في جولة تحمل أهميةَ عاليةَ انطلاقًا من طول زمنها، حيث تستغرق 8 أيام وتشمل 8 دول عربية، أجرى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، جولته في منطقة الشرق الأوسط، التي بدأها في 8 من يناير/كانون الثاني بالأردن ومن ثم مصر والبحرين والإمارات وقطر والسعودية وسلطة عمان، ليختتمها في 15 من يناير/كانون الثاني بالكويت.
وفي تغريدة له في حسابه على موقع “تويتر”، أشار بومبيو إلى أن “الزيارة تأتي بهدف إرسالة رسالة واضحة إلى أصدقائنا وشركائنا مفادها أن الولايات المتحدة ملتزمة بالمنطقة، ملتزمة بهزيمة “داعش”، وملتزمة بمواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
بحسبان الحديث المُتكرر منذ بضعة أعوام عن تأسيس “ناتو عربي”، وبوضع انتهاء خطر “داعش” واستمرار وجود النفوذ الإيراني، يتساءل عدد من المتابعين عن مدى ارتباط الزيارة بفكرة تأسيس “الناتو العربي”، ودور هذا الجسم حال تم تأسيسه فعلًا.
“الناتو العربي”
بدايةً تجدر الإشارة إلى أن فكرة تأسيس “الناتو العربي” ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ظفرت عدة دول عربية باستقلالها، وأضحت تواجه تهديدات داخلية وخارجية بنفسها، وعلى الرغم من المحاولات العربية البينية، والمحاولات التي تمت من خلال دعم إحدى الدول الكبرى لتجميع بعض الدول العربية تحت مظلة أمنية ـ عسكرية تحالفية واحدة، كحلف بغداد ومجلس التعاون العربي ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي تحت مظلة الجامعة العربية، فإن هذه المحاولات، ورغم وصول بعضها لمرحلة تأسيس وفعالية حقيقية، باءت بالفشل.
وتسلسلت الأحداث لتعود فكرة إنشاء هيكل أمني إقليمي لمواجهة التهديدات الأمنية المحيطة بالدول والأنظمة الحاكمة التي ما زالت قائمة على أصولها، وأصبحت تخشى من انفجار الأوضاع على أراضيها، وتهاب من تهديد الجماعات المُسلحة الراديكالية، وبالأخص تنظيم الدولة “داعش”، وتشعر بالخطر من تنامي النفوذ الإيراني.
أصابت انتفاضات “الربيع العربي” الأنظمة الملكية التي نجت من شعلة الثورات، بهزةٍ دفعتها للتطّلع بجدية نحو النظر بصياغة اتفاق دفاع مُشترك يضمن لها توزان قوى إقليمي، وانطلاقًا من تلك النقطة، طرحت دول الخليج، في نهاية عام 2013، مشروع الدفاع المُشترك الذي يضم دول الخليج، إضافة إلى الأردن والمغرب، تحت قيادة سعودية يُمثلها الأمير متعب بن عبد الله قائد الحرس الوطني السعودي حينذاك.
غير أن الخلافات السياسية الكبيرة بين دول مجلس التعاون، لا سيما قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهةٍ أخرى، فيما يتعلق بالموقف من جماعة الإخوان المسلمين والنفوذ الإيراني، بالإضافة إلى تردد الأردن والمغرب في دعم طموحات الرياض العسكرية، حال دون تحوّل الفكرة لواقع.
القوة العربية المذكورة شملت مصر والأردن والمغرب والسعودية والسودان ودول الخليج فقط بقيادة تناوبية بين القاهرة والرياض، وحيّدت الدول العربية الخاضعة لهيمنة إيران، كسوريا والعراق ولبنان، ليكتسب “الناتو العربي” الصبغة العربية السنية
ومع اندلاع أزمة 2014 بين الدوحة من جهة والرياض والمنامة وأبو ظبي من جهةٍ أخرى، بسبب الدعم القطري لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، اضمحلت الفكرة نسبيًا، ولكن مع انتهاء الأزمة، خرجت الدول العربية على هامش قمة الجامعة العربية المُنعقدة في شرم الشيخ في أبريل/نيسان عام 2015، ببيان موحد يُعلن تأسيس قوة عربية مُشتركة ضد التحديات الامنية.
غير أن القوة العربية المذكورة شملت مصر والأردن والمغرب والسعودية والسودان ودول الخليج فقط بقيادة تناوبية بين القاهرة والرياض، وحيّدت الدول العربية الخاضعة لهيمنة إيران، كسوريا والعراق ولبنان، ليكتسب “الناتو العربي” الصبغة العربية السنية، وانطلاقًا من مادة ميثاق تأسيس الجامعة العربية التي تنص على ضرورة اتخاذ القرارات الملزمة بالإجماع، أُشير إلى القوة على أنها تطوعية.
وفي لقاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مع وزراء خارجية دول الخليج، بما فيها قطر المُفروض عليها “مقاطعة” أو “حصار” من بعض الدول الخليجية، بالإضافة إلى الأردن ومصر، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المُتحدة في نيويورك، نهاية سبتمبر/أيلول 2018، اتضحت أسماء الدول المُحتمل مشاركتها في تأليف “الناتو العربي”، وقد زاد التأكيد على هذه الأسماء في الجولة الأخيرة لبومبيو.
دور “الناتو العربي”
التساؤل الذي يُطرح الآن هو: ما دور “الناتو العربي” في المنطقة، في حال تم تأسيسه فعلًا؟ بالركون إلى توقيت الجولة التي أجراها بومبيو مؤخرًا، وبالاستناد إلى الأهداف التي حددتها اجتماعات بومبيو السابقة والحاليّة مع وزراء خارجية الدول التي يُتوقع أن يتألف منها “الناتو العربي”، وبحسبان تلميح إدارة ترامب إلى اتباع إستراتيجية “الاحتواء والتطويق” ضد النفوذ الإيراني بالاعتماد إلى إستراتيجية “التحالف التكاملي” أو “الانتشار التشاركي”، يتضح أن دور الناتو العربي يتمركّز بشكلٍ أساسي في نطاق النفوذ الأمريكي في سوريا، وعلى امتداد الحدود العراقية ـ السورية.
يبدو أن دور “الناتو العربي” في سوريا يأتي في إطار تطويق النفوذ الإيراني تحت راية أمريكية، بهدف موازنة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، بما يمكّن من استخدام العصا الغليظة ضد طهران، في حال خرجت عن النطاق المرصود لتحركها في المنطقة
تقوم الخطة الأمريكية في سوريا، في الغالب، على إستراتيجية “الانتشار التشاركي” التي تعني منح الفواعل المحلية الفاعلة في منطقة شرق الفرات كافة دورًا في تأسيس مجالس إدارية مستقلة جزئيًا عن دمشق، وإشراك قوى إقليمية، تركيا على حدودها في سوريا وبعض المناطق كمنبج وتل الأبيض، ودول “الناتو العربي” في قاعدتي “الزكف والتنف” وقاعدة الأسد في العراق وعدد من القواعد الأمريكية المنتشرة على طول الحدود العراقية ـ السورية، وربما في بعض المناطق السورية القريبة من الحدود العراقية، وقوى دولية، بغية مشاركة التكاليف المادية والعسكرية والبشرية مع الدول ذات المصلحة المُشتركة معها، لمواجهة أسباب ظهور تنظيمات إرهابية شبيهة “لداعش” من جديد، وتحجيم وتطويق النفوذ الإيراني.
بإيجاز، يبدو أن دور “الناتو العربي” في سوريا يأتي في إطار تطويق النفوذ الإيراني تحت راية أمريكية، بهدف موازنة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، بما يمكّن من استخدام العصا الغليظة ضد طهران، في حال خرجت عن النطاق المرصود لتحركها في المنطقة.
ولعل الوجود الشرعي لإيران في سوريا، كدولة تم استدعاؤها من النظام السوري ودولة ضامنة، بالإضافة إلى الرغبة الأمريكية ـ الأوروبية في الاستفادة من الغاز الإيراني عبر “الخط الإسلامي” الذي يمر بالعراق وسوريا ولبنان ومنها إلى الدول الأوروبية، كبديل للغاز الروسي، والإبقاء على عنصر مُهدد للأمن العربي ـ الخليجي، وغيرها من العوامل تجعل توجه الولايات المتحدة نحو النفوذ الإيراني قائم على “تحجيم” النفوذ، وليس القضاء عليه بشكل كامل، ويبدو أن هذا هو الدور الأساسي المرسوم “للناتو العربي” في حال تم تأسيسه، وحقق انتشارًا على طول الحدود السورية.
في الختام، تتبع الإدارة الأمريكية الحاليّة إستراتيجية تقاسم التكاليف عبر تأسيس تحالفات إقليمية مناطقية، وهذا يوضح طبيعة دور “الناتو العربي” في سوريا والمنطقة، حيث يدور في فلك الخطة الأمريكية القائمة على الإستراتيجية المذكورة.