بينما تعزف العديد من وسائل الإعلام الموالية للنظام الحاكم على وتر تحسن الوضع المعيشي للمصريين خلال العام الحاليّ 2019 مقارنة بما كانت عليه الأوضاع خلال الأعوام المنصرمة، فإن العديد من التحديات ربما تواجه الاقتصاد المصري هذا العام قد تكون أشد وطأة خاصة على محدودي الدخل.
2019 قد يكون أحد أكثر الأعوام تحديًا للاقتصاد المصري، بدءًا من رفع الدعم عن الوقود بصورة نهائية والمقرر منتصف العام، مرورًا بتجاوز سقف الدين العام للحدود المطمئنة، هذا في الوقت الذي تذهب فيه التوقعات إلى احتمالية تعرض المصريين لموجات قاسية من ارتفاع أسعار السلع والخدمات العامة، استكمالاً لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
محدودو الدخل والقابعون تحت مستوى خط الفقر البالغ عددهم حتى العام الماضي 30 مليون مواطن مع توقعات بزيادة هذا الرقم خلال السنة الحاليّة، هم الفئة الأكثر تأثرًا بتلك التحديات التي يشير بعض الخبراء إلى أنها ربما تكون الأقسى عليهم في ظل انسحاب شبه تدريجي للدولة من القيام بالتزاماتها تجاه هذه الشريحة وتركهم عرضة لابتزاز الرأسمالية المتوحشة.
رفع الدعم نهائيًا
الشبح الأكثر قلقًا لمضاجع المصريين خلال السنوات الثلاثة الأخيرة على وجه التحديد كان الرفع التدريجي للدعم الخاص ببعض السلع والخدمات، الذي يأتي ضمن الرضوخ لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي الذي وضع حزمة من الإجراءات التعسفية ضد مسمى “الإصلاح الاقتصادي” كشريطة أساسية لمنح القرض المقدر بـ12 مليار دولار للحكومة المصرية وفق أقساط تم الاتفاق عليها.
الصندوق الشهر الماضي أجل صرف الشريحة الخامسة، وقبل الأخيرة، التي كان من المقرر أن تستلمها مصر ومقدارها ملياري دولار، بسبب عدم التزام القاهرة بآلية تسعير الوقود الجديدة التي تتطلب تحريره بصورة كاملة، ومن ثم لم تجد الحكومة أمامها سوى الاستجابة.
وضع البنك الدولي شروطًا مجحفة لمنح مصر قرض آخر قيمته مليار دولار أوائل ديسمبر الماضي مرتبط بتعزيز الحكومة المصرية لإدارة مواردها المالية، ويتعلق بضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات على رأسها خفض دعم الطاقة وتعديل أسعار الكهرباء والوقود بالزيادة
وعليه فمن المقرر أن تعلن الحكومة آلية تسعير بنزين 95، أقل الأنواع تلقيًا للدعم، في غضون شهر يناير/كانون الثاني الحاليّ، على أن يتم ربطه بالأسعار العالمية، كمرحلة أولية من المقرر أن تشمل بقية أنواع الوقود التي من المتوقع أن تكون في يونيو/حزيران القادم بعد رفع الدعم نهائيًا، ليتم التنفيذ الفعلي في سبتمبر/أيلول القادم، حسبما نقلت وكالة “بلومبيرج” عن مسؤول حكومي رفيع المستوى.
وفي السياق ذاته وضع البنك الدولي شروطًا مجحفة لمنح مصر قرض آخر قيمته مليار دولار أوائل ديسمبر الماضي مرتبط بتعزيز الحكومة المصرية لإدارة مواردها المالية، ويتعلق بضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات على رأسها خفض دعم الطاقة وتعديل أسعار الكهرباء والوقود بالزيادة، وهو ما كشفته وثيقة القرض.
القاعدة الاقتصادية تقول إن الطاقة هي قطار السلع والخدمات وعليه فإن أي زيادة في أسعار الوقود تنعكس طرديًا مع بقية المنتجات، ومن ثم تذهب التوقعات إلى قفزات جديدة في أسعار معظم السلع الأساسية التي لا يمكن للمواطن الاستغناء عنها، من كهرباء وغاز ومحاصيل زراعية وخدمات ولحوم وغيرها، هذا بخلاف توقعات ارتفاع نسبة التضخم بنسب تتراوح بين 3 إلى 4% تزامنًا مع رفع الدعم بصورة كلية عن الوقود.
ومن المتوقع خلال النصف الثاني من العام الحاليّ أن تبدأ الحكومة برفع أسعار تعريفة مياه الشرب والصرف الصحي بنسبة تتراوح بين 30% إلى 45% للمياه ومن 50 إلى 100% كنسبة من فاتورة المياه، وستأتي تلك الزيادة وفقًا لخطة الحكومة “غير المعلنة” لتحريك أسعار مياه الشرب لمدة خمس سنوات، حتى عام 2020.
الأمر ينعكس كذلك على وسيلة المواصلات الأرخص بالنسبة للمواطنين ذوي الدخل المحدود، مترو الأنفاق، الذي يستقله يوميًا 9 ملايين راكب من سكان القاهرة الكبرى، إذ إنه على الأرجح أن يشهد العام الحاليّ زيادة جديدة في أسعار تذاكر المترو الحاليّة التي تم رفعها بنسب تراوحت بين 250% إلى 300% في مايو/أيار للعام الماضي بحجة تعرض المرفق لخسائر فادحة.
توقعات بتحرير أسعار الوقود العام الحاليّ
الخبز في خطر
بعد تحرير سعر الدقيق في المخابز الخاصة في أعقاب قرار تعويم الجنيه قفزت أسعار الخبز الذي يعد السلعة الأكثر استهلاكًا من المصريين والملاذ الآمن للفقراء وغير القادرين على الحصول على أنواع الطعام الأخرى بصورة جنونية، ولم يعد أمامهم سوى الخبز المدعم كمنفذ وحيد.
لكن مع مرور الوقت وفي ظل خطة الإصلاح المقدمة من الحكومة لصندوق النقد فإن هناك مخططًا للتحول من الدعم العيني إلى النقدي، وهي الخطة التي دفع عدم جاهزية وزارة التموين إلى تنفيذها العام الماضي، إلا أن الربع الأول من العام الحاليّ من المفترض أن يشهد هذا التحول.
يسجل التضخم العام متوسط 17.8% في العام المالي 2018/2019 بدلًا من 11% ديسمبر العام الماضي، مع الإبقاء على معدلات الفائدة كما هي دون انخفاض
فوفق ما نشرته صحيفة “البورصة” المصرية نقلاً عن مصادها في وزارة التموين فإن الوزير علي مصيلحي شكل لجنة من الوزارة والهيئة العامة للسلع التموينية والأجهزة الرقابية لتحديد سعر عادل لرغيف الخبز، وهامش ربح للقمح والدقيق والخبز للقطاعين العام والخاص، وعليه سيُصرف لكل مواطن مبلغ مالي بهويته الشخصية بدلاً من الخبز.
خطورة مثل هذه الخطوة تتمحور في ترك المصريين لشراء الخبز بسعره الحر في الأسواق، وفي حال ارتفاعه في أي وقت وتحت أي مسمى وفق أسعار القمح ومتطلبات التشغيل فربما يجد الفقراء الذين يعتمدون عليه كسلعة رئيسية على موائدهم البسيطة أنفسهم غير قادرين على الحصول عليه.
يذكر أن التوقعات تشير إلى ارتفاع أسعار القمح خلال العام الحاليّ بسبب انخفاض صادرات أستراليا – رابع أكبر مُصدر للقمح عالميًا عام 2017- بنسبة 31.5% في العام 2018/2019، نتيجة لتراجع الإنتاج المحلي بمقدار الخُمس بفعل مخاوف الجفاف والطقس في شرق أكبر دول القارة الجنوبية وهو ما قد يعمق الأزمة مصريًا.
خطة حكومية لتحويل الدعم العيني للخبز إلى دعم نقدي
102.8 مليار دولار ديون خارجية
الأسبوع الأخير على وجه التحديد نشرت الصحف المصرية العديد من الأخبار المتعلقة بالموافقة على قروض خارجية لأجل مشروعات داخلية سواء داخل العاصمة الإدارية الجديدة أم خارجها، لعل أبرزها القروض الصينية التي فرضت نفسها على ساحة الاقتصاد المصري بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة.
الحكومة المصرية توقعت وصول الدين الخارجي 102.8 مليار دولار في العام المالي القادم 2019/2020، مقابل 98.8 مليار دولار بنهاية العام المالي الحاليّ الذي ينتهي بنهاية يونيو/حزيران القادم، حسبما أفادت وكالة “رويترز” بعد الإطلاع على وثيقة رسمية، يوليو الماضي.
ووفقًا لتقرير البنك المركزي المصري في أكتوبر الماضي، فقد وصل الدين الخارجي نهاية يونيو/حزيران منتصف 2018 إلى 92.6 مليار دولار، فيما تتوقع وصوله إلى 102.8 مليار دولار في العام المالي القادم 2019/2020، مقابل 98.8 مليار دولار بنهاية العام المالي الحاليّ الذي ينتهي بنهاية يونيو/حزيران القادم، حسبما أفادت وكالة “رويترز” بعد الإطلاع على وثيقة رسمية، يوليو الماضي، هذا بخلاف ما يقرب من 3 تريليونات جنيه ديونًا داخلية.
فوائد هذا الكم الهائل من الديون بلغت في موازنة العام الماضي 415 مليار جنيه بحسب وزير المالية وعليه يتوقع الخبراء ابتلاع بند “سداد الديون وأقساطها” لجميع الإيرادات العامة المصرية البالغة نحو 990 مليار جنيه سنويا، فرغم توقع الحكومة بداية العام المالي أن حصيلة بند “سداد الديون” سيبلغ 817 مليار جنيه خلال العام المالي المذكور، وأنه سيتم استقطاعها من إجمالي الإيرادات السابقة أي بما نسبته 82% من إجمالي الإيرادات، فإن فوائد أذون الخزانة المقدرة بـ14% من المرجح أن تزيد من عجز الموازنة بصورة كبيرة.
في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من كل تلك التحديات التي أقبعت عشرات الملايين في آتون الفقر والعوز أبرمت الحكومة عدد من صفقات السلاح التي تكلفت عشرات المليارات في وقت تشهد فيه العلاقات مع العدو المفترض “إسرائيل” تفاهمًا وتناسقًا غير مسبوق
توقعات وتحديات
في تقرير أعدته شركة بلتون للسمسرة والأوراق المالية عن أبرز التوقعات الاقتصادية للعام الجديد 2019، كشفت أن هناك 4 تحديات كبرى تواجه الاقتصاد المصري والموازنة العامة للدولة، لتحقيق مستهدفات العام المالي الحاليّ 2018/2019، تتعلق بمعدلات التضخم وأسعار الصرف وبرنامج الإصلاح الاقتصادي وأسعار الفائدة.
التقرير توقع أن يسجل التضخم العام متوسط 17.8% في العام المالي 2018/2019 بدلاً من 11% ديسمبر العام الماضي، مع الإبقاء على معدلات الفائدة كما هي دون انخفاض كما كان يروج البعض، مشيرًا إلى أن سعر صرف الجنيه سيشهد استقرارًا في العام المالي الحاليّ، حيث تبدو الضغوط منخفضة مع التدفقات النقدية الأجنبية القوية وصافي الأصول الأجنبية الكافية لدى البنك المركزي المصري، مع زيادة إيرادات السياحة إلى 11.1 مليار دولار، هذا إلى جانب تحسن الميزان النفطي.
أما فيما يتعلق ببرنامج الإصلاح الاقتصادي يتوقع التقرير أنه سيقود إلى تحقيق فائض أساسي أفضل من المقرر في الموازنة ( 2.4% من الناتج المحلي) غير أن العائدات المرتفعة لأذون الخزانة سيكون لها تأثير قوي على أهداف عجز الموازنة العمومية، هذا ومن المتوقع أن تحافظ الإيرادات الضريبية على نفس وتيرة النمو بنحو 34% على أساس سنوي وأن تسجل 758 مليار جنيه في العام المالي 2018/2019.
زيادة معدلات التضخم بحسب العديد من التقديرات
شبح الخصخصة
في إطار سياسة الإجهاز على محدودي الدخل وتركهم عرضة لأباطرة الرأسمالية المتوحشة من المقرر أن تبدأ البورصة المصرية خلال 2019 الطروحات الحكومية التي تم الإشارة إليها مارس 2018، حينما أعلنت الحكومة طرح حصص 23 شركة في غضون 30 شهرًا في البورصة.
تذبذب الأسواق خلال نصف العام الماضي الثاني كان وراء تأجيل طرح المرحلة الأولى الذي كان مقرر له أكتوبر/تشرين الأول الذي تضمن خمس شركات مملوكة للدولة هي: الإسكندرية للزيوت المعدنية (أموك)، والإسكندرية لتداول الحاويات، وأبو قير للأسمدة، والشرقية للدخان، ومصر الجديدة للإسكان والتعمير، ومن المقرر أن يتم طرحها في غضون الربع الأول من العام الحاليّ، كما أنه من المتوقع طرح العديد من الأدوات المالية الجديدة في البورصة خلال العام الجديد ومنها المشتقات المالية وبيع الأوراق المالية المقترضة.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من كل تلك التحديات التي أقبعت عشرات الملايين في آتون الفقر والعوز أبرمت الحكومة عدد من صفقات السلاح التي تكلفت عشرات المليارات في وقت تشهد فيه العلاقات مع العدو المفترض “إسرائيل” تفاهمًا وتناسقًا غير مسبوق في التاريخ المصري كله.
المؤشرات تذهب إلى أن دفتر الشيكات المصري سيظل مفتوحًا خلال 2019 لاعتماد المزيد من الصفقات التسليحية الأخرى من عدد من الدول على رأسها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا التي لا يكون تعزيز قدرات الجيش المصري هو الهدف الوحيد وراء إبرامها.