قالت الكاتبة والصحافية السعودية، والناشطة المدافعة عن قضايا المرأة، ريم سليمان في أول حوار صحافي منذ هروبها من بلادها مؤخراً إن “المُوجّه للانتهاكات التي يتعرض لها النشطاء والمعارضين داخل المملكة لايزال يمارس جميع مهامه حتى الآن، وأقصد به سعود القحطاني، المستشار السابق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فهو المسؤول الأول عن تويتر وتوجيه رؤساء التحرير في البلد”.
واستنكرت اتهام البعض لها بأنها أداة في أيدي قطر لاستهداف المملكة، وأنها سورية الأصل، قائلة في حوار خاص مع “عربي21″:” لو كنتُ أرضى لنفسي أن أكون أداة، لاخترت أن أبقى في بلدي وأكون أداة بيد الحكومة السعودية، ومسألة العمالة لقطر فهي تهمة جاهزة ومعلبة لكل منتقد أو معارض. أما مسألة أني سورية الأصل فهي مضحكة ولا تستحق الرد”.
وكانت ريم سليمان قد فاجأت السعوديين والعرب مؤخراً بجملة تغريدات على “تويتر” تكشف فيها هروبها من السعودية بعد أن تم اعتقالها لفترة وجيزة ثم أخلي سبيلها بشرط التعهد بعدم الكتابة لا في وسائل الاعلام ولا على شبكات التواصل الاجتماعي، مشيرة الى أنها تكتب مقالات في بعض الصحف السعودية المحلية والمقربة من النظام، ولم تكن أصلاً معارضة وإنما كانت تنشر آراءها فقط.
“لا تزال تصلني تهديدات لكن ليست بنفس الوتيرة التي كانت عليها في الأيام الأولى التي أعلنتُ فيها خروجي من البلد وكشفتُ ما حصل معي”
وكشفت سليمان أنها وصلت الى هولندا وطلبت اللجوء هناك بسبب التهديدات التي تعرضت لها داخل السعودية، وخوفاً من أن تصبح واحدة من المعتقلات اللواتي يقبعن في السجون دون تهم ولا محاكمات منذ سنوات.
وأوضحت سليمان في حديث خاص مع “عربي21” أن اعتقالها تم في يوليو من العام الماضي، مؤكدة أنه لم يكن هناك أي أمر قضائي لا بالاعتقال ولا بالإفراج عنها.
وأضافت: “لا تزال تصلني تهديدات لكن ليست بنفس الوتيرة التي كانت عليها في الأيام الأولى التي أعلنتُ فيها خروجي من البلد وكشفتُ ما حصل معي، لكن باعتقادي أنها ستتجدد حال عودتي للنشاط الإعلامي والظهور التلفزيوني خصوصا. والذي يزيد من مخاوفي هي التهورات القذافية، كما وصفها الشهيد جمال خاشقجي، الذي حذر من حماقات المتنفذين”.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
قلتِ إن مساعدا للمستشار السابق بالديوان الملكي، سعود القحطاني، طلب منك التوقف عن الكتابة في الصحف، وهددك بأن مخالفة هذا الأمر سيجلب لك متاعب كبيرة جدا أقلها السجن.. فما الذي أزعجهم في كتاباتك؟
– الذي أزعجهم هو أنني كنت أكتب ما يمليه عليّ ضميري لا ما يريده المستشار سعود القحطاني، الذي أقصى أي مثقف وكاتب لم ينخرط في حفلات التخوين وتضليل الرأي العام التي شهدتها ولاتزال تشهدها البلد.
دخلتُ السجن في يوليو من العام الماضي، وعرضت على التحقيق ثم خرجت، ولم يكن هناك أي أمر قضائي لا بالاعتقال ولا بالإفراج عني.
ولماذا تم اعتقالك رغم أنكِ استجبتِ لما طلبوه منك؟
– هذا سؤال لا أحد يستطيع الإجابة عليه، فالاعتقالات والمنع من الكلام لا تحدها قوانين أو نظم محددة، وإلا لماذا اعتقلوا عصام الزامل، وهو كان ضمن وفد رسمي زار أمريكا وطاف مختلف مؤسساتها، ثم اُعتقل أثناء وصوله للمطار قادما من زيارة الوفد الرسمي.
كذلك ما يحدث مع الشيخ محمد العريفي، الذي أُوقفت جميع نشاطاته الدعوية والأكاديمية ووُضع تحت الإقامة الجبرية، واعتقلوا نجله، ثم أُغلق حسابه وهناك أنباء عن اعتقاله، رغم أنه كان قبل وقت قصير يُدعى لمجالس ولي العهد محمد بن سلمان.
متى تحديدا حدث ما تعرضت له؟ وهل كان هناك أمر قضائي باعتقالك؟
– دخلتُ السجن في يوليو من العام الماضي، وعرضت على التحقيق ثم خرجت، ولم يكن هناك أي أمر قضائي لا بالاعتقال ولا بالإفراج عني.
هل لكِ أن تشرحي لنا كيف غادرتِ السعودية إلى هولندا؟ وكيف كانت هذه الرحلة؟
– قبل مغادرتي إلى هولندا، لم أكن أعلم إن كان عليّ منع من السفر أم لا، حتى قررت اكتشاف ذلك بنفسي، حين ذهبت إلى البحرين، عبر جسر الملك فهد، وكما هو معلوم، فإن الدخول إلى البحرين لا يتطلب تأشيرة، ولكن فيه تدقيق أمني، ومن هو ممنوع من السفر لا يستطيع دخولها، لكنها تبقى أسهل من المطارات، ثم حين استطعت الدخول إلى البحرين علمت أن لا منع عليّ.
بعدها، تقدمتُ إلى إحدى الجامعات في هولندا بطلب لدراسة الماجستير فحصلتُ عليه، ثم ذهبتُ إلى السفارة، وطلبت الحصول على تأشيرة رغبة في دراسة الماجستير، وأثبتُ بكشف حساب بنكي أنني أستطيع أن أنفق على نفسي، فحصلت على تأشيرة دخول إلى هولندا، وغادرتُ عبر المطار ودخلت هولندا على اعتبار أنني طالبة.
لماذا قررتم نشر ما جرى معكم؟
– لأني كنت أمام اختبار حقيقي لإنسانيتي، بعد الذي تعرضت، وبعد سماعي للانتهاكات البشعة والمروعة التي تعرضت لها الناشطات المعتقلات من أفواه المحققين أنفسهم.. هل أكشف ذلك وأسلط الضوء على معاناتهن، أم أصمت فأخون مبادئي وأخذل من بقي منهن تحت سياط الجلادين؟
لو كنتُ أرضى لنفسي أن أكون أداة، لاخترت أن أبقى في بلدي وأكون أداة بيد الحكومة السعودية، وأحصل على ما يحصل عليه الذين ارتضوا لأنفسهم ذلك
كيف تابعتم ردود الأفعال المختلفة على ما قمتم بنشره على حسابك بموقع “تويتر”؟
– ردود الأفعال في أغلبها كانت متعاطفة معي، وبعضها لم تخل من الشتائم والتشكيك والتكذيب. وأنا أشكر كل من تعاطف معي وعبّر عن دعمه لي. أما الشتائم والتشكيك فلم يسلم منها كل من انتقد أو اعترض أو أفصح عما تعرض له من ظلم. وأحمد الله أنها لم تتطور وتصل إلى القتل والتقطيع كما حصل للشهيد جمال خاشقجي.
هناك من اتهمك بأنك أداة في أيدي قطر لاستهداف المملكة، وآخرون قالوا إنك سورية الأصل ولستِ سعودية.. ما ردك؟
لو كنتُ أرضى لنفسي أن أكون أداة، لاخترت أن أبقى في بلدي وأكون أداة بيد الحكومة السعودية، وأحصل على ما يحصل عليه الذين ارتضوا لأنفسهم ذلك، من امتيازات ورواتب خيالية، وقرب من كبار المستشارين في الديوان الملكي.
أما مسألة العمالة لقطر فهي تهمة جاهزة ومعلبة لكل منتقد أو معارض، مثلما كانت العمالة للحوثي وإيران والإخوان قبل اندلاع الأزمة الخليجية هي التهمة الجاهزة.
أما مسألة أني سورية الأصل فهي مضحكة ولا تستحق الرد.
نحن بلد شمولي، لا يستطيع أي شخص اتخاذ قرار دون موافقة صاحب السلطة الأولى، لكن ما يحدث فضيع جدا ولا يصدق
قلتِ إنك تعرضتِ لتهديدات حتى بعد سفرك لهولندا.. فهل توقفت تلك التهديدات الآن أم أنها لاتزال مستمرة؟ وهل تعتقدين أنها تهديدات جدية أم لا؟
– نعم لاتزال التهديدات تصلني لكن ليست بنفس الوتيرة التي كانت عليها في الأيام الأولى التي أعلنت فيها خروجي من البلد وكشفت ما حصل معي، لكن باعتقادي أنها ستتجدد حال عودتي للنشاط الإعلامي والظهور التلفزيوني خصوصا. والذي يزيد من مخاوفي هي التهورات القذافية كما وصفها الشهيد جمال خاشقجي حين حذر الناشط عمر بن عبدالعزيز من حماقات المتنفذين.
برأيك: هل لايزال سعود القحطاني يمارس عمله بالفعل كما يقول البعض أم لا؟
– لا أعلم تحديدا، فليست لي مصادر خاصة من الديوان، ولكن الذي أشعر به ومن خلال متابعتي للإعلام الذي لا يزال يعيش ذات الأجواء السابقة، هي أن المُوجّه لهذه الممارسات لايزال حتى الآن يمارس جميع مهامه، وأقصد به سعود القحطاني، المسؤول الأول عن تويتر وتوجيه رؤساء التحرير في البلد.
بعض الحسابات السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي طالبت السفارة السعودية في هولندا بأن تتخذ الإجراءات الأمنية والقضائية اللازمة تجاهك.. هل حدث أي شيء معك في هذا الصدد؟
– لم يحصل شيء بهذا الشأن، ولا اعتقد أنه ممكن أن يحصل، فليست جميع البلاد على وتيرة واحدة في انتهاك حقوق الإنسان.
برأيك: من المسؤول الأول عما تتعرض الناشطات المعتقلات؟ ومن الذي تحمليه مسؤولية ما جرى معك؟
– نحن بلد شمولي، لا يستطيع أي شخص اتخاذ قرار دون موافقة صاحب السلطة الأولى، لكن ما يحدث فضيع جدا ولا يصدق، ولذلك أكرر السؤال على نفسي يوميا عشرات المرات: هل يمكن أن يكون الأمير محمد بن سلمان راض عن ما يحدث أم أنها ممارسات سعود القحطاني وأدواته المجرمة هي من تنفذ هذه الأعمال.
الحالة الحقوقية في أصعب وأسوأ ظروفها، ولا توجد أي رقابة تدافع عن حقوق المعتقل داخل السجون
هل هناك إجراءات بعينها تعتزمين أو تفكرين في اتخاذها مستقبلا بشأن ما جرى معك؟
– نعم، لدي محامي يساعدني في قضية اللجوء حاليا، وسنعمل سويا على مخاطبة المنظمات الحقوقية لاحقا، لأكشف لهم بالأدلة والأسماء التي أعرف حقيقة ما جرى معي وما يجري مع بقية الناشطات في السجون.
في تقديرك: هل بات الهرب ومغادرة المملكة هو الحل أمام النشطاء والحقوقيين والكتاب السعوديين؟
– أقولها بكل أسى، أن الحكومة السعودية لم تترك خيارا للناشطين وغيرهم سوى الخروج من البلد، فانت كمثقف مهتم بالشأن العام، إما أن تكون ضمن الجوقة المطبلة، وإما أن تخرج أو تُودع في السجون، حتى الصمت لم يعد يكفي.
والحقيقة أن سجون المملكة امتلأت بالناشطين من مختلف التيارات والتوجهات والطوائف. الكل اليوم خائف ومرعوب، وهناك الكثيرون يريدون الخروج من البلد، لكن بعضهم ممنوعون من السفر، والبعض الآخر يخشون من أن يتم اعتقالهم في المطار بتهمة محاولة الهروب والانضمام للمعارضة في الخارج.
من وجهة نظرك: ما مدى صحة ما يقال حول تعرض ناشطات معتقلات بسجون المملكة إلى انتهاكات جسدية وصلت إلى الاغتصاب؟
– الحالة الحقوقية في أصعب وأسوأ ظروفها، ولا توجد أي رقابة تدافع عن حقوق المعتقل داخل السجون، لا يوجد محامون، ولا يسمح بزيارة الأهل بشكل دوري، فما ينشر عن الانتهاكات ربما لا يكمل كل القصة، وبرأيي لا تزال هناك حوادث أفظع وأبشع لم تؤكد حتى الآن ربما تصل إلى حد القتل.
للأسف لا سبيل لإيقاف الانتهاكات الحقوقية، فنحن لسنا في دولة مؤسسات حقيقية
كيف ترين موقف المجتمع الدولي من الانتهاكات التي تحدث داخل السعودية؟
– موقف المجتمع الدولي للأسف لا يزال خجولا، ولم يتحرك بشكل حقيقي للضغط على الحكومة وإجبارها على تحسين سجلها الحقوقي، لم نسمع حتى اليوم أن منظمة حقوقية تمكنت من زيارة السجون وأخذ إفادات عن ما يتعرض له المسجونون.
مجموعة من أعضاء البرلمان البريطاني شكلوا لجنة خاصة للتحقيق في ظروف اعتقال السيدات السعوديات وطلبوا من السلطات السعودية السماح لهم بلقاء المعتقلات.. كيف تنظرين لهذه الخطوة؟ وهل قد تسمح السعودية لهم بهذه الزيارة أم لا؟
– خطوة جيدة، وستكون مؤثرة جدا لو نجحت، لكن لا أعتقد أن الحكومة السعودية ستسمح لهم بزيارة المعتقلات، لأنها باختصار ستقع بإحراج عالمي كبير.
إلى أي مدى تأثرت المملكة بالانتقادات الحقوقية الواسعة التي تعرضت لها خاصة بعد واقعة اغتيال خاشقجي أم أنها لا تلقي بالا لكل هذه الانتقادات؟
– لا شك أنها أثرت، وخصوصا في شخص الأمير محمد بن سلمان، الذي ينفق الملايين على شركات العلاقات العامة في أمريكا وأوروبا لتحسين سمعته، هو يتحسس كثيرا من أي انتقاد بسيط، فما بالكم في الانتقادات التي تأتي من الغرب؟
برأيك: كيف إيقاف الانتهاكات الحقوقية التي تحدث داخل السعودية؟
– للأسف لا سبيل لإيقافها، فنحن لسنا في دولة مؤسسات حقيقية، كما أن الديمقراطية معدومة، والشعب ليس له أي قرار ولا رأي، لكن يمكن التخفيف منها في حال قرر المجتمع الدولي التحرك بجدية، وزيارة المعتقلات والسجون.
صورة السعودية اهتزت كثيرا، والعالم أجمع أصبح ينظر للحكومة على أنها حكومة تفتقر للحقوق واحترام الإنسان
السعودية دولة إسلامية و تقول إنها تطبق الشريعة الإسلامية.. كيف يتسق ذلك مع ما تعرضتِ له وتتعرض له أخريات؟
– الشريعة الإسلامية تصون كرامة الإنسان وحقوقه، وتمقت الظلم وترفضه، ولو كان هناك تطبيق حقيقي لها، لما رأينا كل هذه الانتهاكات، لكنها مجرد شعارات تتردد في وسائل الإعلام، ولا أثر لها على أرض الواقع. ومؤخرا حتى هذه الشعارات بدأت الدولة تتملص منها وترميها جانبا منذ صعود الأمير محمد بن سلمان.
كيف ينظر العالم إلى المملكة حاليا خاصة في ظل الانتهاكات بحق المرأة؟
– صورة السعودية اهتزت كثيرا، والعالم أجمع أصبح ينظر للحكومة على أنها حكومة تفتقر للحقوق واحترام الإنسان. أما الأمير محمد بن سلمان فقد تشوهت صورته بشكل كبير جدا بعد جريمة اغتيال خاشقجي، وجرائم تعذيب الناشطات في السجون.
متى قد تعودين إلى السعودية مرة أخرى؟
– عندما يخرج معتقلو الرأي من السجون وتستطيع الناشطات التعبير عن آرائهن، عندما تصبح السعودية مكانا آمنا لأبنائها، يأمنون فيه على حريتهم وكرامتهم وأرواحهم وأعراضهم.
المصدر: عربي21