لسنواتٍ طويلة، كان اكتناز الممتلكات الشخصية المادية بشكلٍ مفرط موضع اهتمام ثقافي قبل أن يتم تصنيفه بشكل رسمي كمرضٍ صحي يندرج تحت قائمة الاضطرابات العقلية باسم Compulsive Hoarding، وحاليًّا في الوقت الذي استحوذت فيه التكنولوجيا على معظم نشاطات حياتنا وتفاصيلها، وأصبحت الهواتف والحواسيب المحمولة جزءًا ملازمًا لنا، لاحظ العلماء ظهور نوع مشابه للتكديس القهري وهو التخزين الرقمي.
ماذا يعني أن تحتفظ بآلاف الإيميلات والصور؟
إذا نظرت إلى بريديك الإلكتروني نظرة سريعة ومررت بطريقك إلى ألبوم الصور وغيرها من الملفات الرقمية الموجودة في هاتفك النقال، ستجد متعلقات مهنية وشخصية لست بحاجتها ولا تعلم بوجودها، ولكنك مع ذلك تشعر بصعوبة حذفها وقد تدفع أحيانًا مبالغ إضافية من أجل شراء مساحات وذاكرة جديدة لإفساح المجال للمزيد من الرسائل والوثائق الإلكترونية.
وهو ما تم وصفه لأول مرة عام 2015 بـ”داء التخزين الرقمي” الذي يمنعك من التخلص من أي ملفات متراكمة على أجهزتك الإلكترونية، مسببةً لك كم كبير من الضغوط النفسية المتمثلة بالتوتر والقلق وما يتبعها من مخاطر تتعلق بأمن المعلومات للأفراد والشركات وإسراف وقت كبير في العثور عليها وقت الحاجة وسط التضخم الرقمي الهائل.
“داء التخزين الرقمي” يمنعك من التخلص من أي ملفات متراكمة على أجهزتك الإلكترونية، مسببةً لك كم كبير من الضغوط النفسية المتمثلة بالتوتر والقلق وما يتبعها من مخاطر تتعلق بأمن المعلومات للأفراد والشركات
ووفقًا لتقرير Databerg Global Veritas (واحدة من أكبر المؤسسات البحثية المستقلة العالمية في إدارة بيانات المؤسسات)، فإن 15% فقط من بيانات الشركة العادية تكون مهمة، والثلث فائض أو عفا عليه الزمن، و52% منها غير سرية، ما يعني أن هناك كمية هائلة من البيانات التي يمكن – ويجب – محوها.
يعرف الباحثون هذا المرض بأنه “تراكم الملفات الرقمية بشكل مفرط وعشوائي والتردد في حذف المواد الرقمية غير الضرورية التي لم تعد ذات قيمة للمستخدم، ما يخلق شعورًا بالتوتر والقلق”، وبحسب رئيس هيئة بحثية عن داء التخزين بجامعة نورثمبريا، نك نيف، يقول: “عند سؤال المصابين بداء التخزين عما يمنعهم من التخلص من تلك الأدوات، تجدهم يقولون إنهم قد يجدون فيها نفعًا ما بالمستقبل، تمامًا كما يقول من يعانون من الشيء ذاته بخصوص بريدهم الإلكتروني في العمل”.
كما يشير إلى دراسة استهدفت 45 شخصًا لمعرفة طريقة تعاملهم وإدارتهم لرسائلهم الإلكترونية والصور والملفات الرقمية الأخرى، وبينت النتائج أن الأسباب تختلف ما بين التكاسل والاعتقاد بإمكانية الاستفادة منها في المستقبل والتخوف من حذفها والتضرر من ضياعها لا سيما في الحالات التي تستدعي وجود دليل ضد الآخرين.
داء التخزين الرقمي يمنع الأشخاص من اتخاذ القرار ويمنحهم شعورًا بالتبلد والحزن والضيق سواء أدركوا ذلك أم لا
وفي تجربة أخرى، استعان نفس الفريق الباحث في التجربة الأول بـ203 أشخاص تعتمد وظيفتهم على استخدام الحاسوب ووجدوا أن المشاركين احتفظوا في المتوسط بـ102 رسالة غير مقروءة و331 رسالة مقروءة ببريدهم الإلكتروني، وكانت حجتهم لعدم التخلص منها هو الاعتقاد بإمكانية الرجوع إليها لمراجعة بعض المعلومات المتعلقة بالعمل أو أنها قد تستخدم كدليل مواجهة في وجه الآخرين بحالات خلافية معينة، ونظرًا لذلك، يجد العلماء أنه ما زال من الصعب التمييز بين السلوك الرقمي الطبيعي والمرضي في مسألة التخزين.
لكن في المقابل خلصت نتائج دراسة جديدة قام بها باحثان ساشيترا لوكاج ودارشانا سيديرا من جامعة موناش الأسترالية بهدف التعرف على عادات التخزين الرقمي لدى 846 شخصًا وبمدى الضغط الذي يشعرون به تجاه المعلومات المحفوظة إلى أن داء التخزين الرقمي يمنع الأشخاص من اتخاذ القرارات ويمنحهم شعورًا بالتبلد والحزن والضيق سواء أدركوا ذلك أم لا.
ماذا لو استمرت الملايين والملايين من الملفات في التزايد؟
بصفةٍ عامة ينبغي النظر إلى الإنترنت على أنه بوفيه ضخم من المحتويات الغنية والمعلومات التي لا تقاوم ولذلك يتوجب علينا أن نضبط أنفسنا أمامها ونكون أكثر دقة في خياراتنا وتنزيلاتنا والملفات التي نبقيها داخل أجهزتنا وتطبيقاتنا الرقمية.
إذ تقول أستاذة تكنولوجيا المعلومات بجامعة ويسكنسن – وايتووتر، حو آن أورافيتش، إن مرض التخزين لا يرتبط بكم المعلومات التي نخزنها، بل بقدرة الشخص المؤكدة على السيطرة على المادة المحتفظ بها من عدمها، محذرة من التراكم المستمر للمعلومات التي قد يسبب للبعض الشعور بالغثيان وانعدام التوازن، يؤكد ذلك رئيس الهيئة نك الذي يقول: “إذا وصل الشخص إلى مرحلة أصبح فيها شديد التعلق والتأثر بالبيانات المتراكمة أو فقد قدرته على إيجاد أو استرجاع ما يحتاجه منه، فهذا كله قد يؤشر على وجود مشكلة”.
كيف تزيد الشركات التكنولوجية من أزمتنا؟
غالبًا إذا وصلك إشعار يخبرك بضرورة حذف بعض من ملفاتك الإلكترونية لامتلاء ذاكرة هاتفك بالكامل، فإنك قد تتوجه إلى أحد البرامج التي توفرها بعض الشركات للاحتفاظ بالملفات، مثل “غوغل درايف” و”غوغل فوتوس” و”دروب بوكس” وغيرها من الوسائل التي تعتقد للوهلة الأولى أنها تساعدك في حل مشكلة لكنها في الواقع تقيدك وتهديك طمأنية مزيفة.
يوصي الباحثون بضرورة حذف التطبيقات والبرامج التي لم تستخدم منذ شهر، وحذف جهات الاتصال غير الضرورية
ولا شك أن هذه الفوضى يمكن أن تضاعف الوقت الذي تستغرقه لإنجاز مهمة بسبب التشتيت والطاقة الفكرية التي ستستهلكها في البحث عما تريد بين الملفات القديمة، يضاف إلى ذلك نقطة في غاية الأهمية وهي احتمالية وقوعك ضحية للاختراقات الإلكترونية.
ومن أجل التخلص من هذه العادة، يوصي الباحثون بضرورة تنظيم ملفاتك من خلال إلغاء الاشتراك من الجهات والمؤسسات غير المرغوب بالتواصل معها أو تلقي معلومات منها، وحذف التطبيقات والبرامج التي لم تستخدم منذ شهر، بجانب التخلص من جميع الملفات والأفلام والكتب والأغاني التي لم تعد تستخدم، وحذف جهات الاتصال غير الضرورية.