبارها تهدّد مكتسباتها التي جنتها طيلة جلوسها على كراسي السلطة.
ويساهم قطع الإنترنت في هذه الدول الإفريقية في مزيد من التعتيم خاصة مع سيطرتها على وسائل الإعلام التقليدية، بالتالي في زيادة انتهاك السلطات لحقوق الإنسان، حيث عادة ما تشهد فترات الحجب انتهاكاتٍ واسعةً وحالات قتل لمتظاهرين واعتداءات عنيفة واعتقالات تعسفية في صفوف المعارضين.
اللجوء لوسائل أخرى
في ظل هذه القرارات الهادفة إلى تعطيل إيصال المعلومة للعموم، يلجأ مستخدمو الإنترنت حيل عديدة لكسر الحجب، ويوصي الناشطون باستخدام أدواتٍ تساعدهم على تخطّي الحجب، مثل “تور” (Tor) و”بسايفون” (Psiphon) و”تانل بير” (TunnelBear)، إضافة إلى استخدام “الشبكات الافتراضية الخاصة” (VPN) لتغيير عنوان بروتوكول الإنترنت (IP) والوصول إلى المواقع المحجوبة.
يعتبر قطع الإنترنت، انتهاكًا لحقوق الإنسان، حيث أصبح التمتع بالإنترنت حقًا من حقوق الإنسان وفق القرار غير الملزم لمجلس حقوق الإنسان الصادر في 1 من يوليو/تموز 2016، الذي يدين أيضًا “التدابير المتخذة قصد منع أو تعطيل الوصول إلى المعلومات أو نشرها على الإنترنت”.