ذكرت صحيفة “فاينناشيال تايمز” البريطانية أن وزارة الخزانة الأمريكية بدأت في تلقي أسماء المرشحين المحتملين لخلافة جيم يونغ كيم في رئاسة البنك الدولي والمقرر البت فيها أبريل القادم، من بينها ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشارته إيفانكا ترامب.
الأسماء المرشحة على المنصب الشاغر بعد إعلان كيم تقديم استقالته نهاية يناير/كانون الثاني الحاليّ شملت أيضا نيكي هيلي سفيرة واشنطن السابقة في مجلس الأمن الدولي، بخلاف ما يتداول بشأن مساعد وزير الخزانة الأمريكي للشؤون الدولية ديفيد مالباس، وماريك غرين رئيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
أن يكون رئيس البنك الدولي أمريكي الجنسية فهذا أمر واضح وإن كان غير مؤكد، فهناك ما يشبه الاتفاق على أن يتولى الأمريكان تعيين رئيس البنك الدولي فيما يختار الأوروبيون رئيس صندوق النقد الدولي، وفي ضوء الأسماء المرشحة حتى الآن بات من المرجح أن يخلف كيم شخصية أمريكية.
معايير الاختيار تتمحور حول ما يمكن أن يقدمه كل مرشح لخدمة أهداف وأجندات المنظمة الدولية المعنية بتقديم الدعم المالي والتقني للبلدان النامية والفقيرة، وهو ما يعني أن من يملك مصادر التمويل الأكبر للبنك وفروعه سيكون الأكثر حظًا في الفوز بالمنصب، وهو ما دفع البعض للحديث عن دور سعودي في اختيار الفائز، خاصة في ظل العلاقات القوية التي تربط بين المسؤولين في الرياض وإيفانكا.. فهل تدعم المملكة ابنة ترامب؟
تمويل سعودي لصندوق عالمي للمرأة
في مايو 2017 وخلال زيارة الرئيس الأمريكي للرياض، أعلن البنك الدولي، أن السعودية ومعها الإمارات تعهدتا بدفع مبلغ 100 مليون دولار أمريكي لصندوق إيفانكا ترامب لمساعدة سيدات الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة، المؤسسة تهدف إلى دعم النساء في توسيع فرصهن التجارية، ليس فقط في الولايات المتحدة الأامريكية وإنما في بلدان أخرى أيضًا.
الصندوق الذي كان مطلبًا للبنك الدولي منذ سنوات وأعيق تدشينه بسبب عدم وجود التمويل الكافي، سيعمل على تسهيل وصول المرأة في الشرق الأوسط إلى المساعدة الاقتصادية والأسواق المختلفة، وهو ما يعزز من رقعة نشاط ونفوذ المؤسسة الدولية لا سيما في الدول النامية، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال“.
دعم سعودي لإيفانكا في معركتها الانتخابية تصل قيمته إلى مليار دولار لصندوق دعم المرأة في ريادة المشروعات، وهو ما قد يضعها على قائمة المرشحين المحتملين
بعد التعهد السعودي بتمويل الصندوق نجحت ابنة ترامب في خطف الأضواء خلال قمة العشرين التي عقدت في هامبورج يوليو 2017 بعد أن تم الإعلان عن تدشين برنامج قروض للقطاعين العام والخاص، يستهدف تقديم أكثر من مليار دولار لدعم سيدات الأعمال في الدول النامية وهو مشروع كانت إيفانكا أول من بادر بطرحه.
حينها قال رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم في حفل الإطلاق الذي حضره ستة من زعماء العالم المشاركين في قمة مجموعة العشرين: “هذا ليس مشروعًا صغيرًا، سيكون محركًا كبيرًا للنمو الاقتصادي في المستقبل، وسيكون محركًا للمساواة بين الجنسين في نفس الوقت”، مؤكدًا على أهمية وجود “مناصرة” مثل إيفانكا ترامب للتحفيز على اتخاذ إجراء بشأن قضية مهمة، وهو ما اعتبره البعض وقتها محاولة لتسويقها لمنصب رفيع داخل البنك الدولي تكشفت ملامحه بعد ذلك حين أعلن كيم عن استقالته وبات المنصب شاغرًا.
إيفانكا خطفت الأضواء في قمة العشرين بهامبورج يوليو 2017
مليار دولار لدعم إيفانكا
فوز إيفانكا بمنصب رئيس البنك الدولي ليس مسألة سهلة في ظل وجود منافسين على قدر من القوة والتخصص كمساعد وزير الخزانة الأمريكي للشؤون الدولية، ورئيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، هذا بخلاف نيكي هايلي التي تتمتع بدعم قوي من كثير من الأمريكيين، وهو ما يجعل المعركة حامية الوطيس، قد تتدخل أمور ومعايير أخرى لتغليب كفة أحدهم على الآخر.
المنصب وإن لم يكن على القدر المقلق من الحساسية التي تتطلب اختيارات من نوع ما، غير أن الأجندة التي يسعى البنك لتنفيذها لا يمكن لها أن تتحقق دون تمويل ودعم مادي، وهو ما يجعل قدرة المرشح على منصب الرئيس في توفير الأموال اللازمة لتوسيع رقعة المنظمة هو القول الفصل في المعركة.
الخبير الاقتصادي المصري في الأمم المتحدة إبراهيم نوار على صفحته الشخصية على “فيس بوك” كشف عن دعم سعودي لإيفانكا في معركتها الانتخابية تصل قيمته إلى مليار دولار لصندوق دعم المرأة في ريادة المشروعات، وهو ما قد يضعها على قائمة المرشحين المحتملين.
السلطات السعودية تفهم عقلية ترامب جيدًا، عقلية التاجر الذي لا يتوانى عن تحقيق المكاسب كلما تحرك، ومن ثم كان الدعم السعودي المتواصل الذي اقترب من التريليون دولار في أقل من عامين
وأضاف ردًا على سؤال عن قدرة الدعم السعودي في ترجيح كفة ابنة ترامب خاصة أنها لا تمتلك سيرة ذاتية قوية تؤهلها لهذا المنصب، أنه من السابق لأوانه الحديث عمن سيفوز ومن سيخسر، مطالبًا بالانتظار حتى إعلان القائمة المرشحة بصورة نهائية وحينها تتضح الأمور بشكل كبير.
وفي المقابل هناك من أشار إلى أن وقوف السعودية خلف ابنة ترامب قد يكون عاملاً سلبيًا لا سيما على المستوى الشعبي في ظل تنديد شريحة كبيرة من الأمريكان بسياسات المملكة القمعية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في اليمن، فضلاً عن الصورة المشوهة التي خلفتها جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مقر سفارة بلاده في بإسطنبول قبل ثلاثة أشهر.
صفقات أمريكية غير مسبوقة للسعودية منذ تنصيب ترامب رئيسًا
ما المقابل؟
لا شك أن دعم السعودية وحلفائها لإيفانكا في مشوارها نحو كرسي رئيس البنك الدولي ليس من قبيل العطية أو الهبة غير المستردة، فالقائمون على أمور النظام السعودي الحاكم يعرفون جيدًا أن رضا الإدارة الأمريكية وعلى رأسها ترامب أحد أقوى الأسباب لبقائهم في الحكم وهو ما أعلنه الرئيس الأمريكي صراحة في تصريح سابق له حين قال إنه لولا دفاعه عن العاهل السعودي ما بقي في منصبه لمدة أسبوعين.
الموقف الحرج الذي باتت فيه الرياض بسبب حربها في اليمن وما أفرزته من هجوم أممي وتنديد دولي لما يتعرض له البلد الذي كان سعيدًا في السابق من جرائم حرب وانتهاكات لآدمية سكانه على رأسهم الأطفال وكبار السن والنساء، فضلاً عن الاستنكار الدولي بسبب تورط ولي العهد ورجاله في مقتل خاشقجي بعد موجات متتالية من النفي والتكذيب، كل هذا وضع مستقبل نجل العاهل السعودي على المحك بخلاف الصورة المشوهة التي باتت عليها المملكة.
الدعم السعودي لإيفانكا هو مغازلة من نوع جديد لوالدها الذي يرى ابن سلمان أنه الضامن الوحيد لخلافته لوالده على عرش المملكة
السلطات السعودية تفهم عقلية ترامب جيدًا، عقلية التاجر الذي لا يتوانى عن تحقيق المكاسب كلما تحرك، ومن ثم كان الدعم السعودي المتواصل الذي اقترب من التريليون دولار في أقل من عامين، هذا في الوقت الذي يعزف فيه الرئيس الأمريكي على أوتار الابتزاز للنظام السعودي يوما تلو الآخر.
الدعم السعودي لإيفانكا هو مغازلة من نوع جديد لوالدها الذي يرى ابن سلمان أنه الضامن الوحيد لخلافته لوالده على عرش المملكة، وسواء كلل هذا الدعم بفوزها بالمنصب أم لا فإن الرسالة ستصل إلى ترامب الذي طرأت بعض التغيرات على موقفه من الرياض مؤخرًا بشأن قضية خاشقجي.
علاوة على ذلك فإن قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا أربك حسابات الرياض بصورة كبيرة، كونه يعزز من نفوذ الخصم التقليدي، طهران، في المنطقة، ورغم تأرجح الإدارة الأمريكية في تنفيذ القرار، غير أن الرسالة منه قد وصلت مداها، فبادرت المملكة بتقديم المزيد من الدعم والتمويل في مقابل الحماية، وهو المطلوب أمريكيًا.