منذ وقت طويل تعمل منظمات الحفاظ على البيئة على تحقيق التوازن في التفاعل بين الناس والطبيعة، ولكن في الآونة الأخيرة فقط استوعب خبراء المناخ تمامًا مدى أهمية إدارة استخدام الأراضي في مواجهة تغير المناخ، ومع تطوير الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي والنمذجة البيوجيوكيميائية، يمكن توقع النتائج بشكل أفضل، ووضع إستراتيجيات لإدارة وتقليل العواقب السلبية.
ومن بين أهم حلول المناخ الطبيعي حماية “الغابات الحدودية”، وهي غابات ناشئة تعتبر بمثابة أحواض طبيعية للكربون، فالغابات الاستوائية والشمالية السليمة، وكذلك السافانا والنظم الإيكولوجية الساحلية، تخزن كميات هائلة من الكربون المتراكم عبر القرون، عندما تختل هذه المناطق، يتم إطلاق الكربون، كما يساعد الحفاظ على بيئات الحدود في تنظيم تدفق المياه ويقلل من مخاطر الفيضان ويحافظ على التنوع البيولوجي.
الغابات كحل للمناخ؟ نعم.. بشكل طبيعي
لعل التحذير الصادر عن كبار علماء المناخ في العالم، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بشأن أن الحد من ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية إلى 1.5 درجة مئوية سيتطلب تغييرات سريعة بعيدة المدى وغير مسبوقة في جميع جوانب المجتمع هو اعتراف مستحق وكبير للمهمة العظيمة التي تواجه البشر، لكن ما لا يجب نسيانه هو الأمل الذي توفره الغابات.
“الغابات هي التكنولوجيا الطبيعية والمختبرة الوحيدة التي يمكن استخدمها لتقليل آثار تغير المناخ” المديرة التنفيذية لمنظمة السلام الأخضر الدولية جينيفر مورجان
وبحسب الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) “لا يمكن تحقيق ذلك فحسب بل إنه أمر حاسم أيضًا”، وذلك بالنظر إلى المخاطر المتسارعة التي لم يسبق تقديرها من قبل لكل درجة من الاحترار تتجاوز هذا الهدف، وقد اقترح الفريق أيضًا أن كمية إزالة ثاني أكسيد الكربون يمكن أن تكون محدودة بسبب الانخفاضات الكبيرة والسريعة في الانبعاثات، ولكن أيضًا خفض الطلب على الطاقة إلى بضع مئات الملايين من الأطنان من دون الاعتماد على تقنية الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه “BECCS“.
ويعني ذلك أن الغابات واستخدام الأراضي يمكن – بل يجب – أن يلعبا دورًا رئيسيًا في الجهود المبذولة لتحقيق 1.5 درجة مئوية، لكن الحكومات والدول الصناعية غالبًا ما تتجاهل اعتبار حماية الغابات المحسنة، فضلاً عن استعادة الغابات، حلول بديلة أساسية لتقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون المحفوفة بالمخاطر مثل تقنية BECCS، وهو نهج سلبي لمواجهة الانبعاثات.
وفي حين أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الزراعة وتدمير الغابات وأراضي الخث (تسمى المستنقعات أو الأطيان، وهي واحدة من أقسى البيئات على كوكب الأرض وواحدة من أهم البيئات من حيث تخزين الكربون) تساهم بشكل كبير في تغير المناخ، فإن نمو الغابات وترميمها يمكن أن يسهم بشكل كبير في تقليل تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
تغير المناخ يوقف نمو الغابات بعد الحرائق
وللسماح لحلول المناخ الطبيعي بالازدهار يجب تقليل حرائق البراري والغابات، ومعظمها بسبب الأنشطة البشرية وتساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، فالانتشار الجغرافي المأساوي والواسع النطاق للحرائق الهائلة عبر سيبيريا وأوروبا وكاليفورنيا خلال فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي هو بمثابة تذكير صارخ بتهديد تغير المناخ الذي تشكله الغابات.
وبحسب المديرة التنفيذية لمنظمة السلام الأخضر الدولية جينيفر مورجان، فإن الغابات هي “التكنولوجيا” الطبيعية والمختبرة الوحيدة التي يمكن استخدمها لتقليل آثار تغير المناخ، وحمايتها وتوسيعها ستجلب منافع لا تؤدي إليها الحلول التقنية لإزالة الكربون التي لم تتم تجربتها، وستساعد حماية الغابات المجتمعات على التكيف مع تغير المناخ ودعم سبل عيشهم، كما يمكن الحد من الحرائق والجفاف والفيضانات والعواصف وتأثيراتها، وحماية التنوع البيولوجي والحفاظ على دورات المياه العذبة ومنع تآكل التربة.
الأرض هي مفتاح الحل
يحدد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ مسارات مختلفة للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ويعتمد معظمها بدرجات متفاوتة على نجاح المزيد من التقنيات، ولكن بعيدًا عن غير المثبت منها حتى الآن، وعلى وجه الخصوص النهج السلبي لمواجهة الانبعاثات باهتمام كبير، وهو ما يسمى “طاقة الكتلة الحيوية بالإضافة إلى التقاط الكربون وتخزينه” (BECCS).
تم التخلص بالفعل من ثلث مساحة الغابات العالمية للأراضي الصالحة للزراعة والمراعي والمستوطنات والطرق في الألفية الأخيرة
ويتضمن نشر هذه التقنية رفع المستوى بشكل كبير للإنتاج المكثف للمحاصيل الزراعة الأحادية أو مزارع الأشجار، مما يؤدي إلى زيادة فقدان البيئات الطبيعية والتنوع البيولوجي، ويهدد بدوره الشعوب الأصلية وصغار المزارعين والمجتمعات المحلية، ويضخ الأرض اللازمة لإنتاج الأغذية ويزيد الطلب على المياه والتلوث الكيميائي الزراعي.
الطاقة الحيوية التي تحتوي على الكربون لا تساهم في تخفيف التغير المناخي، وهناك عدم يقين كبير بشأن الجدوى التقنية والأمان والاستدامة وتكلفة التخزين الجيولوجي الطويل الأجل للكربون، وهذا هو السبب في الحاجة إلى العمل وفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وإعادة تقييم الطريقة التي يُنظر بها إلى الغابات، فقد تم بالفعل التخلص من ثلث مساحة الغابات العالمية للأراضي الصالحة للزراعة والمراعي والمستوطنات والطرق في الألفية الأخيرة.
الحكومات التي تقود مكافحة تغير المناخ تستمر في دعم وحماية الاستثمار بالبحث عن الوقود الحفري
ويمكن إيقاف هذا الاتجاه وتغييره بإنهاء التوسع في المحاصيل الزراعية، خاصة الطاقة الحيوية والأعلاف الحيوانية في النظم البيئية الطبيعية، كما يجب البدء في تغيير جذري للممارسات الزراعية، وتبني الزراعة الإيكولوجية والتحول إلى نظام غذائي أقل اعتمادًا على اللحوم للحد من انبعاثات الماشية.
وبحسب جوستون آدمز وصوفي بيكهام في مقال بموقع “جرينبيز”، فإن المطلوب هو إجراء جريء من الحكومات والصناعة للالتزام بحماية الغابات واستعادتها مع الحفاظ على حقوق السكان الأصليين، ومن خلال اغتنام الفرصة الآن لاستعادة المناطق التي أزيلت منها الغابات والتخلي عن الحلول الخاطئة – مثل “BECCS” – يمكن ضمان أن تفي الغابات بدورها الحيوي.
وفي حين يصل نصيب العالم العربي إلى 2% فقط من إجمالي مساحة غابات الأرض، وتشغل هذه النسبة مساحة 10% مساحة الوطن العرب، منها 78 % منها في السودان و17
وبحسب مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، أصبحت اللامبالاة تجاه التغير المناخي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمرًا شائعًا، رغم أن المشكلات المرتبطة بها تزداد سوءًا، حيث من المتوقع أن تحدث موجات جفاف أطول وأكثر حرارة، إضافة إلى العواصف الترابية أيضًا، وذلك في المنطقة بين الرباط وطهران طبقًا لما ذكره معهد “ماكس بلانك للكيمياء” الألماني.
حلول المناخ الطبيعية
تمثل الزراعة والغابات وغيرها من استخدامات الأراضي نحو ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، لكن اعتماد إستراتيجيات إدارة الأراضي المستدامة يمكن أن يوفر أكثر من ثلث تخفيضات الانبعاثات على المدى القريب اللازمة للحفاظ على الاحترار بدرجة أقل بكثير من الهدف المطلوب، وهو درجتان مئويتان فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية التي حددها اتفاق باريس للمناخ.
حسبت إحدى الدراسات الحديثة فإنه إذا توقفت البرازيل عن إزالة الغابات بحلول عام 2030، فستضيف 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي، أو نحو 15 مليار دولار إلى الاقتصاد
بعض أكثر الطرق الواعدة للتخفيف من تغير المناخ هي ما يُطلق عليه “الحلول المناخية الطبيعية”، ومنها المحافظة على الأراضي واستعادتها وتحسينها من أجل زيادة تخزين الكربون أو تجنب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المناطق الطبيعية في جميع أنحاء العالم، وتم توضيح الإمكانات الكاملة لهذه الحلول في دراسة جديدة أنتجتها منظمة Nature Conservancy، و15 مؤسسة رائدة أخرى.
إعادة التشجير هو حل طبيعي مهم آخر، فعلى الصعيد العالمي، تم إزالة أو تدهور ما يقدر بملياري هكتار (4.9 مليار فدان) من الأراضي، بحسب معهد الموارد العالمية، ولأن الأشجار هي أفضل تكنولوجيا لكبح الكربون وتخزينه في العالم، فإن عكس هذه الأرقام سيؤدي إلى انخفاض كبير في مستويات الكربون العالمية، فالعالم يمكنه الاحتفاظ بـ3 الآف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا – أي ما يعادل إخراج أكثر من 600 مليون سيارة من الطرق – ببساطة عن طريق زراعة المزيد من الأشجار.
الفئة الأخرى من الحلول الطبيعية هي الإصلاح الزراعي، حيث يعتبر قطاع الأغذية مساهمًا رئيسيًا في تغير المناخ من خلال الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة، وبآثاره السلبية غالبًا على صحة التربة وإزالة الغابات، واعترافًا بهذه المخاطر، وقعت 23 شركة عالمية – بما في ذلك شركتي نستلة وماكدونالد وتيسكو ويونيليفر – مؤخرًا التزامًا بوقف إزالة الغابات في سيرادو سافانا البرازيلية، بعد أن تعرضت المنطقة، التي تغطي ربع البلاد، لضغوط متزايدة من إنتاج لحم البقر وفول الصويا والسلع الأخرى، إلى جانب البنية التحتية المرتبطة بها.
وكما يوضح تعهد منطقة “سيرادو” البرازيلية، عندما تجتمع الحكومات والشركات التجارية لمواجهة تحديات استخدام الأراض، فإن التأثير يكون قويًا، حلول المناخ الطبيعي لديها القدرة على الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 11.3 مليار طن سنويًا، وهو ما يساوي التوقف الكامل عن حرق النفط، وقد حسبت إحدى الدراسات الحديثة أنه إذا توقفت البرازيل عن إزالة الغابات بحلول عام 2030، فإنها ستضيف 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي، أو نحو 15 مليار دولار إلى الاقتصاد، كما تجني المجتمعات المحلية منافع ثانوية مثل التجديد الريفي وتحسين الأمن الغذائي والمائي عند تنفيذ حلول المناخ الطبيعية.
المملكة العربية السعودية حصلت مرة أخرى على لقب أسوأ دولة في مكافحة تغير المناخ وذلك حسب دليل الأداء السنوي لتغير المناخ “CCPI”
ومع ذلك، رغم البيانات التي تدعم اتخاذ قرارات استخدام أفضل للأراضي، فإن شيئًا ما غير مجدٍ، ففي عام 2016، شهد العالم زيادة دراماتيكية بنسبة 51% في خسائر الغابات، أي ما يعادل مساحة نيوزيلندا، في حين تتحرك بعض الدول في الاتجاه الصحيح، على سبيل المثال، خصصت الحكومة الهندية 6 مليارات دولار للدول لاستثمارها في ترميم الغابات، وفي إندونيسيا، أنشأت الحكومة وكالة مخصصة لحماية واستعادة الأراضي الخثية والمستنقعات والنظم الإيكولوجية التي تشبه المستنقعات وتتمتع بقدرات تخزين هائلة لغاز ثاني أكسيد الكربون.
لكن هذه الدول هي الاستثناء، أما القاعدة فتقول إن من بين 160 بلدًا تعهدت بتنفيذ اتفاق باريس بشأن المناخ، حددت 36 بلدًا فقط إدارة استخدام الأراضي في إستراتيجياتها للحد من الانبعاثات، وقد يرجع ذلك إلى اختلاف الغابات والمزارع والسواحل من حيث الحجم والنوع وإمكانية الوصول، علاوة على ذلك، ترتبط حياة مئات الملايين من الناس بهذه الأنظمة البيئية، وترتبط بالمشاريع التي تعيد الغطاء النباتي أو تحسين صحة التربة تخطيطًا مركّزًا، وهو التزام صعب للعديد من الحكومات.
واحدة من هذه الدول التي تمثل القاعدة هي السعودية التي تذيلت قائمة الدول التي تكافح تغير المناخ، ففي ذكر تقرير لموقع “ميدل إيست آي”، وترجمته “نون بوست” منذ أيام قليلة، أن المملكة العربية السعودية حصلت مرة أخرى على لقب أسوأ دولة في مكافحة تغير المناخ وذلك حسب دليل الأداء السنوي لتغير المناخ “CCPI”، في حين تعتبر مصر – التي حققت 57 درجة – من بين الدول متوسطة الأداء، أما الجزائر فتقع بين الدول ضعيفة الأداء، وبخلاف ذلك، تقع بقية الدول من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في قائمة الدول الضعيفة جدًا.
وفي حين بدأت المدفوعات للحفاظ على الغابات تتدفق في إطار برنامج REDD”” التابع للأمم المتحدة للحد من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، وخصص صندوق المناخ الأخضر 500 مليون دولار للدفعات المتعلقة بحماية الغابات، إلا أن إجمالي الاستثمار العام في الاستخدام المستدام للأراضي لا يزال غير كافٍ، ووفقًا لمبادرة سياسة المناخ، فإن التمويل العام للزراعة والغابات والتخفيف من استخدام الأراضي لم يجتذب سوى 3 مليارات دولار في عام 2014، مقابل 49 مليار دولار لتوليد الطاقة المتجددة و26 مليار دولار لكفاءة الطاقة.