عناد في التشبث بتلابيب السلطة إلى آخر نفس في مقابل إصرار على تحقيق الحد الأقصى لسقف مطالب الغاضبين في الشوارع والميادين.. هذا هو العنوان الأبرز للمشهد السوداني بينما تدخل الاحتجاجات الشعبية أسبوعها الرابع وسط تصعيد متبادل بين الطرفين.
الاحتجاجات التي خلفت ورائها 24 قتيلا بحسب ما أعلنته الحكومة السودانية في مقابل 40 على الأقل وفق ما أكدته منظمة هيومن رايتس ووتش بينهم أطفال ورجال إسعاف، دخلت خلال الثمان وأربعين ساعة الماضية نفقا جديدًا من التصعيد، لاسيما بعد انضمام العديد من الكيانات السياسية إلى صف المحتجين.
ومع ارتفاع سقف المطالب بات من الصعب التكهن بما ستسفر عنه الأيام القادمة خاصة بعد إعلان بعض الحركات السياسية الامتناع عن التفاوض مع حكومة الرئيس عمر البشير تحت ذريعة اقتراب تنحيتها في ظل إصرار الشارع السوداني الملتهب على إسقاطها وتشكيل حكومة انتقالية.
عناد البشير
واصل الرئيس السوداني إصراره في التشبث بحكومته رغم الهجوم الشديد عليها وتحميلها مسئولية تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية بل والأمنية، حيث قابل إعلان حركة تحرير السودان عبر رئيسها عبدالواحد نور رفضها لمبدأ الجلوس للحوار مع الحكومة باستخفاف شديد.
البشير علق على هذا الموقف بقوله إنهم “قالوا لا داعي للاتفاق على سلام مع الحكومة لأنها ستسقط” مضيفًا بلهجة تحمل معاني الاستخفاف :”سيطول انتظاركم..لكننا لن ننتظرهم وسنسعى لتحقيق السلام من واقع مسؤولية الدولة”، معتبرًا أن موقف نور ليس سوى عناد وعمل على استمرار معاناة المواطنين، وتابع: “بالحساب.. إذا عاش 100 سنة لن يتمكن من استلام جبل مرة ناهيك عن دارفور أو بقية السودان”.
أما فيما يتعلق ببقية الحركات التي تقاتل الحكومة في دارفور وغيرها قال الرئيس السوداني “إن المسؤولين في جنوب السودان يبذلون جهدا كبيرا لتوحيد الحركة المنشقة الى تيارين بزعامة عبد العزيز الحلو ومالك عقار” مضيفًا ” لكنهم لن يتحدوا ونحن في الانتظار”
وفي السياق ذاته أعلن رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم أعلن من باريس قبل يومين رفضه الذهاب لجولة التفاوض القادمة التي كان مقررًا لها يناير الجاري في الدوحة، تضامنا مع المتظاهرين الذين خرجوا في عدد من مدن السودان للمطالبة بإسقاط النظام.
الرئيس السوداني عمر البشير
مواصلة التصعيد
وفي المقابل أعلنت القوى السياسية المشاركة في الاحتجاجات أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا على مستوى التظاهرات التي تعم البلاد حتى تحقيق مطالبهم كاملة دون انتقاص، كاشفين عن خارطة التحركات الاحتجاجية في شوارع البلاد ومدنها والتي من المفترض أن تبدأ بعد ظهر اليوم الثلاثاء.
وفي بيان مشترك لعدد من تلك القوى على رأسها تجمع المهنيين السودانيين، وقوى نداء السودان، وقوى الإجماع الوطني التجمع الاتحادي المعارض، أشار إلى أن “الأيام المقبلة ستشهد تظاهرات مسائية بدءا من اليوم الثلاثاء بمنطقتي الكلاكلة والثورة، حيث ستنطلق مظاهرة الكلاكلة من سوق اللفة وتنطلق مظاهرة الثورة أم درمان من محطة صابرين، كما سيتم الإعلان عن مزيد من التظاهرات المسائية لاحقا”.
اعتقال (28) صحفياً وصحفيةً، أمس الاثنين أثناء اعتزامهم المشاركة في وقفة صامتة أمام مقر إدارة الإعلام بجهاز الأمن في شارع المك نمر، وتقديم مذكرة احتجاجاً على الرقابة الأمنية ومنع الطباعة والمًصادرات المتكرّرة لجريدة “الجريدة”.
وأضاف البيان أن “الخميس المقبل سوف يشهد تحرك للتظاهرات باتجاه القصر الجمهوري مجددا بالتزامن مع مواكب مماثلة في عدد من مدن البلاد، سيعلن عنها تباعا” مؤكدًا على أن “سلمية الثورة هي مقبرة النظام”، وأن الحكومة في الخرطوم فقدت القدرة على الإدارة السياسية والاقتصادية، وفشلت في تحويل المواكب والمسيرات والتظاهرات السلمية لمعركة عنف، رغم استخدامها للرصاص الحي والاعتقالات.
@AssociationSd suggestion #موكب١٥يناير #مليونية_الحرية_السودانية #مدن_السودان_تنتفض #تسقط_بس #مواكب_مدن_السودان #مواكب_مابتتراجع_تاني #من_كل_حدب_وصوب pic.twitter.com/42Qpiyizjy
— ﮼ابن ﮼عُ ـمر (@Monzir_Omar) January 11, 2019
وأختتمت القوى بيانها بأن “الخطوات القادمة هي الحاسمة، فالطريق إلى الإضراب الشامل أصبح معبدا، وإعمال الشلل التام لحركة النظام سيكون خطنا في مقبل الأيام، وسنصعد من التظاهرات المسائية والمواكب في الأيام القادمة” مطالبة”السودانيين بعدم الاستجابة لأي مساومات لا تنتهي بإزاحة النظام وتنحي رئيسه”
وردا على هذه التحركات واصلت أجهزة الأمن السودانية حملات الاعتقال للنشطاء والمشاركين في التظاهرات آخرها اعتقال (28) صحفياً وصحفيةً، أمس الاثنين أثناء اعتزامهم المشاركة في وقفة صامتة أمام مقر إدارة الإعلام بجهاز الأمن في شارع المك نمر، وتقديم مذكرة احتجاجاً على الرقابة الأمنية ومنع الطباعة والمًصادرات المتكرّرة لجريدة “الجريدة”.
يذكر أن حالة من التعتيم وتضييق الخناق على وسائل الإعلام كانت قد فرضتها السلطات السودانية، فبجانب اعتقال صحفيين تم حجب بعض الصحف عن الإصدار منها جريدة البعث بالأمس، حيث طالب جهاز الأمن بإزالة أخبار التظاهرات والأعمدة، كما صادر صحيفة “اليوم التالي” في 12 يناير الجاري على خلفية تغطيتها لموكب الرحيل الرابع بأمدرمان الأربعاء الماضي.
جهود إنقاذ
في الوقت الذي تخاذلت فيه معظم النظم العربية فضلا عن المجتمع الدولي عن نصرة المحتجين السودانيين رغم سقوط العشرات منهم ما بين قتيل وجرح، خلافا لتصعيد حملة الاعتقالات والانتهاكات بحق المتظاهرين، حرصت بعض العواصم العربية على دعم نظام البشير خشية انتقال عدوى الثورة لحدودها الداخلية.
البشير خلال حديثه أمام قيادات الإدارة الأهلية والأحزاب بمدينة نيالا أمس الاثنين كشف عن دعم إماراتي كبير من الممكن أن يكون له دور في تقليل نسبة العجز في الوقود والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أشعلت فتيل الاحتجاجات، حيث قال إن “هناك ترتيبات لتوفير الوقود عبر الموارد المحلية وبدعم من الإمارات العربية المتحدة”، مضيفًا”سنوفر الوقود عبر إمكانيات محلية وبدعم من بعض الأشقاء، وأحب أن أذكر إخوتنا في دولة الإمارات الذين وقفوا معنا في هذه اللحظة، ونحن سنرتب معهم لتوفير كل حاجة البلاد من الوقود وذلك وفقا لصحيفة “الشروق” السودانية.
المسارات والموجهات العامة للتظاهرات المسائية بكل من (أمدرمان-الثورات، الكلاكلة) …#موكب15يناير#مدن_السودان_تنتفض pic.twitter.com/VNcl1WdulD
— تجمع المهنيين السودانيين (@AssociationSd) January 14, 2019
أما فيما يتعلق بمساعي سد عجز النقد الأجنبي بالبنوك والذي كان أحد أسباب الانتفاضة كذلك أكد الرئيس السوداني أن “الدولة وفرت نحو 4 مليارات دولار من عائدات صادرات المواد غير النفطية، في الوقت الذي تبلغ فيه حاجة البلاد من النقد الأجنبي 8 مليارات دولار، مشيرا إلى أن “السودان يواجه مشكلة اقتصادية مثل الكثير من الدول ولديه من الموارد ما يمكنه من تجاوزها”
كما وجه كذلك الشكر لعدد من الدول الأخرى التي دعمت السودان في أزمته الأخيرة وحرصها على الحفاظ على أمن واستقرار بلاده على رأسها مصر وجنوب السودان وإثيوبيا وتشاد والتي أرسلت وفوداً بمستوى عالٍ للاطمئنان على الأوضاع في البلاد.
هل تسقط الحكومة؟
الحكومة في نهايتها ونتوقع أن نرفع علامات النصر لهذه الثورة.. بهذه الكلمات أكد نائب رئيس حركة الإصلاح الآن والنائب في البرلمان السوداني، حسن رزق، أن أيام حكومة البشير باتت معدودة وإن كانوا لايدركون ذلك، متهما النظام السوداني بالسير على نفس خطى النظام التونسي إبان الثورة، ففي الأيام الأولى للثورة التونسية أعترف الرئيس الهارب زين العابدين بن علي أنه ألان فقط قد فهم لكن بعد فوات الأوان.
وأضاف رزق خلال مداخلة تلفزيونية له مع قناة “الحدث” أن البطانة الفاسدة للنظام تخيل له أن الأمن مستتب وأنه لا قلق مما يجري في الشارع، لكن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق، كاشفا أن هناك خيار واحد فقط أمام حكومة البشير للخروج من هذا المأزق وهو “تسقط بس”
بين إصرار الغاضبين على مواصلة الاحتجاجات وتعزيز الحراك بفعاليات أكثر حزما وتصعيدًا في مواجهة رفض البشير الخضوع لإملاءات الشارع، تبقى الأيام القادمة حبلى بالعديد من التطورات
آخرون استبعدوا فرضية سقوط الحكومة في هذا التوقيت في ظل الدعم الذي تقدمه بعض الأنظمة العربية التي تؤيد البشير ليس حبا فيه ولكن خوفا من نجاح الثورة ومن ثم تصبح أيقونة للعديد من العواصم العربية الملتهبة بطبيعتها والتي هي في أمسً الحاجة إلى تجربة ناجحة تستعيد من خلالها زخمها الثوري بدروسه المستفادة كما كان مع الحالة التونسية في 2011.
وما بين إصرار الغاضبين على مواصلة الاحتجاجات وتعزيز الحراك بفعاليات أكثر حزما وتصعيدًا في مواجهة رفض البشير الخضوع لإملاءات الشارع، تبقى الأيام القادمة حبلى بالعديد من التطورات التي ربما تعيد تشكيل الخارطة السياسية للبلاد وسط ترقب إقليمي لما يمكن أن تسفر عنه هذه الهبًة الشعبية من نتائج.