ربما لم يعد سرًا أن النظام الحاكم في مصر يعمل منذ مدة على تجهيز مسار جديد يمكن للرئيس من خلاله الاستمرار لوقت أطول في سدة الحكم بصلاحياتٍ مطلقة، خاصةً بعد تقارير إعلامية صدرت مؤخرًا تؤكد هذه النية من مؤسسات مؤيدة ومعارضة، مثل موقع “مدى مصر” الذي قدم أكثر من مادة عن هذا الموضوع، وياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم والمقرب من السيسي الذي بشر بهذه الخطوة في مقالة بعنوان “هل يكون 2019 عام الإصلاح الدستوري في مصر؟”.
وربما أيضًا لم يكن صعبًا منذ البداية التنبؤ بحتمية هذا التوجه من رئيس يؤكد أن 30 مليون مصري نزلوا يطالبونه بالتحرك إبان مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، وأن بقاءه في السلطة إلى الآن نزولٌ على رغبتهم، رغم سده كل منافذ التعبير الحقيقي عن الرأي، لا سيما بعد تصريحه في سبتمبر/أيلول 2015: “دستور مصر الحاليّ كتب بنوايا حسنة، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط”، وهو ما دفع 200 شخصية بارزة لاستباق الأحداث والتوقيع على وثيقة رفض للتعديلات الدستورية القادمة، معتبرينها “عبثًا” يعمق أزمة الشرعية لدى النظام الحاكم، وهو ما يعني تجاوزنا مرحلة الفعل من عدمه، إلى الحديث عن تفاصيل الفعل وأدوات الفاعلين وأسباب الرفض.
أكثر من مجرد تمديد رئاسي
بحسب المعلن، فإن أعين جميع المعارضين شاخصة نحو المادة (140) المتعلقة “بقصر مدة الرئاسة على 4 أعوام، لا يمكن تجديدها إلا مرةً واحدة”، وينظر في المقابل إلى أي تعديل آخر باعتباره غطاءً على الهدف الرئيس، وهو زيادة مدة حكم السيسي التي يفترض أن تنتهي 2022، وهي طريقة تستوجب إعادة النظر، فإذا كانت التعديلات غير المتعلقة بمدة الرئاسة تعطي مؤيدي السيسي هامشًا من المناورة لقول العبارة الكلاسيكية “إن تعديل الدستور ليس مقتصرًا على المادة المتعلقة بمدة الحكم”، فإنها، في نفس الوقت، تجعل صلاحيات الرئيس مطلقةً، وتكرس لنظام الفرد الواحد، الذي يحكم “مملكة”، على حد تعبير النائب البرلماني وعضو ائتلاف 25/ 30 أحمد الطنطاوي، بما يعود بالبلاد لنظام ما قبل 1952، كما يقول الكاتب الصحفي الموقع على وثيقة رفض تعديل الدستور محمد منير.
يسعى السيسي وأعوانه لتقليم أظافر البرلمان فيما يخص كل السلطات النوعية المفترض تقاسمها يين السلطتين، التنفيذية التشريعية، لتصبح في يد السيسي وحده
ووفقًا لنصر القفاص الأمين العام السابق لحزب المصريين الأحرار، “فإن هناك ما يزيد على 18 مادة بحاجة إلى التعديل وإعادة النظر”، هذه المواد المطلوب تعديلها وإعادة النظر فيها تصب كلها في اتجاه تفرد الرئيس مطلقًا، وتمنع محاسبته على “جرائم” اقترفها خلال فترته الأولى، بحيث تصبح كل مخالفات الرئيس القانونية والتنفيذية والدستورية مشروعةً لاحقًا بموجب دستور مستفتى عليه شعبيًا.
تقويض سلطات البرلمان
يسعى السيسي وأعوانه لتقليم أظافر البرلمان فيما يخص كل السلطات النوعية المفترض تقاسمها يين السلطتين، التنفيذية التشريعية، لتصبح في يد السيسي وحده، بما يكفيه مؤونة تفصيل نواب البرلمان على مقاسه لاحقًا، مستغلًا الدعم المطلق من نواب البرلمان الحاليّ، ليصبح الوضع بعد تعديل الدستور كالآتي: حكم أبدي بصلاحياتٍ مطلقة.
فبحسب تصريح سابق للنائب البرلماني الحاليّ مصطفى بكري، فإن الدستور القائم متمثلًا في المادة 146 التي توضح طريقة اختيار رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة وطرحه على البرلمان، قد يدفع مصر لتكرار السيناريو العراقي أو اللبناني، فهذه – من وجهة نظره – ليست صناعة رئيس مستبد، وإنما إعادة صلاحيات سلبها الدستور الحاليّ من الرئيس، لن ينصلح الحال إلا بعودتها.، فيما أكد يحيى كدواني وكيل لجنة الدفاع بمجلس النواب، ضرورة تعديل المادة 147، معتبرًا أن للرئيس الحق الكامل في إعفاء الوزراء واختيارهم، لكونهم معاونيه في السلطة التنفيذية، دون قيد أو شرط.
يلزم الدستور الحاليّ الدولة بأن تكون لموازنة قطاعات التعليم – العالي وقبل الجامعي – والصحة، والبحث العلمي، نسبًا معينة من قيمة الناتج القومي الإجمالي
وتنص المادة 146 أنه “يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على الأغلبية خلال ثلاثين يومًا، عد المجلس منحلاً”.
بينما تنص المادة 147على أنه “لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها، بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، ولا يحق لرئيس الجمهورية أن يعفي أيًا من الوزراء الذي عينهم من منصبه، إلا بعد موافقة مجلس النواب”.
تعليم وصحة على مقاس الرئيس
يلزم الدستور الحاليّ الدولة بأن تكون لموازنة قطاعات التعليم – العالي وقبل الجامعي – والصحة، والبحث العلمي، نسبًا معينة من قيمة الناتج القومي الإجمالي، خوفًا من تهرب الحكومات المتعاقبة من الاهتمام بهذه القطاعات، كما حدث في السابق.
ولكن الحكومة المصرية لجأت لدمج ميزانية قطاعاتٍ لا ترتبط بالتعليم والصحة من قريب أو من بعيد لتصل إلى النسب المنصوص عليها دستوريًا، كإضافتها ميزانية الصرف الصحي والهيئة القومية لمياه الشرب لميزانية وزارة الصحة؛ الأمر الذي قد يتسبب في الطعن على قانونية هذه الموازنة.
تنص المادة 21 على نسبة 2% للتعليم الجامعي، والمادة 19 على نسبة 4% للتعليم قبل الجامعي، والمادة 23 على نسبة 1% للبحث العلمي، وكلها موادٌ مطروحة للتعديل في الفترة المقبلة
وتحسبًا لذلك، صرح الدكتور محمد العماري رئيس لجنة الشؤون الصحية في البرلمان برغبة اللجنة في تعديل المادة 18 من الدستور، لأنها غير قابلة للتنفيذ، وتنص المادة 18 على أنه “لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب، ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل، وتلتزم الدولة بنسبة من الإنفاق الحكومي على الصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.
وتنص المادة 21 على نسبة 2% للتعليم الجامعي، والمادة 19 على نسبة 4% للتعليم قبل الجامعي، والمادة 23 على نسبة 1% للبحث العلمي، وكلها موادٌ مطروحة للتعديل في الفترة المقبلة.
المزيد من إجراءات القمع
بينما ينص الدستور الحاليّ الذي صوت عليه 38% من الناخبين وحاز موافقة 98% من هذه النسبة، على منع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في غير التهم التي تخص القوات المسلحة، ويقصر إعلان حالة الطوارئ على مدة 3 شهور، ويتضمن مادة تلزم الدولة بتحقيق العدالة الانتقالية وضرورة محاسبة المتورطين في الجرائم السياسية خلال فترة ما قبل إقراره وتعويض الضحايا وفقًا للمعايير الدولية، فإن أعضاء مجلس النواب الحاليّ يسعون إلى تعديل هذه المواد.
حيث طلب يحيى كدواني، وكيل لجنة الدفاع بمجلس النواب، تعديل المادة 204 من الدستور، التي تنص على أنه “لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، أو معداتها أو مركباتها أو ما في حكمها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على ضباطها أو أفرادها” لتصبح: “أي شخص يقبض عليه وهو يعتدي على مؤسسات الدولة أو يخل بالأمن القومي، يحاكم عسكريًا بتهمة الخيانة العظمى”.
أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، رأى أن الظروف الحاليّة لا تحتاج إلى قانون للعدالة الانتقالية، لأن المجتمع – في نظره – أفرز الصالح من الطالح
كما يقترح كدواني تعديل المادة 154 الخاصة بفرض حالة الطوارئ التي تقصرها على 3 شهور، لتصبح “عامًا قابلًا للمد مدةً مماثلةً”، نظرًا لحالة الحرب على الإرهاب التي تعيشها البلاد، أما أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، فقد رأى أن الظروف الحاليّة لا تحتاج إلى قانون للعدالة الانتقالية، لأن المجتمع – في نظره – أفرز الصالح من الطالح.
– منع محاسبة الرئيس
بحسب الدستور الحاليّ، فإن الرئيس السيسي خرق عددًا كبيرًا من مواده المهمة في أكثر من مناسبة، مما قد يعرضه لاحقًا للمساءلة القانونية، وهو الأمر الذي يسعى العاكفون على هندسة التعديل الجديد لمعالجته.
ومن المواد الدستورية التي ينوى تعديلها، لمخالفة الرئيس لها، المادة 63 المتعلقة بالتهجير القسري، فبينما تنص المادة صراحة على أنه “يحظر التهجير القسري التعسفي لجميع المواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم”، فإن الرئيس المصري أمر الجيش في وقت سابق بتهجير أهالي رفح المصرية على حدود سيناء، لإنشاء منطقة عازلة في إطار الحرب على الإرهاب.
أما المادة 151، فتنص فقرتها الثانية على أنه “يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية ويبرم المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها، وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة”، وهو ما لم يتحقق في مناسباتٍ كثيرة، أبرزها بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وفقًا لبيان المعارضة.
بحسب كثير من معارضي التعديلات، مثل الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، فإنه لا يمكن تعديل مدة الرئاسة بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 226 التي تنص على أنه “لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بمزيد من الضمانات”
ويرى محللون أن مجلس حماية هوية الدولة وأهداف ثورة 30 يونيو الذي سيرأسه السيسي، وفقًا لما ورد في مقال ياسر رزق، يهدف إلى حماية شخص الرئيس أولًا، وحماية النظام العسكري الحاكم في مصر من أي رئيس مدني قادم.
التعديلات باطلة بحكم الدستور
وبحسب كثير من معارضي التعديلات، مثل الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، فإنه لا يمكن تعديل مدة الرئاسة بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 226 التي تنص على أنه “لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بمزيد من الضمانات”، فهي، في نظر المعارضين، بمثابة نص فوق دستوري، وضعه كتاب الدستور تجنبًا لسوابق قديمة من التحايل، عندما قام السادات بفتح الباب لإعادة انتخاب الرئيس بدستور 1971عام 1980، وهو ما استفاد منه مبارك بعد اغتيال السادات 1981، وقام به مبارك في المادة (76) التي فتحت الباب لتوريث ابنه، جمال مبارك، حكم مصر.
ولكن مؤيدي التعديلات يرون أن هذه الفقرة يمكن تجاوزها قانونيًا بعدة أشكال منها:
– بموجب الفقرة الأولى من المادة 226 نفسه، يحق للرئيس أو خمسة أعضاء من البرلمان، طلب تعديل مادة أو أكثر من الدستور، ليناقش المجلس طلب التعديل خلال 30 يومًا من تاريخ تسلم الطلب، ويصدر المجلس قراره بالقبول أو الرفض بأغلبية أعضائه.
– تعديل المادة 140 التي تنص على انتخاب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، بزيادة مدة انتخابه لتصبح – وفقًا لياسر رزق – ست سنوات، دون الحاجة إلى تعديل المادة 226 التي تمنع إعادة انتخاب الرئيس أكثر من مدة، ليمنح السيسي عامين إضافيين.
بحسب مصادر مقربة من النظام المصري، فإن البرلمان سوف يبحث التعديلات الدستورية المقترحة في مارس/آذار المقبل
– اعتبار فكرة حظر التعديل التي نصت عليها الفقرة الأخيرة من المادة 226 باطلة؛ لأنها “مصادرة” من اللجنة التي وضعت الدستور على حق الأجيال القادمة؛ خاصة أن قوائم الناخبين التي صوتت على دستور 2014 أضيف لها عددٌ كبير من الناخبين، ممن لم يصلوا إلى السن القانوني حينئذ، وفي كل الأحوال، ستلجأ الدولة إلى الاستفتاء، بحسب النائب أحمد الطنطاوي.
احتكار المجال العام
سببٌ آخر يدعو المعارضة للتوجس من هذا المسار والتشكك في نزاهته، هو احتكار الدولة لمسار تعديل الدستور وانحيازها المسبق لخيار التعديل، فالرئيس الذي يبحث تعديل الدستور لأجله، صرح – كما سبق – ضمنيًا برغبته في التعديل، وخطة التعديل تهندس، وفقًا لما أورده موقع مدى مصر، في أروقة المخابرات العامة تحت إشراف محمود السيسي نجل الرئيس العامل بالمخابرات، والإعلام، الذي يفترض أن يكون جزءًا من حوار مجتمعي تسيطر عليه المخابرات العامة، بدأ مؤخرًا في سوق مبررات تعديل الدستور: فالوضع الأمني لا يزال غير مستقر، ويجب على السيسي استكمال المشروعات القومية التي لا يمر يومًا دون أن يتابعها بنفسه، كما أن الدستور عمل بشري، صيغ في مرحلةٍ انتقالية لا تتناسب مع معطيات الوضع الحاليّ.
أما البرلمان، ممثل الشعب، فقد أعلن رئيسه ورؤساء لجانه كثيرًا رغبتهم في تعديل الدستور، فيما تنظر محكمة الأمور المستعجلة التي يرى الإسلامبولي أنه جرى الزج بها في معترك السياسة منذ أزمة تيران وصنافير، دعوى قضائية تلزم النواب بالنظر في تعديل الدستور، والساحة تخلو تمامًا من أي شخص يثق فيه الناس غير السيسي، كما يقول محمد أبو حامد النائب البرلماني وعضو تكتل الأغلبية “ائتلاف دعم مصر”.
وبحسب مصادر مقربة من النظام المصري، فإن البرلمان سوف يبحث التعديلات الدستورية المقترحة في مارس/آذار المقبل، لتأخذ مسارها وفقًا للمادة 226 التي تنص على أن يقرر المجلس موقفه من التعديلات، قبولًا أو رفضًا، خلال شهر من تسلم الطلب، ثم تناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها خلال ستين يومًا من الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا أعضاء المجلس، عرض على الشعب خلال ستين يومًا من هذه الموافقة، لتمر التعديلات قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، حيث يتوقع ألا تعارض إدارة الرئيس ترامب هذه التعديلات.